(الأمر بأخذ الزينة عند كل مسجد )

خالد الشايع
1445/10/24 - 2024/05/03 05:25AM

الخطبة الأولى ( أخذ الزينة عند كل مسجد )  24/10/1445

أما بعد  فيا أيها الناس : سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض ، وتعرضوا لنفحات ربكم ، علها أن تصيبنا نفحة من تلك النفحات فنسعد بها سعادة لا شقاء بعدها .

معاشر المسلمين : إن لله سبحانه بيوتا في الأرض وضعها للناس ليعمروها حسا ومعنى ، ألا وهي المساجد ، فقال سبحانه ( وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا ) ويقول سبحانه ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال )

لقد جعل الله للمساجد أحكاما وآدابا ، ورتب على ذلك أجورا عظيمة ، ليرغب الناس في تلك الفضائل ، فأولا حث على عمارتها حسيا ، وهو بناؤها وإحسان ذلك ، وتعاهدها بالنظافة والإصلاح ، وتهيئتها للمصلين والمعتكفين ، كما قال سبحانه ( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود )

أخرج صاحبا الصحيحين من حديث عثمان بن عفان قال  سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من بنى مسجدًا ، يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة . 

وأخرج ابن ماجه  في سننه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من بنى مسجدًا لله كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتًا في الجنة

كما حث المصطفى صلى الله عليه وسلم على نظافة المساجد وتعاهدها ، كما أخرج صاحبا الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة سوداء كانت تقُم المسجد أو شابًا ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها أو عنه فقالوا: مات قال: أفلا كُنتم آذنتموني قال: فكأنهم صغروا أمرها أو أمره فقال دُلوني على قبره فدلوه فصلى عليها ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم .

أيها المؤمنون : إن عمارة المساجد من علامات الإيمان ، قال سبحانه ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله )

وإن مما يؤسف له عدم اهتمام البعض ، لا بالمشاركة في صيانتها ، ولا في نظافتها ، وكأنها مجلس من المجالس ، فالبعض يعمل فيها مالا يليق بالمجالس العامة فضلا عن المساجد ، فتجده ينظف ثوبه وغترته وربما انفه ، ويلقي بقاذوراته عل الفرش ، والبعض يقلم أظفاره ، وينتف شعره ، وأشياء غريبة لا يصدق المسلم أن أحدا يفعل ذلك ، حتى يراه بعينه ، ولهذا قال أهل العلم : إن المساجد تصان مما تصان منه عين الإنسان ، فكل قذاة تؤذي عينك لا تضعها في المسجد .

وإن من عمارتها ، عمارتها بالعبادة ، فهي موطن العبادة ، وفيها يخلو العبد بربه ، فيخلص له العبادة ، ويخلو بنفسه فيحاسبها ويهذبها ، وهل بنيت المساجد إلا لعمارتها بالعبادة ، فعود نفسك المكث في المساجد ، ولا تستطيل الوقت ، فأنت في عبادة حتى تخرج منه ، والملائكة تستغفر لك ، وقد حفظت سمعك وبصرك  من المآثم .

عباد الله : وإن مما يدعا إليه لفعله ، طباعة المصاحف ووضعها في المساجد ، سواء في الداخل أو الخارج ، فإن ذلك من الأوقاف التي يستمر أجرها على العبد بعد موته ، أخرج ابن ماجه في سننه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علمًا علمه ونشره وولدًا صالحًا تركه ومصحفًا ورثه أو مسجدًا بناه أو بيتًا لابن السبيل بناه أو نهرًا أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته  .

ومن الأعمال الجليلة في المساجد تعليم القرآن بإقامة حلقات التحفيظ فيها للرجال والنساء ، ودعمها ماديا ومعنويا ، فهي تربي الأجيال وتحفظ وقتهم  ، فالواجب دعمهم ، والصبر على إزعاجهم فهم في الغالب أطفال ، وغدا يكونوا عماد الأمة بإذن الله .

اللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك يارب العالمين ، أقول قولي هذا ....

 

الخطبة الثانية

اما بعد فيا معاشر المسلمين : لقد شرع الله الصلاة في المساجد ، فتصلى جماعة ، فيلتقي المسلمون في المساجد ويتعارفون ويتساءلون ويتحابون ويتساعدون ، ولكن الله نبه المسلمين إذا جاءوا للمساجد أن يأخذوا زينتهم ، فيتجملوا ويتطيبوا قبل المجيء للمسجد ، لأنه سيقابل ربه ، وحتى لا يؤذي الناس بما يكرهون من الملابس والروائح ، قال الله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، قال ابنُ كثيرٍ (رحمه الله) في تفسيره: "ولهذهِ الآيةِ وما وَرَدَ في معناها من السُّنةِ: يُستَحَبُّ التَّجَمُّل عنـد الصـلاةِ، ولا سيَّمَا يـومَ الجمعةِ ويـومَ العيدِ، والطِّيبُ لأنهُ من الزِّينَةِ، والسِّواكُ لأنهُ من تَمَام ذلكَ" أهـ

كما أمر بتطييب المساجد وتطهيرها وتهيئتها للمصلين ،  فقال سبحانه ( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أ، طهرا بيت للطائفين والعاكفين والركع السجود )

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتطييب المساجد وتطهيرها وبنائها في الأحياء .
 عباد الله : ينبغي للمسلم إذا جاء للمسجد للصلاة أن يأخذ أجمل ثيابه ، ويتطيب بعطر طيب الرائحة ، ويستشعر وقوفه بين يدي الله ، فالبعض هداهم الله ، لا يتجمل للصلاة وكأنه لا يعلم أنه في موعد للقاء الله سبحانه ، فتجده يلبس ثياب البيت من جلابية أو بيجامة ، في ملابس يستحي أن يذهب بها في المناسبات ، فالله أحق من تجمل له ، وأحق من استحيي منه ، سبحانه ، والبعض كذلك تجده لا يبالي برائحته ، فتجده يعمل طول النهار وتنبعث منه الروائح الكريهة ، ثم يأتي للصلاة فيؤذي الناس برائحته ، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم من أكل ثوما أو بصلا أن يقرب المسجد ، بل كان إذا وجد من رجل رائحتهما أمر به فأخرج للبقيع ، والآن يوجد روائح أعظم كراهة من الثوم والبصل ، كرائحة الدخان ، أو الشيشة ، أو بعض العطورات الرديئة ، المضرة أيضا ، ومن الأشياء التي لا بد من التنبه لها ، عدم لبس اللباس الذي يحتوى على بعض الصور والشعارات والدعايا ، والتي ربما تكون لكفار أو غيرهم من لاعبي الكرة والممثلين والمطربين ، بل ربما لبس بعض اللباس الذي يحتوي على صليب والعياذ بالله .

أيها الناس : خلاصة الأمر هو كما قال سبحانه ( خذوا زينتكم عند كل مسجد )

فلا بد من الاستعداد للصلاة والاحتفاء بها ، فالصلاة موعد مع الله ، تباح فيه الأسرار ، وتنثر فيه الدموع ، وينقلب المسلم منها وقد غفرت ذنوبه ، وطهرت نفسه .

اللهم وفقنا لهداك ...

المشاهدات 911 | التعليقات 0