الأمنيات

عنان عنان
1437/01/10 - 2015/10/23 06:21AM
بسم الله الرحمن الرحيم

" الخطبة الأولى "

عباد الله: قال سبحانه: " أم للإنسان ما تمنَّى " فنفس الإنسان تميل إلى الهوى والشهوات والطمع والجشع والعلو في الأرض. قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " والقلبُ يهوي ويتمنَّى " [رواه البخاري].
قال الأصمعي-رحمه الله-: " أجمل بيتٍ قالته العرب: والنفسُ راغبةٌ إذا رغبتها***وإذا تُردُّ إلى قليلٍ تقنعُ.
عباد الله: الناس في الدنيا صنفان منهم من يريد الدنيا ومنهم من يريد الآخرة قال سبحانه: " منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ". فأهل الدنيا يتمنون أمانيَّ الدنيا وأهل الآخرة يتمنون أمانيَّ الآخرة
قال سبحانه: " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنَّم يصلاها مذموماً مدحوراً* ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً ".
قال عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-: " إن الله يُعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب ولا يُعطي الإيمانَ إلا من أحبَّ ".

عباد الله: فماذا يتمنى أهل الدنيا؟ يتمنى أهل الدنيا حُبَّ الشهرة والرفعة والعلو في الأرض. قال بعض العارفين: " ما من نفسٍ إلا وفيها من نفس فرعون ". فالنفس مشحونة بحب الرئاسة والعلو والشهرة وقد يوالي من وافقه لهواه ويعادي من خالفه لهواه قال سبحانه: " أرءيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا " قال ابن عباس: " الهوى إلهٌ يُعبَدُ من دون الله ". وقد ذم الله الذين يريدون العلو والرئاسة في الأرض قال تعالى: " تلك الدارُ الآخرةُ نجعلها للذين لا يريدون عُلواً في الأرضِ ولا فساداً والعاقبةُ للمتقين ".

يتمنى أهل الدنيا كثرة المال ولا يُبالون من أخذِ المال سواءً كان من الحلالِ أو من الحرامِ. قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " لو كان لإبن آدم واديانِ من مالٍ لأبتغى ثالثاً ولا يملأ جوفَ ابن آدم إلا الترابُ ويتوب الله على من تاب " [متفق عليه]. لهذا أهل الربا من شدة طمعهم وحرصهم على المال أصبحوا كالمجانين في الدنيا يتلخبطون بعثراتها فجعلهم يقومون يومَ المحشر من قبورهم كالمجانين قال سبحانه: " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ". المس: أي الجنون. فهم كالمجانين في الدنيا وكالمجانين في الآخرة.

يتمنى أهل الدنيا إشباع شهوات الفروج والبطون والكلام من الغيبة والنميمة ولا يحبون أن يجدوا حاجزاً يمنعهم عن ذلك. سئل النبي-صلى الله عليه وسلم- عن أكثر ما يدخل الناس النار قال: " الفرج واللسان " ولهذا قالوا: الغيبة فاكهة المجالس.
يتمنى أهل الدنيا والشهوات الإفساد والإخبال والميل عن الصراط المستقيم لأهل الصلاح والإستقامة. قال سبحانه: " والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً "
وأهل الكفر والشرك والضلال لا يريدون لأهل الإيمان خيراً ويودون لهم الشرَّ والذل والهزيمة
قال سبحانه: " ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم خيرٌ من ربِّكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ".
وقال سبحانه: " ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ".
أهل الدنيا يتحسرون يومَ القيامة على مجلسٍ جلسوه ولم يذكروا الله-عز وجل-فيه ولم يصلوا فيه على النبي-صلى الله عليه وسلم- قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم تِرةٌ-أي حسرة وندامة- فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم " [رواه الترمذي].

عباد الله: ماذا يتمنى أهل الآخرة؟ يتمنون الجنة فعملوا لها وشمروا لها واستعدوا لها أتمَّ الإستعداد وصبروا لها فصبروا على طاعة الله وصبروا على معصية الله وصبروا على أقدار الله المؤلمة قال سبحانه: " وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظٍّ عظيمٍ ".
يتمنى أهل الآخرة المغفرة من الله والنجاة من النار قال سبحانه عنهم: " الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذابَ النار* الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار ".
يتمنى أهل الآخرة الليل ليخلوا مع ربِّهم. قال أحد السلف: " أحببت الليلَ للقاءِ ربِّي وكرهتُ النَّهارَ للقاءِ النَّاس ".

يتمنى أهل الآخرة الزوجاتِ الصالحاتِ والإخوانَ الصالحينَ ليعونوهم على نوائب الدهر.
عن أبي أمامة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " يا أنس قلبٌ شاكرٌ ولسانٌ ذاكرٌ وزوجةٌ تعينك على أمر دينك ودنياك خيرُ ما اكتنز الناس " [رواه الطبراني].
وقال أبو سلمان الداراني-رحمه الله-: " لم يبقَ من لذات الدنيا إلا ثلاث قيام الليل وصلاة الجماعة ولقاء الإخوان ".
وقال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-: " عليكم بإنتقاء أحسن الإخوان فإنهم عدة عند البلاء وزينة عند الرخاء ".

يتمنى أهل الآخرة الصبر والمعونة من الله على نوائب الدهر قال الله عنهم إنهم يقولون: " ربَّنا أفرغْ علينا صبراً وتوفنا مسلمين ". فما أحوجنا في هذا العصر للصبر فالحياة كلها تحتاج إلى صبر صبرٍ على طلب المعيشة صبرٍ على طلب العلم صبرٍ على الضيقِ في الرزق صبرِ على الرخاءِ في الرزق لئلا يطغينا صبرٍ على مصائب الدهر.
لهذا قالوا: الصبر مفتاح النجاح- ولم نجد صعباً بالصبر يبلغ الأمل.
وقالوا: صبر ساعة أدوم للراحة.

يتمنى أهل الآخرة العلم النافع من الله-عز وجل- ليحيوا به الإسلام ويعبدوا الله على بصيرة قال ابن القيم-رحمه الله-: " من طلب العلم ليحيَ به الإسلام فهو من الصادقين ودرجته بعد النبوة ". قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " لا حسد إلا في اثنتين رجلٌ أتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار ورجلٌ آتاه الله مالاً فهو يسلطه على هلكته بالحقِّ " [رواه مسلم].
المقصود بالحسد هنا هو الغبِطة أن يتمنى أن يكون مثلَه من غير تمني زوالِ النعمةِ عنه وهذا ممدوح
وقوله: فهو يسلطه على هلكته بالحق: أي غلب نفسه على الشح وجعل ماله خدمةً للإسلام.
فأهل الآخرة يتمنون أن يكونوا من أهل العلم من أهل الصلاح من أهل الإستقامة من أهل الخير. فلنجد ولنتجهد في طلب العلم قال سبحانه: " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجاتٍ ". أي يرفع الله الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ثم يرفع المؤمنين درجات. قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " إن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلةَ البدر على سائر الكواكب " [رواه البخاري].
وقال عبد الملك بن مروان: " تعلموا العلم فإن كنتم سادةً فقتم وإن كنتم وسطاً سُدتم وإن كنتم سُوقة-أي عامة-عشتم ".
وقال عبد الله بن عباس: " إن العلم ليرفع الصعلوك إلى منابر الملوك ".

اللهمَّ اجعلنا من الطائعين واجنبنا دروب الهالكين يارب العالمين.

" الخطبة الثانية "
عباد الله: وهناك حسرات وأمنيات وندمات عند معاينة الموت. قال سبحانه: " حتى إذا جاء أحدهم الموت قال ربِّ ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت ". فوالذي نفسي بيده إن غاية أمنية الموتى في قبورهم حياة ساعة يستدركون بها ما فاتهم من العمل الصالح. عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: مرَّ النبي-صلى الله عليه وسلم-بقبرٍ فقال: من صاحب هذا القبر؟ قالوا: فلان فقال: " ركعتان أحبُّ إلى هذا من بقية دنياكم " [رواه الطبراني وحسنه الشيخ الألباني-رحمه الله-]. قال الحسن البصري-رحمه الله-: " اتقِّ اللهَ يا بن آدم لا تجتمعْ عليك خِصلتان سكرةُ الموت وحسرة الفوت والندامة ".

وهناك أمنيات و حسرات وندمات عند معانية أهل الكفر والفجور والفسوق النَّارَ. قال سبحانه: " ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذبَ بأيات ربِّنا ونكون من المؤمنين ". والذي اتخذ صديقاً سيئاً في الدنيا فإنه يتحسر يوم القيامة ويعض على يديه. قال سبحانه: " ويومَ يعضُّ الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً يا ويلتى لم أتخذْ فلاناً خليلاً لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً ". لهذا قالوا: صديق الخير خير من الوحدة والوحدة خير من صديق السوء ".

وهناك حسرات عند دخول أهل النار النَّار. قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار أُتِيَ بالموت على صورةِ كبشٍ فيُقالُ يا أهل الجنة أتعرفون هذا؟ فيقولون: نعم الموت ويُقالُ يا أهل النار أتعرفون هذا؟ فيقولون: نعم الموت فيُقال يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت " [رواه البخاري]. فيزداد أهل الجنة فرحاً وسرواً على فرحهم ويحزن ويتحسر ويندم أهل النار على تفريطهم في الحياة الدنيا.
هل تتوقعون أن أهل الجنة يتحسرون؟ نعم فأهل الجنة يتحسرون كما جاء في الأثر: " لا يتحسر أهل الجنة على شيء إلأ على حسرتهم لذكر الله " وذلك عندما يرون عظم الذكر وثوابه بما أعده الله للذاكرين اللهَ كثيراً والذاكرات وأهل الجنة مراتب ومنازل فعلى قدر عملك واجتهادك في الدنيا تكون منزلتك في الجنة.

فتزودوا عباد الله من العمل الصالح والزاد العظيم
تزود من معاشك للمعاد***وقم لله واعمل خيرَ زادِ
ولا تجمع من الدنيا كثيراً***فإن كثرة المال يُجمَعُ للنفادِ
أترضى أن تكون رفيق قومٍ***لهم زادٌ وأنت بغير زادِ
رأى أحدهم جاريةً له في المنام فقال لها: أخبريني عن الآخرة؟ فقالت: قدمنا على أمر عظيم نعلم ولا نعمل وأنتم تعلمون ولا تعملون.
فتسبيحة أو تسبيحتان أو ركعة أو ركعتان خير لك من الدنيا وما فيها فوا عجباً من الغافلِ والاهي فيها.
أوصى بعض الحكماء ابنه فقال يا بني: إياك والتسويف لما تهم به من فعل الخير فإن وقته إذا زال لم يعد إليك وإياك وطول الأمل فإنه هلاك الأمم ".
" وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ".


المشاهدات 1521 | التعليقات 0