الإحسان في أوامر الملك سلمان (وفقه الله)

ناصر العلي الغامدي
1436/04/10 - 2015/01/30 08:54AM
الإحسان في أوامر الملك سلمان
الحمدُ للهِ المنَّان، الحمدُ للهِ عظيمِ الشان، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ المُتفضِّلُ بالمنِّ والإحسان، وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه سيِّدُ ولد عدنان، اللهم صلِّ عليه وعلى آله وأصحابِهِ أهل التقوى والإيمان، وسِّم تسليمًا كثيرًا.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
أيها الإخوة المسلمون: الإحسانُ خلقٌ جميلٌ، ومسلكٌ نبيلٌ، ومبدأٌ أصيل، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}، وقال سبحانه: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. وقال عزَّ وجلَّ: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}. وقال r: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» رواه البيهقي وحسَّنه الألباني.
وأهلُ الإحسانِ همُ الفائِزون بمحبَّة الله، قال سبحانه: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، أصحابُ الإحسان هم السُّعداءُ بمعيَّة الله، قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}.
أيها المسلمون: من الإحسان الواجِبِ: مُعاشَرةُ المُسلمين بالحُسنى، ومُعاملتُهم المُعاملةَ الفُضلَى، خاصَّةً الوالدَيْنِ والأقارِبَ، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً}، وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}، وقال سبحانه: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وقال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}
عباد الله: ومن عظيم الإحسان: بَذلُ المعروفِ بشتَّى صُوره قال r مُعلِّمُ البشريَّةِ الإحسانَ: «كلُّ معروفٍ صدَقَةٌ» متفق عليه، وقال r: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» رَوَاهُ مُسلم
أيها الناس: ومن الإحسان الواجب: أنَّ كلَّ راعٍ مِنْ حاكمٍ أو أميرٍ أو وزيرٍ أو غنيٍّ أو ولي أمرٍ أو نحوه، يجبُ أن يقُودَ رعِيَّتَه وَفقَ قاعدة العدلِ والإحسانِ، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}
فيكونُ بهم رحيمًا رفيقًا، للصغير أبًا، وللكبير ابنًا، وللمِثلِ أخًا، {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}. قال عثمانُ t: "صحِبنا رسولَ الله r في السَّفَر والحَضَر، كان يعودُ مرضانا، ويتَّبِعُ جنائِزَنا، ويغزُو معنا، ويُواسِينا بالقليل والكثير"؛ رواه أحمد بإسنادٍ صحيحٍ. بل إنه r كان يُؤثِرُهم على نفسِه. إنه الإحسانُ الذي قال عنه عمرُ الفاروقُ t وهو مضرِبُ مثَلٍ أعلى في العدل والإحسان بالرَّعِيَّة، قال: "لئن سلَّمَنِيَ اللهُ لأدَعَنَّ أرامِلَ أهلِ العراقِ لا يحتَجْنَ إلى رجُلٍ بعدي أبدًا" رواه البخاري. وصدَقَ، فهو الذي يدخلُ على عجوزٍ من عجائزِ المدينة، يحمِلُ عنها الكلَّ، ويُوصِلُ إليها الماءَ، وهي لا تعرِفُ من هذا الرجل. إنه الإحسانُ الذي يحدُوهُ إلى الشَّفَقَة بالرَّعِيَّةِ، ومُراعاة مصالِحِهم، ودفعِ كل ما يشُقُّ عليهم.عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسولَ الله r يقول «اللهم من ولِيَ من أمر أُمَّتي شيئًا فشقَّ عليهم فاشقُق عليه، ومن ولِيَ من أمر أمَّتي شيئًا فرَفَقَ بهم فارفُق به» رواه مسلم.
عباد الله: هنيئاً للملوك العادلين في رعيتهم، إن أجَلّ الناس قدراً وأعظمَهم أجراً الولاةُ المقسطون قال r: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا» رواه مسلم وغيره. وما نالوا هذه المنزلة الرفيعة إلا لكثرة ما يجري على أيديهم من إقامة الحق, ودفع الباطل, وجلب المصالح, ودرء المفاسد، فإنَّ أحدهم يقول الكلمة الواحدة أو يكتبُها بجرَّة قلمٍ، فيدفع بها مظالمَ جسيمةً, وشرورًا وخيمةً، ويتحقَّق بها مصالحُ عظيمةً.
عباد الله: إن جملة الأوامر الملكية التي أصدرها البارحةَ خادمُ الحرمين الشريفينِ الملكُ سلمانُ وفَّقه الله، ابتهج لها الناسُ في الجملة، فيها عدلٌ وإحسان، وبرٌّ وأمان، نسأل الله Y أن يجزي وليَّ أمرنا خيرَ الجزاء، وأن يجعل فيها الخير والنفع للعباد والبلاد، والحاضر والباد، والكبير والصغير، الغني والفقير، والذكر والأنثى، والمواطن والوافد والمقيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ربّ العالمين. وأشهد ألا إله إلا الله الملك الحقُّ المبين، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه الأمين، اللهم صلِّ وسلِّمْ عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. وبعد: فاتقوا الله عباد الله، وأحسنوا إنَّ الله يحبُّ المحسنين.
أيها المحسنون: من تأمل تيكم الأوامرَ الملكية تبيَّنَ له أنَّ الدنيا لا تبقى على حال، وأنَّ المناصب إلى زوال، وأنَّ كلَّ إنسانٍ في ارتحال، فينبغي أنْ يُحْسِنَ تَحَسُّبًا للمآل، حتى لا يتحسَّرَ فيُردِّدَ المقال: {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ}.
أخبروني يا ناس: أين السابقون؟ أين الأوَّلون؟ أين الراحلون؟ أين المنتهون؟ أين الأمراء والوزراء والسفراء والأثرياء والأقوياء والأسوياء؟ أليسوا قد رحلوا؟ أليسوا قد ماتوا؟ أليسوا قد انتهوا؟ {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}. أيها الناس الأحياء، أيها الملوك والأمراء: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}، و{هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ}.
يا مسلم يا طالب يا أستاذ يا شيخ يا عالم يا موظف يا مسؤول! أحسنْ، إنَّ اللهَ يحبُ المحسنين. اعدلْ، إنَّ الله يأمرُ بالعدل والإحسان. راقبِ اللهَ في الأمانات التي أنيطت بالرقاب، {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}.
يا مسلم! أتدري كيف تُحسن؟ أتدري ما الإحسانُ؟ خُذِ الجوابَ بالسند العالي من أعظم المفتين من المخلوقين: سأل جبريلُ u وهو العليمُ رسولَ الله r وهو الرحيم، فقال: يا رسولَ اللَّهِ ما الإحْسانُ؟ قال r: «الإِحْسَانُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» متفق عليه
أسأل الله تبارك وتعالى أن يديم علينا نعمة الأمن والأمان, وأن يجمع قلوب أهل هذه البلاد على طاعته, وأن يجعل ولاة أمورها هداة مهتدين, غير ضالين ولا مضلين, وأن يهيئ لهم البطانة الصالحة التي تعينهم على الحق وتدلهم عليه.
كما أسأله تبارك وتعالى أن يوفق الموظفين والمسؤولين وجميع المسلمين لما يحبه تعالى ويرضاه, وأن ينفع بهم العباد والبلاد, إنه جواد كريم.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات

الإحسان في أوامر الملك سلمان.pdf

الإحسان في أوامر الملك سلمان.pdf

المشاهدات 2587 | التعليقات 1

كتبتها على عجلٍ
مستفيدًا ممن سبقني
إلى كتابتها
فجزاهم الله كل خيرٍ