الأسباب الجالبة للرزق-28-1-1436هـ-صالح بن حميد-الملتقى-بتصرف
محمد بن سامر
1436/01/27 - 2014/11/20 18:36PM
[align=justify][align=justify]إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله-صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا-أما بعد:
فيا أيها الإخوة، اعلموا أن لكم علمًا فانتهوا إلى علمِكم، ولكم نهايةً فانتهوا إلى نهايتكم، أيام العُمر مراحلُ معدودةٌ، إلى وجهةٍ مقصودةٍ، للنفوس مواعيدُ تطلبُ آجالَها، وأعمارٌ مُقدَّرةٌ لآمالِها، وآجالٌ مُؤخَّرةٌ لميعادها، فلا استِزادةَ ولا استِنقاص، ولا فواتَ ولا مناصَ، إنما هي آمادٌ مضروبة، وأنفاسٌ محسوبة، للهِ وحدَه البقاءُ، وللخلائقِ الفناءُ: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ*وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ].
أيها المباركون: اعملوا؛ فكلٌّ مُيسَّرٌ لما خُلق له، أرأيتم لو أن أرزاقَ الناس بأيدي البشر؛ فكم سيقع من الظلم والتظالُم، والبغي والفساد، والله وتالله لو تُرك ذلك إليهم لظلَمَ بعضُهم بعضًا، و لبغَى بعضُهم على بعضٍ؛ بل لنسِيَ بعضُهم بعضًا، ولغفَلَ بعضُهم عن بعض!، فسبحان الرزاقِ الكريمِ ذي القوة المتين، لا يظلمُ ولا يبغي، ولا ينسَى ولا يغفَل؛ بل يتفضَّل ويُنعِم، ويُحسِن ويرحم، وهو اللطيف الخبير: [وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ*وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ*فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ].
أحبابي: إن همَّ الرزق قد أكل قلوبًا، وأشغل عقولا، في بعض الناس هلعٌ وجزعٌ حينما يسمع بالتغيُّراتِ الاقتصادية، والتقلُّباتِ المالية، والمُشكلاتِ في أمور المعاش، وكأنهم لا يعلمون أن الله-عزَّ شأنه-قد تكفَّل بالرزق لجميع خلقِه إنسِهم وجنِّهم، مؤمنِهم وكافِرهم، قويِّهم وضعيفِهم، كبيرِهم وصغيرِهم: [وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ]،[وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ]
إخواني الكرام: لا يستبطِئنَّ أحدٌ رزقَه، فلن يخرج من هذه الدنيا أحدٌ حتى يستكمِل رزقَه وأجلَه، فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلب، لقد كتب الله رزقَ ابنِ آدم، وقدَّره قبل أن يأتيَ إلى هذه الدنيا؛ عن عبدِاللهِ بنِ مسعودٍ-رضي الله عنه-قال: حدَّثنا رسولُ الله-صلى الله عليه وآله وسلم-وهو الصادق المصدوق-: "إن أحدَكم يُجمع خلقُه في بطن أمِّه أربعين يومًا نُطفة، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مُضغةً مثل ذلك، ثم يُرسل إليه الملَك فيَنْفُخُ فيه الروح، ويُؤمر بأربع كلمات: بكَتْبِ رزقِه، وأجلِه، وشقيٍّ أو سعيد..." الحديث. متفق عليه.
أعزائي: وهذا عرضٌ لبعض الأسباب الجالِبة للرزق، هدى إليه الربُّ، ودلَّ عليها الشرع:
أما أولُ ذلك وأوْلاه: فتقوى الله-عز وجل-؛ فمن اتقى الله ولزِمَ مرضاته رزقَه من حيث لا يحتسِب، وعدٌ من الله حقٌّ: [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ]، يرزُقه من جهةٍ لا تخطُر له على بالٍ، ومن حيث لا يرجُو ولا يُؤمِّل: [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ]، يتَّقي العبدُ ربَّه ظاهرًا وباطنًا، يتَّقي اللهَ في نفسِه وأهلِه ومالِه وعملِه وفي شأنه كلِّه.
السببُ الثاني كثرةُ الاستغفار والمُداومةُ عليه: يقول-عزَّ شأنُه- مُخبِرًا عن نبيِّه نوحٍ-عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-: [فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا]، ويقول عن هود-عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-: [وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ]، وورد في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أبو داود-رحمه الله تعالى-: "من أكثرَ الاستغفار جعل الله له من كل همٍّ فرَجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ورزقَه من حيث لا يحتسِب"، يقول الإمام القرطبيُّ-رحمه الله تعالى-: "وهذا دليلٌ على أن الاستغفار يُستجلَبُ به الرزق، ويُستنزَلُ به الغيث"، استغفارٌ يتواطأُ فيه القلبُ مع اللسان غيرَ مُصرٍّ على ذنبٍ، ولا عازِمٍ على عودٍ.
السببُ الثالثُ وهو من أعظمِها حُسْنُ التوكُّلِ على الله: فيتعلَّقُ القلبُ بمولاه، ويُفوِّضُ أمرَه إليه؛ فمن توكَّل على الله كفاه ما أهمَّه، ودفع عنه ما ضرَّه وأغمَّه، ورزقَه من حيث لا يحتسِب، وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمامان أحمد والترمذي-رحمهما الله تعالى-: "لو أنكم تتوكَّلون على الله حقَّ توكُّلِه لرزَقكم كما يرزُقُ الطيرَ تغدُو خِماصًا وتروحُ بِطانًا"، يقول الإمامُ الحافظُ ابنُ رجبٍ-رحمه الله تعالى-: "هذا الحديث أصلٌ في التوكُّل، وأنه من أعظم الأسباب التي يُستجلَبُ بها الرزق"، قال بعضُ السلف: "توكَّل تُسَق إليك الأرزاق بلا تعبٍ ولا تكلُّفٍ"، ومما ينبغي أن يُعلم في هذا المقام: أن التوكُّل لا يُعارِضُ الأخذَ بالأسباب، والاجتهادَ في الطلَب؛ بل قال أهلُ العلم: "إن السعيَ في الجوارِح واقتِفاءَ الأسبابِ طاعةٌ لله، والتوكُّل بالقلبِ إيمانٌ به-سبحانه-"، وقد قال-عزَّ شأنُه-في طلب الأسباب: [هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ]، وقال-عزَّ شأنه-: [وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وآخرون يقاتلون في سبيل الله]، يقول الإمام القرطبيُّ-رحمه الله تعالى-: "سوَّى اللهُ في هذه الآيةِ بين درجة المُجاهِدين والمُكتسِبين المالَ الحلالَ، للنفقَة على النفس والعيال، والإحسان والإفضال، فكان دليلا على أن الكسبَ بمنزلةِ الجهاد؛ لأنَّهُ جَمَعَهُ مَعَه"، وعُمر-رضي الله عنه- يقول: "لا يقعُدْ أحدُكم عن طلب الرزق ويقلْ: اللهم ارزُقني؛ فقد علِمتُم أن السماءَ لا تُمطِرُ ذهبًا ولا فضَّة"، والتوكُّل بالقلب، والسعي بالجوارِح، وما تعسَّر من شيءٍ فبتقديرِ الله، وما تيسَّر من شيءٍ فبتيسير الله، وفي الحديث الحسن الذي أخرجه الإمامُ الحاكمُ-رحمه الله تعالى-: لما قال رجلٌ للنبي-صلى الله عليه وآله وسلم-: أُرسِلُ ناقَتي وأتوكَّل؟! قال له: "اعقِلها وتوكَّل".
السببُ الرابعُ صِلةُ الرحمِ: ففي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري-رحمه الله تعالى-: "من سرَّه أن يُبسَط له في رزقِه، وأن يُنسأَ له في أجلِه، فليصِل رحِمَه"، وفي مسند الإمام أحمد وصححه الألباني-رحمهما الله تعالى-: "تعلَّموا من أنسابِكم ما تصِلون به أرحامَكم؛ فإن صِلة الرَّحِم محبَّةٌ في الأهل، ومثراةٌ في المال، ومنسأةٌ في العُمر"، فلِصِلة الرَّحِم آثارٌ عجيبة، وثِمارٌ مشهودةٌ من بسطِ الرزق، وزيادةِ العُمر، ودفعِ مِيتةِ السُّوء، وغرسِ المحبَّة، وفي الحديث الصحيح عند الإمام ابن حبَّان-رحمه الله تعالى-: "إن أعجلَ الطاعةِ ثوابًا: صِلةُ الرَّحِم، حتى إن أهل البيت ليكونون فجَرَة فتنمُو أموالُهم، ويكثُر عددُهم إذا تواصَلوا، وما من أهل بيتٍ يتواصَلون فيحتاجُون".
السببُ الخامسُ التصدقُ والإنفاقُ: فمن عجائِب حِكمة الله وفضلِه: أن جعل الإنفاقَ من أسباب جلبِ الرزق وسَعَته؛ فمن أنفقَ أخلفَ الله عليه، وباركَ له فيما عنده: [وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ]، يُخلِفُه عليه في الدنيا بالبدل والبركة، وفي الآخرة بحُسن الجزاء وعظيم الثواب، وفي كلام ربنا-جل وعلا-: [الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ]، يقول ابنُ عباس-رضي الله عنهما-: "اثنان من الله، واثنان من الشيطان؛ الشيطان يعِدُكم الفقرَ يقول: لا تُنفِقْه وأمسِكْه لك فإنك تحتاج إليه، ويأمرُكم بالفحشاء، والله يعِدُكم مغفرةً منه على المعاصِي والذنوب، وفضلا في الرزق"، وفي الحديث القُدسي الذي رواه الإمام مسلم-رحمه الله تعالى-: "يا ابن آدم: أَنفِقْ أُنفِقْ عليك"، وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري-رحمه الله تعالى-: "ما من يومٍ يُصبِحُ فيه العبادُ إلا وفيه ملَكَان ينزِلان، فيقول أحدُهما: اللهم أعطِ مُنفِقًا خلَفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ مُمسِكًا تلَفًا". فأنفِقوا وأبشِروا بالخلَف الواسِع من فضل الله؛ فلقد قال-عزَّ شأنُه-: [لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا].
السببُ السادسُ من أسباب سَعة الرزقِ الإحسانُ إلى الضعفاء والمُحتاجِين، وتفقُّد أصحابِ الحوائِج: وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري-رحمه الله تعالى-: "وهل تُنصَرون وتُرزَقون إلا بضُعفائِكم!!". وفي السنن عند الإمامين أبي داوود والترمذي-رحمهما الله تعالى-عن أبي الدرداء-رضي الله عنه-قال: سمعتُ رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-يقول: "ابغُوني في ضُعفائِكم؛ فإنما تُرزَقون وتُنصَرون بضُعفائِكم"، وهذا يشملُ أصنافَ ذوي الحاجات؛ من الفقراءِ، والمساكينِ، والمرضَى، والغُرباءِ، ومن لا عائِلَ له، وإن أوضاعَ الأمة ومآسيها قد أوقعَت كثيرًا من إخواننا وجيراننا في أحوالٍ وشدائِد؛ فتفقَّدُوهم، وأحسِنوا إليهم، وأنفِقوا يُخلِف الله عليكم، ويُبارِك لكم؛ بل إنكم بهذا تستجلِبون نصرَ الله وعونَه وتأييدَه.
إن رزقَ الله لا يضُرُّه حِرصُ حريص، ولا ترُدُّه كراهيةُ كارِه، فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلب؛ فالعبدُ المُؤمن إذا استيقنَ أن الرزقَ مُقدَّر اطمأنَّ قلبُه، واستراحَت نفسُه، فلن يجزَعَ من فقرٍ يُصيبُه، أو جائِحةٍ تُتلِفُ مالَه، ولن يشغَلَ نفسَه بالدنيا عن الآخرة؛ لأنه يعلمُ أنه لا يأتيه إلا ما كُتِب له، لا يطمعُ فيما في أيدي الناس، ولا يتطلَّع إلى ما في خزائِنِهم، ولا تمتدُّ يدُه إلى الحرام، مُتعلِّقٌ بربِّه، يعلمُ أن الخلقَ لا يرزُقون أنفسَهم فضلا عن أن يرزُقوا غيرَهم، قيل لأبي حازمٍ: ما رِزقُك؟! قال: "الرِضا عن الله، والغِنى عن الناس"، ويقول-عز وجل-: [مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ*يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ].
[/align][align=justify]
أما بعد: فيا إخواني الكرام:
السببُ السابعُ من أعظم أسباب جلبِ الرزق وبركتِه؛ بل لعلَّه هو جامع الأسبابِ كلِّها: الاستقامةُ على دينِ الله، والعملُ بطاعته، واجتِنابُ معاصِيه ومناهِيه؛ فما استُجلِبَت الأرزاق إلا بالطاعات، وما مُحِقَت إلا بالمعاصِي والذنوب، وإن العبد ليُحرَم الرزقُ بالذنبِ يُصيبُه. فالذنوبُ والمعاصِي من أكبر الأبواب التي تُغلِقُ موارِد الأرزاق على الفرد وعلى الأمة، بالذنوب والمعاصِي تتعسَّر الأسباب، وتضيقُ الأبواب، وتُمحَقُ البركات: [وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا*لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ]، إن نِعَم الله ما حُفِظَ موجودُها بمثلِ طاعة الله، ولا استُجلِب مفقودُها بمثلِ طاعة الله، فما عند الله لا يُنال إلا بطاعته، فمن أراد السَّعة في الرزق، والرَّغَد في العيش، والبركة في المال فليحفَظ نفسَه عما يُؤثِّمُه، وليمتثِل أوامِر ربِّه، وليجتنِب نواهِيَه، وليصُن نفسَه عن مواضِع سخَط الله، قال-صلى الله عليه وآله وسلم-: "إن روحَ القُدس نفثَ في رُوعِي أن نفسًا لن تموتَ حتى تستكمِلَ رِزقَها، فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلب، ولا يحمِلنَّكم استِبطاء الرزق أن تطلُبوه بمعاصِي الله-عز وجل-؛ فإن الله لا يُدرَك ما عنده إلا بطاعته"، "ومن يستعفِفْ يُعِفَّه الله، ومن يستغنِ يُغنِه الله"، "وما أكل أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا من أن يأكُل من عملِ يدِه".
[/align][/align]
فيا أيها الإخوة، اعلموا أن لكم علمًا فانتهوا إلى علمِكم، ولكم نهايةً فانتهوا إلى نهايتكم، أيام العُمر مراحلُ معدودةٌ، إلى وجهةٍ مقصودةٍ، للنفوس مواعيدُ تطلبُ آجالَها، وأعمارٌ مُقدَّرةٌ لآمالِها، وآجالٌ مُؤخَّرةٌ لميعادها، فلا استِزادةَ ولا استِنقاص، ولا فواتَ ولا مناصَ، إنما هي آمادٌ مضروبة، وأنفاسٌ محسوبة، للهِ وحدَه البقاءُ، وللخلائقِ الفناءُ: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ*وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ].
أيها المباركون: اعملوا؛ فكلٌّ مُيسَّرٌ لما خُلق له، أرأيتم لو أن أرزاقَ الناس بأيدي البشر؛ فكم سيقع من الظلم والتظالُم، والبغي والفساد، والله وتالله لو تُرك ذلك إليهم لظلَمَ بعضُهم بعضًا، و لبغَى بعضُهم على بعضٍ؛ بل لنسِيَ بعضُهم بعضًا، ولغفَلَ بعضُهم عن بعض!، فسبحان الرزاقِ الكريمِ ذي القوة المتين، لا يظلمُ ولا يبغي، ولا ينسَى ولا يغفَل؛ بل يتفضَّل ويُنعِم، ويُحسِن ويرحم، وهو اللطيف الخبير: [وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ*وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ*فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ].
أحبابي: إن همَّ الرزق قد أكل قلوبًا، وأشغل عقولا، في بعض الناس هلعٌ وجزعٌ حينما يسمع بالتغيُّراتِ الاقتصادية، والتقلُّباتِ المالية، والمُشكلاتِ في أمور المعاش، وكأنهم لا يعلمون أن الله-عزَّ شأنه-قد تكفَّل بالرزق لجميع خلقِه إنسِهم وجنِّهم، مؤمنِهم وكافِرهم، قويِّهم وضعيفِهم، كبيرِهم وصغيرِهم: [وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ]،[وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ]
إخواني الكرام: لا يستبطِئنَّ أحدٌ رزقَه، فلن يخرج من هذه الدنيا أحدٌ حتى يستكمِل رزقَه وأجلَه، فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلب، لقد كتب الله رزقَ ابنِ آدم، وقدَّره قبل أن يأتيَ إلى هذه الدنيا؛ عن عبدِاللهِ بنِ مسعودٍ-رضي الله عنه-قال: حدَّثنا رسولُ الله-صلى الله عليه وآله وسلم-وهو الصادق المصدوق-: "إن أحدَكم يُجمع خلقُه في بطن أمِّه أربعين يومًا نُطفة، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مُضغةً مثل ذلك، ثم يُرسل إليه الملَك فيَنْفُخُ فيه الروح، ويُؤمر بأربع كلمات: بكَتْبِ رزقِه، وأجلِه، وشقيٍّ أو سعيد..." الحديث. متفق عليه.
أعزائي: وهذا عرضٌ لبعض الأسباب الجالِبة للرزق، هدى إليه الربُّ، ودلَّ عليها الشرع:
أما أولُ ذلك وأوْلاه: فتقوى الله-عز وجل-؛ فمن اتقى الله ولزِمَ مرضاته رزقَه من حيث لا يحتسِب، وعدٌ من الله حقٌّ: [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ]، يرزُقه من جهةٍ لا تخطُر له على بالٍ، ومن حيث لا يرجُو ولا يُؤمِّل: [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ]، يتَّقي العبدُ ربَّه ظاهرًا وباطنًا، يتَّقي اللهَ في نفسِه وأهلِه ومالِه وعملِه وفي شأنه كلِّه.
السببُ الثاني كثرةُ الاستغفار والمُداومةُ عليه: يقول-عزَّ شأنُه- مُخبِرًا عن نبيِّه نوحٍ-عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-: [فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا]، ويقول عن هود-عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-: [وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ]، وورد في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أبو داود-رحمه الله تعالى-: "من أكثرَ الاستغفار جعل الله له من كل همٍّ فرَجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ورزقَه من حيث لا يحتسِب"، يقول الإمام القرطبيُّ-رحمه الله تعالى-: "وهذا دليلٌ على أن الاستغفار يُستجلَبُ به الرزق، ويُستنزَلُ به الغيث"، استغفارٌ يتواطأُ فيه القلبُ مع اللسان غيرَ مُصرٍّ على ذنبٍ، ولا عازِمٍ على عودٍ.
السببُ الثالثُ وهو من أعظمِها حُسْنُ التوكُّلِ على الله: فيتعلَّقُ القلبُ بمولاه، ويُفوِّضُ أمرَه إليه؛ فمن توكَّل على الله كفاه ما أهمَّه، ودفع عنه ما ضرَّه وأغمَّه، ورزقَه من حيث لا يحتسِب، وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمامان أحمد والترمذي-رحمهما الله تعالى-: "لو أنكم تتوكَّلون على الله حقَّ توكُّلِه لرزَقكم كما يرزُقُ الطيرَ تغدُو خِماصًا وتروحُ بِطانًا"، يقول الإمامُ الحافظُ ابنُ رجبٍ-رحمه الله تعالى-: "هذا الحديث أصلٌ في التوكُّل، وأنه من أعظم الأسباب التي يُستجلَبُ بها الرزق"، قال بعضُ السلف: "توكَّل تُسَق إليك الأرزاق بلا تعبٍ ولا تكلُّفٍ"، ومما ينبغي أن يُعلم في هذا المقام: أن التوكُّل لا يُعارِضُ الأخذَ بالأسباب، والاجتهادَ في الطلَب؛ بل قال أهلُ العلم: "إن السعيَ في الجوارِح واقتِفاءَ الأسبابِ طاعةٌ لله، والتوكُّل بالقلبِ إيمانٌ به-سبحانه-"، وقد قال-عزَّ شأنُه-في طلب الأسباب: [هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ]، وقال-عزَّ شأنه-: [وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وآخرون يقاتلون في سبيل الله]، يقول الإمام القرطبيُّ-رحمه الله تعالى-: "سوَّى اللهُ في هذه الآيةِ بين درجة المُجاهِدين والمُكتسِبين المالَ الحلالَ، للنفقَة على النفس والعيال، والإحسان والإفضال، فكان دليلا على أن الكسبَ بمنزلةِ الجهاد؛ لأنَّهُ جَمَعَهُ مَعَه"، وعُمر-رضي الله عنه- يقول: "لا يقعُدْ أحدُكم عن طلب الرزق ويقلْ: اللهم ارزُقني؛ فقد علِمتُم أن السماءَ لا تُمطِرُ ذهبًا ولا فضَّة"، والتوكُّل بالقلب، والسعي بالجوارِح، وما تعسَّر من شيءٍ فبتقديرِ الله، وما تيسَّر من شيءٍ فبتيسير الله، وفي الحديث الحسن الذي أخرجه الإمامُ الحاكمُ-رحمه الله تعالى-: لما قال رجلٌ للنبي-صلى الله عليه وآله وسلم-: أُرسِلُ ناقَتي وأتوكَّل؟! قال له: "اعقِلها وتوكَّل".
السببُ الرابعُ صِلةُ الرحمِ: ففي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري-رحمه الله تعالى-: "من سرَّه أن يُبسَط له في رزقِه، وأن يُنسأَ له في أجلِه، فليصِل رحِمَه"، وفي مسند الإمام أحمد وصححه الألباني-رحمهما الله تعالى-: "تعلَّموا من أنسابِكم ما تصِلون به أرحامَكم؛ فإن صِلة الرَّحِم محبَّةٌ في الأهل، ومثراةٌ في المال، ومنسأةٌ في العُمر"، فلِصِلة الرَّحِم آثارٌ عجيبة، وثِمارٌ مشهودةٌ من بسطِ الرزق، وزيادةِ العُمر، ودفعِ مِيتةِ السُّوء، وغرسِ المحبَّة، وفي الحديث الصحيح عند الإمام ابن حبَّان-رحمه الله تعالى-: "إن أعجلَ الطاعةِ ثوابًا: صِلةُ الرَّحِم، حتى إن أهل البيت ليكونون فجَرَة فتنمُو أموالُهم، ويكثُر عددُهم إذا تواصَلوا، وما من أهل بيتٍ يتواصَلون فيحتاجُون".
السببُ الخامسُ التصدقُ والإنفاقُ: فمن عجائِب حِكمة الله وفضلِه: أن جعل الإنفاقَ من أسباب جلبِ الرزق وسَعَته؛ فمن أنفقَ أخلفَ الله عليه، وباركَ له فيما عنده: [وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ]، يُخلِفُه عليه في الدنيا بالبدل والبركة، وفي الآخرة بحُسن الجزاء وعظيم الثواب، وفي كلام ربنا-جل وعلا-: [الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ]، يقول ابنُ عباس-رضي الله عنهما-: "اثنان من الله، واثنان من الشيطان؛ الشيطان يعِدُكم الفقرَ يقول: لا تُنفِقْه وأمسِكْه لك فإنك تحتاج إليه، ويأمرُكم بالفحشاء، والله يعِدُكم مغفرةً منه على المعاصِي والذنوب، وفضلا في الرزق"، وفي الحديث القُدسي الذي رواه الإمام مسلم-رحمه الله تعالى-: "يا ابن آدم: أَنفِقْ أُنفِقْ عليك"، وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري-رحمه الله تعالى-: "ما من يومٍ يُصبِحُ فيه العبادُ إلا وفيه ملَكَان ينزِلان، فيقول أحدُهما: اللهم أعطِ مُنفِقًا خلَفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ مُمسِكًا تلَفًا". فأنفِقوا وأبشِروا بالخلَف الواسِع من فضل الله؛ فلقد قال-عزَّ شأنُه-: [لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا].
السببُ السادسُ من أسباب سَعة الرزقِ الإحسانُ إلى الضعفاء والمُحتاجِين، وتفقُّد أصحابِ الحوائِج: وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري-رحمه الله تعالى-: "وهل تُنصَرون وتُرزَقون إلا بضُعفائِكم!!". وفي السنن عند الإمامين أبي داوود والترمذي-رحمهما الله تعالى-عن أبي الدرداء-رضي الله عنه-قال: سمعتُ رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-يقول: "ابغُوني في ضُعفائِكم؛ فإنما تُرزَقون وتُنصَرون بضُعفائِكم"، وهذا يشملُ أصنافَ ذوي الحاجات؛ من الفقراءِ، والمساكينِ، والمرضَى، والغُرباءِ، ومن لا عائِلَ له، وإن أوضاعَ الأمة ومآسيها قد أوقعَت كثيرًا من إخواننا وجيراننا في أحوالٍ وشدائِد؛ فتفقَّدُوهم، وأحسِنوا إليهم، وأنفِقوا يُخلِف الله عليكم، ويُبارِك لكم؛ بل إنكم بهذا تستجلِبون نصرَ الله وعونَه وتأييدَه.
إن رزقَ الله لا يضُرُّه حِرصُ حريص، ولا ترُدُّه كراهيةُ كارِه، فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلب؛ فالعبدُ المُؤمن إذا استيقنَ أن الرزقَ مُقدَّر اطمأنَّ قلبُه، واستراحَت نفسُه، فلن يجزَعَ من فقرٍ يُصيبُه، أو جائِحةٍ تُتلِفُ مالَه، ولن يشغَلَ نفسَه بالدنيا عن الآخرة؛ لأنه يعلمُ أنه لا يأتيه إلا ما كُتِب له، لا يطمعُ فيما في أيدي الناس، ولا يتطلَّع إلى ما في خزائِنِهم، ولا تمتدُّ يدُه إلى الحرام، مُتعلِّقٌ بربِّه، يعلمُ أن الخلقَ لا يرزُقون أنفسَهم فضلا عن أن يرزُقوا غيرَهم، قيل لأبي حازمٍ: ما رِزقُك؟! قال: "الرِضا عن الله، والغِنى عن الناس"، ويقول-عز وجل-: [مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ*يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ].
[/align][align=justify]
الخطبة الثانية
السببُ السابعُ من أعظم أسباب جلبِ الرزق وبركتِه؛ بل لعلَّه هو جامع الأسبابِ كلِّها: الاستقامةُ على دينِ الله، والعملُ بطاعته، واجتِنابُ معاصِيه ومناهِيه؛ فما استُجلِبَت الأرزاق إلا بالطاعات، وما مُحِقَت إلا بالمعاصِي والذنوب، وإن العبد ليُحرَم الرزقُ بالذنبِ يُصيبُه. فالذنوبُ والمعاصِي من أكبر الأبواب التي تُغلِقُ موارِد الأرزاق على الفرد وعلى الأمة، بالذنوب والمعاصِي تتعسَّر الأسباب، وتضيقُ الأبواب، وتُمحَقُ البركات: [وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا*لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ]، إن نِعَم الله ما حُفِظَ موجودُها بمثلِ طاعة الله، ولا استُجلِب مفقودُها بمثلِ طاعة الله، فما عند الله لا يُنال إلا بطاعته، فمن أراد السَّعة في الرزق، والرَّغَد في العيش، والبركة في المال فليحفَظ نفسَه عما يُؤثِّمُه، وليمتثِل أوامِر ربِّه، وليجتنِب نواهِيَه، وليصُن نفسَه عن مواضِع سخَط الله، قال-صلى الله عليه وآله وسلم-: "إن روحَ القُدس نفثَ في رُوعِي أن نفسًا لن تموتَ حتى تستكمِلَ رِزقَها، فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلب، ولا يحمِلنَّكم استِبطاء الرزق أن تطلُبوه بمعاصِي الله-عز وجل-؛ فإن الله لا يُدرَك ما عنده إلا بطاعته"، "ومن يستعفِفْ يُعِفَّه الله، ومن يستغنِ يُغنِه الله"، "وما أكل أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا من أن يأكُل من عملِ يدِه".
[/align][/align]
المرفقات
الأسباب الجالبة للرزق-28-1-1436هـ-صالح بن حميد-الملتقى-بتصرف.doc
الأسباب الجالبة للرزق-28-1-1436هـ-صالح بن حميد-الملتقى-بتصرف.doc