الأمانة وحفظ المال العام

د عبدالعزيز التويجري
1442/04/25 - 2020/12/10 20:21PM

الخطبة الاولى : حفظ المال العام        

الحمد كما ينبغي له أن يحمد ، وله الشكر فلا أحد أحق بالشكر منه ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ خلق الخلق ورزقهم  وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ؛ أحل لنا الطيبات ، وحرم علينا الخبائث ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد

مَنْ يَتَّقِ الله يُحْمَـــــــــد في عَواقِبِــــــــــــــه  ...     وَيكفِهِ شَرَّ مَنْ عزُّوا ومَنْ هانوا

واشدُدْ يَدْيكَ بحَبلِ الدِّينِ مُعتَصِماً  ...     فإنَّهُ الرُّكْنُ إنْ خانَتْكَ أركانُ

مَنِ استعانَ بغَيرِ اللهِ في طَلَـــــــــــــــــبٍ  ...    فإنَّ ناصِرَهُ عَجزٌ وخِذْلانُ

إذا صلح الزمان صلحت الذمم والأخلاق ، وإذا فسد الزمان فسدت الذمم والأخلاق ، حتى ترفع الأمانة ، وتكثر الخيانة ، وتنتشر الأخلاق الرديئة من الكذب والزور والرشوة والظلم ، ويعم الفساد جميع مناحي الحياة ، وإنما يصلح الزمان والحال بصلاح الناسوولاتهم .

في صحيح البخاري قال أبو حميد الساعديt قام رسول الله ، فخطب الناس وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أما بعد، فإني أستعمل رجالا منكم على أمور مما ولاني الله فيأتي أحدكم فيقول: هذا لكم، وهذه هدية أهديت لي، فهلا جلس في بيت أبيه، وبيت أمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا، فوالله لا يأخذ أحدكم منها شيئا بغير حقه  إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر» ثم رفع بيده  حتى رأينا عفرة إبطيه: «اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت»

هذا من أعظم ركائز أمانة حفظ مال المسلمين ، ولا يجوز بحال من الاحوال العبث بثروات الامة ومكتسباتها ، أو استخدامها في غير محلها .

فمن غل شيئا لا حق له فيه دون المسلمين جاء يحمله على ظهره يوم القيامة ليحاسب عليه [وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ]

وروى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: افتتحنا خيبر ولم نغنم ذهبا ولا فضة إنما غَنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط، ثم انصرفنا مع رسول الله  صلى الله عليه وسلم  إلى وادي القُرى ومعه عبد له يقال له مِدْعَم ، فبينما هو يحط رحل رسول الله  صلى الله عليه وسلم  إذ جاءه سهم عائر حتى أصاب ذلك العبد فقال الناس هنيئا له الشهادة فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم:  (بل والذي نفسي بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي  صلى الله عليه وسلم  بشراك أو بشراكين فقال هذا شيء كنت أصبته فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  شراك أو شراكان من نار.

ولما علم بعض الصحابة رضي الله عنهم ما في الغلولوما أخذ شيئا من حق المال العام من الإثم العظيم، والعقوبة الشديدة، والفضيحة في الدنيا الآخرة ؛ استعفوا من الولاية ، واعتذروا من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قبولها ؛ خوفا من أن يلحقهم شيء من الغلول ، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم عذرهم ، وأعفاهم من وظائفهم ، كان منهم سعد بن عبادة رضي الله عنه  وقصته في صحيح مسلم من حديث عدي بن عميرة الكندي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول:( من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة ، قال: فقام إليه رجل من الأنصار كأني أنظر إليه فقال: يا رسول الله اقبل عني عملك، قال: ومالك؟ قال:سمعتك تقول كذا وكذا ، قال عليه الصلاة والسلام: وأنا أقوله الآن من استعملناه منكم على عمل فليجيء بقليله وكثيره فما أوتي منه أخذ وما نهى عنه انتهى)  وفي رواية للحاكم قال عليه الصلاة والسلام :(يا سعد إياك أن تجيء يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء، قال: لا آخذه ولا أجيء به فأعفاه)

وفي مسند الإمام احمد ( أن رجلا من المسلمين توفي بخيبر فذكر لرسول r  فقال صلوا على صاحبكم قال فتغيرت وجوه القوم لذلك ، فلما رأى الذي بهم قال :إن صاحبكم غل في سبيل الله، ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزا ما يساوي درهمين).

فإذا كان الغال يؤاخذ بسير النعل الذي لا يساوي شيئا،أو خرزا لاتساوي درهمين ، فكيف بما فوقه من المال والمتاع العظيم ؟! فيا ويل من استحلوا الأموال العظيمة بمجرد وصولهم إليها ، وائتمانهم عليها، والامر أشد وأعظم حينما يستحلها الإنسان بتأول صادف ، وطمعا  في نفسه وافق شهوة  

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين ...

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى؛ وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.

 أما بعد :

إذا انتشر الغلول وتساهل الناس في الأخذ من المال العام المصروف لمصالح المسلمين ، مهما تعددت مسمياته وتنوعت على أي ولاية قل شأنها أو عظمت، كبرت المسؤولية أو صغرت، ولم يجد أحدهم حرجا من امتداد يده إلى ما ليس له؛ لضعف ديانته ، وفساد خلقه ، وجشع نفسه ، مع غياب المراقبة والمحاسبة والعقاب ؛ فإن أخلاقا رديئة تنتشر في الناس ، من فساد الضمائر والأخلاق ، والأنانية والجشع ، مما يكون سببا في الظلم والبغي ، وينتج عنه الضغائن والأحقاد التي تؤدي بالناس إلى النزاع والشقاق ، ولا سيما عنداتساع الدنيا ، وكثرة الموارد .

 وتأملوا قوله عليه الصلاة والسلام :( من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه)

 ولقد كان المسك يوزن بين يدي عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى فيأخذ بأنفه حتى لا تصيبه الرائحة فقال له رجل من أصحابه: يا أمير المؤمنين ، ما ضرك إن وجدت ريحه؟  فقال رحمه الله تعالى: وهل يُنْتَفع من هذا إلا بريحه؟!

 إن الفساد الإداري والمالي إذا ضرب أطنابه في البلادأفضى إلى التخلف والانحطاط ، والفقر والحاجة ، وضعف الديانة وفساد الأخلاق ؛  وأدى هذا الفساد العظيم إلى تعطيل مصالح العباد ، وظلمهم بغير وجه حق .

، ومن أخذ شيئا ليس له فيه حق من أموال المسلمين حمله على رقبته يوم القيامة ، ومن عود نفسه على الورع والمحاسبة اعتادت ذلك ..

اللهم آمنا في دورنا ، وأصلح اللهم ولاة امورنا

المرفقات

خطبة-الامانة-وحفظ-المال-العام

خطبة-الامانة-وحفظ-المال-العام

المشاهدات 1240 | التعليقات 0