الإجلال والتقدير للشيخ الكبير

عبدالرزاق بن محمد العنزي
1443/06/10 - 2022/01/13 21:51PM

الخطبة الأولى : ( 11/6/1443هـ) الإجلال والتقدير للشيخ الكبير

  أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.                              

يقول ربنا تبارك وتعالى ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ فحين اختار الله الإنسان لعمارة الأرض جعل له من الحقوق ما ليس لغيره من الخلق وفاضل بين البشر بالحقوق بحسب عبوديتهم لربهم.                                     

فالإسلام يُعنى بالإنسان طفلاً، ويُعنى به صبياً، ويُعنى به شاباً، ويُعنى به كهلاً، ويُعنى به شيخاً، إنه يمضي مع الإنسان في رحلة حياته كلها، من المهد إلى اللحد، من صرخة الوضع إلى أنَّة النـَّزْع، يشرِّع لهذا الإنسان، ويوجهه في جوانب حياته كلها.                                           

قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً}   

هكذا لابد أن يصل الإنسان إذا لم يدركه الموت في الصِّغَر؛ أن يصل إلى الشيخوخة، والشيخوخة مرحلة ضعف، فيضعُف بعد قوة، وتقل حواسه من السمع والبصر، ويضعُف إدراكه، ويعتمد على عُكَّازةٍ بعد أن كان يمشي على رجلَيْه سليمتَيْن"!!.                                                          

والإنسان إذا بلغ من الكبر عتيّاً "ضعُف واحتاج إلى غيره، وقد عبَّر عن ذلك نبي الله زكريا، حينما قال: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً} .                                         

هذه طبيعة الإنسان، أن يَهِنَ عظمه، وتضعف قوته وحيلته، ويفتقر إلى معونة غيرِه. بعد أن كان هو الذي يعين غيرَه، ويعُول أولاده، أصبح في حاجة إلى معونة أولاده!!              

وهنا يوجب الإسلام لهذا الإنسان الضعيف حقوقاً مؤكدة، حقوقاً مادية وحقوقاً أدبية، فمن حق هذا الإنسان أن يعيش مكفول الحاجات المادية، لابد أن يوفَّر له مطعَمه، ويوفَّر له مشرَبه، ويوفَّر له ملبَسه، ويوفَّر له مسكَنه، وتوفَّر له أدويته، وكل ما يحتاج إليه. هذه الأمور لابد أن توفَّر له، وأول من ينبغي أن يوفِّر له هذا هو أسرته وأولاده؛ فله حقٌّ عليهم؛ كما أنه رباهم صغاراً، يجب أن يكفلوه كبيراً.                            

إخوة الإيمان:ومن حقِّ أهل الشيب أن يُوقَّروا ويُحترموا، ويُصغى لحديثهم، وتُقضى حوائجهم، مع تصديرهم في المجالس، وإيثار الأماكن لهم.                                                 

جاء شيخ غريب يريد النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأبطأ الناس أن يوسعوا له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا مَن لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا))؛ رواه الترمذي وغيره، وهو حديث حسن بشواهده.     

"ثم إن هذا الحق يعظم ويكبر من جهة ما احتف به؛ فإذا كان قريبًا فله حق القرابة مع حق كبر السن، وإذا كان جارًا، فإضافة إلى حقه في كبر سنه فله حق الجوار، وإذا كان مسلمًا، فله مع حق كبر السن حق الإسلام، وإذا كان الكبير أبًا أو جدًّا فالحق أعظم، بل إذا كان المسن غير مسلم فله حق كبر السن؛ إذ إن الشريعة جاءت بحفظ حق الكبير، حتى مع غير المسلمين، فلربما تكون رعايتك لحقه سببًا لدخوله في هذا الدِّين في مراحل حياته الأخيرة" أقول قولي هذا ،،،،                                               

الخطبة الثانية:                                                   

ومن الأدب الرفيع مع أهل المشيب: ألاَّ يتقدم الشاب بالحديث بين يديهم؛ إجلالاً لشيبتهم، واحترامًا لسنِّهم، وقد تمثل هذا الأدبَ الرفيع عبدُالله بن عمر رضي الله عنهما حينما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يسأل صحابتَه عن شَجَرةٍ مَثَلُها كمثل المؤمن، قال ابن عمر: "فوقع الناس في شجر البوادي، ووقع في نفسي أنها النخلة، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان؛ فكرهت أن أتكلم".                                                                          

ومن الأدب الرفيع مع أهل الشيب: إذا كُنتَ عِندَهم فاسكتْ، وإذا تَكلموا فأنصِتْ، وأطفئ جوالَكَ، وأجِّلْ أشغالَك، فذلكَ من احترامِهم وتوقيرِهم الذي هو من تَعظيمِ اللهِ-تعالى-، قالَ الرسولُ-عليهِ وآلِهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «إنَّ من إجلالِ اللَّهِ-تَبجيلِهِ وتَعظيمِهِ-إِكرامَ ذي الشَّيبةِ المسلمِ».                             

لنتذكر جميعاً قول الحق تبارك وتعالى: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ فإذا احترمنا الكبير، ورعينا حقوقه، يسر الله تعالى لنا في كِبَرنا مَن يرعى حقوقنا، جزاءً من جنس إحساننا، أما الإساءة فإن جزاءها الإساءة؛ جاء في الأثر:(مَن أهان ذا شيبة لم يمُتْ حتى يبعث الله عليه مَن يهين شيبه إذا شاب)وفي رواية: (ما أكرم شاب شيخًا لسنِّه، إلا قيَّض اللهُ له مَن يكرمه عند سنِّه). تلك بعض المعالم عن المشيب وأهله، وشيء من عِبره، وعظاته، وآدابه.                              

نسأل الله تعالى أن يبارك لنا في شيوخنا وكبارنا، وأن يثبِّتهم على الإيمان، ويزيدهم إحسانًا، ويزيدهم تقًى، ويُلبسهم لباسَ الصحة والعافية، ثم صلوا وسلموا،،،                                                             

المشاهدات 1824 | التعليقات 0