الأشهر الحُرُم

إبراهيم الحدادي
1434/11/10 - 2013/09/16 18:20PM
[font="]الأشهر الحرم[/font]
[font="]إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ؛ ومن سيئات أعمالنا ؛ من يهده فلا مضل له ؛ ومن يضلل فلا هادي له ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. [/font]
[font="]أما بعد عباد الله:[/font][font="] اتقوا الله وراقبوه وأدوا ما أوجب ربكم عليكم تفوزوا وتفلحوا واعلموا أن من أعظم السجايا وأجمل الصفات أن يتحلى المؤمن بتعظيم حرمات الله تعالى وإنّ مما حرّم الله تعالى الأشهر الحرم التي قال فيها سبحانه: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ الآية[التوبة:36]،[/font]
[font="] وهي الأشهر التي بينها رسول الله في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي خطب في حجّة الوداع فقال في خطبته: ((إنَّ الزمانَ قد استدارَ كهَيئتِه يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعةٌ حُرُم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مُضر الذي بين جمادى وشعبان)).[/font]
[font="] [/font]
[font="]فجاء هذا البيان النبوي تقريرًا منه صلوات الله وسلامه عليه وتثبيتًا للأمر على ما جعله الله من غير تقديم ولا تأخير ولا زيادة ولا نقصان، أي: أنّ الأمر اليوم شرعًا في عدّة الشهور وتحريم ما هو محرّم منها هو كما ابتدأه الله قدرًا في كتابه يومَ خلق السماوات والأرض؛ وذلك لإبطال ما كان أهل الجاهلية يفعلونه مما أحدثوه قبل الإسلام من تحليل المحرّم وتأخيره إلى صفر، فيحلّون الشهر الحرام، ويحرّمون الشهر الحلال، وهو النسيء الذي أخبر سبحانه عنه بقوله: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [التوبة:37]. وهي صورة من صور التحريف والتبديل والتلاعب عُرفت بها الجاهليّة، ولونٌ من ألوان ضلالاتها وكفرها وتكذيبها بآيات الله عز وجل ورسله.[/font]
[font="]قال ابن كثير ما ملخصه :[/font][font="] وَإِنَّمَا كانت الأشهرُ المحرمةُ أربعة : ثلاثةٌ سرد ؛ وواحدٌ فرد ؛ لأجلِ أداء مناسك الحج والعمرة ؛ فَحَرَّمَ قبل الحج شهراً ؛ وهو ذو القعدة ؛ لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال ؛ وَحَرَّمَ شهرُ ذي الحجة : لأنهم يُوقِعُونَ فيه الحج ؛ ويشتغلون بأداء المناسك ؛ وحرم بعده شهراً آخر ؛ وهو المحرم : ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين 0 وحرم رجب وَسَطَ السنةِ لأجلِ زيارة البيت ؛ والإعتمارِ به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب ؛ ثم يعود إلى وطنه فيه آمناً 0[/font]
[font="] [/font]
[font="]وفي قول الله تعالى ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) أي : في هذه الأشهر المحرمة ؛ لأنها آكدُ وأبلغُ في الإثم من غيرها ؛ كما أن المعاصي في البلد الحرام تُضَاعَف ؛ لقوله الله تعالى: ( ومن يرد فيه بإلحادٍ بظلمٍ نذقه من عذابٍ أليم ) ؛ وكذلك الشهرُ الحرام تُغَلَّظُ فيه الآثام.[/font]
[font="] وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) ؛ أي: في كلهن – في كل أشهرِ السنة – ثم اختص من ذلك أربعةَ أشهر ؛ فجعلهن حراماً وَعَظَّمَ حُرُمَاتِهِن ؛ وجعل الذنب فيهن أعظم ؛ والعملَ الصالحَ والأجرَ أعظم 0[/font]
[font="] [/font]
[font="]وقال قتادة رحمه الله في قوله : "( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) : إن الظلم في الأشهرِ الحُرُم أَعْظَمُ خطيئةً ووزراً من الظلم فيما سواها ؛ وإن كان الظلمُ على كل حالٍ عظيماً ؛ ولكن الله يُعَظِّمُ من أمره ما يشاء ؛ وقال أيضا : إن الله اصطفى صفايا من خلقه : اصطفى من الملائكة , رسلاً ؛ ومن الناس رسلاً ؛ واصطفى من الكلام ذِكْرَه ؛ واصطفى من الأرض المساجد ؛ واصطفى من الشهور رمضانَ والأشهرِ الحرم ؛ واصطفى من الأيام يومَ الجمعة ؛ واصطفى من الليالي ليلةَ القدر. فَعَظِّمُوا ما عَظَّمَ الله0 فإنما تُعَظَّمُ الأمورُ بما عَظَّمَها اللهُ بِهِ عند أهل الفهم وأهل العقل ".[/font]
[font="] [/font]
[font="]عباد الله :[/font][font="] وَلِعِظَمِ حُرْمَةِ هذه الشهورِ حَرَّمَ الله تعالى فيها ابْتِدَاءَ القتال 0 قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تُحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ), وقال تعالى ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم ؛ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) إلا إذا اُعْتُدِيَ على المسلمين ؛ فإنهم يقاتلون ولو كان ذلك في الشهر الحرام ؛ لقول الله تعالى : ( الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص ؛ فمن اعْتَدَى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ).[/font]
[font="]وعن جابر رضي الله عنهما: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يُغزى ،أو يغزَوا فإذا حضر أقام ذلك حتى ينسلخ أخرجه أحمد والطبري في تفسيره ، [/font][font="]وهذا إسناد على شرط مسلم، قال الهيثمي "رجاله رجال الصحيح".[/font]
[font="] [/font]
[font="]ألا وإنّ من أظهر الدلائل على استشعار حرمة هذه الأشهر الحرم الحذرَ من ظلم النفس فيها باجتِراح السيّئات ومقارَفَة الآثام والتلوّث بالخطايا في أيّ لون من ألوانها امتثالاً لأمر الله تعالى: فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ، فالذنب في كلّ زمان سوءٌ وشؤم وظلم للنفس؛ لأنّه اجتراء على العظيم المنتقمِ الجبّار والمحسن بالنعم السابغة والآلاء الجميلةِ، لكنّه في الشهر الحرام أشدّ سوءا وأعظم شؤمًا وأفدح ظلمًا؛ لأنّه يجمع بين الاجتراء والاستخفاف وبين امتهان حرمة ما حرّم الله وعظّمه واصطفاه؛ ولذا تُغلّظ فيه الدّيةُ عند كثير من العلماء.[/font]
[font="] [/font]
[font="]وإذا كان احترام الشهر الحرام أمرًا ظاهرا متوارَثًا لدى أهل الجاهلية، يعبِّر عنه إمساكهم فيه عن سفك الدم الحرام والكفُّ عن الأخذ بالثأر فيه مع ما هم فيه من شرور وآثام، أفلا يكون جديرًا بالمسلم الذي رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولاً، أفلا يجدر به أن يحجز نفسه عن الولوغ في الذنوب وينأى بها عن أسباب الإثم والعدوان، وأن يترفّع عن دوافع الهوى ومزالق النزوات والشطحات وتسويل الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء، وأن يذكر أن الحياة أشواط ومراحل تفنى فيها الأعمار وتنتهي الآجال وتنقطع الأعمال، ولا يدري أحد متى يكون الفِراقُ لها وكم من الأشواط يقطع منها وإلى أيّ مرحلة يقف به المسيرُ في دروبها، فالسعيد من سمت نفسُه إلى طلب أرفع المراتب وأعلى الدرجات من رضوان الله باستدراك ما فات واغتنام ما بقي من الأوقات والتزام النهج السديد في هذه الشهور الحرم وفي كلّ شهور العام، وصدق سبحانه إذ يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].[/font]
[font="]بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.[/font]
[font="]الخطبة الثانية :[/font]
[font="]الحمد لله خالق الأنام ومدبر الليالي والأيام ومصرف الشهور والأعوام الملك العلام القدوس السلام وأشهد أن لا إله إلا الله المتفرد بالبقاء والدوام وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله القدوة الإمام عليه من ربه أفضل صلاة وأزكى سلام.[/font]
[font="]فعظموا أيها المسلمون ما عظم الله، واتقوا ربكم واستشعروا حرمة هذا الشهر من الأشهر الحرم، واحذروا من ظلم أنفسكم فيه وفي سائر الشهور، وأقبلوا على موائد الطاعة بما صح وتبث لديكم عن الله والرسول، وأعرضوا عن كل ما ابتدعه الناس في الدين، واعبدوا الله كما أراد وأمر لا كما تريدون.[/font]
المشاهدات 3287 | التعليقات 2

تأخر عنا خطابك الجميل شيخ إبراهيم ولكن يبدو أن التأخير فيه خير لأيام مثل هذه فقد وفيت وكفيت وأيام مثل هذه تستحق حديثا كهذا :cool:
فنفع الله بك وبكل المشاركين


جزيت خيرا ... من ذوقك الرفيع شيخنا