الإخلاص في فهمنا الخاطئ // عبد الله بن مرزوق القرشي

احمد ابوبكر
1435/06/10 - 2014/04/10 03:04AM
الإخلاص معنى شريف، يستعلي الإنسان فيه بمبادئه وأهدافه عن شهواته ودنياه، تنتصر فيه الروح وأشواقُها، على الجسد وشهواته. والإخلاص لله تعالى هو الطريق الوحيد لقبول العمل، فلن يقبل الله طاعة في الآخرة إلا بالإخلاص، ومن أشرك في عمله تركه الله وشركه. وأهمية الإخلاص لا تعني أن يتجرد الإنسان من ضروراته التي خلقه الله عليها، وما وُجد من تعارض بينهما، فإنه فهمٌ خاطئ للإخلاص، وليس الإخلاص المأمور به شرعًا، مثال ذلك: الذكر الحسن، فإن حبه فطرة مغروسة في النفس البشرية، لا يجوز أن تكون هي هدفه الذي يعمل من أجله، بل يعمل من أجل الله ورضوانه، ولا يمنع بعد ذلك أن يفرح بالذكر الحسن، وكان من دعاء إمام الموحدين، إبراهيم -عليه السلام-: «وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ»[الشعراء : 84]، يقول ابن جرير -رحمه الله- في تفسير هذا الدعاء:»واجعل لي في الناس ذكرًا جميلا وثناء حسنا، باقيا فيمن يجيء من القرون بعدي»، فمن فهم أن الإخلاص يعني عدم الفرح بالذكر الحسن، وعدم الحرص عليه، والدعاء به، فقد فهم الإخلاص على نحوٍ مختلف عن فهم إبراهيم- عليه السلام- الذي تعلمنا التوحيد تأسيا به، وبالأنبياء معه. وفي سورة مريم يخبر تعالى أنه جعل له ولذريته لسان صدق في الآخرين: «وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا «[مريم: 49-50]. كذلك جاء في سورة الصافات، وربنا يذكر مِنَّته على عباده الأنبياء، ويُغري عباده أن يسلكوا طريقهم؛ لينالوا جزاءهم الجميل، وعاقبتهم الكريمة: «وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ *سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ * كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ»[ الصافات: 108- 111]. قال ابن جرير-رحمه الله-: «يقول تعالى ذكره: وأبقينا عليه فيمن بعده إلى يوم القيامة ثناءً حسنا». وذكر مثل ذلك لغيره من الأنبياء، فالثناء الحسن، ولسان الصدق حبُّه مغروس في النفس، وطريقه طاعة الله، وأن يقدم مرضاة الله على مرضاة خلقه. ومما هو مغروس في النفس البشرية، حب المال والمغانم، وقد جاءت النصوص الكثيرة في أهمية الإخلاص حال الجهاد، كما جاء في الحديث: «يا رسول الله الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قاتل لتكون كلمة الله أعلى فهو في سبيل الله»( متفق عليه)، فهل يُفهم من هذا أن ينسلخ من بشريته، حتى يصبح المال والغنيمة أخذها وتركها سواء؟ وهل يستطيعه الإنسان ولو تكلف ذلك وطلبه؟ سادةُ المخلصين من هذه الأمة اختلفوا بعد بدر على الغنيمة، ومن انسلخ من بشريته في حب المال، لن يحرص عليه، فضلًا عن الاختلاف عليه: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ۖ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ»[ الأنفال: 1]، وقد ذكر الله في سورة الفتح تزكية الإخلاص في قلوبهم، مع ما كانوا يرجونه من الغنيمة: «فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا* وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَٰذِهِ «[ الفتح: 18-20]. فيبقى مع الإخلاص لله في الجهاد حبٌ بشري للغنيمة والمال، لا يُشترَط في الإخلاص التطهر منه، إنما يكون تابعًا لا متبوعًا. ومثل ذلك يقال في باقي الشهوات، مثل المنصب، والنساء، والأولاد، وغيرها، ولن تجد شهوة إلا وهي مخلوقة لبقاء الحياة أو عمارتها، ولا يمكن أن تأتي الشريعة لاستئصالها بالكلية، إلا على وجه الرهبانية المبتدعة التي لم يكتبها الله على عباده، فمن استرسل مع الشهوات غوى، ومن استأصلها بالكلية غلا، ومن هذبها وزكاها رشد واهتدى.
المشاهدات 1087 | التعليقات 0