الأمطار والسيول دروس وعبر

الشيخ محمد بن حسن القاضي
1446/02/06 - 2024/08/10 08:23AM
 
الأمطار والسيول دروس وعبر خطبة (مكتوبة) 5 صفر 1446هـ
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.   
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون} [سورة آل عمران:102].  
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء:1]. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) } [سورة الأحزاب:70-71].  
أما بعد:  
اعلموا أنَّ خير الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد صلى عليه وعلى آله وصحبه وسلم, وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة في النار. 
 
أما بعد معاشر المسلمين! تعلمون أن لله الحكمة البالغة، والحجة القاهرة، سبحانه وتعالى، فهو يفعل ما يشاء ويقضي ما يريد لا معقب لحكمه ولا لقضائه، ألا وإن مما ينزله الله على العباد الأمطار، وهذه الأمطار قد تكون نعمة وقد تكون نقمة وبلية، فالله عز وجل هو الذي يقدر ذلك وحده لا شريك له، ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام، إذا رأى السحب في السماء تغير وجهه فيقولون له في ذلك، يريدون أن هذا هو السحاب الذي ينزل الله منه المطر، فيقول عليه الصلاة والسلام: «وما يؤمنني أن يكون عذاباً ينزله الله عز وجل أما قرأتم قوله تعالى مخبراً عن عاد {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيم (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِين (25) } [سورة الأحقاف:24-25] فانظروا إلى آيات الله عز وجل، هذه السحب قد يكون فيها العذاب والنكال، الله عز وجل أخبر عن هؤلاء أنهم قالوا: ﴿ هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ﴾ فقال الله راداً عليهم: ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيم (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾[سورة الأحقاف:24-25] فعقوبات الله لا يعلمها إلا الله، ولله جنود السماوات والأرض، فالمطر من جنود الله ومن آيات الله، كما أن الله عز وجل جعل من الماء كل شيء حي وجعله نعمة عظمى ومنة كبرى، قال الله: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [سورة الأنبياء:30] فهو سبحانه إذا أراد أن يجعل هذا الماء الذي هو سبب لحياة كل شيء أن يجعله سببا لوفاة كل شيء وتدمير كل شيء لجعله، فالأمر أمره سبحانه وتعالى {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون} [سورة يس:82] 
 
وينزل الله هذا العذاب إذا أراد سبحانه من أجل أن يعود الناس إلى ربهم، ويكون ذلك بسبب كثرة الذنوب والمعاصي، وانتشار الذنوب والمعاصي فيعاقب الله العباد، قال ربنا في كتابه الكريم: {وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا} [سورة الفرقان:37] فانظروا عندما أراد الله أن يعاقب قوم نوح عليه السلام، قوم نوح أرسل الله نوحا عليه السلام، إلى قومه فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وحذرهم من عبادة غيره فما آمن معه إلا قليل، فجاء ألأمر من الله عز وجل بإهلاكهم وتدمير مساكنهم، فأنزل الله عز وجل عليهم الماء، حتى علا الماء رؤوس الجبال وكان ذلك سببا لحتفهم وإهلاكهم، قال ربنا في كتابه الكريم: { وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) }[سورة هود:41-44] فنوحٌ عليه السلام لما عانده قومه، ولم يؤمنوا برسالته، ولم يوحدوا الله عز وجل، قال ربي إني مغلوب فانتصر، قال الله: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِر (11) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِر (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُر (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِر (14) وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِر (15) } [سورة القمر:11-15] 
 
فهذه آية من آيات الله، إذا أراد الله عز وجل أن يهلك قوما فقد يهلكهم بشيء لا يتوقعونه، ألم يكن فرعون الطاغية، الذي طغى وتكبر، والذي كان يقول أنا ربكم الأعلى، ويقول أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار من تحتي، يتفاخر بالماء الذي يجري من تحت قصره ويتفاخر بملكه، فجعل الله هذا الماء سببا في هلاكه وسببا في حتفه، قال ربنا في كتابه الكريم: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} [سورة يونس:90] فانظروا كيف عاقبه الله، دخل فرعون وراء موسى عليه السلام، وموسى نبي من أنبياء الله من أولي العزم من الرسل، وقد شق الله البحر لموسى آية ومعجزة وكرامة من الله عز وجل لموسى ولمن معه من المؤمنين، فلم يعتبر فرعون بل دخل وراء موسى في البحر، فموسى عليه السلام وقومه نجوا من البحر، وشق الله لهم البحر طريقاً يبسا، فلما خرج موسى ومن معه من المؤمنين ودخل فرعون ومن معه من جنوده الكافرين إلى داخل البحر ارتطم عليهم البحر فكان حتفهم وهلاكهم، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَر} [سورة المدثر:31] آيات ومعجزات من الله عز وجل.
 
ألا وإن مما تقرر يقينا، وعلم يقينا، أن الله لا يظلم أحدا وإنما يؤاخذ العباد ببعض ذنوبهم، قال في كتابه الكريم: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير} [سورة الشورى:30] فالله رحيم بعباده ولكنه ينزل بعض العذاب تذكيراً لعباده، قال الله في كتابه الكريم: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون} [سورة السجدة:21] فهذه الأمطار والسيول من آيات الله عز وجل التي تكون تبصرة للعقول وإصلاحا للقلوب لمن تأمل وتدبر وأخذ الدروس والعبر من هذه الأحوال التي يمر بها الناس والتي يمر بها العالم، ينبغي أن نأخذ الدروس والعبر من هذه الأمطار والسيول الجارفة، ولا نبرر ونقول كوارث طبيعية وأحوال كونية، لا بل هذه عقوبات من الله عز وجل يبتلي الله بها عباده ليذكرهم وينذرهم ويحذرهم سبحانه وتعالى، والله أرحم بنا من أنفسنا ولا يريد الله تعذيبنا، قال الله في كتابه الكريم: {مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [سورة النساء:147] فالله لا يريد تعذيب الناس وإنما يبتليهم تذكيراً لهم وإرشاداً لهم وتحذيراً لهم سبحانه وتعالى. 
أستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم
*الخطبة الثانية*
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، أما بعد:
 
أيها الناس! سمعتم، ورأيتم، وشاهدتم، وتابعتم، ما حصل في هذا الأسبوع من سيول جارفة، ومن أمطار غزيرة أنزلها الله في عدة أماكن، فلنا مع هذه السيول والأمطار بعض الوقفات
 الوقفة الأولى: أن نعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن قوة الله لا تقف أمامها قوة، فيأت بهذه الأمطار وربما يكون الناس في لحظات والشمس ظاهرة وليس في السماء أي سحب، ثم ما هي إلا لحظات وقد عمت السحب الكثيفة، ونزلت الأمطار الغزيرة، وامتلأت الأودية، فهذا يدل على قدرة الله، لو اجتمعت البشرية بأسرها على أن تفعل شيئاً يسيراً من هذا لا تقدر، لكنها قدرة الله، فالله على كل شيء قدير، ولا يعجزه شيء، وأيضا من قدرته سبحانه أنه يجعل هذه القطرات من المطر وديانا هائجة، وسيولاً جارفة، تأخذ البنايات وتأخذ القصور والدور، وتهلك الحرث والنسل، فهذه من الآيات العظيمة، وكذلك أيضا كم من شخص قد بنى بنيانا صلبا ضخما قويا فجاء السيل وجرفه مع أنه ما كان يتوقع أن يزال لكن قدرة الله لا تقاوم، فالله على كل شيء قدير، فهذه هي الوقفة الأولى إذاً ينبغي أن نعلم قدرة الله، وأن نؤمن باسم الله القدير، فالله على كل شيء قدير له القدرة التامة الكاملة سبحانه وتعالى.
 
 كذلك أيضا من هذه الوقفات أن نعلم أن الله ما يصيب العباد إلا بسبب ذنوب ومعاصي، أخبر الله عز وجل عن قوم سبأ الذين كانوا في اليمن وكيف كانوا في رغد من العيش ثم لما عصوا ربهم وكفروا بنعمته أرسل الله عليهم هذا السيل، قال ربنا في كتابه الكريم: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُور (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيل (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُور (17) } [سورة سبأ:15-17] فنظروا إلى عقوبات الله، لما أعرضوا ولم يشكروا نعمة الله عز وجل، أرسل الله عليهم سيل العرم، فماذا عمل هذا السيل؟ إن هذا السيل أبادهم، وأهلك منازلهم، ودمر ملكهم، وصاروا شذر مذر، وتفرقوا في البلدان، وصاروا بعد ذلك حديث الناس، قال الله: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سورة سبأ:19] فما عند الله لا يعلمه أحد، وقدرة الله لا تقاوم، وهذا بسبب الذنوب والمعاصي، إذاً أعظم درس نأخذه من هذه الأمطار والسيول أننا نتوب إلى الله عز وجل، ونصلح ما بيننا وبين الله، ليس بين الله وبين أحد من خلقه قرابة، إنما الوسيلة إلى الله تقواه ومراقبته وخشيته والتوبة إليه سبحانه وتعالى، إذاً ننتبه لهذه المسألة ونأخذ هذا الدرس العظيم.
 
 وكذلك أيضا من هذه الوقفات التي نستفيدها من هذه السيول، أهمية الصبر وأن الإنسان يكون صبورا، فقد يبتلي الله العبد بأن يكون في مضرب هذه الأودية أو قريبا من هذه السيول فتأتي هذه السيول الجارفة فتأخذ ماله، أو تأخذ أحد أولاده، أو تأخذ بيته، أو أو إلى غير ذلك، فعليه أن يتحلى بالصبر، وأن يعلم أن جزاء الصابرين الجنة، قال ربنا في كتابه الكريم: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب} [سورة الزمر:10]  
 
فنقول لهؤلاء الذين جرفت السيول أراضيهم، وزراعاتهم، وممتلكاتهم، ودمرت منازلهم، نقول لهم الله الله في الصبر، واحمدوا الله على السلامة، فمن نجا بروحه وسلم فإنه لا يزال في خير، فعليه أن يشكر الله، وعليه أن يصبر على هذا البلاء حتى ينال أجر الصابرين، والله يعطي الصابرين أجورا عظيمة، قال {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب} [سورة الزمر:10] أي لا يكال لهم ولا يوزن وإنما يغرف لهم غرفا، فهنيئا لمن ابتلي فصبر، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «إن السعيد لمن جنب الفتن ولمن ابتلي فصبر فواها أي فواعجباً لأمره» فهنيئا للصابرين وهنيئا لمن رزق الله عز وجل قلباً صابرا، ولسانا شاكرا ذاكرا لله رب العالمين، احذر أن تتسخط على الله وأن تقل لماذا أنا يا رب، فهذه ابتلاءات وهذه حكم من الله، لا تدري أنت ماذا وراءها، ولله الحكمة البالغة في ذلك لا ندركها نحن، لكن الله يعلمها سبحانه وتعالى.
 
فنقول لمن فقد ابنه، أو فقد بنته، أو فقد زوجته، أو فقدت زوجها، أو ابنها أو أبيها نقول لهؤلاء الله الله في الصبر والإحتساب لتنالوا ما عند الله من الثواب، احذروا التسخط على الله وارضوا بقضاء الله وقدره، وكونوا أقوياء في الصبر على ذلك لتنالوا العطاء الكبير والثواب العظيم من الله البر الرحيم سبحانه وتعالى. 
 
كذلك أيضا من هذه الوقفات مع هذه السيول والأمطار أننا نقول: ينبغي للإنسان أن يكون عاملاً بالأسباب التي تقيه بإذن الله من هذه البلايا ومن هذه الأخطار عظيمة، والأخذ بالسبب لا يناقض التوكل، فعلى سبيل المثال من يقوم ببناء المنازل في وسط الأودية وعلى جنبات الأودية هذا من الخطأ الكبير، وهذا يعتبر من الإلقاء بالنفس إلى التهلكة، الشخص إذا أراد أن يبني بيتاً فإنه يتحرى الأماكن الطيبة التي لا تكون في مضرب السيول والأودية هذا من الأمور المهمة. 
 
وينبغي على هيئة الإسكان وعلى وزارة الأشغال أن تهتم بهذه الأشياء، وأن يكون هناك رقابة على مسألة المخططات السكنية والبنايات السكنية، فلا تكون في مضرب المياه وفي طريق السيول والوديان، هذا من الأهمية بمكان، ينبغي أن يقوم به الناس جميعا، وأن يحرصوا على ذلك، خصوصاً من ولاه الله أمر المسلمين فينبغي أن يولي هذا اهتماما بالغا.
 
 ومن هذه الوقفات أيضا التعقل وعدم المغامرة، فإن بعض الناس قد يكون نجا بنفسه وبأهله وأولاده من السيول، فربما يرجع إلى بيته يريد أن يدخل من أجل أن يخرج وثائق أو من أجل أن يخرج أوراق فيهلك ويموت، وهذا خطأ بل إذا نجى بروحه يحمد الله ويشكر الله، وكل شيء يعوض، إلا النفس هي التي لا تعوض، فلا يخاطر الإنسان بنفسه من أجل شيء من المال أو من أجل أوراق ونحو ذلك، بل يحمدوا الله على السلامة.
 
 كذلك أيضا من الأمور المشينة والأمور الخطيرة، ما يفعله بعض السائقين أصلحهم الله، يصل إلى مكان والسيل قد نزل فيدخل في السيل بسيارته وبمن معه من الركاب أين عقله، لا تودي بنفسك إلى التهلكة، يقول الله في كتابه الكريم: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين} [سورة البقرة:195] ويقول الله في كتابه الكريم: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [سورة النساء:29] فلم المغامرة؟!، انتظر يا رجل، تعقل، كن عاقلا ولا تكن طائشا ولا مجنونا، ترى الوادي أمامك يجرف كل شيء ويخرب كل شيء، وأنت تنزل، أين عقلك؟!، الماء هذا من جنود الله، ينبغي أن تتنبه وألَّا تتساهل وألَّا تغامر بالأرواح، لا بروحك ولا بأرواح من معك، إذاً المطلوب العناية بهذا الأمر.
 
وكذلك أيضا: ينبغي على الهيئات المختصة بأمر الأشغال والطرق أن يقوموا بإصلاح الأماكن التي خربتها السيول، وهكذا أن يقوموا حال تخطيطهم في بناء الطرق أن ينظروا إلى الأماكن التي تأتيها السيول كيف يكون بناء الخط فيها، وكيف يكون الخط في ذلك المكان إما جسوراً عالية وإما وإما لأنه إذا لم يكن مهيئاً لأن يخرج السيل من تحته فإنه قد يسبب كوارث عظيمة، فلهذا على المسؤولين على هذه الأشياء أن يراقبوا الله وأن يعلموا أنهم مسؤولون أمام الله رب العالمين سبحانه وتعالى، إذا كان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقول كما جاء عنه من طرق كثيرة أنه قال: لو عثرت بغلة بأرض العراق لخشيت أن يسألني الله عنها، فعلى المسؤولين الذين ولوا هذه المهمة أن يراقبوا الله عز وجل، وأن يعتنوا بهذا الأمر.
 
 كذلك أيضا: على الناس جميعا أن يحرصوا على التعاون خصوصاً مع هؤلاء الذين فقدوا بيوتهم ومساكنهم، بعض الناس نجا بنفسه وربما نجا بأهله وأولاده؛ لكن لا مأوى لا مسكن لا مال لا ثياب لا بيت يؤويه ولا شيء، الله الله في التراحم، يا رجال أحوال تَنْهَدُّ لها الجبال، ومصائب وكوارث لا يعلمها إلا الله، بينما الإنسان يأمل أن يربح، وأن يكسب، وأن يفعل، وإذا به يرجع إلى الصفر وربما صار نسياً منسيا
 
كم من جثث لا تزال إلى الآن تحت الأنقاض يُبحث عنها، وكم من مفقودين،،وكم وكم من أحوال ومع ذلك لا تزال الأيام مهيئة السيول والأمطار، فالله الله في التعاون والتراحم، والله الله في السعي فيما يكون سبباً في نفع المسلمين جميعا.
 
 كذلك أيضا: على الجهات المختصة وعلى ولاة الأمر وعلى التجار وأرباب الأموال أن يحرصوا على التعاون في هذه الأمور المهمة فهذه مسؤوليتهم العظمى ومهمتهم الكبرى التي لا ينبغي أن يغفلوا عنها، «ما من عبد يسترعيه الله رعية فيموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا لم يرح رائحة الجنة»، «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته»، فعليهم أن يتقوا الله، وأن يراقبوا الله عز وجل في شعبهم، وفي من تحت أيديهم.
 
كذلك أيضا: مما ينبغي أن يتنبه له ما يحصل من بعض الناس في الأماكن التي جرفتها السيول، مصائب قوم عند قوم فوائد، أُناس في أحوال لا يعلم بهم إلا الله، وأناس يتفودون ويبحثون عن الأشياء في تلك الأحوال، إنها العقول المنكوسة، والفطر المنكوسة، والمفاهيم المعكوسة عياذاً بالله، الناس بحاجة إلى من يعينهم، وبعض الناس إذا رأى سيارة اقتلبت في الخط بسبب الماء أو بسبب السيل يذهب بدل ما ينقذ يبحث له عن جوال، يبحث له عن مال، يبحث له عن غير ذلك من الأشياء.
 
 كذلك إذا دخل السيل إلى قرية أو مكان وهرب الناس وماتت المواشي أو بعض المواشي، إذا أدرك له مواشي أخذها، وإذا أدرك له أموالاً أو ذهباً أو بعض الأشياء في البيوت أخذها، هذه نذالة، وهذه خسة ودناءة عياذاً بالله، المطلوب الآن الرحمة والتعاون، وليس الهجوم كما يفعل من لا خلاق له عياذاً بالله، فندعوا المسلمين جميعا خصوصاً أرباب الأموال والتجار والأثرياء والمؤثرين على وسائل التواصل، ومن لهم نشاط إلى أن يكون لهم وقفة في التعاون مع إخوانهم المتضررين من هذه السيول.
 
 كذلك أيضا: نقول لمن نجا أو لمن لم يصل الماء إلى ديارهم وإلى بيوتهم ولم تصلهم السيول، نقول لهم اشكروا الله واعلموا أن الله على كل شيء قدير، ولو أراد الله أن يحل هذا بكم لحل وإذا أراد الله شيئا كان، فلا تأمنوا مكر الله عز وجل، ولا تأمنوا بطش الله وغضب الله عز وجل، فاشكروا الله وازدادوا إقبالاً على الله، وتضرعا إلى الله، أن يسلمكم الله.
 
 أسأل الله بمنه وكرمه، وفضله وإحسانه، أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يأخذ بنواصينا للبر والتقوى، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم احفظ يمن الإيمان والحكمة، ونجنا من كل ضائقة وفتنة، اللهم رحماك بأهل اليمن، اللهم رحماك بالمتضررين جراء هذه السيول والأمطار يا رب العالمين، اللهم ارحم الذين جرفتهم السيول يا رب العالمين، اللهم تقبلهم بين يديك، اللهم اجبر كسر أهليهم وذويهم يا رب العالمين، واربط على قلوبهم يا أكرم الأكرمين، واخلف لهم بخير في العاجل والآجل يا رب العالمين، اللهم أصلح الأحوال، اللهم لا تنزل علينا غضبك، اللهم إنا عبادك بنو عبيدك بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماض فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، ونسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة، في الدنيا والآخرة، اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لإخواننا في فلسطين، اللهم كن لهم خير معين، اللهم انصرهم بنصرك، وأيدهم بتأييدك يا رب العالمين، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم أرنا في اليهود والنصارى عجائب قدرتك، وأنزل عليهم رجزك الذي لا ترده عن القوم المجرمين. 
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، وقاعدين، وراقدين، وأقم الصلاة.
المرفقات

1723267391_الأمطار_والسيول_دروس_وعبر_خطبة_في_مسجد_الرحمة_حارة_الأمان_بمعبر.pdf

المشاهدات 287 | التعليقات 0