الأسرة المسلمة

خطبة الجمعة ..
الأسرة المسلمة وتربية الأبناء
الخطبة الأولى.
الحمد لله الذي جعل المودة والرحمة بين الأزواج والزوجات ورغّب في بناء الأسرة، نحمده سبحانه ونشكره على ما أسبغ من خير ونعمة. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ) ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، دعا إلى الله بالحكمة وكان بأفعاله وأقواله أفضل قدوة. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير آل وأسوة.
أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى :(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)
معاشر المسلمين: إن الأسرة أساس المجتمع، المسلم، واللبنة الأولى في بناء كيان الأمة، والنواة الكبرى في تشييد حضارتها، بنجاحها تقاس سعادة المجتمع، وبفشلها وسيرها في مزالق الضياع ومهاوي الردى يقاس إخفاق المجتمع وتقهقر الأمة.
ولقد رغَّب دين الإسلام في بناء كيان الأسرة المسلمة، وإقامة صرحها، وتكوين قواعدها، وإشادة أركانها، والحفاظ على جوها الصافي وظلها الوارف، أن تشوبه غوائل الشر والبغضاء، وبوائق النـزاع والشقاق، والشقاء والخلاف والعناء، وعوامل الشقاق والشحناء، فكان أن عُني الإسلام أول ما عُني في تكوين الأسرة، بأن شرع الزواج وحث عليه، ورغب في اختيار الزوجة الصالحة ذات الدين والخلق والمنبت الحسن؛ لكونها دعامة الأسرة المؤمنة.
وحث على إنكاح من تتحقق فيه الكفاءة في دينه وخلقه وأمانته، وما ذاك إلا لتنشأ الأسرة في كنف حياة رغيدة، وظل أسرة صالحة سعيدة، يقول الله جل وعلا: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) ويقول صلى الله عليه وسلم: (إذا خَطَب إليكم مَن تَرْضَوْنَ دِينَه وخُلُقَه فزَوِّجُوه، إلا تفعلوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ) وقيل لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أيُّ النساءِ خيرٌ؟ قال: التي تسرُّه إذا نظر ، وتطيعُه إذا أمر ، ولا تخالفُه في نفسِها وماله بما يكره)
أيها الأخوة! إن الأسرة الصالحة نعمة من نعم الله على عباده، يجد فيها المسلم راحة باله، وهدوء نفسه وقلبه، وأنس فكره وضميره، وطمأنينة خاطره وفؤاده.
يجد فيها السكن والراحة والمودة والرحمة في خضم مشاغل الحياة وأعبائها، ولتتأملوا -يا رعاكم الله- قوله سبحانه: (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) وقوله سبحانه: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً) وإن التذكير بمكانة الأسرة في الإسلام وأهمية العناية بها يعد من الأمور الضرورية، لما تمثله الأسرة من منـزلة سامية في هذا الدين، ولما تتمتع به من ثقل ومسئوليات، ولما للعناية بها من أثرٍ في صلاح المجتمعات، وتثبيت دعائمها، وتقوية بنائها، ولما للتفريط فيها من عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع إذا أهملت وأصبحت عرضة للسهام المسمومة والأعاصير المدمرة. ..
كما تبدو أهمية التذكير بشأنها في كل الأوقات، لا سيما ونحن نعيش في عصر أصبحت فيه الأسرة المسلمة هدفاً لكيد أعداء الإسلام، وغاية لهجومهم الكاسح؛ لأنهم يدركون -عاملهم الله بما يستحقون- أنه إذا فسدت الأسر تحقق لهم ما يصبون إليه من القضاء على قلب الأمة النابض، ومحور تربية الأجيال، وبالتالي القضاء على الأمة بأسرها.
ولكن مهما تتالت الطعنات وتتابعت الهجمات من كل حدب وصوب على النظام الأسري الإسلامي؛ فسيبقى -بإذن الله- نظاماً بالغ الدقة والإحكام، جديراً بالعناية والاهتمام، فلم يعرف العالم بأسره نظاماً للأسر أسعد ولا أكمل ولا أفضل ولا أعدل من نظام الإسلام.
وهل بقيت أمة الإسلام على مرِّ العصور، قوية الشوكة، مرهوبة الجانب، واستعصت على الاضمحلال رغم النوازل والمحن، وخلدت أمجاداً، وأنجبت أجيالاً يفخر بهم التاريخ إلا لما عنيت بهذا الجانب، فصلح أبناؤها واستقامت أجيالها؟ وهل غُزِيَ المسلمون في عقر دورهم وكثرت بينهم الفتن والمشكلات، ودبت البغضاء والخلافات، وفسد كثير من الناشئة، وتمرد كثير من الأبناء والأجيال، وعمت الخلافات الزوجية، والمشكلات الأسرية، وارتفعت معدلات نسب الطلاق في كثير من المجتمعات، وبلغت مؤشرات خطيرة تنذر بأخطار داهمه، وكثرت المشكلات الزوجية، والخصومات الأسرية في المحاكم وغيرها، وأصبحت حياة كثير من الأسر جحيماً لا يطاق؛ لم يحصل ذلك والله إلا لما أهمل كثير من المسلمين أمر الأسرة، فانشغل الآباء عن تربية أسرهم والحفاظ على أبنائهم من قرناء السوء الذين يفسدون في الأرض ولا يُصلحون.
فكم زجوا بأبناء المسلمين في مهاوي الرذيلة، والفساد، وأودية الضياع، والدمار؟ فما الذي سبب الجرائم وهاوية المسكرات والمخدرات، وانحراف الأحداث؟ إلا إهمال أمر الأبناء والأسر، وترك الحبل لهم على الغارب، يفعلون ما يشاءون دون رقيب ولا حسيب.
وإن انشغال من بأيديهم القوامة على الأسرة عن تسيير دفتها، وقيادة سفينتها، ومتابعة أعضائها، يقود إلى غرقها وتعرضها لأمواج الفساد وطوفان الضياع والدمار، خصوصاً في هذا الزمان الذي كثرت فيه فتن الشهوات والشبهات، والله المستعان.
كيف ونحن نعيش اليوم في عصر وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حتى أصبحت المؤثر الرئيس في عمليات التفاعل، على المستوى الفردي، والأسري، والمجتمعي.
أيها المؤمنون: ماذا جنى المسلمون لما انشغل أولياء أمور الأسر عن متابعة أبنائهم وبناتهم، والقوامة على أزواجهم ونسائهم؟
إن إفراز أجيال لا تحمل رسالة، ولا تعي هدفاً ولا غاية من الجنايات العظيمة التي مردَّها إهمال التربية، وغفلة الأبوين عن القيام بواجب الإصلاح والعناية والوقاية، وقد قال الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) قال أهل العلم: أي: علموهم وأدبوهم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) وقال: (كلُّ مولودٍ يولَدُ على الفطرةِ فأبواه يُهوِّدانِه أو يُنصِّرانِه أو يُمجِّسانِه) وانظروا -رحمكم الله- إلى من تربوا على مشكاة النبوة من الرعيل الأول كيف نفع الله بهم البلاد والعباد؟ وكيف كتبوا التاريخ وحققوا الأمجاد؟ وعليكم أيها الآباء -وفقكم الله وأعانكم- بحسن التوجيه والتربية، ومتابعة أبنائكم، وجهوهم، وربوهم، وانظروا أثر الأسرة المصلية التالية الذاكرة المؤمنة، وتصوروا لو كان الطفل في بيت يعاقر الفساد ويواقع الشر والباطل ماذا ستكون حاله!
والأب الراعي هو القدوة لأبنائه، والطفل صورة عن بيئته وأسرته، وقديماً قيل:
وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا
عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ
وَما دانَ الفَتى بِحِجىً
وَلَكِن يُعَلِّمُهُ التَدَيُّنَ أَقرَبوهُ
عاتب بعضهم ابنه على العقوق وقد أهمل تربيته، فقال: يا أبتي! عققتني صغيراً فعققتك كبيراً، وأضعتني وليداً فأضعتك شيخاً، وإنك لا تجني من الشوك العنب، وأعظم من ذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ، وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)
أيها المسلمون: إن طريق الخير والصلاح والفلاح، وسبيل النجاة والعز والنجاح الموصل إلى بر الأمان وشاطئ السلام إنما يبدأ -أول ما يبدأ- بإصلاح الأسر وتربيتها على الإيمان والقرآن ومنهج الإسلام والسنة؛ لتكون صماماً للأمان في المجتمع، محبة للخير والهدى، دارئة للشر والفساد والردى، قائمة بحقوق الله وحقوق عباد الله، راعية لحق الكبير والقريب وولي الأمر والعالم ومن له حق عليها، وإذا كانت الأسر -لا قدر الله- أوكاراً للشياطين، وبؤراً للفساد والمفسدين، لا يسمع فيها ذكر الله، ولا يتلى فيها كتاب الله، وإنما يعمرها اللهو واللغو والباطل؛ فقل على الأمة: السلام. . وإن المسئولية في تربية الأسر لتقع على الآباء والأمهات وعلى كل فرد من أفراد المجتمع الإسلامي، فيجب على كل مسلم ومسلمة أن يعرف دوره، ويقوم بواجبه في الإسهام في صلاح الأسر والبيوت، وإبعاد وسائل الفساد عنهم… وإن مما يؤسف له -أشد الأسف- أن بعض الآباء -هداهم الله- لا يعرف أسرته إلا في مواعيد الطعام والنوم دون توجيه ولا تربيه، وبعضهم يحسب أن إسعاده لأسرته إنما هو بالمسكن والمطعم والمشرب والملبس، وإشباع رغباتها المادية، وتحقيق طلباتها الدنيوية، وهيهات أن تخرج هذه التربية المادية جيلاً صالحاً أو نشئاً مستقيماً في غياب التوجيه السديد والتربية السليمة! وإننا لنتساءل: لمن تترك تربية الأبناء والبنات إذا تخلى عنها المربون والآباء والأمهات؟ لمن تترك فلذات الأكباد ومهج النفوس وثمرات الفؤاد إذا تخلى عنها البيت والأسرة؟
فاتقوا الله عباد الله! وليقم كلٌّ منكم بواجبه تجاه بيته وأسرته، وإنه بفهم كل واحد منا حقوقه وواجباته تجاه أسرته وبالعمل بها تصلح الأسر، ويتحقق للمسلمين ما يصبون إليه من استقرار أحوالهم وسعادة مجتمعاتهم، وصلاح أبنائهم، بإذن الله تعالى وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على جزيل النعماء، والشكر له على ترادُف الآلاء، ونشهد أَنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ونشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، إمامُ المتقينَ وسيدُ الأولياءِ، صلَّى اللَّهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه الأصفياء، والتابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
أَيُّهَا الْفُضَلَاءُ: فِي هَذَا الزَّمَانِ ارْتَفَعَتْ مُعَدَّلَاتُ الطَّلَاقِ بِصُورَةٍ كَبِيرَةٍ، وَتَسَاهَلَ النَّاسُ فِيهِ؛ فَعِنْدَ أَيِّ خِلَافٍ بَيْنَ الزَّوْجِ وَزَوْجَتِهِ يُطَلِّقُهَا مُبَاشَرَةً أَوْ تَطْلُبُ هِيَ الطَّلَاقَ, دُونَ النَّظَرِ إِلَى الْعَوَاقِبِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الطَّلَاقِ مِنْ أَضْرَارٍ عَلَى الْأُسْرَةِ وَالْأَوْلَادِ, مَعَ أَنَّ "الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَاجَةِ"
وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي ذَمِّ السِّحْرِ وَبَيَانِ بَعْضٍ مِمَّا يَفْعَلُونَهُ مِنَ الْبَاطِلِ: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)[البقرة: 102]
وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ؛ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ)
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ الشَّرْعِ لِلطَّلَاقِ: أَنَّ الشَّيْطَانَ يَسْعَى إِلَيْهِ وَيَفْرَحُ بِهِ فَرَحًا شَدِيدًا؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ؛ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ، وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)؛ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ "تَعْظِيمُ أَمْرِ الطَّلَاقِ, وَكَثْرَةُ ضَرَرِهِ, وَعَظِيمُ فِتْنَتِهِ, وَعَظِيمُ الْإِثْمِ فِي السَّعْيِ فِيهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ, وَشَتَاتِ مَا جَعَلَ اللهُ -سُبْحَانَهُ- فِيهِ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً, وَهَدْمِ بَيْتٍ بُنِيَ فِي الْإِسْلَامِ, وَتَعْرِيضِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ أَنْ يَقَعَا فِي الْإِثْمِ وَالْحَرَجِ"
وَلِهَذَا أَمَرَ الْإِسْلَامُ الزَّوْجَ بِالصَّبْرِ عَلَى زَوْجَتِهِ, وَاحْتِمَالِ بَعْضِ زَلَّاتِهَا وَأَخْطَائِهَا؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَفْرَكْ -أَيْ: يُبْغِضُ- مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ), وَأَمَرَ الْإِسْلَامُ الزَّوْجَةَ بِطَاعَةِ زَوْجِهَا وَعَدَمِ مَعْصِيَتِهِ, وَوَعَدَهَا عَلَى ذَلِكَ بِالْجَنَّةِ, قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ زَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ؛ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ).
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ لِلطَّلَاقِ أَسْبَابًا كَثِيرَةً بَعْضُهَا يَرْجِعُ إِلَى الزَّوْجِ, وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إِلَى الزَّوْجَةِ, وَأَحْيَانًا يَكُونُ الْأَهْلُ سَبَبًا فِي ذَلِكَ؛ فَمِنْ ذَلِكَ:
عَدَمُ قِيَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بِحُقُوقِ زَوْجِهِ, وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى الْجَهْلِ بِأَحْكَامِ الزَّوَاجِ, وَضَعْفِ الِالْتِزَامِ بِالشَّرْعِ, وَظُلْمِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ أَوْ إِهْمَالِهِ لَهَا, وَعُنْفِهِ وَقَسْوَتِهِ فِي التَّعَامُلِ مَعَهَا, وَاكْتِشَافِ الزَّوْجَةِ انْحِرَافَ زَوْجِهَا؛ كَأَنْ يَكُونَ مُدْمِنًا لِلْمُخَدِّرَاتِ, أَوْ شَارِبًا لِلْخُمُورِ, أَوْ ذَا عَلَاقَاتٍ مُحَرَّمَةٍ بِالنِّسَاءِ.
وَمِنْ أَسْبَابِ الطَّلَاقِ: سُوءُ أَخْلَاقِ الزَّوْجَةِ, وَإِهْمَالُهَا لِزَوْجِهَا وَانْشِغَالُهَا عَنْهُ, وَتَسَلُّطُ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا وَكَثْرَةُ طَلَبَاتِهَا.
وَمِنْ ذَلِكَ: جَفَافُ مَشَاعِرِ الْمَوَدَّةِ وَالْمَحَبَّةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ, فَالزَّوَاجُ أَرْقَى مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَاقَةً جِنْسِيَّةً جَسَدِيَّةً فَقَطْ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ؛ فَالْأَحَاسِيسُ وَالْمَشَاعِرُ، وَإِظْهَارُ الْحُبِّ وَالْكَلِمَاتِ الْعَاطِفِيَّةِ لَهَا دَوْرُهَا فِي تَقْوِيَةِ هَذِهِ الرَّابِطَةِ الزَّوْجِيَّةِ.
وَمِنَ الْأَسْبَابِ -أَيْضًا-: تَدَخُّلُ الْأَقَارِبِ فِي الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ, خَاصَّةً أَهْلَ الزَّوْجِ حِينَ يَكُونُ الْعَيْشُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ؛ فَالْمُشْكِلَاتُ الَّتِي تَقَعُ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَأُمِّ زَوْجِهَا أَوْ أُخْتِهِ تُؤَثِّرُ فِي عَلَاقَةِ الزَّوْجِ بِزَوْجَتِهِ, وَقَدْ حَدَثَتْ طَلَاقَاتٌ كَثِيرَةٌ بِسَبَبِ أَنَّ الزَّوْجَةَ لَمْ تَحْتَمِلِ الْعَيْشَ مَعَ أَهْلِ الزَّوْجِ، وَحِينَ تُسْأَلُ عَنْ زَوْجِهَا تُثْنِي عَلَيْهِ خَيْرًا فالزوج الحكيم هو الذي يُؤلف القلوب بين زوجته وأهله، بالدعاء وحسن التصرف وقضاء الحوائج بالكتمان.
اللهم إنّا نسألك أن تهدي أولادنا وبناتنا وزوجاتنا وأن تفتح لهم طُرق الخير، وتُرشدهم إلى سُبل الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة. اللهم أصلح أولادنا وبناتنا وبارك لنا فيهم ووفقهم لطاعتك وارزقنا برّهم، اللهم اجعلهم لنا مطيعين غير عاصين ولا عاقين ولا خاطئين، اللهم أعنا على تربيتهم وتأديبهم وبرهم واجعل ذلك خيراً لنا ولهم. اللهم ارزقهم المعلم الصالح والصحبة الطيبة وجنبهم رفقاء السوء، وارزقهم الحكمة والعلم النافع، وزين أخلاقهم بالحلم وأكرمهم بالتقوى وجملهم بالعافية وعافهم واعف عنهم يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، واحم حوزة الدين، ودمر أعدائك أعداء الدين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين، الْلَّهُمَّ وفق خادم الحرمين وَوَلِيَّ عَهْدِهِ، الْلَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وَخُذْ بِنَوَاصِيْهِمْ لِلْبَرِّ وَالْتَّقْوَىْ وَسَدِّدْ عَلَىَ طَرِيْقِ الْخَيْرِ خُطَاهُمْ، وَهَيِّئْ لَهُمْ الْبِطَانَةَ الْصَّالِحَةَ الْنَّاصِحَةَ يَا رَبْ الْعَالَمِيْنَ..
اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين في كل مكان.
اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا واشف مرضانا، وارحم والدينا، وارحم موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين.
الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.
 (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
المرفقات

1727344702_الأسرة المسلمة وتربية الأبناء.pdf

المشاهدات 519 | التعليقات 0