الأضحية وشيء من أحكامها وآدابها 1439/12/06
عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري
1439/12/05 - 2018/08/16 23:30PM
الأضحية وشيء من أحكامها وآدابها[1]
الحمدلله الذي له الحمد كله علانيته وسره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما, أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون وتزودوا من هذه الدار إلى دار القرار.
معاشر المسلمين: إنَّ الله شرع الأضحية على عباده, قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] وقال الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج: 34] قال الإمام ابن كثير رحمه الله: (يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ لَمْ يَزَل ذبحُ الْمَنَاسِكِ وإراقةُ الدِّمَاءِ عَلَى اسْمِ اللَّهِ مَشْرُوعًا فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ)[2]. وقال تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } [الحج: 36]
معاشر المسلمين: إنَّ الأضحية سنة مؤكدة, وقد أوجبها بعض أهل العلم على القادر المستطيع, وهي من الشعائر الإسلامية الظاهرة, فالحجاج يذبحون الهدي في حجهم, وغير الحجاج يذبحون الأضاحي, والذبح عبادة, فلا يجوز الذبح لغير الله قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ)[3] أخرجه مسلم وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163]. وعن أنس رضي الله عنه قال: (ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا)[4] أخرجه مسلم.
عباد الله: من شروط الأضحية ما يلي: أولاً: أن تكون من بهيمة الأنعام الإبل أو البقر أو الغنم والبعير يُجزئ عن سبعة, والبقرة تجزئ عن سبعة, والكبش يُجزئ عن الرجل وأهل بيته, ولا يجوز التضحية بغيرها, ثانياً: أن تبلغ السن المحدد شرعاً, ففي الإبل ما تم له خمس سنين, وفي البقر ما تم له سنتان, وفي الماعز ما تم له سنة, وفي الضأن نصف سنة, قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ)[5] أخرجه مسلم, قال العلماء: (المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها)[6]. أمَّا الضأن فالذي عليه جمهور العلماء أنَّ الجذع يُجزئ في الأضحية مع وجود غيره وعدمه[7]. ثالثاً من شروط الأضحية: أن تكون سليمة من العيوب التي تمنع الإجزاء, قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الضَّحَايَا الْعَوْرَاءُ، الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقِي)[8] أخرجه الإمام أحمد والترمذي والتي لا تُنقي: هي التي لا مخ فيها, والشرط الرابع من شروط الأضحية: أن تذبح في الوقت المحدد شرعاً, وهو أربعة أيام, من بعد صلاة العيد وحتى غروب شمس اليوم الثالث عشر من ذي الحجة, أما ما ذُبح قبل صلاة العيد أو بعد غروب شمس الثالث عشر فهو شاة لحم. وقد سئل الإمام ابن تيمية عمَّن لا يقدر على الأضحية هل يستدين؟ فأجاب رحمه الله: (إنْ كَانَ لَهُ وَفَاءٌ فَاسْتَدَانَ مَا يُضَحِّي بِهِ فَحَسَنٌ, وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ)[9]ومعنى: إن كان له وفاء أي: إن كان له قدرة على وفاء دينه فاستدان ما يضحي به فحسن.
معاشر المسلمين: وأفضل الأضاحي أسمنها وأكملها وأكثرها لحماً وأغلاها ثمناً. ومن الآداب عند الذكاة أن تكون بسكين حادة سريعة القطع, بأن يُعجِّل إمرارها ويقطع أوداجها, وحلقومها ومريئها, ولا تكون السكين كالَّة ليست بحادة, قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)[10] أخرجه مسلم.
ومن الآداب أن لا يُحدَّ السكين ويُسنَّها بحضرة الأضحية, وأن لا يذبحها وأختها تنظر إليها, ومن السنة أن يستقبل بها القبلة, وأن يضجعها على جنبها الأيسر واضعاً رجله على رقبتها, ويقول قبل ذبحها: بسم الله والله أكبر, هذا عني وعن أهل بيتي أو عن فلان إن كانت لغيره, قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلُوهُ)[11] أخرجه الشيخان أمَّا الإبل فينحرها وهي واقفة معقولة يدها اليسرى, فإن صعب ذلك عليه, نحرها وهي باركة. ومن الأخطاء أنَّ بعضاً ممن يتولى الذبح يقطع رأس البهيمة أو شيئاً من أعضائها أو يسلخ جلدها قبل أن تموت, وهذا من التعذيب المنهي عنه, ومن الأخطاء البروك عليها ومسك يديها ورجليها لأنَّه لا يحتاج إلى ذلك؛ ولأنَّ عدم مسك يديها ورجليها أنهر للدم, ومن السنة أن يأكل منها ويهدي على الجار والقريب, ويتصدق على الفقير والمسكين, بأن يُقسِّمها أثلاثاً, اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الثانية: الأضحية وشيء من أحكامها وآدابها
الحمدلله رب العالمين, وفق من شاء لطاعته, وهدى من شاء إلى صراطه المستقيم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
فاتقوا الله واعبدوه وعلى نعمه اشكروه.
معاشر المسلمين: إنكم في أيام هي أفضل أيام العام عشر ذي الحجة, فاغتنموا ما بقي منها بكثرة النوافل والطاعات, وجددوا التوبة واعملوا على إصلاح أنفسكم, وأحيوا سنة التكبير والتهليل والتحميد, ارفعوا بها أصواتكم تعظيماً لله وإظهارا للسنة, كبروا في بيوتكم حتى ترتج بتكبيركم وكذلك في أسواقكم ومساجدكم, مستشعرين المعاني السامية للتكبير والتهليل والتحميد, الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد, الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
عباد الله: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا) اللهم صلِّ وسلم على رسولك محمد وآله وصحبه, وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين, وأذلَّ الشرك والمشركين, واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وجميع بلدان المسلمين, اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين في كل مكان, وولِّ عليهم خيارهم واكفهم شرارهم, واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك. اللهم أصلح وليِّ أمرنا وولي عهده وأرهما الحق حقا وارزقهما اتباعه, وأرهما الباطل باطلاً وارزقهما اجتنابه, اللهم احفظ بلادنا وولاة أمرها واحفظ علماءها وأهلها واصرف عنها الفتن والحروب, وزدها قوة وأمناً ورخاء وزدها تمسُّكاً بالدين, اللهم انصر بها دينك وأعل بها كلمتك, وارزق أهلها شكرَ نعمك, اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان, اللهم صُبَّ غضبك وأليم عقابك على الكفار المعتدين الذين يفسدون في بلاد المسلمين, اللهم فرق جمعهم وخالف بين قلوبهم ودمرهم بسلاحهم, اللهم انصر جنود التحالف العربي, صوِّب آراءهم وثبت أقدامهم وسدد رميهم وأيِّدهم وانصرهم على الحوثيين وأعوانهم, اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والرياء والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلدان المسلمين عامة يا أرحم الراحمين. اللهم آمن روعتنا واستر عوراتنا وعافنا في ديننا ودنيانا وأهلنا وأموالنا, وأصلح نساءنا وذرياتنا وأصلح شبابنا {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] ربنا تقبل منا أنك أنت السميع العليم واغفر لنا إنك أنت الغفورِ الرحيم.
عبادِ الله: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90] فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
[1] تم إعدادها يوم الثلاثاء 03/12/1439 ليوم الجمعة 06/12/1439هـ جامع الداخلة في سدير عمر المشاري.
[2] تفسير ابن كثير ت سلامة (5/ 424).
[3] أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي, باب تحريم الذبح لغير الله برقم (1978).
[4] أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي, باب استحباب الضحية وذبحها مباشرة بلا توكيل (1966).
[5] أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي, باب سنِّ الأضحية برقم (1963).
[6] شرح النووي على مسلم (13/ 117).
[7] ينظر شرح النووي على مسلم (13/ 117).
[8] أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه برقم (18667) وأبو داود في كتاب الضحايا, باب ما يكره في الضحايا برقم (2802) والترمذي في أبواب الأضاحي, باب مالا يجوز في الأضاحي برقم (1497).
[9] مجموع الفتاوى (26/ 305).
[10] أخرجه مسلم في كتاب الصيد والذبائح...باب الأمر بإحسان الذبح والقتل...برقم (1955).
[11] أخرجه البخاري في كتاب الذبائح والصيد, باب إذا أصاب قوم غنيمة...برقم (5543) ومسلم في كتاب الأضاحي, باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم إلا السن والظفر وسائر العظام برقم (1968).
المرفقات
وشيء-من-آحكامها-وآدابها
وشيء-من-آحكامها-وآدابها
عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري
.
تعديل التعليق