اغتنامُ الأوقاتِ والمبادرة إلى الحجِّ .
سعود المغيص
الخُطْبَةُ الأُولَى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا
أَمَّا بَعْدُ عباد الله :
أَوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَتَقَوى اللهِ جِمَاعُ الخَيْرَاتِ، وَحُصُولُ البَرَكَاتِ ، وَهِيَ وَصِيَّةُ اللهِ لِلأَوَّلِيْنَ والآخِرِيْنَ: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّـٰكُمْ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ{
عبادَ الله: يقول صلى الله عليه وسلم:( اِغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغِكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ )
أيها المؤمنون: إنَّ رأسَ مالِ المسلمِ في هذه الدنيا عمرُه، فهو عبارةٌ عن أيامٍ معدودةٍ، وأنفاسٍ محدودةٍ، فإن استثمره في الخيرِ فطوبى له وحُسنُ مئاب، وإن أضاعه وفرَّط فيه خَسِرَ خسراناً مبيناً، وفي عصرِنا هذا الذي تفشى بين الناسِ كثرةُ العجزِ، والميلُ إلى الدَّعةِ والراحةِ، فسببَّ ذلك جدباً في الطاعةِ، وقحطاً في العبادةِ، وتركاً للعملِ المفيدِ، وموتَ الهمّةِ، وضعفَ العزيمةِ، حتى إن السنوات والأيام والساعاتِ واللحظاتِ تمرُّ مرورَ الكرامِ ولا يُحسبُ لها حساب، بل قد اشتهرَ بين الناسِ من ينادي فيهم “هيا بنا نقضي وقتَ الفراغِ”، وأيُّ فراغٍ ينادي لهُ، والربُّ جلَّ وعلا يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَب * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب }
عباد الله: أُذكِّر نفسي وإيِّاكم بأنَّ هذا الإهمالَ الكبيرَ بالوقتِ في حياتِنا سوف نتحسَّرُ عليهِ أشدَّ الحسرةِ في موقفينِ شديدينِ على العبد، واحدٍ في الدنيا، والثاني في الآخرة.
فالأول عند ساعةِ الاحتضارِ، حينَ نودِّع الدنيا ونستقبلُ الآخرة، ونتمنّى لو مُنِحَنا مهلةً من الزمن، وأُخِّرنا إلى أجلٍ قريبٍ لنصلِحَ ما أفسدَنا، ونتداركَ ما فاتَنا، يقول الله جل وعلا:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }
والثاني في الآخرة، حيث تُوفَّى كلُّ نفسٍ ما عملتْ وتُجزَى بما كسبت، { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِين * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِين * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِين }
عباد الله: وبلادُنا حرسها الله تبذلُ الكثيرَ من الجهدِ والمالِ من أجلِ إفادةِ مواطِنيها وشبابِها وفتحِ مجالاتِ العملِ لهم، ومساعدتِهم على بناءِ أنفسهِم ونفعِ مجتمعِهم، وفتحِ الطرقِ الموصلةِ إلى النجاحِ في أمورِ دنياهُم وآخرتِهم.
فليكنْ لدى الجميعِ وخاصةً شبابنَا المبارك، أن يهتموا بأوقاتِهم، وأن ينظروا في مصالِحهم ومصالحِ بلادِهم، وأن يفكروا التفكيرَ الجادَّ المفيدَ لشغلِ تلك الأوقاتِ بما ينفعُهم في الدنيا والآخرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون}
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أما بعد عباد الله :
ففي هذهِ الأيامِ المباركةِ يستعدُّ كثيرُ من المسلمين في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها لتلبيةِ أمرِ اللهِ جلَّ وعلا لأداءِ فريضةِ الحجِّ، محبّةً وشوقاً، مستجيبين لأمْرِ اللهِ تعالى: { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً..} وأمرِ رسولِه صلى الله عليه وسلم: ( من حجَّ للهِ فلم يرفثْ ولم يفسقْ رجعَ كيومِ ولدته أمُّه ) وقوله صلى الله عليه وسلم:(والحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنة)
فعلى كلِّ مسلم أن يبادرَ إلى أداءِ فريضةِ الحجِّ إذا كانَ مستطيعاً، ولا يسوغُ لهُ أن يتأخرَ وهو قادرٌ مستطيعٌ، بلْ عليهِ أن يبادَر بأدائهِ قبلَ أن يَعرضَ لهُ عارضٌ، لقولهِ صلى الله عليه وسلم: (تعجّلوا إلى الحجِّ فإن أحدَكم لا يدري ما يَعرضُ له)
وإن تأخرَ لعذرٍ شرعيٍ كالمرضِ، ثم توفي ولم يحجَّ وجبَ على ورثتهِ أن يحجوا عنه من تركتِه إن ترك مالاً، أو يتطوعَ بعضُ أقاربِه أو غيرِهم أن يحجُّوا عنه من غير ماله وكلُّ ذلكَ يجزئُه.
ومن أخَّر الحجَّ وهو قادرٌ مستطيعٌ ولا يمنعُه مانعٌ فإنَّه يأثمُ لهذا التأخيرِ. أسأل الله تعالى أن يكتب لنا ولكم حج بيت الله هذا العام إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيكَ رَدًّا جَمِيلًا، اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنَا عَنْ دُعَائِكَ غَافِلِينَ، اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنَا عَنْ ذِكْرِكَ غَافِلِينَ،
اللّهُمَّ أعَزَّ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ والْمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرْ أَعَداءَكَ أعْدَاءَ المِلَّةِ وَالدِّيْنِ.
اَللَّهُمَّ اشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى المُسْلِمِيْنَ وَارْحَمْ مَوْتَانَا وَمَوْتَى المُسْلِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ، وُوفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وولي عهده لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ, وَاجْعَلْنَا فِي بِلادِنَا آمِنِينَ مُطْمَئِنِّينَ، يارب العالمين .
اَللَّهُمَّ انْصُرِ جُنُودَنَا الَّذِيْنَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيْلِكَ عَلَى الحُدُودِ . واحْقِنْ دِمَاءَ المُسْلِمِيْنَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى مَنْ طَغَى وَبَغَى وَتَجَبَّرَ عَلَيْهِمْ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيْزُ .
اللّهُمَّ احْفَظْ بِلَادَنَا من كل سوء ومكروه
رَبَّنَا آَتِنَا فِيْ الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِيْ الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ الْنَّارِ .
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمعين .