الأبعاد والمتغيرات الجديدة للتوسع الإيراني في خليج عدن والبحر الأحمر / علي الذهب

احمد ابوبكر
1436/08/05 - 2015/05/23 02:27AM
[align=justify] يتمتع البحر الأحمر بميزات وخصائص جيوبولوتيكية كثيرة مكنته من أن يكون أخطر محاور الصراع الدولي ومجمع أهم نقاط التحكم الإستراتيجي، كونه المجرى المائي الأهم لتدفق النفط والتجارة إلى أوربا ومنها، ومجال تدفق القوة العسكرية بين كل من البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأسود، والمحيط الأطلسي، وبين المحيط الهندي والمحيط الهادي. وقد مكنته تلك الميزات من الارتباط العضوي والمصيري، عسكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، بقيمتين هامتين على طرفيه: الأولى: مصر، بما تمثله قناة السويس من أهمية متنوعة ومتعددة، والثانية: القرن الإفريقي، بما يمثله مضيق باب المندب من أهمية لا تقل عن أهمية قناة السويس، ما جعله، كذلك، موضع تنافس وصراعات معقدة بين مختلف قوى الاستعمار والنفوذ والتسلط، الدولية أو الإقليمية[1].

أما خليج عدن، وهو امتداد طبيعي للبحر الأحمر، فيعتبر ميدان تنافس دولي وإقليمي أوسع، لما يوفره من إمكانية في التحكم والسيطرة، والوصل والفصل، مع البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب، وكذا مع المحيط الهندي باتجاه رأس الرجاء الصالح في جنوب القارة الإفريقية، لذلك نجد دولة مثل إيران تندفع إلى هذه المنطقة بشراهة واضحة، على اعتبار أن مصالحها تتجاوز بوابة مضيق هرمز وبحر العرب، شأنها شأن دول كبرى تجوب سفنها الحربية هذه المنطقة برغم بعدها عن أراضيها، وهو اعتقاد يتوافق مع الرؤية التي عبر عنها قبل أربع سنوات قائد القوات البحرية لجمهورية إيران الإسلامية[2] الأميرال حبيب الله سياري، بأن لجمهورية إيران الإسلامية «مصالح إستراتيجية في البحر... وتحتاج لأن تكون قادرة على توفير... الأمن، ليس فقط في منطقة الخليج الفارسي (العربي) وخليج عدن والمحيط الهندي والبحر الأحمر، ولكن، أيضًا، عبر أعالي البحار في جميع أنحاء العالم»[3].

على طريق التوسع

إن ما يلفت الانتباه أنه قد رافق التوجهات الإيرانية تلك، تطوير كبير في قدراتها العسكرية البحرية تطويرًا ذاتيًّا متناميًا، وذلك بإنتاج قطع بحرية عسكرية متنوعة ومتعددة الأغراض والمهام، تنافس في قدرتها وأدائها ما تنتجه دول الغرب[4]، كما استفادوا من تزايد نشاط القرصنة على السفن في خليج عدن والمحيط الهندي خلال السنوات العشر الماضية بإظهار قوتهم البحرية وتكثيف وجودهم في تلك المناطق، ومحاولة لعب دور منافس ضمن جهود مواجهة نشاط القرصنة مثلها مثل قوات دول أخرى مشاركة في تلك المواجهة، كالبحرية الأمريكية والبريطانية والفرنسية والهندية والسعودية.

وفي اتجاه مماثل، نشطت البحرية الإيرانية في جزر إريتريّة بالبحر الأحمر ما أثار التوجس الشديد من قبل دول لا تنظر لهذا النشاط بعين الاطمئنان. كما أثار الكثير من الجدل، ما قامت به البحرية الإيرانية قبل عامين بتسيير سفن حربية عبرت باب المندب وقناة السويس حتى وصلت إلى البحر المتوسط، ولا يمكن أن يوصف ذلك إلا بأنه استعراض للقوة وتوجيه رسائل مزعجة لدول بعينها في المنطقة وخارجها، على نحو يؤكد ما تنبأ به أحد الخبراء الإستراتيجيين قبل عقدين ونصف، بأن إيران «لا تكتفي بأن تكون قوة إقليمية عظمى تابعة لنظام كوني أجنبي، بل تسعى لأن تكون دولة عظمى داخل النظام العالمي، بأن تشكل مركزًا لإمبراطورية تضم جميع الدول الإسلامية»[5].

تشير التحركات والتصريحات الرسمية للقادة الإيرانيين، إلى أن إيران تسعى للانفراد بمصير مضيق هرمز دون سواها، برغم الأحقية التاريخية لسلطنة عمان في ذلك وممارستها لهذا الحق، وهم إنما يسعون من خلال ذلك لجلب ميزة أخرى تضاف إلى الميزات الجيوسياسية والجيوستراتيجية للموقع البحري أو المائي لإيران، الممتد من بحيرة قزوين شمالًا، مرورًا بشط العرب شرقًا، وبالخليج العربي إلى بحر العرب والمحيط الهندي جنوبًا، قد توظفها توظيفًا عسكريًّا واقتصاديًّا تسلطيًّا يغنيها، ولو مؤقتًا عن أي أجزاء ساحلية داخل الخليج العربي فيما لو نشبت حرب بينها وبين جيرانها الخليجيين، بحيث تستعيض عن تلك المناطق بسواحلها على بحر عمان والمحيط الهندي في تأدية مهام ذلك الجزء المستغنى عنه، وهو ما لا يمكن أن يتحقق لأغلب دول الخليج، التي ليس لديها سوى إطلالة بحرية واحدة على الخليج، كالكويت والبحرين وقطر ومعها العراق. والحقيقة أن ذلك لم يعد خافيًا على أصحاب القرار في تلك الدول، ولا أدل على ذلك من احتلالها لجزر الإمارات الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبي موسى عام 1971م، كما أن ما يعزز من الوعي بهذه الأطماع تصريح مسؤول عسكري إيراني قال صراحة: إن إغلاق مضيق هرمز بالنسبة لإيران أسهل من شربة ماء![6].

في السياق ذاته، تحاول إيران التأثر على قدرة دول الخليج العربي التي تتمتع بمنافذ بحرية غير تلك التي تطل بها على الخليج، كالإمارات وعمان اللتين يقع جانب من أراضيهما على بحر العرب، وكذا المملكة العربية السعودية التي تطل على ساحل طويل على البحر الأحمر وخليج العقبة. قد يكون ذلك التأثير مؤملًا من قبلهم في الغد المنظور، لكنه ليس عصيًّا على التحقق إذا ما جرت مواجهته بقوة وحزم، بل إن غاية التأثير على هاتين الدولتين كهدف أولي قد تبلغ مدى أوسع إلى تحقيق السيطرة والإخضاع الذي يبدأ بأدنى الأماني والأحلام، وهو تحقيق موطئ قدم بالقرب من بحرهما الإقليمي أو في إحدى جزر أو في البر الرئيسي لأي من الدول المجاورة جوارًا حرجًا ثم الاقتراب رويدًا رويدًا[7].

من الاقتراب إلى التطويق

بعد سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين أدرك العرب وغيرهم أن صخرة كبيرة أزيحت من طريق إيران، لتتقدم بخطى حثيثة في شمال الجزيرة العربية وغربها مصدرة الثورة «الإسلامية» عبر الجماعات ذات الخلفية المذهبية الدينية والعنصرية السلالية الموالية لها في تلك المناطق، على طريق احتواء وتطويق خصومها وتقويض دعائم الأنظمة السياسية المناوئة لها، غير أن أكبر المتصدين للمشروع الإيراني التوسعي هو المملكة العربية السعودية، إذ تقف على الدوام في مواجهتها وبوسائل عديدة ومناسبة، وتمتد تلك المواجهة إلى حيث تنشط، وإن كانت هي ذاتها هدفًا جوهريًّا لتوسع إيران ومشروعها الثوري، حيث تسعى للوصول إليها عن طريق تطويقها تدريجيًّا من الجهات الأربع والنفاذ إلى داخل الأقليات الشيعية في البلاد التي تبدي من وقت لآخر مواقف مناوئة للنظام الحاكم في البلاد، ما يشي أن هناك توغلًا إيرانيًّا ينذر بالخطر، وأن ذلك الخطر لم يعد الهلال الشيعي الذي تحدث عنه ملك الأردن عبدالله بن الحسين قبل بضع سنوات، بل التطويق والاجتياح والتوغل وصولًا إلى مركز الدولة السعودية ثم إلى بقية الدول العربية الأخرى.

لننظر بتأنٍ إلى خريطة منطقة الجزيرة العربية ولندقق في موقع هذا المركز ومحيطه والدول التي كانت تمثل البوابات الموصدة أمام طهران من أن تتسلل إلى الرياض (مركز الجذب السني وجذوة توقده)، سنجد أن البوابة الشرقية التي كان يمثلها العراق قد انهارت تمامًا، وها هي البوابة الجنوبية الغربية التي يمثلها اليمن في طريقها إلى اللحاق بأختها. وبالمثل فإن أيران لن تدخر أي جهد للعمل على تهديم بوابة الشمال المتمثلة بالأردن والبوابة الجنوبية التي تمثلها سلطنة عمان، ولعل هذه الأخيرة هي أقرب البوابات إلى الانهيار، لكونها بوابة مواربة في الأصل، ولربما، بل من المؤكد، أن تشهد عُمان تحولات جذرية في نظامها السياسي بعد الرحيل المتوقع لسلطانها، حيث لا وريث للملك بعده وقد أنشبت المنية أظفارها فيه مؤذنة بطي صفحته، لتنطلق إيران بعد ذلك للتأثير بثقلها في هذا البلد، وصياغة الوضع السياسي الجديد فيه بما يخدم أهدافها ومصالحها، ولتربط حلقة أخرى بسابقاتها من حلقات التطويق الإيراني[8].

قد يكون ما يذهب إليه الكاتب غير مقبول لدى البعض، لكنه ليس رجمًا بالغيب، بل توقع يستند إلى تجارب ووقائع تاريخية لا يسع تناولها، فيما هنالك وقائع ماثلة في هذا العصر تؤيد هذا التوقع. فمن كان يظن أن العراق سيصبح حديقة إيرانية يلهو فيها الإيرانيون بعدما ذاقوا منه الويل خلال ثمان سنوات من الحرب التي جرت بين عامي 1981- 1988م؟! ومن كان يظن أن اليمن سيسقط في قبضة الحوثيين المواليين لإيران بعد أن قاتل آلاف الجنود من الجيش اليمني في الجبهة العراقية المقاومة للمد الإيراني التوسعي؟!

إن أسئلة من مثل ما أسلفناه وما سنطرحه الآن تجعل أيًّا ممن لا يبالي بما أثرناه في هذه الورقة يقف مندهشًا.. ثم لا يلبث أن يجد نفسه أمام أجوبة مرعبة؛ هذه الأسئلة هي: ما هي مصالح إيران التي تبرر لها أي وجود عسكري في البحر الأحمر، كما هي الحال في بعض الجزر الإريترية؟ وهل نشاطها الحثيث في محافظة صعدة اليمنية، مركز الحركة الحوثية القريبة من الحدود الجنوبية الغربية للملكة العربية السعودية أمر ترفيٌّ غير مبرر؟!

إزاء ما قد يكون تجلى من حقائق حول ما أثارته هذه الأسئلة، ومع انهيار الدولة في اليمن؛ أكاد أجزم أن المملكة العربية السعودية استشعرت بالخطر المتسلل إليها من مكان حساس في خاصرتها، وإن كان ذلك الاستشعار متأخرًا، وهذا ما تعكسه تحركاتها الأخيرة التي لجأت إليها في عهد الملك الجديد، سلمان بن عبدالعزيز، حين مدت جسور الوصل بينها وبين تركيا، واستدعت إلى خندقها السودان، كونهما غير بعيدتين عن المطامع الإيرانية، لتكوين جبهة قوية تواجه هذا الخطر.

المصدر: البيان[/align]
المشاهدات 830 | التعليقات 0