الْأَفَاعِي وَفَسَادُ الْفَيَافِي ( الجمعة 1442/1/2هـ )

يوسف العوض
1441/12/29 - 2020/08/19 15:14PM

الخطبة الأولى

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : مُنْذُ أنْ بَعثَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُحمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدِينِ الْإِسْلَامِ وَالْيَهُودُ يَكِيدُون لِهَذَا الدَّيْنِ وَلِنَبِيِّه ، مَعَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ حقًّا ، ولديهم الْأَدِلَّةُ عَلَى ذَلِكَ ، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ، وَمَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ جَحَدُوا نُبُوَّتَه وَأَنْكَرُوهَا ، وحاولوا النَّيْلَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فحاولوا قَتلَه ، وسَحَروه ، وَوَضَعُوا لَه السُّمَّ ، وَقَامُوا بِآثَارِه الْفِتَنَ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ حَتَّى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )  وَتَتَبَّع الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأسئلةِ ليُحرجوه ، وَطَلَبُوا أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كتاباً مِنْ السَّمَاءِ ، وَقَد هوَّن اللَّهُ أَمْرَهُمْ عَلَى رَسُولِهِ ، فَقَال : ( يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا ) .

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَعِنْدَمَا فَشَلُوا فِي إثَارةِ الْفِتَنِ لَبِسَ بَعْضُهُم لِبَاسَ الْإِسْلَامِ ؛ ليِطعنُوا الْإِسْلَامَ بِاسْمِ الْمُسْلِمِينَ قالَ اللهُ تَعالى: (وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) ، وَاسْتَمَرَّ كَيْدُهُم ونَشَطُوا فِي عَهْدِ عُثْمَانَ ، وَلَبِسُوا لِبَاسَ الْإِسْلَامِ بقيادةِ ابْنِ السَّوْدَاءِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ  وظلُّوا يُؤَلِّبون الْمُسْلِمِينَ عَلَى عُثْمَانَ بِدَعْوَى أَنَّهُ لَيْسَ أَحَقَّ بِالْخِلَافَةِ ، وَأنَّ انْتِقَالَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الرَّفِيقِ الْأَعْلَى يَعْنِي انْتِقَالَ شَخْصِهِ إِلَى عَلِيٍّ ، كَمَا انْتَقَلَت شَخْصِيَّةُ مُوسَى إِلَى يُوشَعَ ، وَذَهَبَ عُثْمَانُ ضَحِيَّةً لِهَذِه الْفِتْنَةِ .

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَعِنْدَمَا فَتَحَ الْمُسْلِمُون الْكَثِيرَ مِنْ الْأَمْصَارِ رَحَّبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِهَذِه الْفُتُوحِ فِي بِلَادِ العِراقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ ؛ رَغْبَةً فِي الْخَلَاصِ مِنْ الإضطهادِ الرُومَانِي ، حَيْث عَاشُوا فِي ظِلِّ دَوْلَةِ الْإِسْلَامِ عِيْشَةً أَحْسَنَ مِنْ الَّتِي كَانُوا يَعِيشُونَها فِي السَّابِقِ مَعَ بَنِي قَوْمِهِم ، إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَتَخَلَّوْا عَنِ مَكْرِهِم وكَيدِهِم ؛ فَكُلَّمَا سَنَحَتْ لَهُمْ فُرْصَةٌ اهتبلوها ، وَبَادِرُوا إلَيْهَا .

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَخُلَاصَةُ الْقَوْلِ أَنَّنَا لَو استعرضنا التَّارِيخَ الْإِسْلَامِيَّ لوَجْدَنَا أَن لِلْيَهُودِ دوراً فِي كُلِّ فِتْنَةٍ وَحَدَثٍ يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَدَثُ مِنْ صُنْعِهِم ابتداءً ، لَكِنَّهُم يُوقِدُونه وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ ، وَهَذَا مَا جَعَلَ بَعْضَ الْبَاحِثِين يَذْهَبُونَ إلَى أَنْ الْيَهُودَ وَرَاءَ كُلِّ الْفِتَنِ وَالْأَحْدَاثِ ، وَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ بِأَنَّ الْيَهُودَ عَمِلُوا جُهدَهم-وَلَا يزالون-فِي الدَّسِ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَمُحَاوَلَةِ إفْسَادِ عَقِيدَتَهُم وَأَخْلَاقَهُم ؛ فَالْمُحَقِّقُون يَجْزِمُونَ بِأَنَّ الْيَهُودَ هُمُ الَّذِينَ أنشَؤوا التَّشَيُّعَ وَالرَّفْضَ ابتداءً ، وَهُمُ الَّذِينَ بَذَروا بُذورَ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ كَالْمُعْتَزِلَة وَالْجَهْمِيَّةِ وَسَائِرِ الْفَرْقِ الْبَاطِنِيَّةِ كالنُصَيريةِ ، وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ ، والدروزِ ، والقَرامطةِ وَهُمُ الَّذِينَ مَهَدُوا لِلدَّوْلَةِ الفاطميةِ الشيعيةِ وَعَن طَرِيقِهِا نَشَرَ الْيَهُودُ الْبِدَعَ القُبوريةَ ، وَالطُّرُقَ الصُّوفِيَّةَ ، وَالْأَعْيَادَ الْمُبْتَدِعَةَ ، كَعِيدِ الْمِيلَادِ  وَالْبِدَعِ والْخُرَافَاتِ وَالْخِلَافَاتِ الَّتِي سَادت فِي عَهْدِ الدَّوْلَةِ الفَاطِميِّةِ وَدَوْلَةِ الْقَرَامِطَةِ وَمَا بَعْدَهُمَا .

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَلَمَّا ظَهَرَتْ القَاديانيةُ والبَهائيةُ أيَدُوهما ثُمَّ احتَضَنُوهما فِيمَا بَعْدُ ، وَلَن يَنْسَى الْمُسْلِمُونَ مَا فَعَلَ يَهُودُ الدُونمَةَ فِي تُرْكِيا ، حَيْث أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ وَدَخَلُوا فِي عُمْقِ الْخِلَافَةِ وَكَادُوا لِلْإِسْلَامِ فأسَّسوا الجمعياتِ السِّرِّيَّةِ للإطاحةِ بِالْخِلَافَةِ ثُمّ إعْلَانِ العِلماَنيَّةِ المشؤومةِ بالحُكمِ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ الله وَحَرْبِ الْإِسْلَامِ مِنْ الدَّاخِلِ .

فهَذِه نَمَاذِجُ مِنْ دَورِ الْيَهُودِ فِي الْكَيْدِ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَلَا يَزَالُ كَيْدُهُم مُتَوَاصِلًا ، قالَ اللهُ تَعالى: ( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) . 

الخطبة الثانية

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : أَهْدَافُ الْيَهُودِ وطموحاتُهم لَا تَقِفُ عِنْدَ حَدٍّ ؛ فَهُم يُخطِطُون للسيطرةِ عَلَى الْعَالِمِ كُلِّهِ حَتَّى يَكُونَ تَحْتَ هَيْمَنَةِ مَملكتِهم إسْرَائِيلَ الَّتِي تَمَّ إِنْشَاؤُها فِي فِلَسْطِينَ ، وَاَلَّتِي يَزْعُمُونَ أَنَّ حُدُودَهَا تَكُونُ مِنْ الْعِرَاقِ شرقاً إلَى مِصْرَ غرباً-مِنْ الْفُرَاتِ إلَى النيل- وَمَن شِمَالِ الشَّامِ شَمالاً إلَى يَثْرِبَ جنوباً وَيُمْكِنُ أنْ نُجملَ بَعْضَ أهدافِهم فِيمَا يَلِي :

أولا: تَأْسِيسُ وَتَثْبِيتُ مملكتِهم إسْرَائِيل بِحَيْثُ يَكُونُ مَرْكَزُهَا أُوْرشليم- القدس- وَتَكُونُ هِيَ مُنْطَلِقُ نشاطِهم وَبِسَبَب تَخَلَّفِ الْمُسْلِمِين وَبُعْدِهِم عَنْ دِينِهِمْ تَمَكَّنُ الْيَهُودَ مِنْ تَحْقِيقِ أَكْثَرَ أَحْلَامِهِم مَع الْأَسَفِ .

ثانيا: التَّحَكُّمُ فِي شَعُوبِ الْعَالِم ، وتَسخيرُها لخدمتِهم ؛ لِأَنَّهُم بِزَعْمِهِم هُم شَعبُ اللَّهِ الْمُخْتَارُ ، وَغَيْرُهُم يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسخَّراً لخدمتِهم .

ثالثاً: الْقَضَاءُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قالَ اللهُ تعالى: ( لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُون ) وقال تعالى: (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ . .) .

رابعاً: إفْسَادُ الشُّعُوبِ ، وتحطيمُ أَخْلَاقِهِم بِسِلَاحِ الْمُنْكَرَات مِنْ خَمْرٍ ، وَزَنَى ، وَكَذَبٍ ، وسينما ، وَرِبَا ، وَغِشٍّ وَغَدْرٍ ، وَخِيَانَةٍ .

قالَ اللهُ تعالى : ( وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ )  .

المشاهدات 1256 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


يوسف العوض
عضو نشط

وَإِيَّاك أَخِي الْعَزِيزُ .