الإحسانُ إلى الخلقِ ونفعُهم-28-7-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ مبارك العشوان

محمد محمد
1445/07/27 - 2024/02/08 13:40PM

الإحسانُ إلى الخلقِ ونفعُهم-28-7-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ مبارك العشوان

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

 وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

قَالَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّـمَ-: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ".

نَفْعُ النَّاسِ، بِالإِحْسَانِ إِلَيهِمْ؛ وَقَضَاءِ حَوَائِجِهمْ، وَالتَّيْسِيرِ عَلَيهِمْ، وَتَنْفِيسِ كُرُبَاتِهِمْ؛ وَسَتْرِ عُيُوبِهِمْ، عِبَادَةٌ مِنْ أَجَلِّ العِبَادَاتِ، حَثَّ عَلَيهَا ديننُا العظيمُ، وَأَوْفَى الجَزَاءَ لِأَهْلِهَا.

نَفْعُ النَّاسِ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ؛ وَجَّهَ إليهَا رَسُولُ اللهِ-صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلمَ-فَقَالَ: "كُلُّ سُلَامَى (مَفْصِلٍ وعظمٍ) مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُه عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ".

كانَ رَسولُ اللهِ-صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-في سَفَرٍ، فَصَامَ بَعْضُ أصحابِهِ، وَأَفْطَرَ بَعْضُهم، فَتَحَزَّمَ المُفْطِرُونَ وَعَمِلُوا (شّدُّوا أوْساطَهم بِأَحْزِمَتِهم وخَدَمُوا الصَائِمِينَ)، وَضَعُفَ الصُّوَّامُ (ضَعُفَ الصَائِمُونَ بسببِ الجوعِ والـحَرِّ والسفرِ)، عن بَعْضِ العَمَلِ، فقالَ رَسولُ اللهِ-صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-: "ذَهَبَ المُفْطِرُونَ اليومَ بالأجْرِ".

نَفْعُ النَّاسِ مِنْ مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ؛ تَخَلَّقَ بِهَا الأَنْبِيَاءُ-عَلَيْهِمْ الصلاةُ والسلامُ-قَالَ اللهُ-تَعَالَى-عَنْ مُوسَى-عَلَيهِ السَّلامُ-: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ).

ووردَ في حَدِيثِ أُمِنا عَائِشَةَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-فِي بَدْءِ الوَحْيِ: "أّنَّ النَّبِيَّ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-قَالَ لأُمنا خَدِيجَةَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: "لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي"، فَقَالَتْ: كَلَّا وَاللهِ مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ (تُساعِدُ الضعيفَ)، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ (تَتَصَدَقُ بالمالِ لِمن عُدِمَه)، وَتَقْرِي (تُكْرِمُ) الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ...".

وَكَمَا أنَّ نَفْعَ النَّاسِ خُلُقٌ كَرِيمٌ؛ فَهُوَ كَذَلِكَ سَبَبٌ لِلنَّصْرِ وَالنَّجَاةِ؛ يَقُولُ شَيخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ-رَحِمَهُ اللهُ-عِنْ هَذَا الحَدِيثِ كلامًا معناه: فَاسْتَدَلَّتْ أُمُّنا خديجةُ-رضيَ اللهُ عنها-بِعَقْلِهَا وفطرتـِها عَلَى أنَّ مَنْ أنعمَ اللهُ بـهَذِهِ المَحَاسِنِ وَالمَكَارِمِ، وجَعَلَهَا مِنْ أعْظَمِ أسْبَابِ سعادتِهِ، فَلَنْ يكونَ مِنْ سُنَّةِ اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ أنْ يُخْزِيَهُ؛ بَلْ يُكْرِمُهُ وَيُعَظِّمُهُ...

نَفْعُ النَّاسِ وَالإِحْسَانُ إِلَيهِمْ سَبَبٌ لِسَعَادَةِ المُحْسِنِ، قالَ ابنُ القَيِّمِ-رَحِمَهُ اللهُ-متحدثًا عَنْ أَسْبَابِ شَرْحِ الصُّدُورِ: "وَمِنْهَا: الْإِحْسَانُ إِلَى الْخَلْقِ، وَنَفْعُهُمْ بِمَا يُمْكِنُهُ مِنَ الْمَالِ وَالْجَاهِ، وَالنَّفْعِ بِالْبَدَنِ، وَأَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ، فَإِنَّ الْكَرِيمَ الْمُحْسِنَ أَشْرَحُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَطْيَبُهُمْ نَفْسًا، وَأَنْعَمُهُمْ قَلْبًا، وَالْبَخِيلَ...أَضْيَقُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَنْكَدُهُمْ عَيْشًا، وَأَعْظَمُهُمْ همًّا وَغَمًّا...".

جَعَلَنِي اللهُ وإيَّاكُمْ والمسلمينَ مِنَ المُحْسِنِينَ فِي عِبَادَتِهِ، المُحْسِنِينَ لِعِبَادِهِ.

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فما أجلَّ نَفْعَ النَّاسِ وما أجملَه؛ بِمَا يَسَّرَ اللهُ، صَاحِبُ العِلْمِ يُحْسِنُ بِهِ؛ ينْشُرُهُ فِي النَّاسِ، وَيَرْفَعُ عَنْهُمُ الجَهْلَ، خَاصَّةً فِيمَا يحتاجونَ إِلِيهِ مِنْ مَسَائِلِ: العَقِيدَةِ، وَالعِبَادَاتِ، وَالمُعَامَلَاتِ، ويأْمُرِهم بِالمَعْرُوفِ، ويَنْهَاهُم عَنِ المُنْكَرِ، وَيَتَرَفَقُ بِهِمْ، وَيَصْبِرُ عَلَيهِمْ.

وَمِنْ وُجُوهِ النَّفْعِ وَالإِحْسَانِ: تَطْيِيْبُ النُفُوسِ، وَإِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى القُلُوبِ، وَتَعْزِيَةُ المُصَابِ، وَمُوَاسَاةُ الحزينِ، بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، أَوْ دعوةٍ صالحةٍ.

وَمِنْ وُجُوهِ النَّفْعِ وَالإِحْسَانِ: رُقْيَةُ المَرِيضِ، الرُّقْيَةَ الشَّرْعِيَّةَ؛ قَالَ جَابِرٌ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: كَانَ لِي خَالٌ يَرْقِي مِنَ الْعَقْرَبِ، فَنَهَى رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عَنِ الرُّقَى، قَالَ: فَأَتَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى، وَأَنَا أَرْقِي مِنَ الْعَقْرَبِ، فَقَالَ: "مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ".

وَمِنْ وُجُوهِ النَّفْعِ وَالإِحْسَانِ: الشَّفَاعَةُ الحَسَنَةُ؛ فَمَنْ كَانَ صاحبَ جَاهٍ وَمَكَانَةٍ؛ فَلْيَنْفَعْ به النَّاسَ؛ "كَانَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلمَ-إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ، قَالَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ-صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ-مَا شَاءَ".

وَمِنْ وُجُوهِ النَّفْعِ وَالإِحْسَانِ: الإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، قَالَ اللهُ-تَعَالَى-: "لَا خَيْرَ فِي كَثِيـرٍ مِنْ نَجْـوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْـرُوفٍ أَوْ إِصْـلَاحٍ بَيْنَ النَّـاسِ وَمَنْ يَفْعَـلْ ذَلِكَ ابْتِغَـاءَ مَرْضَـاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيـهِ أَجْرًا عَظِيمًا".

وَمَنْ وَسَّعَ اللهُ عَلَيهِ بِالمَالِ؛ فَلْيُوَسِّعْ بِهِ عَلَى مُحْتَاجٍ، وَلْيُنَفِّسْ بِهِ عَنْ مَكْرُوبٍ؛ إِنْ كَانَ لَهُ دُيُونٌ عندَ الناسِ فَلْيَقْبَلْ مِنْ المُوسِرِ، وَلْيُنْظِرِ (يُؤَخِّرِ) المُعْسِرَ، أَوْ يُسْقِطْ عَنْهُ؛ قَالَ اللهُ-تَعَـالَى-: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

وَالْعَفْوُ عَنِ النَّاسِ مِنْ أَعْظَمِ وُجُوهِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، قَالَ-تَعَالَى-: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).

إخواني: وَوُجُوهُ نَفْعِ النَّاسِ وَالإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ؛ فَتَلَمَّسُوا حَوَائِجَ النَّاسِ، وَاجْتَهِدُوا فِي قَضَائِهَا، وَلْيَكُنْ لِأَقَارِبِكُمْ أَوْفَرُ الحَضِّ مِنْ نَفْعِكُمْ وَإِحْسَانِكُمْ.

اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبلغنا وإياهم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.

اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1707418985_الإحسانُ إلى الخلقِ ونفعُهم-28-7-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ مبارك العشوان.docx

1707418985_الإحسانُ إلى الخلقِ ونفعُهم-28-7-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ مبارك العشوان.pdf

المشاهدات 789 | التعليقات 0