الأذان والصف الأول
عبدالكريم الخنيفر
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضللْ فلا هاديا له.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا،
أما بعد، عبادَ الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فالتقوى هي التي ترفعنا عن غفلة اللهو واللعب في الدنيا، وتربطنا بالدارِ الآخرةِ قال تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ).
أيها المسلمون، هل يمنعُ المسلمَ شيءٌ أن يعبدَ ربَّه، أم تُشغله أشدُّ المشغلاتِ أن يؤجِّلَ ما فُرض عليه؟
هل تلهيه أسعدُ الملاهي عن ذلك؟
أما المؤمنُ الذي تعلَّق قلبُه بخالِقه فلا واللهِ لا يمنعُه مانع، ولا يُشغلُه شاغل، ولا تُلهيه الملاهي أن يُؤدِّيَ ما فَرَضَ اللهُ عليه.
وإنَّ أعظمَ الفرائض، وأوجبَ الواجبات، وأهمَّ الأوامر،
إنَّ أوثقَ الصِّلات، وأشدَّ توازنٍ في الحياة، وميزانَ الصلاحِ والفلاحِ قبلَ الممات، هو إقامةُ الصلاة.
إقامةُ الصلاةُ يا عباد الله، وإقامتُها لا تعني أداءَها بحركاتٍ معلومة وركعاتٍ معدودة وحسب.
إقامُ الصلاة شعورٌ نفسي، واستعدادٌ قبليّ، وسلوكٌ فعليّ، يؤول إلى إقبالٍ وخشوع، ولذةٍ وراحة، وصلةٍ روحانيةٍ محسوسةٍ بذي العرشِ سبحانه.
هذه الصلاةُ هي الكتابُ الموقوتُ الذي ينظِّم حياةَ المسلم، وهي الصلاةُ التي تنهى عن الفحشاءِ والمنكر، هي الصلاةُ التي لا يؤديها المنافقون، هي الصلاة التي تُذهبُ السيئات، هي الصلاةُ التي تجلبُ الرزقَ وتُذهبُ الهم.
عبادَ الله فرقٌ كبيرٌ جدا بين إقامةَ الصلاة ومجردِ أدائها، ولو أدركنا ما لإقامِ الصلاةِ من الفضلِ وما لها من الأثرِ لجعلناها أولى أولوياتنا وأهمَّ أعمالنا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو يعلم الناس ما في النداءِ والصفِّ الأولِ ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتَهِموا عليه لاستهموا عليه.
فللهِ كم هو سعيدٌ من يُقيم الصلاة! كم هو منشرحُ الصدرِ مرتاحُ البال، ناجحٌ في حياته لأنه نجح في أداءِ أعظمِ واجباتِه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
ربنا اجعلنا مقيمي الصلاةِ ومن ذرياتنا، ربنا وتقبلْ دعاء، أقول قولي هذا وأستغفرُ الله لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفوره، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه أما بعد،
عباد الله، كان الناس ولا زالوا يدركون أنَّ أهمَّ ما يُسأل عنه الخاطب حالُه مع الصلاة، وهذا يقينٌ عميق لدينا أن الصلاةَ عمودُ الدين وعمودُ الحياة، وما دامت كذلك فإنَّ أولى ما عنيَ به الآباءُ والأمهاتُ في تربية أبنائهم وبناتهم الصلاة؛ لأنَّ صلاحهم في الحياة مرهونٌ بصلاح صلاتهم، ولنا أن نسألَ أنفسَنا سؤالا مستمرا: هل الصلاةُ فعلا وحقيقةً هي أَولَى ما حرصنا عليه في أبنائنا؟ هل حُزننا على كسلِهم في الصلاة أشدُّ من حزنِنا على كسلِهم في الدراسةِ أو واجباتِ الدنيا؟
إنَّ تكرارَ الحثِّ على الصلاةِ وأمرِ الأولادِ بها في القرآنِ دليلٌ على تلكم الأهميةِ البالغة، فهذا إبراهيمُ صلى الله عليه وسلم يدعو ربَّه فيقول: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ)، وهذا إسماعيلُ عليه الصلاةُ والسلام من صفاتِه: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ)، وهي أولُ وصايا لقمانَ الحكيمِ لابنِه بقوله: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ)، كما أنَّ أمرَ أهلِ البيتِ بالصلاة هو أمرُ اللهِ لنبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا). هكذا اتَّضحت أهمية إقامةِ الصلاة وأمرِ أهلِ البيت بها، فليكن نهجُنا في منازِلنا يا عبادَ الله أنَّ سماعَ الأذان إعلانٌ لتعطِّلِ كلِّ شيءٍ في المنزل، واستعدادٌ وتوجُّهٌ إلى الصلاة، الأبُ وأبناؤه إلى المسجد والأمُّ وبناتُها إلى مصلَّياتهنَّ، يؤدُّون ما كَتَبَ الله لهم من النوافل والذِّكرِ وقراءةِ القرآن، ثم يُقيمون الصلاة.
هكذا ينعمُ أهلُ البيت بسكينةٍ وأُلفةٍ لا تكون إلا بالصلاة.
ربنا هبْ لنا من أزواجنا وذرياتنا قرةَ أعين واجعلنا للمتقين إماما، ربنا اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا ربنا وتقبل دعاء.
اللهم ارفع عنا الوبا والغلا، اللهم ارفع عنا الوبا والغلا،
اللهم ارفع عنا الوبا والغلا، اللهم احفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه ونائبه لما فيه خير البلاد والعباد، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المرفقات
1622749458_الأذان والصف الأول.pdf