الإجازة بين التوفيق والحرمان

عبدالله بن رجا الروقي
1440/10/03 - 2019/06/06 10:39AM

الخطبة الأولى
الحمدلله الملك الحق المبين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لاشريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين - أما بعد فها نحن نعيش في أيام الإجازة الصيفية التي يستعد لها كثير من الناس، وتكثر فيها الأسفار بغرض الترفيه والنزهة فلأجل هذا أذكر إخواني بأمور تتعلق بالإجازة
فاعلم ياعبدالله أن الإجازة هي أيام تمضي من عمرك فاحذر أن تقضي شيئاً منها فيما حرَّم الله ، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
وقال ابن القيم رحمه الله: إذا كان العبد - وهو في الصلاة - ليس له من صلاته إلا ما عقل منها فليس له من عمره إلا ماكان فِيهِ بِالله ولله ا.هـ
وقال أيضاً: السنة شجرة، والشهور فروعها، و الأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل. ا.هـ
ومع عظيم شأن الوقت وما ينعم الله به على بعض عباده من الفراغ إلا أن كثيراً من الناس لايوفق لاغتنامه قال ﷺ : ( نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس الصحةُ والفراغ ) رواه البخاري.
وقوله: مغبون. أي: خاسرٌ فيهما كثير من الناس، وإنما يعرف قدرَ هاتين النعمتين من حُرِمهما.

عباد الله:
مما يجدر التنبيه إليه مايحدث بسبب كثرة السهر في هذه الإجازة من النوم عن الصلاة حتى يخرج وقتها وهذا منكر عظيم، فلنحرص على أداء الصلاة في أوقاتها في المساجد، قال تعالى ﴿ حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ ﴾ وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ﴾ واحذر من إضاعتها لئلا تكون ممن توعدهم الله بقوله تعالى:
﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ والغالب على متبعي الشهوات إضاعةُ الصلوات.
وقال ﷺ: الذي تَفوتُهُ صلاَةُ العَصْرِ، كأنَّما وُتِرَ أهْلَهُ ومالَهُ. متفق عليه.
أي كأنما فقد أهلَه وماله.

ومما يُحذر منه في هذه الإجازة ما يفعله بعض الناس من السفر إلى بلاد الكفار بقصد التنزه والسياحة وعادة ما تكون المنكرات ظاهرة في تلك البلاد، مما قد يؤثر على الدين والخلق ، وقد جاء الشرع بتحريم السفر إلى بلاد الكفر من غير ضرورة قال الشيخ ابن باز رحمه الله: صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: «أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين » وقد أخبر الله سبحانه عمن لم يهاجر من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام بأنه قد ظلم نفسه، وتوعده بعذاب جهنم في قوله سبحانه: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا*إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا * فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا} فأخبر سبحانه في هذه الآية أن الملائكة تقول لمن توفي من المسلمين في بلاد الشرك ولم يهاجروا: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟ بعدما أخبر سبحانه أنهم قد ظلموا أنفسهم بإقامتهم بين الكفار وهم قادرون على الهجرة، فدل ذلك على تحريم السفر إلى بلاد المشركين، وعلى تحريم الإقامة بين ظهرانيهم لمن استطاع الهجرة. انتهى كلام الشيخ ابن باز رحمه الله.

معاشر المسلمين
يقصد بعض الناس ديار المعذبين كمدائن صالح لأجل النزهة فما حكم زيارة هذه الأماكن ؟ والجواب عن هذا أنه لاتجوز زيارتها بقصد الفرجة والاطلاع لأن النبي ﷺ لما مر بمنازلِ ثمودَ قومِ صالحٍ - عليه السلام - قال: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم إلا أن تكونوا باكين » ثم قَنَّعَ رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي. رواه البخاري ومسلم.

عبادَ الله
من الأمور التي ينبه لها أنه لايجوز للمرأة السفر إلا مع ذي محرم قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : لا تسافرُ المرأةُ إلَّا معَ ذي محرمٍ. متفق عليه. وبعض الناس يتساهل في الإذن لبعض محارمه في السفر مع أختها وزوج أختها أو مع جماعة من النساء وكل هذا محرم لدلالة الحديث السابق عليه.
بارك الله لنا في القرآن والسنة ونفعنا بمافيهما من الإيمان والحكمة.


الخطبة الثانية:
الحمدلله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ،
أما بعد، فإن في النزهة في بلادنا مايغني عن السفر خارجها؛ فالسفر لأداء العمرة عبادة جليلة قال ﷺ : العمرة إلى العمرة كفارة لمابينهما. متفق عليه. والصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة وفي المسجد النبوي بألف صلاة.

ومن قصد المدينة فليحرص على الصلاة في المسجد النبوي، وليُصلِّ كذلك في مسجد قُباءٍ فإن الصلاة في مسجد قباءٍ لها فضل عظيم قال ﷺ : الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ كَعُمْرَةٍ . رواه الترمذي.
وأذكر باستغلال الإجازة بصلة الأرحام وتفقد أحوالهم فإن صلة الرحم واجبة وقاطعها متوعد بالنار
قال ﷺ : لايدخل الجنة قاطع. أي قاطع رحم.
والسفر لصلة الرحم سفر عبادة يثاب عليه.
وفي جنوب البلاد أماكنُ للسياحة الآمنة وإذا احتسب المسافر إليها إدخالَ السرور على أهله، أُثيب على ذلك.
واختم بضرورة حفظ الأولاد من رفقاء السوء خاصة في الإجازة التي يكثر فيها الفراغ وربما ينشغل الوالد عنهم فيلتقون برفقاء السوء فيوقِعونهم في الدخان والمخدرات والشرور فلْيحفظ الوالد أولاده ولْيَسْعَ في أسباب ذلك من إشغالهم بأمور تنفعهم في دينهم ودنياهم.
اللهم احفظ الإسلام والمسلمين ووفقنا للخيرات وجنبنا الشرور والمنكرات.

المشاهدات 1021 | التعليقات 0