اغتنام العمر
محمد محمد
اغتنام العمرِ-22-8-1446هـ-مستفادة من خطبة أحد الشيوخِ
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:
نَحنُ في أَوَاخِرِ شَهرِ شَعبَانَ، وقريبًا تَهُبُّ عَلَينَا نَسَائِمُ الخَيرِ مِن رَمَضَانَ، ونُفُوسُ المُؤمِنِينَ تَتَشَوَّقُ إِلى الشَّهرِ الكَرِيمِ، وَقُلُوبُ الصَّادِقِينَ تَتُوقُ إِلى ذَلِكَ المَوسِمِ العَظِيمِ، لِمَا فيهِ مِن أَعمَالٍ صَالِحَةٍ وَقُرُبَاتٍ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ لِلصَّالِحِينَ وَالسَّابِقِينَ وَالـمُشَمِّرِينَ مَعَ الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ شَأنًا آخَرَ، فَفِي كُلِّ وقتٍ من حَيَاتِهِم، لَهُم من الحَسَنَاتِ وَالقُرُبَاتِ التي يُقَدِّمُونَهَا ويَرفَعُونَهَا، لا يَنتَظِرُونَ مُوسـِمًا دُونَ آخَرَ، بَل كُلُّ أَنفَاسِ الحَيَاةِ لَدَيهِم فُرَصٌ وَمَوَاسِمُ، لـِمَا يُقَرِّبُهُم وَيَرفَعُهُم وَيَنفَعُهُم، وَيُعلِي مَقَامَاتِهِم وَدَرَجَاتِهِم عِندَ اللهِ، عَن أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ-رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا-قَالَ: "قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لم أَرَكَ تَصُومُ مِن شَهَرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِن شَعبَانَ! قَالَ: ذَاكَ شَهرٌ يَغفَلُ النَّاسُ عَنهُ بَينَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهرٌ تُرفَعُ فِيهِ الأَعمَالُ إِلى رَبِّ العَالَمِينَ، وَأُحِبُّ أَن يُرفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ".
حِينَ يَغفَلُ النَّاسُ وَيـَمضُونُ في دُرُوبِ دُنيَاهُم، وَتَنْحرِفُ بِهِمُ الفِتَنُ والشَّهَوَاتُ يـمينًا وشـمالًا، فَإِنَّ أَصحَابَ القُلُوبِ الحَيَّةِ لا يَغفُلُونَ وَلا يَنَامُونَ، بَل يَزِيدُ حِرصُهُم عَلَى أَن يَكُونَ لَهُم عَمَلٌ صَالِحٌ يَتَجَمَّلُونَ بِهِ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانُوا في زَمَانٍ تُرفَعُ فِيهِ الأَعمَالُ إِلى اللهِ، كَيَومِ الاثنَينِ وَالخَمِيسِ، وَشَهرِ شَعبَانَ، وَفي صَلاتَيِ الفَجرِ وَالعَصرِ، قالَ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "تُعرَضُ الأَعمَالُ يَومَ الاثنَينِ وَالخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَن يُعرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ" وقالَ: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُم مَلائِكَةٌ بِاللَّيلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجتَمِعُونَ في صَلاةِ الفَجرِ وَصَلاةِ العَصرِ، ثُمَّ يَعرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُم فَيَسأَلُهُم رَبُّهُم وَهُوَ أَعلَمُ بِهِم كَيفَ تَرَكتُم عِبَادِي؟! فَيَقُولُونَ تَرَكنَاهُم وَهُم يُصَلُّونَ وَأَتَينَاهُم وَهُم يُصَلُّونَ"، إِنَّهُ فِقهٌ يَجِبُ أَن تَتَشَرَّبَهُ النُّفُوسُ، وَيَنتَبِهَ إِلَيهِ كُلُّ عَاقِلٍ بَصِيرٍ، فغفلةُ الناسِ أو انصرافُهم أو تَقَاعُسُهم، أو كَسَلُهم أو فُتُورُهم، أو ضَعفُهم أو اغترارُهم بالدنيا، لا يصرفُهُ عَن نَفسِهِ، ولا يُنْسيهِ مَا فِيهِ نَجَاتُهُ وَصَلاحُ قَلبِهِ، يجبُ على الذَّكيِ الفَطِنِ، الحَيِّ القَلبِ، الـمُتَيَقِّظِ الضَّمِيرِ، الـمُرِيدِ النَّجَاةَ، الشاكرِ للهِ، أَلَّا يَكُونَ من الغافلينَ أو الـمُتكاسلينَ أو البَطَّالينَ، لأنه يقرأُ قولَ اللهِ-تَعَالى-: "وَإِن تُطِعْ أَكثَرَ مَن في الأَرضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِن هُم إِلاَّ يَخرُصُونَ"، "وَمَا أَكثَرُ النَّاسِ وَلَو حَرَصتَ بـِمُؤمِنِينَ"، "اعمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكرًا وَقَلِيلٌ مِن عِبَادِيَ الشَّكُورُ".
إِنَّ الإِيـمَانَ إِذَا لم يُصَدِّقْهُ عَمَلٌ صَالِحٌ فهُوَ ادِّعَاءٌ وَغُرُورٌ، قالَ اللهُ-سبحانه-: "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُم فِيهَا خَالِدُونَ"، "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنُونَ"، "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدخِلُهُم جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُم فِيهَا أَزوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدخِلُهُم ظِلاًّ ظَلِيلًا"، "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجرَ مَن أَحسَنَ عَمَلاً*أُولَئِكَ لَهُم جَنَّاتُ عَدنٍ تَجرِي مِن تَحتِهِمُ الأَنهَارُ يُحَلَّونَ فِيهَا مِن أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلبَسُونَ ثِيَابًا خُضرًا مِن سُندُسٍ وَإِستَبرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَت مُرتَفَقًا".
إِنَّهَا غَيضٌ مِن فَيضٍ مِن آيَاتٍ في كِتَابِ اللهِ، ربطَ فِيهَا الإِيـمَانُ بِالعَمَلِ الصَّالِحِ، وَبَيَّنَ رَّبُّنا-سُبحَانَهُ-فِيهَا شَيئًا مِن آثَارِ العَمَلِ الصَّالِحِ في الدُّنيَا، وَجَزَاءَ أَهلِهِ في الآخِرَةِ، فما أحسنَ أنْ نُسَارِعَ ونُسَابِقَ، ونَغتَنِمَ كُلَّ أوقاتِنا فِيمَا يُقَرِّبُنَا إِلى اللهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "اغتَنِم خَمسًا قَبلَ خَمسٍ: شَبَابَكَ قَبلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبلَ فَقرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبلَ شُغلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبلَ مَوتِكَ".
اللَّهُمَّ أَعِنَّا والـمسلمينَ عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ.
اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا والـمسلمينَ شَهرَ رَمَضَانَ وَنَحنُ في عَافِيَةٍ وغِنى، وَأَمنٍ وَإِيـمانٍ.
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فإِنَّهُ لَو تَذَكَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنَّ عَمَلَهُ هُوَ صَاحِبُهُ في قَبرِهِ حِينَ يَتَخَلَّى عَنهُ أَقرَبُ النَّاسِ إِلَيهِ، لَو تَذَكَّرَ ذَلِكَ وَأَيقَنَ بِهِ، وَعَرَفَ أَنَّ عملَهُ وَحدَهُ هُوَ الـمَسؤُولُ عَن نَجَاتِهِ وَدُخُولِهِ الجَنَّةَ بَعدَ رِضَا اللهِ عَنهُ، لَو تَذَكَّرَ ذَلِكَ وَأَيقَنَ بِهِ، لحَرِصَ وَسَابَقَ وَسَارَعَ في زَمَنٍ نَحنُ أَحْوجُ ما نَكُونُ فِيهِ إلى العَمَلِ الصَّالِحِ وَتَكثِيرِهِ وَتَنوِيعِهِ وَالمُدَاوَمَةِ عَلَيهِ! قَالَ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "عِبَادَةٌ في الهَرْجِ-الفتنِ والقتلِ-كَهِجرَةٍ إِلَيَّ"، فالحذرَ الحذرَ مِنَ التَّسوِيفِ وَالتَّبَاطُؤِ، وَالانشِغَالِ عَن عَمَلِ الصَّالِحَاتِ بِجَمعِ الحُطَامِ، أَوِ الكَسَلِ وَالنَّومِ، أَو تَضيِيعِ الأَوقَاتِ انشِغَالًا بِالجَوَّالاتِ أَوِ القَنَوَاتِ، وإذا كَسِلْتَ أو فترْتَ فتذكرْ نبيَكَ-عليه الصلاةُ والسلامُ-الـمَغفُورَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، كَيفَ أَحَبَّ أَن يُعرَضَ عَمَلُهُ وَهُوَ في أَحسَنِ حَالٍ، فَهَل يَرضَى أَحَدُنَا بَعدَ ذَلِكَ لِنَفسِهِ وَهُوَ الـمُذنِبُ الـمُقَصِّرُ، أَن يُعرَضَ عَمَلَهُ عَلَى رَبِّهِ في سيئٍ من الحالِ، تَرَكَ صَلاةَ الفَجرِ أَوِ العَصرِ، وَالمَلائِكَةُ يَشهَدُونَهُمَا، أَو تَكاسلَ عَن أَدَائِهِمَا مَعَ الجَمَاعَةِ، وَالـمُسلِمُونَ يَتَسَابَقُونَ إِلَيهِمَا، أَو تَرَدَّدَ في الصدقةِ شُحًّا بِالـمَالِ وَبُخلًا، وَالبَاذِلُونَ يُسَاهِمُونَ في أَبوَابِ الخَيرِ؟!
وَلا تُرْجِ-لا تُؤَخِّرْ-فِعلَ الخَيرِ يَومًا إِلى غَدٍ*
لَعَلَّ غَدًا يَأتي وَأَنتَ فَقِيدُ
اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.
اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.
اللَّهُمَّ انصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.
اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبالمسلمينَ على كُلِّ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.
اللَّهُمَّ أحسنْتَ خَلْقَنا فَحَسِّنْ أخلاقَنا.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ، والهُدى والسَّدادَ، والبركةَ والتوفيقَ، وَصَلَاحَ الدِّينِ والدُنيا والآخرةِ.
اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والمسلمينَ والمسالِمين.
اللَّهُمَّ (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).
اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.