الأَسَالِيبُ النَّبَوِيَّةُ فِي التَّرْبِيَّةِ الأُسَرِيَّةِ 1صفر 1434هـ
محمد بن مبارك الشرافي
1434/01/28 - 2012/12/12 14:08PM
الأَسَالِيبُ النَّبَوِيَّةُ فِي التَّرْبِيَّةِ الأُسَرِيَّةِ 1صفر 1434هـ
الْحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ الْمَوَدَّةَ وَالرَّحْمَةَ بَيْنَ الأَزْوَاجِ وَرَغَّبَ فِي بِنَاءِ الأُسْرَةِ ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَسْبَغَ مِنْ خَيْرٍ وَنِعْمَة , وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، الْقَائِلُ (إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، دَعَا إِلَى اللهِ بِالْحِكْمَةِ , وَكَانَ بِأَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ أَفْضَلَ قُدْوَةٍ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ خَيْرِ آلٍ وَأُسْوَةٍ .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهَ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ الظَّاهِرَة وَآلائِهِ الْبَاهِرَة , فَدِينُنَا خَيْرُ الأَدْيَانِ , وَأُمَّتُنَا خَيْرُ الأُمَمِ , وَنَبِيُّنَا أَفْضَلُ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ جَمِيعاً صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُه , وَنَحْنُ بَيْنَ ذَلِكَ فِي صِحَّةٍ فِي الأَبْدَانِ وَأَمْنٍ فِي الأَوْطَانِ وَرَغَدٍ فِي الْعَيْشِ وَأَمَان .أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : يَشْتَكِي كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ رِجَالاً وَنِسَاءً كِبَارَاً وَصِغَاراً مِنْ فَقْدِ الطُّمَأْنِينَةِ وَالرَّاحَةِ فِي الْبُيُوتِ , وَوُجُودِ مَشَاكِلَ تَكَادُ تَكُونُ دَائِمَةً وَمُزْمِنَةً بَيْنَ أَفْرَادِ الْعَائِلَةِ , حَتَّى نَتَجَتْ مُضَاعَفَاتٌ لِهَذِهِ الأَعْرَاضِ عَصَفَتْ بِالأُسْرَةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيَانِ , وَشَتَّتَتِ الْبَيْتَ وَجَعَلَتْ أَفْرَادَهُ شَذَرَ مَذَر , فَالزَّوْجَةُ مُطَلَّقَةٌ أَوْ تُعَامَلُ مُعَامَلَةً قَاسِيَةً , وَالأَبُ بَعِيدٌ عَنْ أُسْرَتِهِ , إِمَّا يَلْهَثُ وَرَاءَ سَرَابِ الدُّنْيَا الذِي لا يَنْقَطِعُ , أَوْ يَهْرُبُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً مَعَ زُمَلاءِ الْعَمَلِ أَوْ أَصْدِقَائِهِ فِي الْحَيِّ , بَيْنَمَا تَرَكَ زَوْجَتَهُ وَأَوْلادَهُ يُرَبِّيهِمُ الشَّارِعُ وَأَصْحَابُ السُّوء , أَوْ تُرَبِّيهِمْ وَسَائِلُ الإِعْلامِ الْمُغْرِضَةِ , وَالْمَوَاقِعِ الْهَابِطَةِ , وَهَذَا أَدَّى إِلَى ضَيَاع ِالأَوْلادِ وَجَعَلَهُمْ بَيْنَ هَارِبِينَ مِنَ الْمَنْزِلِ , أَوْ تَارِكِينَ لِلدِّرَاسَةِ , أَوْ سَاقِطِينَ فِي أَوْحَالِ الْمَعَاصِي وَبَيْنَ أَحْضَانِ أَصْحَابِ السُّوءِ وَصَاحِبَاتِ السُّوء .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ دِينَنَا بِحَمْدِ اللهِ كَفِيلٌ بِحَلِّ مَشَاكِلِ الْعَالَمِ وَإِيجَادِ الْمَخْرَجِ لَهَا , وَ وَاللهِ مَا حَصَلَ بَلاءٌ وَلا مَصَائِبُ إِلَّا بِالْبُعْدِ عَنْ هَذَا الدِّينِ الْقَوِيمِ , وَمَا حَصَلَ خَيْرٌ وَصَلَاحُ إِلَّا بِالاسْتِقَامَةِ عَلَيْهِ , كَيْفَ لا ؟ وَهُوَ دِينُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ , قَالَ سُبْحَانَهُ (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّ الإِسْلامَ جَاءَ بِالْعِنَايَةِ بِالأُسْرَةِ مِنْ أَوَّلِ خُطُوَاتِ بِنَائِهَا , وَجَاءَ بِإِصْلاحِهِا فِي جَمِيعِ مَنَاحِي حَيَاتِهَا ! فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَنْ يَخْتَارَ ذَاتَ الدِّينِ , لِأَنَّهَا هِيَ الصَّالِحَةُ وَهِيَ الْمُصْلِحَةُ وَهِيَ نِعْمَ الرَّفِيقُ وَخَيْرُ الْعَوِينِ , فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا , وَلِحَسَبِهَا , وَلِجَمَالِهَا , وَلِدِينِهَا , فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَأَمَرَ الرَّجُلَ إِذَا أَرَادَ جِمَاعَ زَوْجَتِهِ أَنْ يَدْعُوَ دَعَاءً يُبْعِدُ عَنْهُمَا الشَّيْطَانُ , وَيَكُونُ حِصْنَاً لِلْوَلَدِ إِذَا حَمَلَتِ الْمَرْأَةُ , فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ : بِسْمِ اللهِ . اَللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا , فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَدًا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .رادأ
وَجَاءَتِ السُّنَّةُ بِالْعِنَايَةِ بِالْمَوْلُودِ مُنْذُ قُدُومِهِ لِلدُّنْيَا , فَيُقَابَلُ أَوَّلاً بِإِسْمَاعِهِ الأَذَانَ لِيَكُونَ التَّوْحِيدُ أَوَّلَ مَا يَقْرَعُ سَمْعَهُ , وَلاشَكَّ أَنَّ فِي هَذَا تَأْثِيراً فِي حَيَاتِهِ الدِّيِنِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ , فَاتِّبَاعُ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرٌ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ , فَعَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ , بِالصَّلاةِ . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ .
وَجَاءَ الأَمْرُ بِإِحْسَانِ اخْتِيَارِ الأَسْمَاءِ , فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَأَمَّا مَا تَتَابَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ الْيَوْمَ مِنَ الأَسْمَاءِ الْغَرِيبَةِ أَوِ الْغَرْبِيَّةِ فَهَذَا يَجْلِبُ التَّعَاسَةَ لِلأُسْرَةِ وَلَيْسَ السَّعَادَة , وَهَذَا مِمَّا يَجْهَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَوْ يَغْفُلُونَ عَنْهُ , وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللهُ أَنَّ الاسْمَ مُرْتَبِطٌ بِالْمُسَمَّى وَمُؤَثَّرٌ عَلَيْهِ , قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ : وَبِالْجُمْلَةِ فَالأَخْلاقُ وَالأَعْمَالُ وَالأَفْعَالُ الْقَبِيحَةُ تَسْتَدْعِي أَسْمَاءَ تُنَاسِبُهَا , وَأَضْدَادُهَا تَسْتَدْعِي أَسْمَاءَ تُنَاسِبُهَا ... وَلِهَذَا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْسِينِ الأَسْمَاءَ ... فَإِنَّ صَاحِبَ الاسْمِ الْحَسَنِ قَدْ يَسْتَحِي مِنْ اسْمِهِ وَقَدْ يَحْمِلُهُ اسْمُهُ عَلَى فِعْلِ مَا يُنَاسِبُهُ , وَتَرْكِ مَا يُضَادُّهُ وَلِهَذَا تَرَى أَكْثَرَ السِّفْلِ أَسْمَاؤُهُمْ تُنَاسِبُهُمْ , وَأَكْثَرَ الْعِلْيَةِ أَسْمَاؤُهُمْ تُنَاسِبُهُمْ . انْتَهَى كَلامُهُ رَحِمَهُ اللهُ .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ : إِنَّ مُعَامَلَةَ الزَّوْجَةِ الْمُعَامَلَةَ الطَّيَّبَةَ وَإِعْطَاءَهَا حَقَّهَا وَحُسْنَ مُعَاشَرَتِهَا مِمَّا يَجْعَلُ الأُسْرَةَ تَسْتَقِرُّ بِإِذْنِ اللهِ , وَقَدْ جَاءَتْ شَرِيعَتُنَا الغَّرَّاءُ بِذَلِكَ , فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ , وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِى) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .
وَجَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى رَفِيعِ مُعَامَلَةِ الزَّوْجَةِ خِلافاً لِأَهْلِ الْجَفَاءِ وَالْغِلْظَةِ , حَتَّى أَثَّرَتْ مُعَامَلَتُهُمُ الْقَاسِيَةُ عَلَى نَفْسِيَّاتِ أَوْلادِهِمْ , وَظَهَرَتِ النُّفْرَةُ مِنَ الأَبِ وَالْبَيْتِ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ سُوءِ مُعَامَلَةِ أَبِيهِمْ لِأُمِّهِمْ , وَهَذَا خِلافُ الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ , فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ , وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ , فَقَالَ لِلنَّاسِ (تَقَدَّمُوا) فَتَقَدَّمُوا , ثُمَّ قَالَ (لِي تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ) فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ , فَسَكَتَ عَنِّي , حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ , خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ , فَقَالَ لِلنَّاسِ (تَقَدَّمُوا) فَتَقَدَّمُوا , ثُمَّ قَالَ (تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ) فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي , فَجَعَلَ يَضْحَكُ وَهُوَ يَقُولُ (هَذِهِ بِتِلْكَ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ , فَتَأَمَّلُوا _أَيُّهَا الإِخْوَةُ_ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ النَّبَوِّيَةَ وَهَذِهِ الأَخْلاقَ الْمُحَمَّدِيَّةِ مَعَ الزَّوْجَةِ , فَهلْ نَحْنُ بِهِ مُقْتَدُونَ ؟ وَهَلْ نَحْنُ لَهُ مُتَّبِعُونَ ؟ أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)
أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِيْ ولَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُوْرُ الرَّحِيْمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ , وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ القَوِيُّ الْمَتِينُ , وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ , وَاحْفَظُوا بُيُوتَكُمْ وَارْعَوْا أَوْلادَكُمْ وَأَحْسِنُوا مُعَامَلَةَ زَوْجَاتِكُمْ وَكُونُوا مُتَعَاوِنِينَ مَعْهُنَّ فِي إِصْلاحِ الأَوْلادِ مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ , فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ اسْتِقْرَارِ حَيَاتِكُمْ وَطُمَأْنِينَةِ قُلُوبِكُمْ , لِأَنَّ صَلاحَ الأَوْلادِ وَالزَّوْجَةِ أَوْلَى مَطَالِبِ الْعُقَلاءِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي صِفَاتِ الْمُؤْمِنِيَن وَحَاكِيَاً دُعَاءَهَمْ (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) .
أَيُّهَا الأَبُ الفَاضِل : إِنَّكَ لا تُطَالَبُ أَنْ تَبْقَى فِي الْمَنْزِلِ أَرْبَعَاً وَعِشْرِينَ سَاعَةً , لَكِنَّهُ يُثَرَّبُ عَلْيَكَ وَتُلَامُ عِنْدَمَا لا تُعْطِي زَوْجَتَكَ وَأَوْلادَكَ إِلَّا فَضْلَةَ وَقْتِك , وَلا تَرَاهُمْ إِلَّا فِي وَقْتِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ , أَوْ لا تَأَتِيهِمْ إِلَّا وَقْتَ النَّوْمِ !!! فَلا يَسْمَعُونَ مِنْكَ نُصْحَاً وَلا تَوْجِيهاً , وَلا يَأْنَسُونَي بُقُرْبِكَ مِنْهُمْ أَوَ مُمَازَحَتِكَ لَهُمْ , فَكَيْفَ يَتَرَبَّوْن ؟ بَلْ كَيْفَ يُحِبُّونَكَ وَهُمْ لا يَرَوْنَكَ إِلَّا لِمَامَاً !
وَأَيْنَ حَقُّ زَوْجَتِكَ وَهِيَ لا تَرَاكَ إِلَّا وَقْتَ الْفِرَاشِ ؟ وَرُبَّمَا تَأْتِيهَا وَأَنْتَ غَيْرُ مُتَهَيِّءٍ أَصْلاً لا فِي مَظْهَرِكَ وَلا رَوَائِحَكَ !!! بَيْنَما يَفُوزُ زُمَلاؤُكَ وَأَصْدِقَاؤُكَ بِسَنَامِ وَقْتِكَ وَجُلِّ حَيَاتِكَ ؟ أَوْ تَكُونُ مُنْشَغِلاً فِي مُطَارَدَةِ الدُّنْيَا مِنْ أَجْلِ الْعَائِلَةِ -بِزَعْمِكَ- ثُمَّ أَنْتَ تُهْمِلُ تِلْكَ الأُسْرَةِ التِي أَنْتَ تَشْقَى لِأَجْلِهَا !
إِنَّ زَوْجَتَكَ وَأَوْلادَكَ فِي حَاجَةِ حَنَانِكَ وَرِعَايَتِكَ وَتَوْجِيهِكَ وَنُصْحِكَ , إِنَّهُمْ فِي ضَرُورَةٍ لِأَنْ تَجْلِسَ مَعَهُمْ وَتَأْكُلَ مَعَهُمْ وَتُمَازِحَهُمْ وَتَلاعُبَهُمْ , إِنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَرَوْكَ أَمَامَهُمْ , وَيَسْمَعُونَ صَوْتَكَ وَيُحِسُّونَ بِرِعَايَتِكَ لَهُمْ !!! إِنَّكَ بِجُلُوسِكَ مَعَهُمْ تُدْخِلُ عَلَيْهِمُ السُّرُورَ وَالأُنْسَ , وَتَطْرُدُ عَنْهُمُ الْمَلَلَ وَتُبْعِدُ عَنْهُمُ السَآمَةَ !
أَيُّهَا الأَبُ الكَرِيم : إِنَّ نُصْحَكَ لِأَفْرَادِ أُسْرَتِكَ بِشَفَقَةٍ وَحُسْنِ أُسْلُوبٍ لَهُ أَثَرٌ فِي صَلاحِهِمْ , وَلَهُ قُوَّةٌ فِي هِدَايَتِهِمْ ! فَاسْتَعْمِلْ هَذَا وَاسْتَمِرَّ مَعَهُمْ وَأَبْشِر فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَكَ وَلَنْ يُخَيِّبَ سَعْيَك !
إِنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوَجِّهُ الشَّبَابَ بَلِ الصِّغَارَ وَيُعَلِّمُهُمْ وَيُرْشِدُهُمْ , فعن عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : كُنْتُ غُلاَمًا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا غُلاَمُ : سَمِّ اللَّهَ ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيك) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وعن ابنِ عباسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : كُنْتُ خَلْفَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً ، فَقَالَ (يَا غُلامُ إِنِّي أعلِّمُكَ كَلِمَاتٍ : احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَألْتَ فَاسْأَلِ الله ، وإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ ، وَاعْلَمْ : أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبهُ اللهُ لَكَ ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
بَلْ كَانَ يُرَبِّي زَوْجَتَهُ وَيُعَلِّمُهَا وَيُنْكِرُ عَلَيْهَا , فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ، سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا ، فَإِنَّهُ لاَ تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ لِي فِي صَلاَتِي) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ , وَالْقِرَامُ : سِتْرٌ رَقِيقٌ مِنْ صُوفٍ ذُو أَلْوَان .
اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ نَسْأَلُكَ أَنْ تُصْلِحَ بُيُوتَنَا وَتَحْفَظَ أَهَالِيَنا وَتَهْدِيَ أَوْلادَنَا , رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا , اللَّهُمَّ احْمِهِمْ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَاحْفَظْهُمْ مِنْ كُلِّ سُوءٍ , وَاجْعَلْهُمْ هُدَاةً مُهْتَدِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ .
اللَّهُمَّ رُدَّ ضَالَ الْمُسْلِمِينَ , اللَّهُمَّ اهْدِ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ , اللَّهُمَّ اهْدِ الْكِبَارَ وَالصِّغَارَ , اللَّهُمَّ اجْعَلْ بُيُوتَنَا بُيُوتاً آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً , تُشِعُّ بِنُورِ الْقُرْآنِ وَتَتَمَتَّعُ بِطَاعَتِكَ يَا رَحْمَن .
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار , وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
المرفقات
الأَسَالِيبُ النَّبَوِيَّةُ فِي التَّرْبِيَّةِ الأُسَرِيَّةِ 1صفر 1434هـ.doc
الأَسَالِيبُ النَّبَوِيَّةُ فِي التَّرْبِيَّةِ الأُسَرِيَّةِ 1صفر 1434هـ.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله كل خير
تعديل التعليق