الأجل المحتوم

المختار المشرى المقروش
1437/04/17 - 2016/01/27 13:44PM
بسم الله الرحمن الرحيم
موضوع الخطبة : الأجل المحتوم
المختار المشرى المقروش
ليبيا ــ الزهراء
مسجد خالد بن الوليد
بدون محامد وأدعية
عباد الله اتقوا الله حق تقواه وسارعوا إلى مغفرته ورضاه فقد خلقكم الله تبارك وتعالى لأمر عظيم وهيأكم لشأن جسيم ، خلقكم لمعرفته سبحانه وتعالى وعبادته ، وأمركم بتوحيده عز وجل وطاعته ونهاكم عن الشرك به ومعصيته وجعل لكم ميعادا تجتمعون فيه للحكم فيكم وفصل القضاء فبدخول الجنة يسعد السعداء وبدخول النار يشقى الأشقياء
أيها المسلمون عباد الله : من المعلوم لكل ذى عقل أن الدنيا دار بالبلاء معروفة وبالفناء موصوفة إن أسرتنا أياما أحزنتنا شهورا وإن أضحكتنا شهورا أبكتنا سنينا ، فأحزانها أضعاف مسراتها خرجنا إليها من بطون أمهاتنا صارخين باكين وسنخرج منها إلى القبور ميتين عمرها يا عباد الله مهما طال فهو قصير ، وعيشها مهما حسن وتزين فهو حقير وإن العبد فيها مهما تعلت مراتبه الدنيوية فهو من الله دنى وصغير والمؤمن الذى وفقه الله لإدراك ما قيل لا ينبغى له أن يتخذ الدنيا وطنا ومسكنا فيطمئن فيها ولكن ينبغى أن يكون فيها على جناح سفر ، وقد اتفقت على ذلك وصايا الأنبياء وأتباعهم قال الله تعالى حاكيا عن مؤمن آل فرعون أنه قال (( إنما هذه الدنيا متاع وإن الآخرة هى دار القرار )) وفى مسند الإمام أحمد والحديث صحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبئ صلى الله عليه وسلم قال " مالى وللدنيا وماللدنيا ومالى والذى نفسى بيده ما مثلى ومثل الدنيا إلا كراكب سار فى يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من النهار ثم راح وتركها " أيها المسلون عباد الله : إن الدنيا ليست بدار قراركم ، كتب الله عليها الفناء وكتب عليكم منها الرحيل ، فأحسنوا رحمكم الله منها الرحلة بأحسن ما عندكم من صالح العمل ، ثم اعلموا عباد الله أنكم لهذه الدنيا مفارقون ، تفارقونها على ما فيها من سعادة أو شقاء ، بأجل محتوم كتبه الله على سائر المخلوقات قال الله تعالى (( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )) ، لقد خلق الله عز وجل العباد وجعل لهم أجلا مسمى (( فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون )) آجال مضروبة وساعات مكتوبة تجعل المسلم على استعداد للقاء الله عز وجل . الموت عباد الله ـ هو نهاية الآجال والقاطع للآمال خلقه الله تعالى لاختبار العباد فى أعمالهم قال الله تعالى (( الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ،وهو العزيز الغفور )) ولعظم هذا الأجل المحتوم وهذا الفرض المكتوب لطالما تحدث عنه النبئ صلى الله عليه وسلم وحثه على الإكثار من ذكره ففى صحيح البخارى أن النبئ صلى الله عليه وسلم قال " أكثروا من ذكر هادم اللذات " وفى سنن ابن ماجة بسند حسن عن ابن عمر رضى الله عنهما قال : كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من الأنصار فسلم على النبئ صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أى المؤمنين أفضل ؟ قال : أحسنهم خلقا ، قال : فأى المؤمنين أكيس ؟ قال " أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم لما بعده استعدادا أولئك الأكياس " أيها المسلمون عباد الله : إن الموت هو الخطب الأفضع والأمر الأشنع والكأس التى طعمها أكره وأبشع ، وأنه الحارث الهادم اللذات والأقطع للراحات . فإن أمرا يقطع أوصالك ويفرق أعضاءك ويهدم أركانك لهو الأمر العظيم والخطب الجسيم وإن يومه لهو اليوم العظيم ، فما ظنك يا عبد الله بنازل الموت ينزل بك فيذهب برونقك وبهاك ويغير منظرك ورؤياك ويردك بعد النعمة والنضرة والسطوة والقدرة إلى حالةٍ يبادر فيها أحب الناس إليك وأرحمهم بك وأعطفهم عليك ، فيقذفك فى حفرة من الأرض قريبة أنحاؤها مظلمة أرجاؤها محكم عليك حجرها وبلاطها ، فتفكر أيها المغرور فى الموت وسكرته وصعوبة كأسه ومرارته ، فقد آن للنائم أن يستيقظ من رقدته وحان للغافل أن يتنبه من غفلته ، ففى النوم والغفلة ذهبت الأعمار وعن قريب تفارقون هذه الدار وتنزلون منزلا ليس لكم فيه صاحب ولا جار وتنتقلون من سعة المبانى والقصور إلى ضيق اللحود والقبور ومن مؤانسة الإخوان والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان ومن التنعم بالطعام والشراب إلى التمرغ فى التراب فتصير يا عبد الله بعد ذلك ترابا توطأ بالأقدام وربما ضرب منك إناء فخار أو أحكم بك بناء جدار قال الله تعالى (( ثم إنكم لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون )) فيا من انقضى عمرك فى جمع الأموال ، ويا مجتهدا فى البنيان على أرض الزوال ليس لك والله من مال إلا الأكفان بل هى صائرة للعدم والخراب وجسمك إلى المأب للتراب فأين الذى تجمعه من المال ؟ هل ينقذك من الأهوال
يا عجبا للناس لو فكروا وحاسبوا أنفسهم وأبصروا
وعبروا الدنيا إلى غيرها فإنما الدنيا لهم معبر
لا فخر إلا فخر أهل التقى غدا إذا ضمهم المحشر
أيها المسلون عباد الله : من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء : تعجيل التوبة إلى الله ، وقناعة القلب بما أتاه ، ونشاط العبادة لله . ومن غفل عن الموت عوقب بثلاثة أشياء : تأخير التوبة إلى الله بالتسويف ، وعدم القناعة بالقليل ، والتكاسل فى العبادة . عباد الله : من تفكر فى الموت دائما خافت نفسه وابتعدت عن المعاصى ، واستقامت على الطريق المستقيم فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " أكثروا من ذكر هادم اللذات " هو كلام وجيز قد جمع التذكرة وأبلغ فى الموعظة فإن من ذكر الموت حقيقة ذكره نغص عليه لذته الحاضرة ومنعه من تمنيها فى المستقبل وزهده فيما كان يؤمل ، فالرحيل الرحيل عباد الله ، استعدوا للقاء الله ، فمن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قال الله تعالى (( قل إن الموت الذى تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون )) بارك الله لى ولكم فى القرآن والسنة وأجارنى وإياكم من عذابه وأدخلنا الجنة ، أقول الذى تسمعون وأستغفر الله لى ولكم .
Jjjjjjjjjjjjjjjjjjjjjjjjjj
الخطبة الثانية :
أما بعد أيها المسلمون عباد الله : فإن أفضل ما أوصى به المسلم أخاه المسلم تقوى الله عز وجل فاتقوا الله عباد الله وسارعو إلى مغفرته ورضاه فالسعيد من كانت الآخرة همه والشقى من كانت همه دنياه ، ألا وإن المؤمن بين مخافتين ، بين أجل قد مضى لا يدرى ما الله صانع فيه وبين أجل قد بقى لا يدرى ما الله قاض فيه ، فليأخذ العبد من نفسه لنفسه ومن صحته لمرضه ومن حياته لموته ومن غناه لفقره فوالله ما بعد الموت من مستعتب وما بعد الموت من دار إلا الجنة أو النار
الموت باب وكل الناس داخله ياليت شعرى بعد الباب ما الدار
هما محلان ما للمرء سواهما فاختر لنفسك أى الدار تختار
الدار دار نعيم إن عملت بما يرضى الإله وإن خالفت فالنار
فاعملوا عباد الله بطاعة الله فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل (( يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول يا ليتنى قدمت لحياتى )) روى الحاكم والحديث صحيح لغيره عن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى " وقال الله تعالى (( إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون ، أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون )) فاتقوا الله عباد الله ولا تأمنوا فى هذه الدنيا فإن متاعها قليل وإنه مهما طال فيها عمر الإنسان فلابد له من ملاقاة الرحمن حاسبوا أنفسكم قبل أن يحاسبكم جبار السماوات والأرض وتوبوا إليه دائما واسألوه العفو والغفران .سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
[/color]
المشاهدات 2433 | التعليقات 0