الأسباب الموجبة لدخول النار

عبدالله اليابس
1439/07/12 - 2018/03/29 19:38PM

الأسباب الموجبة لدخول النار                        الجمعة 13/7/1439هـ  

الحمد لله العزيز الغفار، خلق الإنسان من صلصال كالفخار, وخلق الجان من مارج من نار، أرسى الجبال وأجرى الأنهار, وخلق الشمس والقمر وقَلَّب الليل والنهار, {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}, وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار, الملك فوق كل الملوك القويُ الجبار, وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المختار, إمام المتقين والأبرار, إذا سكت علاه البهاء والوقار, وإذا تكلم فكلامه كنور الفجر وقت الإسفار, اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الأخيار, ما تعاقب الليل والنهار.

أمَّا بعدُ: فأوصِيكُمْ ونَفْسي بِتَقْوى اللهِ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. مسألة عظيمة من مسائل الإيمان .. تكرر ذكرها في القرآن الكريم أكثر من مائة مرة .. ينبغي لصاحب القلب الحي كلما مر عليها أن يتوقف عندها .. هي من أعظم ما ينبغي أن يحذر منه الحذرون .. ويفر منه الفارون .. هي المصير والمنتهى لأقوام .. سيردها الجميع .. فطائفة تنجو منها .. وأخرى تسقط فيها وتعذب .. إنها النار ..

يكفيك من وصفها ما قاله الله تعالى: {هَـذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ}

ويكفيك من وصفها أن تسمع هذا الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن النعمانِ بن بَشِيرٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: (إنَّ أهْوَنَ أهل النارِ عذاباً مَنْ لَهُ نَعْلانِ وشِرَاكانِ من نارٍ يَغلي منهما دماغُه كما يغلي المِرْجَل ما يَرَى أنَّ أحداً أشدُّ منهُ عَذَاباً وإنَّهُ لأهْونُهمْ عذاباً).

لن أتحدث اليوم عن وصف النار .. وأهوالها .. وعذابها .. وأحوال أهلها.. لن أتحدث عن كل ذلك .. ولكن سأتحدث حديث محذر ومُنْذِر .. نتعرف على الأفعال التي ورد في الكتاب والسنة أن من فعلها دخل النار.. لنعرف طريق النار ونجتنبه بإذن الله .. جعلنا الله من الناجين منها.

عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه *** ومن لا يعرف الخير من الشر يقع فيه

أيها الإخوة .. إن من أعظم الأسباب الموجبة لدخول النار الشرك بالله تعالى, {إنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}.

من أشرك بالله .. فقد تخلى عن مفتاح الجنة .. فيجب أن يشهد ألا إله إلا الله .. وأن محمدًا رسول الله .. ويعمل بمقتضى هذه الشهادة, فلا يدعو إلا الله ولا يستغيث إلا بالله, ولا يستعين إلا بالله, ولا يتقرب بشيء من العبادة إلا لله ..

روى البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن مات وهو يدعو مِن دونِ اللهِ نِدًّا دخَل النارَ).

ومن أسباب دخول النار: سبُ اللهِ تعالى أو رسولِه صلى الله عليه وسلم, أو الاستهزاء بشيء من الشرائع الدينية.

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}.

قال شيخُ الإِسلام ابن تيميةَ رحمه الله: "مَنْ سَبَّ الله أو رسوله فهو كافرٌ ظاهراً وباطناً, سواءُ كان يعتقد أنَّ ذلك محرمٌ, أو كان مُسْتَحِلاًّ له, أو كان ذاهلاً عن اعتقاد".

ومن أسباب دخول النار: النفاق, بأن يظهر الإيمان ويبطن الكفر, {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}.

ومن أسباب دخول النار كذلك: محبةُ أعداء الإسلام, {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

إن موالاة أعداء الإسلام أمر لا يقبله شرع ولا عقل, فكيف تُحب شخصًا يسب إلهك .. ويَنسب له الصاحبة والولد؟ كيف يمكن للإنسان العاقل أن يحب من يعادِيهِ ويعادي دينه.. فليتنبه كل عاقل لهذا الأمر.

ومن الأسباب الموجبة لدخول النار: ترك الصلاة .. نعم.. إن ترك الصلاة سبب لدخول النار .. وتارك الصلاة خارج عن ملة الإسلام, روى ابن حبان وغيره بسند صحيح عن بريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) .. نعم .. فقد كفر ..

إن ترك الصلاة ليس شيئًا يسيرًا .. وإنما هو حدٌّ فاصل بين الإسلام والكفر أجارنا الله تعالى منه.

ومن الأسباب الموجبة لدخول النار: الانتحار وقتل النفس, حيث يستعجل الإنسان نفسه إلى جهنم يظن أنه يرتاح من هذه الدنيا, وما علم أنه ينتقل إلى حياة أخرى يتعذب فيها.

روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا).

فاللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار يا رب العالمين.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ وراقبوه في السر والنجوى, واعلموا أن أجسادنا على النار لا تقوى .

فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. فما زلنا في بيان بعض الأسباب الموجبة لدخول النار, ومن هذه الأسباب:

قتل النفس المسلمة, {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.

فإذا كان العبد يأثم إذا قتل نفسه .. فكيف بمن يقتل غيره؟

ومن أسباب دخول النار: عقوق الوالدين .. فكما أن بر الوالدين سبب لدخول الجنة فإن من عقَّ والديه موعود بنار جهنم.

 روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ضم يتيمًا بين مسلِمِين في طعامِه وشرابِه حتى يستغنيَ عنه وجبت له الجنةُ, ومن أدرك والديه أو أحدَهما ثم لم يَبَرَّهما دخل النارَ فأبعده اللهُ، وأيُّما مسلمٍ أعتق رقبةً مسلمةً كانت فكاكَه من النارِ).

ومن الأسباب الموجبة لدخول النار: أن يهجر المسلم أخاه فوق ثلاث ليال .. يا الله .. أيكون الهجر والخصومة سببًا لدخول النار؟

روى أبو داوود بسند صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ).

ومن أسباب دخول النار: شرب الخمور والمسكرات, فقد روى ابن حبان وصححه الألباني من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ).

ومن أسباب دخول النار: إيذاء المسلمين, سواء كان بالقول أو بالفعل, فقد روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ, فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا, فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ).

أيها الإخوة.. من كان متلبسًا بشيء من أسباب دخول النار .. فليتب إلى الله وليرجع إليه .. فإن التوبة تمحو الذنوب والسيئات, {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ}.

أكثروا من سؤال الجنة والاستعاذة به من النار, فقد روى ابن حبان بسند صحيح عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَأَلَ اللهَ الْجَنَّةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَتِ الْجَنَّةُ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَمَنِ اسْتَجَارَ مِنَ النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَتِ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنَ النَّارِ).

فاللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار, اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار, اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار.

يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

الموجبة-لدخول-النار-13-7-1439

الموجبة-لدخول-النار-13-7-1439

المشاهدات 1643 | التعليقات 0