الإبل في الشريعة – دروس وأحكام- (1)

محمد بن إبراهيم النعيم
1442/04/17 - 2020/12/02 06:28AM

الجمل حيوان سخره الله تعالى للإنسان، فخدم الإنسان عبر التاريخ، حتى اعتُبر رمزاً من رموز الصحراء، والجمل يكاد يكون هو الحيوان الوحيد الذي يستطيع العيش في الصحراء دون عناء، والناقة جعلت آية لنبي الله صالح. 

ولقد ورد ذكر الإبل في القرآن الكريم في عدة مواضع بعدة مسميات، فذُكِرت الإبل في موضعين، فقال تعالى }أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ{ وقال تعالى }وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ{، وذكرت الناقة في سبعة مواضع كلها تتعلق بقصة نبي الله صالح، وذُكر لفظ البعير في موضعين في قصة يوسف، وذكر لفظ الجمل في معرض ضرب المثل، في قوله تعالى }إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ{، وذُكِر لفظ الهيم في معرض وصف شرب أهل النار في قوله تعالى }فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ{ وهي الإبل العطاش، وذكرت العشار في معرض وصف كرب يوم القيامة في قوله تعالى }وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ{ وهي النوق الحوامل، وذكرت البُدنَ في موضع واحد، والبُدنَ جمعُ بَدَنة وهي الإبل، وذلك لعظم بدنها، قال تعالى في سورة الحج }وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{، وذكرت الجمالة وهي جمع جمل في قوله تعلى }كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ{، كما ذكر الله تعالى البَحيرةَ وَالسَآئِبَة وَالوَصِيلَة وَالحَام.

وأما في الأحاديث فلقد ورد ذكر الجمل في كثير من الأحاديث النبوية، وقد يكون الجمل من أكثر الحيوانات ذِكراً في هذه الأحاديث، من حيث الأحكام والآداب والخصائص، لالتصاق الإنسان بالإبل في حياته الاجتماعية، بل هي رفيقه في حله وترحاله، ولذلك كثرت الأمثال المحمودة والمذمومة التي ذكر فيها الجمل لأخذ العبرة والعظة منها.

أحاول في سلسلة من الخطب عرض أحاديث النبي  التي ذكر فيها الإبل؛ لتسليط الضوء على بعض خصائص الإبل، وبعض الأحكام الفقهية المرتبطة بها، وذكر أهم الأمثال المحمودة والمذمومة التي جاءت على لسان رسول الله ؛ لنستفيد منها، وكيف أن النبي جعل من الإبل - وهي أحبُ أموال العرب - مقياساً للثواب؛ ترغيباً في بعض الأعمال الصالحة، وغير ذلك من فوائد، والهدف من هذه السلسلة هو عرض أحاديث النبي ونشر السنة النبوية بين الناس بعدة أساليب لقلة من يقرأها اليوم.

لقد أمرنا الرب جل وعلا بالتفكر في خلق الإبل، بل وقدم ذلك قبل التفكر في خلق السموات والأرض، فقال جل وعلا } أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ{17} وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ{18} وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ{19} وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ{، فقدم في التفكر النظر إلى الإبل قبل النظر إلى السماء.

واعلموا أن الله تعالى خلق الإبل من الشياطين لقوله  (إن الإبل خلقت من الشياطين، وإن وراء كل بعير شيطاناً) صحيح الجامع (1579)، وروى حمزةُ بنُ عمرو بن عويمر  أن النبي  قال: (عَلَى ظَهْرِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ، فَإِذَا رَكِبْتُمُوهَا فَسَمُّوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ لا تُقَصِّرُوا عَنْ حَاجَاتِكُمْ) رواه أحمد.

 ويجوز صلاة النافلة على ظهر البعير لما جاء في البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله  كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ، ولكن نهانا النبي  عن الصلاة في أحواش الإبل، حيث روى عبد الله بن مغفل  أن النبي  قال: (صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل، فإنها خلقت من الشياطين) رواه البيهقي، وقد نلتمس الحكمة في أمر النبي  بالوضوء لمن أكل لحم الإبل، فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ  أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ  أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: (إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلا تَوَضَّأْ)، قَالَ: أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ؟ قَالَ: (نَعَمْ، فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ)، قَالَ: أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: (نَعَمْ)، قَالَ: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ؟ قَالَ: (لا) رواه مسلم.

واعلموا أن الإبل تعلم بنبوة النبي  حيث روى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ  قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ  مِنْ سَفَرٍ حَتَّى إِذَا دَفَعْنَا إِلَى حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ بَنِي النَّجَّارِ، إِذَا فِيهِ جَمَلٌ لا يَدْخُلُ الْحَائِطَ أَحَدٌ إِلاَّ شَدَّ عَلَيْهِ، قَالَ: فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ  فَجَاءَ حَتَّى أَتَى الْحَائِطَ فَدَعَا الْبَعِيرَ، فَجَاءَ وَاضِعًا مِشْفَرَهُ إِلَى الأَرْضِ، حَتَّى بَرَكَ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ : (هَاتُوا خِطَامًا)، فَخَطَمَهُ وَدَفَعَهُ إِلَى صَاحِبِهِ، قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى النَّاسِ، قَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلاَّ يَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلاَّ عَاصِيَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ) رواه أحمد. 

وقد سجد الجملُ لرسول الله ، حيث روى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ  قَالَ: كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ الأَنْصَارِ لَهُمْ جَمَلٌ يَسْنُونَ عَلَيْهِ، -أي يستقون عليه الماء- وَإِنَّ الْجَمَلَ اسْتُصْعِبَ عَلَيْهِمْ، فَمَنَعَهُمْ ظَهْرَهُ، وَإِنَّ الأَنْصَارَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ  فَقَالُوا: إِنَّهُ كَانَ لَنَا جَمَلٌ نُسْنِي عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ اسْتُصْعِبَ عَلَيْنَا، وَمَنَعَنَا ظَهْرَهُ، وَقَدْ عَطِشَ الزَّرْعُ وَالنَّخْلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  لأَصْحَابِهِ: (قُومُوا)، فَقَامُوا فَدَخَلَ الْحَائِطَ وَالْجَمَلُ فِي نَاحِيَةٍ، فَمَشَى النَّبِيُّ نَحْوَهُ، فَقَالَتْ الأَنْصَارُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّهُ قَدْ صَارَ مِثْلَ الْكَلْبِ الْكَلِبِ وَإِنَّا نَخَافُ عَلَيْكَ صَوْلَتَهُ، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيَّ مِنْهُ بَأْسٌ، فَلَمَّا نَظَرَ الْجَمَلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r أَقْبَلَ نَحْوَهُ، حَتَّى خَرَّ سَاجِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ بِنَاصِيَتِهِ أَذَلَّ مَا كَانَتْ قَطُّ، حَتَّى أَدْخَلَهُ فِي الْعَمَلِ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ بَهِيمَةٌ لا تَعْقِلُ، تَسْجُدُ لَكَ وَنَحْنُ نَعْقِلُ، فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ، فَقَالَ: (لا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ؛ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا) رواه أحمد. 

واعلموا أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام  لم يرعوا الإبل، وإنما رعوا الغنم، ولعل الحكمة في ذلك لجلافة الإبل وحقدها، فالجمل قد يقتل صاحبه، ولذلك جاء عن النبي  أنه قال: (مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ)، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: (نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ) رواه البخاري.

كما أن رعي الإبل قد يؤول بصاحبها إلى الفخر والخيلاء بخلاف رعي الغنم، وقد روى أبو هُرَيْرَةَ  عَنْ النَّبِيِّ  أنه قال: (الْفَخْرُ وَالْخُيَلاءُ فِي أَصْحَابِ الإِبِلِ، وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ) متفق عليه. 

 والجمل بالرغم من قوته على حمل المتاع والأثقال، إلا أنه لم يقوى على تحمل ثقل الوحي عندما أُوحي للنبي  وهو على ظهر الجمل، فقد روت أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيد رضي الله عنها قَالَتْ: "إِنِّي لآخِذَةٌ بِزِمَامِ الْعَضْبَاءِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ  إِذْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ الْمَائِدَةُ كُلُّهَا، فَكَادَتْ مِنْ ثِقَلِهَا تَدُقُّ بِعَضُدِ النَّاقَةِ" رواه أحمد.

وفي رواية قَالَتْ: نَزَلَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ عَلَى النَّبِيِّ  جَمِيعًا، إِنْ كَادَتْ مِنْ ثِقَلِهَا لَتَكْسِرُ النَّاقَةَ. وهذا مصداق قوله عز وجل (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً)، فهذا القول هو الوحي الذي لم يستطع الجمل تحمله وهو المسخر لحمل الأثقال، لندرك المعاناة التي كان النبي  يلقاها حين يُوحى إليه، فقد كان النبي  حين يوحى إليه ينحدر منه العرق في اليوم الشاتي من شدة الوحي، حيث وصفت عائشة رضي الله عنها حال النبي  حين يوحى إليه قائلة: "حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ r، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنْ الْعَرَقِ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِ، مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ" رواه مسلم.

أسال الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَأشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

أما بعد: فقد كان النبي يخطب في مسجده على جذع نخلة، فعندما صُنع له منبراً ترك الجذع وصعد المنبر، ففقد الجذعُ رسول الله ، فحن حنين الناقة على ولدها، ولم يحن حنين أي حيوان آخر، وكل ذلك على مرأى ومسمع من الصحابة رضوان الله عليهم، حيث روى أَنَسُ بْنِ مَالِكٍ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  خَطَبَ إِلَى لِزْقِ جِذْعٍ وَاتَّخَذُوا لَهُ مِنْبَرًا فَخَطَبَ عَلَيْهِ، فَحَنَّ الْجِذْعُ حَنِينَ النَّاقَةِ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ  فَمَسَّهُ فَسَكَنَ، رواه الترمذي، وفي رواية عند ابن ماجة أنه قال: فَحَنَّ الْجِذْعُ فَأَتَاهُ فَاحْتَضَنَهُ فَسَكَنَ فَقَالَ: (لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ).

والجمل كلّم النبي  وشكى إليه حاله، حيث روى يَعْلَى بْنُ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ  قَالَ: ثَلاثَةُ أَشْيَاء رَأَيْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ : بَيْنَما نَحْنُ نَسِيرُ مَعَهُ إِذْ مَرَرْنَا بِبَعِيرٍ يُسْنَى عَلَيْهِ، - أي يستقي الماء- فَلَمَّا رَآهُ الْبَعِيرُ جَرْجَرَ وَوَضَعَ جِرَانَهُ، - أي مقدم عنقه - فَوَقَفَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ r فَقَالَ: (أَيْنَ صَاحِبُ هَذَا الْبَعِيرِ)؟ فَجَاءَ، فَقَالَ: (بِعْنِيهِ)، فَقَالَ: لا، بَلْ أَهَبُهُ لَكَ، فَقَالَ: (لا، بِعْنِيهِ)، قَالَ: لا، بَلْ أَهَبُهُ لَكَ، وَإِنَّهُ لأَهْلِ بَيْتٍ مَا لَهُمْ مَعِيشَةٌ غَيْرُهُ، قَالَ: (أَمَا إِذْ ذَكَرْتَ هَذَا مِنْ أَمْرِهِ، فَإِنَّهُ شَكَا كَثْرَةَ الْعَمَلِ وَقِلَّةَ الْعَلَفِ، فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ)... الحديث رواه أحمد.

وفي حديث آخر عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ  أنه ذكر بأن النبي  دَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ –أي بستاناً-  فَإِذَا جَمَلٌ فَلَمَّا رَأَى النبي حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ  فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ، فَقَالَ: (مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ؟ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ)؟ فَجَاءَ فَتًى مِنْ الأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: (أَفَلا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا؟ فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ) رواه أحمد وأبو داود.

لذلك فليتق الله مالكوا البهائم عموماً من تجويع بهائمهم أو إجهادهم في العمل. 

أيها الأخوة في الله

وبالرغم من كبر حجم الجمل وقوته وضخامته، إلا أنه قد يصاب بالعين فيموت، مما يدل على خطر الاستهانة بالعين وضرورة التحصن منها بالمعوذتين، فقد قال  (العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر) رواه أبو نعيم في الحلية، ولذلك من ملك إبلاً فليحصنها بالتبريك.

والإبل من الحيوانات التي لن تنقرض إلى يوم القيامة، وذلك لما رواه أَبُو هُرَيْرَةَ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  قَالَ: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الإِبِلِ بِبُصْرَى) متفق عليه، ولما رواه أبو أمامة t أن النبي r قَالَ: تَخْرُجُ الدَّابَّةُ فَتَسِمُ النَّاسَ عَلَى خَرَاطِيمِهِمْ، ثُمَّ يَغْمُرُونَ فِيكُمْ، حَتَّى يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْبَعِيرَ فَيَقُولُ: مِمَّنْ اشْتَرَيْتَهُ؟ فَيَقُولُ: اشْتَرَيْتُهُ مِنْ أَحَدِ الْمُخَطَّمِينَ) رواه أحمد. ومعلوم أن ظهور الدابة من علامات الساعة الكبرى. 

وجاء عن أَبِي هُرَيْرَةَ  أَنَّ النَّبِيَّ  قَالَ: (الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ نَازِلٌ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ، رَجُلاً مَرْبُوعًا إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ –أي فيهما صُفرة خفيفة -، كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ، فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الإِسْلامِ، فَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلاَّ الإِسْلامَ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، وَتَقَعُ الأَمَنَةُ عَلَى الأَرْضِ، حَتَّى تَرْتَعَ – أي ترعى - الأُسُودُ مَعَ الإِبِلِ، وَالنِّمَارُ مَعَ الْبَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ، وَيَلْعَبَ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ لا تَضُرُّهُمْ، فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ) رواه أحمد

والإبل يا عباد الله هي دابتنا إلى أرض المحشر، لِما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  عَنْ النَّبِيِّ  قَالَ: (يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلاثِ طَرَائِقَ: رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ، وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَيَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمْ النَّارُ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا) متفق عليه.

ولذلك رؤية الجمل يذكرنا بيوم الحشر، يوم ترى الناس راكبين اثنان أو ثلاثة أو عشرة على البعير الواحد.

هذه مقدمة عن الإبل، ولنا لقاء آخر بإذن الله لنتحدث عن خصائص الإبل مما جاء عن النبي ، جعلني الله وإياكم من المستمعين للذكر والمتبعين أحسنه. 

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، 

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، 

اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، 

اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا 

اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا...

المشاهدات 559 | التعليقات 0