الإبادة الجماعية ومجزرة دوما

المهذب المهذب
1436/04/24 - 2015/02/13 05:34AM
اختصار وتهذيب لخطبة قديمة للشيخ إبراهيم الحقيل ،، مع زيادات


الإِبَادَةُ الجَمَاعِيَّةُ فِي سُورْيَا وَمَجزَرَةُ دومَا 24/4/1436
الحَمْدُ للهِ العَلِيمِ الحَلِيمِ؛ يُمْلِي لِلظَّالِمِينَ، وَيَبْتَلِي بِهِمُ المَظْلُومِينَ، وَهُوَ سَرِيعُ العِقَابِ، عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ، عَذَابُهُ أَلِيمٌ، وَبَطْشُهُ شَدِيدٌ، لاَ يَغْتَرُّ بِحِلْمِهِ إِلاَّ مَغْرُورٌ، وَلاَ يَرْكَنُ لِغَيْرِهِ إِلاَّ مَخْذُولٌ، وَلاَ يُؤْجَرُ عَلَى ابْتِلاَئِهِ إِلاَّ صَبُورٌ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ يُثَبِّتُ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ فَلاَ يَزِيدُهُمْ عِظَمُ البَلاَءِ إِلاَّ تَعَلُّقًا بِهِ، وَإِخْلاَصًا لَهُ، وَتَوَكُّلاً عَلَيْهِ، وَإِنَابَةً إِلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَمَرَ بِنُصْرِ المَظْلُومِ، وَفَكِّ الأَسِيرِ، وَإِطْعَامِ الجَائِعِ، وَبَيَّنَ أَنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَتَعَوُّذُوا بِهِ مِنَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَوَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى الصَّبْرِ فِي البَلاَءِ، وَالثَّبَاتِ عَلَى الدِّينِ؛ فَإِنَّ الظُّلْم فِي الأَرْضِ عَظِيمٌ، وَالبَلاَءَ كَبِيرٌ، وَالاعْتِدَاءَ كَثِيرٌ، وَقَدْ قَادَ العَالَمَ الْيَوْمَ قَوْمٌ لَا خَلاَقَ لَهُمْ؛ فَلاَ يُقِيمُونَ عَدْلاً، وَلاَ يَمْنَعُونَ ظُلْمًا، وَلاَ يَرْحَمُونَ امْرَأَةً وَلاَ طِفْلاً، يُسَعِّرُونَ الحُرُوبَ لِمَصَالِحِهِمْ، وَيَزِيدُونَ رَفَاهِيَّتَهُمْ بِعَذَابِ غَيْرِهِمْ، وَيَقْتَاتُونَ عَلَى دِمَاءِ ضَحَايَاهُمْ، وَلاَ ثَبَاتَ إِلاَّ لِمَنْ ثَبَّتَهُ اللهُ تَعَالَى.
أَيُّهَا النَّاسُ: حِينَ أَرَادَ اللهُ تَعَالَى عِمَارَةَ أَرْضِهِ بِالبَشَرَ أَخْبَرَ مَلاَئِكَتَهُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ بِأَنَّهُ جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً؛ "قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ"، فَلَمْ يَنْفِ سُبْحَانَهُ عَنْ هَذَا البَشَرِ أَنَّهُ سَيُفْسِدُ فِي الأَرْضِ، وَيَسْفِكُ الدَّمَ، وَبَيَّنَ أَنَّ الجَهْلَ وَالظُّلْمَ صِفَتَانِ فِي الإِنْسَانِ إِلاَّ أَنْ يُزِيلَ الجَهْلَ بِالْعِلْمِ، وَيَدْفَعَ الظُّلْمَ بِالعَدْلِ؛ "وَحَمَلَهَا الإِنْسَان إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا".
وَسَارَ الإِنْسَانُ فِي الأَرْضِ بِظُلْمِهِ وَجَهْلِهِ عَلَى وَفْقِ مَا أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَأَفْسَدَ فِيهَا وَسَفَكَ الدِّمَاءَ عَلَى مَا ظَنَّهُ المَلائِكَةُ فِيهِ، وَقَالَ أَوَّلُ إِنْسَانٍ قُتِلَ عَلَى الأَرْضِ: "لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ"، فَمَا مَنَعَهُ إِلاَّ إِيمَانُهُ وَخَوْفُهُ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَبِإِيمَانِهِ أَزَالَ جَهْلَهُ وَظُلْمَهُ، لَكِنَّ أَخَاهُ المُقَابِلَ لَهُ بَقِيَتْ فِيهِ صِفَتَا الجَهْلِ وَالظُّلْمِ، فَلَمْ يُزِلْهَا بِالإِيمَانِ بِاللهِ تَعَالَى وَالخَوْفِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ؛ "فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخَاسِرِينَ".
مَا أَعْظَمَ القُرْآنَ وَهُوَ يُحَدِّثُنَا عَنِ النَّفْسِ البَشَرِيَّةِ، وَيُخْبِرُنَا أَنَّهُا مَمْلُوءَةٌ بِالظُّلْمِ، مُتَخَلِّقَةٌ بِالْجَهْلِ إِذَا لَمْ يُسْعِفْهَا الإِيمَانُ وَالخَوْفُ مِنَ اللهِ تَعَالَى، ثُمَّ نَرَى ذَلِكَ مُضْطَرِدًا فِي التَّارِيخِ البَشَرِيِّ، فَكَمِ المَذَابِحُ وَالإِبَادَاتُ البَشَرِيَّةُ الَّتِي ارْتُكِبَتْ بِيَدِ الإِنْسَانِ؛ لِإِشْبَاعِ غَرِيزَةِ الشَّرِّ وَالطُّغْيَانِ؟!
لَقَدْ بَدَأَ القَتْلُ فِي البَشَرِ فَرْدِيًّا، فَإِنْسَانٌ يَقْتِلُ إِنْسَانًا كَمَا فِي قِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ فِي تَسْجِيلِ حَادِثَةِ أَوَّلِ قَتْلٍ فِي البَشَرِ، ثُمَّ تَوَسَّعَ القَتْلُ فِي البَشَرِ وَانْتَقَلَ مِنَ الحَالَةِ الفَرْدِيَّةِ إِلَى قَتْلِ عَدَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَاشْتُهِرَ فِي التَّارِيخِ البَشَرِيِّ حُرُوبُ القَبَائِلِ وَالعَشَائِرِ وَالبُلْدَانِ، ثُمَّ كَانَتْ حُرُوبُ الدُّوَلِ وَالأُمَمِ، فَالحُرُوبُ العَالَمِيَّةُ الَّتِي حَصَدَتْ مَلاَيِينَ البَشَرِ.
لَقَدْ خَطَا الإِنْسَانُ خُطْوَاتٍ هَائِلَةً فِي التَّقَدُّمِ المَعْرِفِيِّ وَالصِّنَاعِيِّ، فَخَطَا مَعَهَا خُطْوَاتٍ هَائِلَةً فِي تَوْسِيعِ القَتْلِ، فَكَانَتْ أَسْلِحَةُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ، وَكَانَتِ الحُرُوبُ الكِيمَاوِيَّةُ وَالبَيُلُوجِيَّةُ وَالجُرْثُومِيَّةُ وَالنَّوَوِيَّةُ الَّتِي تَفْتِكُ بِالأُلُوفِ مِنَ البَشَرِ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ، فَتُذِيبُ أَجْسَادَهُمْ، وَتَأْتِي عَلَى البَقِيَّةِ مِنْهُمْ بِعَاهَاتٍ مُسْتَدِيمَةٍ مِنَ الجُنُونِ وَالشَّلَلِ وَالتَّشَوُّهِ وَالأَمْرَاضِ المُزْمِنَةِ، وَتُفْسِدُ إِشْعَاعَاتُهَا الأَرْضَ الَّتِي أُلْقِيَتْ فِيهَا أَزْمِنَةً مَدِيدَةً.
وَجِيلُنَا عَاشَ عَصْرَ سِبَاقِ التَّسَلُّحِ، وَلاَ يَزَالُ يِعِيشُهُ، وَظَهَرَتْ مُصْطَلَحَاتٌ سُكَّتْ لَهَا أَنْظِمَةٌ وَقَوَانِينُ وَعُقُوبَاتٌ مِنْ مِثْلِ: الإِبَادَةِ الجَمَاعِيَّةِ، وَالتَّطْهِيرِ العِرْقِيِّ، وَجَرَائِمِ الحَرْبِ، وَجَرَائِمَ ضِدَّ الإِنْسَانِيَّةِ، وَالمَقَابِرِ الجَمَاعِيَّةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهِيَ مُصْطَلَحَاتٌ تَشِي بِمَا تَحْتَهَا مِنْ كَمِّيَّةِ الدِّمَاءِ المَسْفُوكَةِ، وَالنُّفُوسِ المُعَذَّبَةِ المَقْتُولَةِ، ثُمَّ اسْتَخْدَمَ الغَرْبِيُّونَ هَذِهِ المُصْطَلَحَاتِ أَسْلِحَةً مَعْنَوِيَّةً يُلَوِّحُ بِهَا القَاتِلُ القَوِيُّ مِنْهُمْ ضِدَّ القَاتِلِ الضَّعِيفِ إِذَا أَرَادَ الخُرُوجَ عَنْ طَاعَتِهِ، فَيَا لِلْعَجَبِ مِنْ حَضَارَتِنَا المُعَاصِرَةِ الَّتِي صَارَ قَتْلُ الأَبْرِيَاءِ فِيهَا شَرِيعَةً وَقَانُونًا!
إِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى هَذِهِ الحَضَارَةِ الَّتِي يُدِيرُهَا مَلاَحِدَةُ الغَرْبِ أَنَّهَا حَضَارَةُ الدَّمِ! وَلَوْ نَاطَحَ بُنْيَانُهَا السَّحَابَ، وَحَضَارَةُ قَتْلِ الإِنْسَانِ وَلَوْ أَنْشَأَتْ جَمْعِيَّاتِ الرِّفْقِ بِالحَيَوَانِ، وَحَضَارَةُ الجَهْلِ وَالشَّقَاءِ وَلَوْ شَقُّوا بِمَرْكِبَاتِهِمُ الفَضَاءَ، وَحَضَارَةُ التَّعْذِيبِ وَالقَهْرِ وَالظُّلْمِ وَلَوْ ظَهَرَ رُبَّانُهَا بِأَلْبِسَتِهِمُ الأَنِيقَةِ وَابْتِسَامَاتِهِمُ العَرِيضَةِ أَمَامَ الشَّاشَاتِ؛ فَهُمْ قَتَلَةُ البَشَرِ، وَمَصَّاصُو دِمَائِهِ، وَأَكَلَةُ قُوْتِهِ!
لَقَدْ صَارَ القَتْلُ وَالإِبَادَةُ الجَمَاعِيَّةُ سِمَةً مِنْ سِمَاتِ هَذَا العَصْرِ بِمَا صَنَعَهُ البَشَرُ مِنْ أَسْلِحَةٍ فَتَّاكَةٍ، لَا يَتَحَاشُونَ الضَّرْبَ بِهَا وَلَوْ قَتَلَتِ النِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ وَالشُّيُوخَ وَالعَجَزَةَ، وَصَارَتِ المَذَابِحُ العَامَّةُ، وَالإِبَادَاتُ الوَاسِعَةُ تَارِيخًا يُؤَرَّخُ بِهَا؛ فَيُقَالُ: قَبْلَ مَذْبَحَةِ كَذَا، وَبَعْدَ مَذْبَحَةِ كَذَا، فَمَا أَعْظَمَ ظُلْمَ البَشَرِ، وَمَا أَشَدَّ جَهْلَهُمْ، وَصَدَقَ اللهُ العَظِيمُ حِينَ جَعَلَهُمْ بِلاَ إِيمَانٍ أَضَلَّ مِنَ الأَنْعَامِ؛ "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ".
حَفِظَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا إِيمَانَنَا وَأَمْنَنَا، وَكَفَانَا شَرَّ أَعْدَائِنَا، وَبَصَّرَنَا بِمَا يَنْفَعُنَا، وَعَصَمَنَا مِمَّا يُهْلِكُنَا، اللَّهُمَّ آمِينَ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...



الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ وَاعْلَمُوا أَنَّ المُتَّقِينَ هُمْ أَهْلُ الأَمْنِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلاَ يَزُولُ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ:لَوْ حَكَمَتِ الأَرْضُ بِشَرِيعَةِ اللهِ تَعَالَى لَمَا كَانَ هَذَا الخَوْفُ وَالقَتْلُ فِي النَّاسِ، وَلَمَا سُفِكَتْ هَذِهِ الكَمِّيَّاتُ الكَبِيرَةُ مِنَ الدِّمَاءِ، وَلَمَا تَعَذَّبَ البَشَرُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَقْطَارِ، وَلَكِنَّ الإِنْسَانَ بِلاَ دِينٍ يَضْبِطُهُ، وَلاَ خَوْفٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى يَرْدَعُهُ، يَعُودُ إِلَى نَزْعَتِهِ فِي الظُّلْمِ وَالجَهْلِ والإِفْسَادِ فِي الأَرْضِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَإِلاَّ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا"، وَفِي آدَابِ الحَرْبِ وَأَحْكَامِهَا قَالَ النَّبِيُّ : «اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمْثِلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا»، ووُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ  امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً، «فَأَنْكَرَ  قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ».
وَفِي الفِقْهِ الإِسْلاَمِيِّ آدَابٌ لِلْحَرْبِ تَضْبِطُ الجُنْدَ وَتَرُدُّهُمْ عَنْ شَهْوَةِ القَتْلِ وَالانْتِقَامِ، فَبِهَا تُحْقَنُ الدِّمَاءُ، وَتُحْرَزُ الأَمْوَالُ، وَيَأْمَنُ النَّاسُ، وَيُمْنَعُ الإِفْسَادُ فِي الأَرْضِ، وَقَدْ حَكَمَ المُسْلِمُونَ العَالَمَ وَسَادُوهُ قُرُونًا طِوَالاً فَلَمْ يُبِيدُوا البَشَرَ، وَلَمْ يُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ، وَأَمِنَ فِي حُكْمِهِمُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالبَاطِنِيُّونَ. بَلْ كَانُوا يُدَافِعُونَ عَنْهُمْ، وَيَسْعَوْنَ فِي فِكَاكِهِمْ مِنَ الأَسْرِ حَالَ الحُرُوبِ.
قَارِنُوا هَذَا بِالإِبَادَةِ الجَمَاعِيَّةِ الَّتِي مَارَسَهَا النُّصَيْرِيُّونَ بِالمُسْلِمِينَ فِي بِلاَدِ الشَّامِ مُنْذُ مَذْبَحَةِ حَمَاةَ حِينَ اسْتَبَاحُوهَا شَهْرًا فَأَبَادُوا خَلْقًا كَثِيرًا مِنْ أَهْلِهَا، مُرُورًا بِمَذْبَحَةِ تَدْمُرَ، وَانْتِهَاءً بِالمَحْرَقَةِ الَّتِي نَصَبُوهَا مُنْذُ أَرْبَعةِ أَعْوَامٍ ضِدَّ الشَّعْبِ السُّورِيِّ، وَالمُجْتَمَعُ الدَّوْلِيُّ الَّذِي يُدِيرُ العَالَمَ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يُكَافِئَ القَتَلَةَ بِإِعْطَائِهِمُ الفُرْصَةَ تِلْوَ الفُرْصَةِ لِقَتْلِ النَّاسِ، وَامْتِصَاصِ غَضَبِ الشُّعُوبِ بِالمُبَادَرَاتِ البَارِدَةِ الَّتِي تُطِيلُ مُدَّةَ القَتْلِ. وَلَمّا حُوصِرَ المُجْرِمُونَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ وَدَنَتْ نِهَايَتُهُمْ صَارُوا يَسْتَخْدِمُونَ الأَسْلِحَةَ السَّامَّةَ مَعَ أَنَّ الدُّوَلَ الكُبْرَى الرَّاعِيَةَ لِلْإِرْهَابِ فِي الأَرْضِ كَانَتْ تَتَوَعَّدَ النُّصَيْرِيَّ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَلَمْ تَفْعَلْ شَيْئًا، وَلَنْ تَفْعَلَ شَيْئًا، وَلَنْ تَتَدَخَّلَ إِلاَّ لِقَطْفِ ثَمَرَةِ النَّصْرِ إِنْ رَأَتِ المُسْلِمِينَ انْتَصُروا عَلَى البَاطِنِيِّينَ!
إِنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَى إِيقَافِ المَجَازِرِ الَّتِي فَاقَتْ كُلَّ وَصْفٍ فِي كَثِيرٍ مِنْ بِلَادِ المُسْلِمِينَ، وَلَكِنْ لَا مَصْلَحَةَ لَهُمْ فِي إِيقَافِهَا، بَلْ مَصْلَحَتُهُمْ فِي إِشْعَالِهَا وَالنَّفْخِ فِي نِيرَانِهَا، وَتَوْسِيعِ دَائِرَتِهَا، وَنَشْرِ الْفَوْضَى فِي كُلِّ بِلَادِ المُسْلِمِينَ، وَاسْتِهْدَافِ أَمْنِهِمْ، وَتَحْوِيلِ قَتْلِ الْبَشَرِ إِلَى سِلَعٍ وَمَصَالِحَ مَادِّيَّةٍ تُدْرَسُ جَدْوَاهَا الِاقْتِصَادِيَّةُ، وَلَا يَهُمُّ مَا تُخَلِّفُهُ مِنَ المَآسِي وَالْقَتْلَى وَالْجَرْحَى وَالدُّمُوعِ وَالْآلَامِ.
وَقَدْ رَأَينَا فِي الأَيَّامِ القَلِيلَةِ المَاضِيَةِ كَيفَ يَقَذِفُ النُّصَيْرِيُّ المُجْرِمُ الأَبْرِيَاءَ بِالأَسْلِحَةِ السَّامَّةِ المُحَرَّمَةِ دَوْلِيًّا، وَيَرْمِيهِمْ بِالْبَرَامِيلِ المُتَفَجِّرَةِ فِي دُومَا وَدَرْعَا، الَّتِي حُوصِرَتْ حَتَّى مَاتَ أَطْفَالُهَا جُوعًا، ثُمَّ دُكَّتْ بِالصَّوَارِيخِ وَالْبَرَامِيلِ المُتَفَجِّرَةِ لِتُحْرِقَ النِّسَاءَ وَالْأَطْفَالَ، وَتُبِيدَ أَكْبَرَ عَدَدٍ مُمْكِنٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَا ضَمِيرَ عَالَمِيٍّ وَلَا عَرَبِيٍّ يَتَحَرَّكُ، وَالدُّوَلُ بَيْنَ مُتَآمِرٍ يُعْجِبُهُ إِفْنَاءُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى أَيْدِي الْبَاطِنِيِّينَ، وَبَيْنَ عَاجِزٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى قُوَى الِاسْتِكْبَارِ الْعَالَمِيِّ، وَبَيْنَ مُنْشَغِلٍ بِهَمِّهِ عَنْ هَمِّ غَيْرِهِ.
دُومَا مَدِينَةُ المَسَاجِدِ أَو أُمُّ المَآذِنِ مِثْلَمَا يَحْلُو لِأَهْلِهَا تَسْمِيَتُها، وَالَّتِي لمَ يَنْقَطِعْ فِيهَا الأَذَانُ يَوْماً إِلاَّ فِي هَذِهِ الأَيَامِ عَلَى يَدِ النِّظَامِ النُّصَيرِيِّ المُجْرِمِ.
لَقدْ تَوَقَّفَ الأَذَانُ فِي دُومَا وَلمَ تُقَمْ صَلاةُ الجُمُعَةِ، مَعَ تَوَقُّفِ أَنفَاسِ المَئَاتِ مِنْ أَهْلِهَا الَّذِينَ حَصَدَتْ أَرْوَاحَهُمُ النِّيرَانُ جَرَّاءَ قَصفٍ اسْتَمَرَّ أُسْبُوعَينِ وَلاَ يَزَال!
إِنَّهَا سِيَاسَةُ الأَرْضِ المَحْرُوقَةِ بِغَرِضِ حِمَايَةِ النَّظَامِ الدَّمَوَيِّ فِي هَذِهِ المَرْحَلَةِ الحَرِجَةِ مِنْ حَيَاتِه! وَإِلاَّ فَمَا ذَنْبُ أَهْلِ الشَّامِ يُعَذَّبُونَ وَيُقْتَلُونَ، وَتُغْتَصَبُ نِسَاؤُهُمْ، وَتُهْدَمُ دِيَارُهُمْ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، وَيُنْحَرُ أَطْفَالُهُمْ، وَتُمْنَعُ عَنْهُمُ الأَرْزَاقُ لِيَمُوتُوا مِنَ الجُوعِ؟!
وَإِنْ كُنَّا نَرْحَمُ أَطْفَالَهُمْ وَنِسَاءَهُم بِمَا أَصَابَهُمْ فَنَحْنُ أَولَى أَنْ نَرْحَمَ أَنْفُسَنَا عَلَى مَا أَصَابَ قُلُوبَنَا مِنَ القَسْوَةِ، وَمَا أَصَابَ أُمَّتَنَا مِنَ الوَهْنِ وَالذِلَّةِ، وَأَمَّا أَطْفَالُ دُوما ودَرْعَا فَقُلُوبٌ طَاهِرَةٌ مِنَ الأَحْقَادِ زُفَّتْ إِلى بَارِيهَا لِتَتَخَلَّصَ مِنَ الشِّدَةِ وَالعَذَابِ، وَهِيَ الآنَ تَتَقَلَّبُ فِي رَحْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ، فَاللهُمْ َاغْفِرْ لنَا وَارْحَمْنَا، وَارْفَعِ الذُلَّ والهَوَانَ عَنَّا.
إِنَّ إِخْوَانَنَا فِي الشَّامِ يَعِيشُونَ مُنْذُ أَرْبَعةِ أَعْوَامٍ فِي شِدَّةٍ وَكَرْبٍ وَحَاجَةٍ وَجُوعٍ وَخَوْفٍ لَا يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللهُ تَعَالَى، وَقَدْ تَآَمَرَتْ قُوَى الظُّلْمِ وَالاسْتِكْبَارِ عَلَيْهِمْ لَمَّا رَأَتْ بَوَادِرَ نَصْرِهِمْ؛ وَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ إِلاَّ اللهُ تَعَالَى، فَأَكْثِرُوا لَهُمْ مِنَ الدُّعَاءِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَمُدُّوا لَهُمْ يَدَ العَوْنِ بِمَا تَسْتَطِيعُونَ؛ فَإِنَّهُمْ فِي رِقَابِنَا، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى سَائِلُنَا عَنْهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ أَنْ تَرْحَمَهُمْ، وَتَجْبُرَ كَسْرَهُمْ، وَتُفَرِّجَ كَرْبَهُمْ، وَتَنْصُرَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ.
رَبَّنَا نَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلاَمُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَكَ عَمَّا يُشْرِكُونَ، نَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الحُسْنَى أَنْ تَنْصُرَ إِخْوَانَنَا المُسْتَضْعَفِينَ فِي سُورْيَا، اللَّهُمَّ أَفْرِغْ عَلَيْهِمْ صَبْرًا، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ. اللَّهُمَّ أَطْعِمْ جَائِعَهُمْ، وَاكْسُ عَارِيَهُمْ، وَأَمِّنْ خَائِفَهُمْ، وَدَفِّءْ بُرْدَانَهُمْ، وَآوِ مُشَرَّدَهُمْ، وَاشْفِ جَرِيحَهُمْ، وَفُكَّ أَسِيرَهُمْ، وَاحْفَظْ أَعْرَاضَهُمْ، وَاحْقِنْ دِمَاءَهُمْ، وَسَلِّمْ دِيَارَهُمْ، وَتَقَبَّلْ قَتْلاَهُمْ فِي الشُّهَدَاءِ يَا رَبِّ العَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالنُّصَيْرِيِّينَ وَحُلَفَائهُمْ وَأَعْوَانِهِمْ عَلَى الظُّلْمِ، اللَّهُمَّ زَلْزِلِ الأَرْضَ مِنْ تَحْتِ أَقْدَامِهِمْ، وَاقْذِفِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَامْنَحْ إِخْوَانَنَا رِقَابَهُمْ، اللَّهُمَّ عَذِّبْهُمْ عَذَابًا نُكْرًا، وَاجْعَلْ عَاقِبَةَ أَمْرِهِمْ خُسْرًا، اللَّهُمَّ أَسْقِطْ دَوْلَتَهُمْ، وَانْزَعِ المُلْكَ مِنْهُمْ، وَأَبْدِلْهُمْ بِالعِزِّ ذُلاًّ، وَبِالقُوَّةِ ضَعْفًا، وَبِالأَمْنِ خَوْفًا، وَبِالكَثْرَةِ قِلَّةً، وَأَدِرْ عَلَيْهِمْ دَوَائِرَ السُّوءِ، اللَّهُمَّ انْتَقِمْ مِنْهُمْ لِإِخْوَانِنَا إِنَّكَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ...

المشاهدات 1710 | التعليقات 2

جميل جدا
أسأل الله أن يكفيك ما أهمك


رائعة يا شيخ..
شكر الله لك..