اكسير الحياة

شايع بن محمد الغبيشي
1444/12/25 - 2023/07/13 15:34PM

اكسير الحياة

إنّ الحمدَ لله نَحْمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه ونعوذ بالله من شرور أنفسينا وسيئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فلا مضل له ومن يضلل فلا هاديَ له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبدُهُ ورسُولُهُ ــ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

أما بعدُ : فاتقوا الله عبادَ الله حق التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

أما بعد إخوة الإيمان الحب أكسير الحياة، من رزقه تقلب في المسرات، أن يحبك من تعاشره من والدين وزوجة وأبناء وإخوان، وأرحام فتلك القرة بعينها، فكيف إذا أحبك الجيران والزملاء والأصدقاء ورفقاء الدرب فذلك أعظم نعم الحياة، لكن العجيب أن بعض الناس يُحبُ بالسماع، فما أن يُسمع اسمه حتى يلج إلى قلب السماع، هاكم  عباد الله هذه القصة التي يروي لنا أبو كثير السحيمي فيقول: حدثنا أبو هريرة قال: أما والله ما خلق الله مؤمنا يسمع بي ويراني إلا أحبني قلت: وما علمك بذلك يا أبا هريرة ؟ قال : إن إمي كانت امرأة مشركة وكنت أدعوها إلى الإسلام فتأبى علي فدعوتها يوما فاسمعتني في رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أكره فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقلت : يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي وأدعوها فأسمعتني فيك ما أكره فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( اللهم اهدها ) فلما أتيت الباب إذا هو مجاف فسمعت خضخضة الماء وسمعت خشف رجل أو رجل فقالت : يا أبا هريرة كما أنت وفتحت الباب ولبست درعها وعجلت على خمارها فقالت : إني أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أبكي من الفرح كما بكيت من الحزن فقلت : يا رسول الله أبشر فقد استجاب الله دعوتك قد هدى الله أم أبي هريرة وقال : قلت : يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( اللهم حبب عبيدك وأمه إلى عبادك المؤمنين وحببهم إليهما ) رواه مسلم و ابن حبان

وفي هذه القصة دروس وعبر منها:  أن محبة القلوب لعبد من عباد الله إنما هي منحة ربانية فالله هو الذي يقذف محبة العباد في القلوب ولذا قال عن عبده موسى عليه السلام: { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كان كل من رآه ألقيت عليه منه محبة" وَقَالَ ابْنُ جَرِير  رحمه الله:"أَيْ أَحْبَبْتُكَ، وَمَنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ أَحَبَّهُ النَّاسُ" وهذا أبو هريرة ألقى الله محبته في قلوب أهل الإيمان وستبقى إلى قيام الساعة.

ومن دروس القصة: أن محبة الخلق للعبد هي ثمرة لمحبة الله له، فمن أحبه الله أحبه الناس كما قال ابن جرير ولذا من أراد أن يذوق هذه الحياة ويكون محبوباً من خلق الله فليسعى لنيل محبة الله وقد قيل: من أحبه من في السماء أحبه أهل الأرض والسماء" ولنتأمل عباد الله هذا الخبر عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرْضِ " رواه البخاري. اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب عملاً يقربنا إلى حبك والسؤال عباد الله كيف يفوز العبد بمحبة الله؟

أولاً: الأيمان والاستكثار من العمل الصالح قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} وقال صلى الله عليه وسلم: " وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ" رواه البخاري أيها المؤمن يا عبد الله حافظ على فراض الله وتزود من النوافل لتفوز بمحبة الله لك فسعد في الدنيا والآخرة.

ثانياً: محبة ما يحبه الله عز وجل فعلينا أن تتلمس محاب الله عز وجل فنحب ما يحب لنفوز بمحبته علينا أن نفتش عن محاب الله في كتابه وسنة نبيه فنحب كل ما أحب الله نقرأ قول الله عز وجل: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} فنحسن علاقتنا به ونحسن إلى عباد الله فلا ندع فرصة للإحسان إلى بادرنا إليها نقرأ قول الله: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} فنبادر إلى التوبة ونكثر من الاستغفار ونطهر قلوبنا من الغل والحسد والشحناء والبغضاء ونطهر جوارحنا بالمحافظة على الوضوء. و نقرأ قول الله {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} فنتحلى بتقول فبعل طاعته وترك معصيته، و نقرأ قول الله { وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} فتحلى بالصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله والصبر على أقدار الله المؤلمة و نقرأ قول الله{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } فتفوض أمورنا الله ونتوكل عليه في سائر أمورنا فهو حسبنا ونعم الوكيل و نقرأ قول الله :{ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} فنحرص على العدل فكل من تعامل معه وكل من تحت ولايتنا و نقرأ قول الله جل وعلا في الحديث القدسي: «وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين » رواه أحمد فنحب اهل الخير ولإيمان والصلاح ونزورهم ونجالسهم في الله.

ونقرأ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ" رواه الطبراني وصححه الألباني. فنبادر إلى نفع الناس وأعظم نفعل نقدمه للخلق تعليم العلم والدلالة على الخير فيافوز معلم الخير فهو قلب التعليم النابض كل خير يصل إلى أبنائنا وبناتنا فللمعلم والمعلمة الفضل بعد الله عز وجل ولذلك أعلى الله منزلتهم فقال سبحانه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ" رواه الترمذي .

الخطبة الثانية :

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أما بعد :

عباد الله كيف يفوز العبد بمحبة الله؟

ثالثاً: بغض ما يبغضه الله تعالى فعلينا أن نفتش عن كل ما يبغضه الله ولا يحبه فنبغضه ولا نحبه نقرأ قول الله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} فنبغض الكفر والكافرين ونحذر منهم  

ونقرأ قول الله تعالى {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} فنبغض الظلم والظالمين ونحذر منهم

نقرأ قول الله تعالى:{ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205] { وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة: 64] فنبغض الفساد والمفسدين ونحذر منهم

نقرأ قول الله تعالى { إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} فنبغض الفخر والخيلاء ونحذر منهما

نقرأ قول الله تعالى {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} فنبغض المتكبيرن ونحذر من الكبر والمتكبرين

نقرأ قول الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} فنحذر من الخيانة ونبغض الخيانة والخائنين.

نقرأ قول الله تعالى { وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } فنحذر من الإسراف ونبغض الإسراف والمسرفين.

رابعاً : اللهج إلى الله بالدعاء أن يرزقنا حبه وحب من يحبه وحب عمل يقربنا إلى حبه فقد صح عند الترمذي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون، أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك"

 

المرفقات

1689251650_اكسير الحياة.pdf

المشاهدات 512 | التعليقات 0