الأمانة وعدم الخيانة

الحمدُ للهِ الَّذي أَمَرَ بالعَدْلِ وَالإِحْسانِ، وَنَهى عَنِ الفَسادِ وَالعُدْوانِ، وَجَعَلَ الأَمانةَ أَصْلًا مِن أُصولِ هٰذا الدِّينِ، فَقالَ سُبحانَهُ ]إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا[ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسولُهُ، القائِلُ (أَدِّ الأَمانةَ إِلى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَن خانَكَ)

أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، وَراقِبوهُ سِرًّا وَعَلانِيَةً، وَاعْلَموا أَنَّ الأَمانةَ لَيسَت مُجَرَّدَ خُلُقٍ كَريمٍ، بَلْ هِيَ عِبادَةٌ وَتَكْليفٌ، تَشْمَلُ كُلَّ ما أَوْكَلَهُ اللهُ إِلَيْكَ مِن مالٍ أَو قَوْلٍ أَو عَمَلٍ.

أَيُّهَا المُسْلِمونَ.. إِنَّ هٰذا الدِّينَ العَظيمَ قَد بُنِيَ عَلَى الأَمانةِ وَالنَّزاهَةِ وَصِيانَةِ الحُقوقِ، وَجَعَلَها مِن أَوْضَحِ عَلاماتِ الإيمانِ. قالَ النَّبيُّ ﷺ (لا إِيمانَ لِمَنْ لا أَمانةَ لَهُ، وَلا دينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ).

وَما مِن أُمَّةٍ تَفْشُو فيها الخِيانَةُ، وَتُضَيَّعُ فيها الأَماناتُ، وَيُسْتَباحُ فيها المالُ العامُّ وَالخاصُّ، إِلَّا نَزَعَ اللهُ مِنْها البَرَكَةَ، وَتَفَرَّقَتْ كَلِمَتُها، وَظَهَرَ فيها الفَسادُ.

عِبادَ الله.. مِن أَعْظَمِ الأَماناتِ: المالُ؛ سَواءٌ كانَ مالًا عامًّا أَو خاصًّا. وَقَد جاءَ التَّحذيرُ النَّبَوِيُّ الشَّديدُ مِنَ الاعتِداءِ عَلَى الأَموالِ بِغَيرِ حَقٍّ، فَقالَ ﷺ (كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرامٌ: دَمُهُ وَمالُهُ وَعِرْضُهُ) وَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ في التَّحذيرِ مِنَ الاعتِداءِ عَلَى المالِ العامِّ (إِنَّ رِجالًا يَتَخَوَّضونَ في مالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمُ النَّارُ يَومَ القِيامَةِ) أي: يَتَصَرَّفُوا فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَأَخْبَرَ النَّبيُّ ﷺ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَّا أَنْ يَتُوبُوا، فَيَرُدُّوا الْمَظَالِمَ إِلَى أَهْلِهَا.

فَالمالُ العامُّ لَيسَ مُباحًا لِأَحَدٍ، بَلْ هُوَ مُلْكٌ لِلأُمَّةِ كُلِّها، وَالاعتِداءُ عَلَيْهِ خِيانَةٌ لِلَّهِ وَلِرَسولِهِ وَلِلْمُؤْمِنينَ، وَنُقْصانٌ في الدِّينِ وَالمُروءَةِ.

أَيُّهَا المُؤْمِنونَ.. إِنَّ النَّزاهَةَ لَيسَت مُجَرَّدَ كَلِمَاتٍ أَو شِعَارَاتٍ، بَلْ هِيَ سُلوكٌ يَوميٌّ، يَبْدَأُ مِنْ مُرَاقَبَةِ اللهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَفِي أَدَاءِ الْعَمَلِ بِإِخْلَاصٍ، وَالْبُعْدِ عَنِ الرَّشْوَةِ وَالْمَحْسُوبِيَّةِ وَالْغِشِّ وَالْخِدَاعِ. وَقَد قالَ النَّبيُّ ﷺ (مَنْ غَشَّ فَلَيسَ مِنِّي) وَهٰذا وَعيدٌ شَديدٌ يَدُلُّ عَلَى خُطورَةِ الغِشِّ في البَيْعِ وَالشِّراءِ، وَفي الأَعْمالِ، وَفي المَسْؤُولِيّاتِ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ الأَمَانَةِ وَالنَّزَاهَةِ، وَاصْرِفْ عَنَّا الفَسَادَ وَأَهْلَهُ، وَاحْفَظْ بِلادَنَا وَأَمْوَالَنَا، وَوَفِّقْنَا لِأَدَاءِ الحُقُوقِ كَمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى.

هذا، وَاِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِالتَّوْبَةِ وَالإنَابَةِ، فَتُوبُوا إِلَى اللهِ يَغْفِرْ لَكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ، فَإِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ

 

 

 

الحمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى أَشْرَفِ الأَنبِياءِ وَالمُرْسَلينَ، نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجمَعينَ.

أَيُّهَا المُؤْمِنونَ.. إِنَّ مِن أَعْظَمِ تَوجِيهاتِ نَبِيِّنا ﷺ ما جاءَ في قَولِهِ (اتَّقِ اللهَ حَيثُما كُنتَ) فَمَنِ اتَّقَى اللهَ راقَبَ نَفْسَهُ، وَأَخلَصَ عَمَلَهُ، وَأَدَّى الأَماناتِ، وَابتَعَدَ عَنِ الظُّلْمِ وَالاعتِداءِ.

وَقالَ ﷺ في الإِحسانِ إِلَى المُجتَمَعِ وَحِفْظِ مَصالِحِهِ (المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمونَ مِن لِسانِهِ وَيَدِهِ) فَكَيْفَ بِمَنْ يَعْتَدِي عَلَى مُؤَسَّساتٍ، أَو مَرافِقَ، أَو مُمتَلَكاتٍ عامَّةٍ؟ ذٰلِكَ لَيسَ مِن خُلُقِ المُسْلِمِ، وَلا مِن شَمائِلِ المُؤْمِنِ الصّادِقِ.

أَيُّهَا المُسْلِمونَ.. وَمِن أَنفَعِ الإِرشاداتِ النَّبَوِيَّةِ: قَولُهُ ﷺ (لا ضَرَرَ وَلا ضِرارَ) وَهٰذا يَشمَلُ مَنْعَ كُلِّ أَنواعِ الضَّرَرِ: في المالِ، وَالحُقوقِ، وَالمُمتَلَكاتِ، وَالبِيئَةِ، وَالمُجتَمَعِ. فَاستِخدامُ المالِ العامِّ أَوِ المُمتَلَكاتِ العامَّةِ لِغَيرِ وَجهِ حَقٍّ يَدخُلُ في هٰذا البابِ.

عِبادَ الله.. احفَظوا الأَمانةَ الَّتي حَمَّلَكُمُ اللهُ إِيَّاها، وَكونوا قُدوةً في الصِّدقِ وَالنَّزاهَةِ، فَإِنَّ الأُمَّةَ لا تَنهَضُ إِلَّا بِرِجالٍ صادِقينَ، وَنِساءٍ مُخلِصاتٍ، وَأَجيالٍ تَرَبَّت عَلَى الخَوْفِ مِنَ اللهِ، وَالمُحافَظَةِ عَلَى الخَيرِ، وَالدِّفاعِ عَنِ الحُقوقِ، وَمَنعِ الفَسادِ بِكُلِّ أَشكالِهِ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ الهُدى وَالتُّقى، وَالعَفافَ وَالغِنى. اللَّهُمَّ طَهِّر قُلوبَنا مِنَ الخِيانَةِ، وَأَعمالَنا مِنَ الرِّياءِ، وَأَموالَنا مِنَ الحَرامِ. اللَّهُمَّ أَصلِح أَحوالَ المُسلِمينَ، وَاجعَل هٰذا البَلَدَ آمِنًا مُطمَئِنًّا وَسائِرَ بِلادِ المُسلِمينَ.

صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجمَعينَ.

المرفقات

1764903420_الأمانة وعدم الخيانة.pdf

1764903432_الأمانة وعدم الخيانة.docx

المشاهدات 71 | التعليقات 0