الإخبار ببعض من أهلكهم الله بالسيول والأمطار
الشيخ محمد بن حسن القاضي
الإخبار ببعض من أهلكهم الله بالسيول و الأمطار خطبة 12صفر 1446
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون} [سورة آل عمران:102].
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء:1]. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) } [سورة الأحزاب:70-71].
أما بعد:
اعلموا أنَّ خير الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد صلى عليه وعلى آله وصحبه وسلم, وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد معاشر المسلمين! يقول رب العالمين في كتابه الكريم: { وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [سورة الفتح:4] ويقول سبحانه وتعالى: { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَر} [سورة المدثر:31] فالله عز وجل له جنود السماوات والأرض، وله التصرف المطلق، والملك العام سبحانه وتعالى، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وله سبحانه من في السماوات ومن في الأرض الكل في قبضته، والكل تحت أمره سبحانه وتعالى، ألا وإن من جنود الله عز وجل، التي يرسلها الله عز وجل على العباد متى شاء سبحانه وتعالى، الماء، فالماء من جنود الله عز وجل، الذي يجعله الله، نقمة متى ما شاء، مع أنه قد جعل الماء نعمة، وجعله سببا في حياة كل شيء، ولكن متى ما أراد سبحانه أن يجعل هذا المطر وأن يجعل هذا الماء نقمة وبلية فإنه يجعله سبحانه وتعالى.
ألا وإن من أنواع أمطار العذاب التي ينزلها الله عز وجل؛ أن يكون هذا المطر مصحوباً بالبرد، فهذا من أنواع أمطار العذاب، قال ربنا في كتابه الكريم: { وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ} [سورة النور:43] فهذا من أنواع العذاب إذا كان مصحوباً بالبرد فقد يكون عذابا.
وكذلك أيضا من أنواع مطر العذاب، أن يكون مصحوباً بالبروق الشديدة، ومصحوباً بالرعود الشديدة، والعواصف، فهذا أيضا من العذاب: قال ربنا في كتابه الكريم: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِىءُ السَّحَابَ الثِّقَال (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَال (13) } [سورة الرعد:12-13] فهذا أيضا من أنواع العذاب.
كذلك أيضا: أن يكون هذا المطر مصحوباً بالرياح العواصف، قال ربنا في كتابه الكريم: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيم (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِين (25) } [سورة الأحقاف:24-25] فهذا أيضا من أنواع العذاب، ويقول ربنا: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَار} [سورة النور:43] فالبروق، والرياح، والبرد، كل هذا من أنواع مطر العذاب.
ألا وإني ذاكر في مقامي هذا بعضاً من أخبار من أهلكهم الله عز وجل، بأنواع من أمطار العذاب.
ألا وإن أول قوم أهلكهم الله بهذا المطر مطر العذاب، قوم نوح عليه السلام، فقوم نوح عليه السلام، لما عاندوا، وأعرضوا، وكذبوا، ولم يستجيبوا لنبيهم، أنزل الله عليهم عذابه، وأنزل الله عليهم عقابه سبحانه وتعالى، قال ربنا في كتابه الكريم: {وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا} [سورة الفرقان:37] فانظروا إلى هؤلاء لما لم يؤمنوا، ولما لم يستجيبوا لنبيهم الذي دعاهم إلى الله سرا وجهارا، والذي صبر عليهم، ومكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، قال الله في كتابه الكريم: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِر} [سورة القمر:9] فلما حصل هذا التكذيب أخبر الله أن ما حصل بعد ذلك، قال سبحانه: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِر (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِر (11) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِر (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُر (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِر (14) } [سورة القمر:10-14] فانظروا إلى هؤلاء القوم لما كذبوا، وأعرضوا، وعاندوا، ماذا كانت العقوبة، قال الله: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِر} [سورة القمر:11] ومعنى منهمر؛ أي متدفق، وبقوة، وبغزارة، وما كان بهذا المعنى، قال ربنا: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِر (11) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِر (12) } [سورة القمر:11-12] فاجتمع الماء من فوق ومن تحت، وعند ذلك جاء الغرق، قال ربنا في كتابه الكريم: {حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيل (40) وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيم (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِين (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِين (43) } [سورة هود:40-43] فانظروا إلى هذا العذاب الذي عم الأرض كلها، وأباد الأرض كلها، ولم ينج إلا من آمن، ومن كان مع نوح في السفينة، فهذا أول غرق حصل على وجه هذه الأرض.
وكذلك أيضا: من الأمم الغابرة والأقوام السالفة الذين أهلكهم الله بالأمطار المتكاثرة، والسيول الجارفة، قوم عاد، الذين هم قوم نبي الله هود عليه السلام، فلما حصل منهم الإعراض، والعناد، والاستكبار، جاءهم العذاب في هيئة المطر، قال ربنا في كتابه الكريم: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيم (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِين (25) } [سورة الأحقاف:24-25] مصيبتهم العناد والاستكبار، وعدم الطاعة لله ولرسولهم، الذي أرسله الله إليهم، أخبر الله عن دعوته قال سبحانه: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم (21) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِين (22) } [سورة الأحقاف:21-22] فانظروا إلى عنادهم، وإعراضهم، فعند ذلك جاءهم العذاب، وإذا جاء أمر الله فلا مرد له، ولا معقب له، فأنزل الله عليهم ذلك العذاب، وأهلكهم ودمرهم سبحانه وتعالى.
وكذلك أيضاً: ممن أهلكهم الله عز وجل بالأمطار قوم شعيب عليه السلام، أخبر الله عز وجل فقال: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم} [سورة الشعراء:189] ومعنى عذاب يوم الظلة؛ أي أن الله عز وجل أرسل عليهم ظلة وسحابة في السماء، وقد كان أرسل عليهم الحر الشديد، فلم يستطيعوا أن يبقوا في البيوت، ولم يستطيعوا أن يبقوا في مدنهم وقراهم، فخرجوا يبحثون عن شيء للراحة والاستراحة، فأرسل الله عليهم سحابة، فكانت هذه السحابة فوق رؤوسهم، فلما مكثوا تحتها وجدوا لها برداً ولذة، فتنادوا فيما بينهم أن هلموا إلى هذه السحابة، فاجتمعوا تحتها؛ فلما اجتمعوا تحتها أمطرت عليهم نارا، هذا القول قاله الإمام الكبير حبر القرآن ابن عباس رضي الله تعالى عنه وغيره من المفسرين، فهذا المطر كان من نوع آخر إنه بالنار.
وكذلك أيضا: من الأمم الغابرة، والأقوام السالفة، الذين أهلكهم عز وجل، بهذه الأمطار والسيول، قوم لوط عليه السلام، فقوم لوط أرسل الله إليهم نبيه لوط عليه السلام، فدعاهم إلى الله وإلى عبادة الله، وحذرهم من إتيان الذكران، لكنهم عصوا، وعاندوا، واستكبروا، فجاءهم العذاب، ونزل أمر الله عز وجل، قال ربنا في كتابه الكريم: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِين} [سورة الشعراء:173]وقال ربنا في كتابه الكريم: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِين} [سورة الأعراف:84] وقال ربنا:{وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لاَ يَرْجُونَ نُشُورًا} [سورة الفرقان:40] وقال ربنا في كتابه الكريم: {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُود (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيد (83) } [سورة هود:82-83] فجاءهم العذاب؛ ولكنه مطر من نوع آخر؛ إنه مطر بالحجارة، أرسل الله عليهم حجارة من السماء فأهلكتهم وأبادتهم، وأخبر الله عن بعض العصاة أنهم قالوا: {اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم} [سورة الأنفال:32] فالله على كل شيء قدير، وإذا أراد الله شيئا كان سبحانه وتعالى.
أستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم
*الخطبة الثانية*
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، أما بعد: ومن الأقوام السالفة، الذين أهلكهم الله بالأمطار المتكاثرة، وبالسيول الجارفة، قوم سبأ الذين كانوا يسكنون في اليمن، هؤلاء القوم أعطاهم الله من النعم، ودفع الله عنهم النقم، فلما أعرضوا، واستكبروا، جاءهم أمر الله، قال ربنا في كتابه الكريم: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُور (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيل (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُور (17) } [سورة سبأ:15-17] فانظروا ماذا تعمل المعاصي، وماذا يعمل الكفر، تتحول النعم إلى نقم، وتزول النعم، وتذهب النعم؛ بسبب الكفر بالله، والإعراض عن شكر الله عز وجل، لما أراد الله إهلاكهم، أرسل الله عليهم السيل، وهذا السيل هو من تجمع مياه الأمطار، وكان هذا السيل يجتمع في سد عظيم قد بنوه، فلما أراد الله عز وجل هلاكهم، زاد منسوب المياه في هذا السد فانفجر السد عليهم فأهلكهم، أو سلط الله على هذا السد ما يكون سببا في خرابه، فانفجر هذا السد وجاء الهلاك، فلا يأمن الإنسان مكر الله عز وجل، ويبتعد عن معاصي الله؛ فإن معاصي الله سبب لزوال نعم الله.
وقد ذكر صاحب كتاب غاية الأماني، أنه في القرن السادس الهجري، حصلت أمطار عظيمة عمت اليمن بأكمله؛ إلا أن هذا المطر كان شبيه بلون الدم، وهذا من العقوبات التي ينزلها الله إذا شاء سبحانه وتعالى، وذكر أيضا، أنه في القرن السادس الهجري أيضا، حصل أنه في إحدى القرى في تهامة، ارتفعت سحابة عظيمة حتى صارت فوق القرية ثم أنزلت عليهم ذلك الماء مع عواصف شديدة، ورياح شديدة، حتى اقتلعت تلك القرية إلى مسافة خمسة أميال والله على كل شيء قدير، نسأل الله السلامة واللطف بعباده.
وهكذا ذكر الخزرجي رحمه الله تعالى، في كتابه الدرر اللؤلؤية في تاريخ دولة الرسولية، أنه حصل في القرن السابع الهجري أمطار عظيمة، وأن وادي زبيد أخذ بعض القرى، حتى ذكروا أنه أخذ أكثر من مئة وخمسين نفسا، وهكذا ذكروا أيضا: أنه حصل في صنعاء سيل عظيم، وأنه هدَّم كثيرا من البيوت ما يقارب ستة آلاف بيت، والله على كل شيء قدير، فالله عز وجل إذا أراد أن ينزل عقوبته فلا شيء يقف أمامه .
وسمعتم ورأيتم ما حصل في هذه الأيام من أمطار غزيرة، ورأيتم وشاهدتم أنه اقتلع بعض القرى، وأنه أخذ بعض القرى، وأخذ كثيراً من المواشي، وأخذ كثيراً من البشر إلى غير ذلك من الأحوال التي ترون، لا نأمن أن ينزل الله علينا عذابه، المطلوب أن تكون هذه الأحوال زاجراً لنا للتوبة إلى الله، والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى.
ما يقوله بعض من لا يفقه في دين الله، أن هذه كوارث طبيعية، وأن هذا تغير مناخ، وأن هذا كذا وكذا، هذا فهم من لم يفهم الشريعة، ومن لم يفقه في دين الله، هذه آيات يرسلها الله عز وجل ليعتبر العباد، ويستقيم العباد، وليرجع العباد إلى ربهم سبحانه وتعالى، ليست مجرد تغير مناخ، أو مجرد كوارث طبيعية، بل هي ابتلاءات من الله عز وجل.
ألا وإننا ندعو المسلمين إلى أن يراجعوا أمر دينهم، وأن يستقيموا على شرع الله عز وجل، وندعوا المسلمين جميعا إلى الرحمة، والتعاون، والتآخي، والتآزر، فيما بينهم، فهذه الأحوال تأتي لتبين من الصادق في أُخوته، ومن المتعاون، ومن يحب الخير للآخرين، ومن لا يبالي بأمر المسلمين، أحوال عصيبة يمر بها من أُصيبوا بهذه البلايا، فالمطلوب التعاون، ولفت الأنظار خصوصاً من قِبل الحكومة، ومن قِبل الهيئات التي تقوم برعاية هؤلاء، فهؤلاء لهم حقوق عظيمة، وهؤلاء من رعيتهم، فعليهم أن يتقوا الله وأن يراقبوا الله، وأن يحسنوا إلى عباد الله، وأن يقوموا بواجبهم الذي أوجبه الله سبحانه وتعالى.
كما أننا أيضا ندعو المتضررين إلى أن يلجؤوا إلى الله، بكثرة الدعاء، والإقبال على الله عز وجل، وأيضاً بأخذ الاحتياطات، والأسباب التي تدفع عنهم بإذن الله عز وجل، فيبتعد هؤلاء عن مجال السيول، وهكذا أيضا: يسعون إلى ما يكون سبباً في تخفيف الضر عنهم بقدر المستطاع.
وكذلك أيضا: نحذر من لا ينتبه لهذا، فبعض الناس خصوصاً الشباب لما يحصل الأمطار الغزيرة، ولما تأتي السيول، بعض الشباب المتسرعين يذهب لينزل في السيل، أو لينزل في الماء على أنه يجيد السباحة، خصوصاً في السدود والبِرك وغير ذلك، فبعضهم يذهب للسباحة فيؤدي ذلك إلى وفاته، كما حصل وتسمعون كثيراً من هذه الأحوال، فنقول لهؤلاء التعقل، والاتزان، والبعد عن الطيشان، أيضا قد يكون في هذا الماء وحل، فإذا نزل الشخص يمسك به الوحل ولا يستطيع أن يخرج، وإن كان يجيد السباحة؛ لكن قد يغرق فهذا ليس كماء البحر، فماء البحر يختلف عن ماء السيول الذي يسحب ما يسحب من الطين والوحل وغير ذلك، فالمطلوب التعقل والاتزان، كذلك أيضا: الإنتباه من قبل الآباء للأبناء من الذهاب إلى الأماكن المليئة بالمياه؛ لأنه قد يغرق، أو قد يصاب ببعض الأمراض وغير ذلك.
وندعوا السائقين إلى أن يتعقلوا ويتركوا الطيش الذي هم فيه، من الدخول إلى السيول، والوديان، بغير انتباه، فالسيل كم أخذ من السائقين، وكم أخذ من السيارات؛ بسبب التهور والطيشان والتعجل، هي دقائق انتظر، اصبر، لا تكن مجنونا ولا طائشا إلى هذه الدرجة، أعطاك الله عقلاً، وسمعاً، وبصراً، فلما السرعة، ولما العجلة، ولما الطيش، كن عاقلا، روحك أغلى من الدنيا وما فيها، وأرواح من معك، فلا تخاطر بنفسك، ولا تخاطر بمن معك.
أسأل الله بمنه وكرمه، وفضله وإحسانه، أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يجنبنا ما يكره وما يأبى، أسأل الله أسأل الله أسأل الله أن يرفع عنا غضبه، أسأل الله أن يرفع عنا غضبه، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم وبلاء وغرق، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم وبلاء وغرق، اللهم إنك تعلم أحوالنا، فالطف بنا يا أرحم الراحمين، اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام، والضراب، وبطون الأودية، اللهم رحماك بالبلاد والعباد، اللهم كن للمسلمين المتضررين في كل مكان، اللهم كن لإخواننا الذين أُصيبوا بالسيول في تهامة وفي غيرها، اللهم كن لهم خير معين، وعوضهم يا رب العالمين، واربط على قلوبهم، يا أكرم الأكرمين، اللهم إنا نسألك وأنت خير من سئل، أن تعز الإسلام والمسلمين، وأن تنصر إخواننا في فلسطين، على اليهود الغاصبين، وأن تدفع عن المسلمين كيد اليهود الكائدين، والماكرين يا رب العالمين.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، وقاعدين، وراقدين، وأقم الصلاة.
المرفقات
1725214170_الإخبار_ببعض_من_أهلكهم_الله_بالسيول_والأمطار_خطبة_في_مسجد_الرحمن.pdf