الأزمة الاقتصادية في اليمن ( خطبة )

د مراد باخريصة
1432/07/22 - 2011/06/24 15:01PM
إن البلاد تشهد زلازل اقتصادية وسياسية وأمنية واجتماعية فالأصابع على الزناد والعواصف تهب من كل حدب وصوب على البلاد كل هذا مع ما حصل من ضرر وشلل للحياة العامة وترد للأوضاع الاقتصادية والمعيشية وارتفاع أسعار السلع الضرورية وانعدام المشتقات النفطية وتردي الخدمات الصحية وانفلات الأوضاع الأمنية وغياب العملية التعليمية وتقلص سيطرة الدولة في عدد من المحافظات بالإضافة إلى ارتفاع مستوى الفقر والبطالة رغم وفرة الموارد ووجود الثروات في البلاد وأخطر من هذا وأشد تلك التحركات العسكرية الأجنبية التي تستهدف البلاد وتنتهك أراضيها وتعتدي على مواطنيها.
إن الوضع الاقتصادي السيئ الذي يمر به الناس هذه الأيام يزداد سوءاً واستفحالاً إذ صار حديث الناس اليوم عن أزمة الوقود التي ترتبت عليها أزمات أخرى في الأعمال والمواصلات والزراعة والكهرباء والماء والوقوف في طوابير طويلة لا مناص من الوقوف فيها أو الاتجاه نحو المحتكرين الذين ربما أوصلوا سعر الجالون الواحد إلى الآف الريالات.
إن هذا الوضع المأساوي له تكاليفه العالية وآثاره الظاهرة على حياة الناس المعيشية وله تداعياته المستقبلية على المواطن البسيط وصاحب الدخل المحدود الذي لم يعد بإمكانه مجابهة كل هذه المشاكل التي تحيط به من كل مكان وتخنقه من كل جانب بل ربما عجز عن توفير الاحتياجات الأساسية والأمور الضرورية في هذه الأوضاع الحياتية المعقدة التي تتجه به نحو الموت البطيء.
لقد عانى الناس معاناة مرة من قبل أن تأتي هذه الأحداث ثم جاءت هذه الأحداث وحصل هذا الانهيار والشلل الاقتصادي فتوقف بعض العاملين عن أعمالهم وسحب بعض التجار رؤؤس أموالهم وتوقفت صادرات النفط فتفاقمت الأوضاع المتردية وظهرت ملامح المعاناة الإنسانية يقول الله سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}.
إن انتشار الفساد المالي والإداري والقضائي وتدهور الحالة المعيشية للناس وانتشار الجوع والفقر وارتفاع معدلات البطالة والتلاعب بالوظائف وتباطأ الدولة في الإصلاح والتغيير كل هذه الأسباب وغيرها أفقدت الناس الأمل وعمقت عندهم فكرة الإيمان بالثورة وتغيير النظام لاسيما الشباب الذين يرون أمامهم طرقاً مسدودة وأبواباً مغلقة ويشاهد الواحد منهم والده المسكين وهو يكدح ليل نهار لكي يحصل على القوت الضروري وحاجات البيت الأساسية فلا يحصل عليها ويرى أخاه يلهث ويتابع كل يوم ليجد وظيفة فلا يجدها ثم يسمع في وسائل الإعلام الرسمية عن الآف الملايين والمليارات التي تهدر وتصرف في غير محلها.
إن هذه الأوضاع السيئة ناتجة بلاشك عن تلك السياسات الخاطئة في إدارة شئون البلاد والاستبداد في اتخاذ القرارات وتعطيل مؤسسات الدولة عن القيام بمهامها وواجباتها ومسئولياتها.
هذه هي الحقيقة فمن لم يفهمها في فصل الربيع فسوف يسقط في فصل الخريف ولن تنفعه القبضة الحديدية ولا القوة الأمنية يقول النبي صلى الله عليه وسلم "اللهم من وليَ من أمرِ أمتي شيئاً فشقَّ عليهم ،فاشقُق عليه،و من ولي من أمر أمتي شيئاً،فرفق بهم،فارفق به".
إن السلطة حينما تتمادى في المماطلة وتتباطأ في تسليم مقاليد الحكم وتتوانى في الاستجابة لمطالب الشعب فإنها تلقي بالبلد وأهله في دوامة خطيرة وصراع مرير وعاصفة مدمرة فشباب الأمة اليوم قد أيقظتهم لسعات الظلم واستفزتهم التصرفات الجائرة والسياسات الظالمة ولن يقبلوا بأن يتعامل معهم أحد تعامل التابع الذليل أو يقودهم كقيادة البهيمة التي لاتفهم أو يبيع ثرواتهم ويتصرف فيها كسلعة خاصة له يبيع فيها ويشتري.
فلابد إذاً من المضي قدماً نحو الطريق الصحيح لتعود المياه إلى مجاريها ويعود الناس إلى أعمالهم والشباب إلى جامعاتهم والتجار إلى تجاراتهم قبل أن تصل الأمور إلى التشتت واختلاط الأوراق وانقلاب الأمور لأن الأزمة إذا دخلت مرحلة " اللاعودة" فما علينا إلا أن ننتظر الخسارة العامة والفداحة التامة والحسرات التي لاتسمن ولاتغني من جوع يقول الله سبحانه وتعالى {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} ويقول سبحانه وتعالى {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
الخطبة الثانية
إنه وبعد أن وصلت الأمور إلى مراحلها الأخيرة وفصولها النهائية فلابد في مثل هذه الظروف من اليقظة والانتباه والتعاون والتكاتف وأن نقف موقف رجل واحد ممن يريد بنا وببلادنا وأهلنا السوء وأن نضع الأمور على المحك الصحيح ونتعامل معها بكل تجرد وإخلاص وصدق خصوصاً في هذه الأوقات العصيبة التي تحتاج فيها الأمة إلى أبنائها وشبابها وأهل النخوة والشهامة من رجالها.
لابد من العمل على توحيد الجهود ورص الصفوف وحماية الممتلكات وتجميع كل الجهود والطاقات والاستفادة منها في تحقيق الخير للأمة بما تقتضيه المصلحة العليا على ضوء ما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول الله سبحانه وتعالى { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
ندعو إخواننا التجار بأن يقوموا ببذل مزيد من الجهود في توفير السلع الضرورية والحاجات الأساسية وإرخاصها للناس وعدم احتكارها عنهم فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( لا يحتكر إلا خاطئ ) رواه مسلم.
علينا أن نعلم – عباد الله – أن المجتمع إذا تخلى عن دينه وكفر بنعمة ربه وانتشرت فيه الجرائم أحاطت به المخاوف وأدلهم به ظلام الخوف والقلق
إِذَا الإِيمَانُ ضَاعَ فَلاَ أَمَانٌ وَلاَ دُنْيَا لِمَنْ لَمْ يُحْيِ دِينَا
وَمَنْ رَضِيَ الحَيَاةَ بِغَيْرِ دِينٍ فَقَدْ جَعَلَ الفَنَاءَ لَهَا قَرِينَا

فلابد من الرجوع إلى الله والإنابة إليه وصدق الالتجاء بين يديه فإذا فعلنا ذلك فإننا بإذن الله خارجون من أزمتنا ولن يدعنا الله لنصل إلى الخاتمة الممقوتة والنهاية المشئومة يقول الله سبحانه وتعالى {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}.


المشاهدات 2293 | التعليقات 0