الأسرة ألفة لا فصام.

شايع بن محمد الغبيشي
1446/03/24 - 2024/09/27 02:43AM

الأسرة بين الفصام والألفة

إنّ الحمدَ لله نَحْمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه ونعوذ بالله من شرور أنفسينا وسيئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فلا مضل له ومن يضلل فلا هاديَ له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبدُهُ ورسُولُهُ ــ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

أما بعدُ: فاتقوا الله عبادَ الله حق التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

إخوة الإيمان، قصص محزنة وأخبارٌ مقلقة تجعل السامع لها في حيرة من أمرة وهو يتساءل أين المخرج مما نحن فيه؟  أين الحل مما أصاب بيوتنا وأسرنا؟ أين العقلاء والحكماء؟ أين أهل العلم والخير والإصلاح مما يجري؟  أحداث تتسارع بشكل مخيف؟ أرقام مفجعة وصور محزنة ها كم بعض صورها: 

تأملوا هذا الخبر: كشفت إحصائيات رسمية صادرة عن الهيئة العامة للإحصاء عن ارتفاع غير مسبوق في معدلات الطلاق في المملكة خلال عام 2023، حيث وصلت أعداد المطلقات أكثر من 350 ألف امرأة. ووفقاً للإحصائيات، فإن هذا الرقم يُترجم إلى 168حالة طلاق يومياً، بواقع 7 حالات طلاق في كل ساعة، وبمعدل يفوق الحالة الواحدة كل 10 دقائق.([1]) وهذه إحصائية مخيفة ونذير شؤم على المجتمع والأفراد والوطن.

وتأملوا هذه القصة: صاحب قصر أفراح أراد صاحبه أن يكرم كل من تم حفل زواجهم في قصره خلال العام المنصرم وأخذ يتواصل من كل عريس والمفاجأة التي جعله يلغي فكرة الحفل أن مجموعة من تلك الزواجات انتهت بالطلاق. في أقل من سنة أليست كارثة؟ وماذا سيترتب على ذلك من شقاق وعداوات وتفكك أسري وقطيعة للأرحام والأقارب وضياع للأبناء و إهدار للأموال والأوقات .

عباد الله الطلاق والتفكك السري صنعة شيطانية جهد الشيطان في إرسال بعض جيشه وجنده ليتسللوا إلى البيوت فيزرعوا الشقاق ويؤججوا الخلاف حتي يفوزوا بغايتهم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : "إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجئ أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا، قال: ثم يجئ أحدهم فيقول: ما تركتُه حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيُدنيه منه، ويقول: نِعْم أن " رواه مسلم، وإنما فرح الشيطان أعظم الفرحة بمعمل جنديه لأنه دمر أسرة عامرة وشتت شملها وفرق أبنائها وعرضهم لقد أحد الأبوين أو جميعهما وعرضهم للضياع، وزرع العدوات والشقاق فالطلاق من أعظم مقاصد الشيطان في إفساد العباد.

فكيف نحمي مجتمعنا من شر هذا الكيد والمكر الكُبار؟

أولاً: تعظيم عقد النكاح الذى ميثاقٌ غليظ، عظمه الله وأمر بحفظه والوفاء به قال تعالى: {إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}([2])

 قال ابن عباس ومجاهد: الميثاق الغليظ كلمة النكاح المعقودة على الصداق، وتلك الكلمة كلمة تستحل بها فروج النساء. وقال الطبري: الميثاق الذي عُني به في هذه الآية: هو ما أخذ للمرأة على زوجها عند عُقْدة النكاح من عهدٍ على إمساكها بمعروف أو تسريحها بإحسان، فأقرَّ به الرجل. لأن الله جل ثناؤه بذلك أوصى الرجالَ في نسائهم. ([3])

عباد الله الزواج آية عظيمة دالة على عظمة الله جل وعلا مبني على الألفة والمودة والرحمة قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ([4]) وما أجمل توجيه القرآن للزوج حتى عند كرهه لزوجته أمره بحسنه الحشرة وحثه على الاستمرار في الحياة الزوجية وطمعه أن يجد بذلك الخير الكثير تأملوا كيف كان تويجه القرآن حيث قال جل و علا: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } ([5]) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:« ... الآية وعدًا من الله أن من صبر ابتغاء وجه الله على ما يكرهه، واحتسابًا لثواب الله، بأن يجعل الله فيه خيرًا كثيرًا، فإنه يتحقق له هذا الوعد» ([6])

ثانياً: تقوية الصلة بالله والاستكثار من الصالحات فإنها من أعظم ما تجلب المحبة والمودة قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}([7])  والحذر من التقصير في حق الله وضعف الصِّلة به {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}([8]) فما أجمل أن تؤسس البيوت على تقوى الله ومرضاته وما أخطر أن تؤسس على الغفلة والبعد عن الله قال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ([9])

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 أما بعد: عباد الله ومن أسباب حماية الأسرة وسلامتها من كيد الشيطان:

ثالثاً: أن نعمر بيوتنا بالمحبة والوداد وأن نحيطها بالرحمة والشفقة قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ([10])

البيوت المؤمنة السعيدة هي التي تُبنى على المودة والرحمة، ودمار البيوت يبدأ من جفاف المشاعر، فيجب علينا المحافظة على أجواء البيوت هادئة ومستقرة، وأن تكون معيناً متجدداً للمودة والحب والدفء والحنان، وخير قدوة لنا في ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم فقد سؤل عن أحب الناس إليه قال: عائشة، وقال صلى الله عليه وسلم عن خديجة: " إني رزقت حبها" فلنعمر بيوتنا بمشاعر الحب والوداد ولنعبر عنها لزوجاتنا وذرياتنا.

رابعاً: الحذر من الأنانية وهي حرص كل واحد من الزوجين على أن يحقق ما يرضي نفسه على حساب الآخر إن العلاقة الزوجية ليست فقط مشاعر الحب والعاطفة، ولكنها أيضا الاستعداد للتضحية من أجل الآخر والحرص على أداء الحقوق أن يصبر كل زوج على زوجه

خامساً: معرفة المعنى الحقيقي للزواج وأنه سبيل لنيل جنة الله عز وجل وأن نصبر على مشقة الحياة وكدرها ومع يعترضها من صعاب ومشاق ومنغصات قال تعالى: { وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } ([11]) إن غياب معنى الأسرة الحقيقي لدى المتزوجين والاغترار بما يشاهد عبر الشاشات من أفلام تعرض الحياة الزوجية على أنها عشق و غرام وحب وهيام بعيداً عن المنغصات و تكاليف الحياة  أورث كثير من الزوجين الزهد في الحياة الزوجية الحقيقية والبحث عن الوهم الذي لا حقيقة له في تلك الأفلام والمسلسلات.

فلنحرص عباد الله على بيوتنا ولنغمره بطاعة الله ومحبته وتقواها و نحيطها بسياج المودة والرحمة لنسعد ونسعد من حولنا، كتب الله لي ولكم السعادة والهناء وصرف عنا وعنكم أساب الفرقة والشقاء بمنه وكرمه.



([1]) صحيفة اليوم 2024/03/31 
([2]) [النساء: 20، 21]
([3]) تفسير الطبري 8/130
([4]) [الروم: 21]
([5]) [النساء: 19]
([6]) تفسير العثيمين: النساء ( 1/ 157)
([7]) [مريم: 96]  
([8]) [طه: 124]
([9]) [التوبة: 109] 
([10]) [الروم: 21]
([11]) [الرعد: 22 - 24]

المرفقات

1727394138_الأسرة ألفة لا فصام.docx

1727394143_الأسرة ألفة لا فصام.pdf

المشاهدات 900 | التعليقات 0