اصطحب أثر رمضان حتى الممات... عادل بن عبدالعزيز المحلاوي

الفريق العلمي
1440/10/08 - 2019/06/11 12:10PM

رمضان شهر عظيم فضله ، عجيب في الأمّة أثره ، يربيها ويصلحها أفرادًا وجماعات ، فيدفع المقصّر في أمر دينه إلى السعي في التكميل ، ويحمل هاجر القرآن على الاتصال به والنهل منه ، ويدعو صاحب القلب القاسي إلى أن يلين ، ويحدو التارك لجوارحه العِنان في فعل الحرام إلى أن يُحجم ويتوّرع ، ويجعل البخيل جوادًا ، والقاطع واصلاً ، والمدبر مقبلاً ...
هذا ما يكون غالبًا لمن وفقه الله وهداه واصطفاه ، وإلا فإن ثمة نفوسًا - عياذًا بالله - لا تزداد مع إقبال مواسم الطاعات إلا بعدًا عن ربها ، لأنها لا ترعى للشهر حرمة ، ولا تعرف للزمان رهبةً ، ولا ترى للموسم العظيم إجلالاً ، ولعل أولئك هم الذين دعا عليهم رسول الله بالخسارة والبوار...

 وحروفي - هنا - موجهة للصنف الأول ، الذين عاشوا رمضان بخيراته ، وانتفعوا ببركاته ، فصاروا أهل مساجد بعد أن كانوا معرضين ، وأهل قرآن بعد أن كانوا هاجرين ، وأهل ذكر ودعاء وعطاء بعد أن كانوا غافلين مشغولين ممسكين .

 فيقال لهم :
هنيئًا لكم هذا الخير  .
ومبارك عليكم هذا الفضل .
وما أعظم منّة الله عليكم يوم أن أصبحتم عبادًا لله حقًّا ، مسارعين لمرضاة ربكم صدقًا !
ولكن ، يبقى أن تسعوا لإبقاء هذا الفضل عليكم ، وتصطحبوه طوال حياتكم ؛ فإن للطاعة أثرًا بيّنًا على صاحبها إذا كان مداومًا عليها ، مستمرًّا على النهل من مواردها العذبة ؛ ولذلك جاءت الشريعة بوجوب المداومة على أمهات الطاعات ، وجعلت منها واجباتٍ يومية كالوضوء والصلاة ، وأسبوعية كصلاة الجمعة ، وسنوية كرمضان والحج والزكاة .
والمسلم الحق يعظم ما عظّمه الله ، فيحافظ على العبادات ، ولا يفرط في الطاعات ؛ فيظهر أثر هذا الانضباط في سلوكه وأخلاقه وتعامله ، وفي جميع جوانب شخصيته ومظاهر حياته .

 اصطحب أثر رمضان حتى الممات .

لقد حافظتَ على الصلوات وتعاهدت سننها في سائر شهر رمضان ، وشعرتَ معها بالطمأنينة ووجدت الراحة ، وكان لها الأثر البيّن في ظهور سعادتك وهدوء حياتك الخاصة والعامّة ، وضبط شعورك ووزن تصرفك ، حتى ربما قلَّت مشاكلك الأسرية وألفت أهلك وألفوك ، وأحببت من حولك وأحبوك ... 
فاعرف لهذه الصلاة قدرها وفضلها ، وحافظ على فرائضها ، وتزود من نوافلها ، وعظمّها بقية دهرك لتدوم عليك بركاتها وخيراتها .

 اصطحب أثر رمضان حتى الممات .

وليكن لك حظٌّ من صلاة الليل ؛ فصلاة الليل شرف المؤمن ، ومعراج قلبه إلى السماء ، ونور وجهه وراحة نفسه وانشراح صدره .
لقد صليتَ عشرات الركعات في ليالي رمضان ، فكانت السكينة والطمأنينة والراحة ، وكان البكاء والتذلل والخشوع بين يدي الله ، وكان صدق اللجوء إليه وخالص الدعاء والرجاء ...
فاستدم هذا الصفاء ، وعوّد نفسك الصلاة كل ليلة - ولو ركعات يسيرات - فلعلها هي المنجية بين يدي رب السماء .


 اصطحب أثر رمضان حتى الممات .

وحافظ على تلاوة القرآن ، فكثيرون كانت بداية عهدهم الدائم مع القرآن في رمضان ، فداوموا على ذلك حتى لقوا ربهم ، فطابت بقية أعمارهم مع القرآن ، وحلّت البركات في حياتهم الخاصة والعامة ، وأُكرموا بالصحة والعافية ببركة القرآن ، واطمأنت نفوسهم به ، ما جعل أحدُهم يندم على هجره لكتاب الله عز وجل طوال عمره .
ستجد الخير يحيط بك كلما زاد اتصالك بالقرآن ورددت آياته ، فهو كتاب مبارك ، والخير بحذافيره قد جُمع فيه .

 اصطحب أثر رمضان حتى الممات .

ولا تترك الدعاء أبدًا ؛ فقد كنتَ تدعو ربك كل وقت وحين في رمضان ، فتلذذت نفسُك ، وطابت روحُك ، وتحققتَ لك بعض المطالب ، واندفع عنك من الشرور أضعافها ، ولزمتَ العبودية الحقة لله بعبادة الدعاء ..
فأدم هذه العبادة ، وكن خير آخذ لها ، وأكثر من الدعاء ، وأدمن طرق أبواب السماء ، وعوّد قلبك التعلّق بالعظيم ، والافتقار لصاحب الفضل العميم ، فما فاز بالخيرات إلا من تعلق بالغني الكريم .
ولا يفتر لسانك من دعوات ترفعها كل وقت وترددها كل حين ، ولا تغلق باب السماء بالغفلة ؛ فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً ، وعطاء الرحيم الرحمن عظيم في كل وقت وآن .

 اصطحب أثر رمضان حتى الممات .

فقد تعوّد لسانك على الذكر والاستغفار ، فوجدتَ الطمأنينة والسكينة في النفس ، ورأيتَ من نفسك أنّك تستغني بخلوتك بربك عن النّاس .
فداوم على هذا الخير ، فالذكر يقوم مقام كثير من العبادات - من صلاة وصدقة ونحوها - ذلك أنّه عبادة عظيمة لا يقدر قدرها إلا من عرف فضلها ومنزلتها .
فكن من الذاكرين الله كثيرًا ، وكوني من الذاكرات فقد أعدَّ الكريم سبحانه لهم أجرًا عظيمًا .

 اصطحب أثر رمضان حتى الممات .

فكن محافظًا على الوقت ، حريصًا على الزمان ، فما العمر إلا الوقت والزمان ، وما الزمان إلا ساعات وأيام .
لا شك أنّ الزمان في رمضان عزيز في الجملة عند المسلمين ، ولن يكون حالهم في غير رمضان كحالهم في رمضان ، ولكن ، لعل ما اكتسبته في رمضان من حرصك على وقتك فيه أن يكون دافعًا لك في غيره أن تكون أحسن مما مضى ، وأكثر حرصًا على وقتك وأشد تمسكًا به وشحًّا ؛ فبالمحافظة على الوقت تكتسب المعالي ، ويكثر الإنتاج ويتحقق الطموح ، ومع المحافظة على وقتك ستجد نفسك قد أنجزت أعمالاً كثيرة ، ونفعت نفسك وأمتك .

وفقني الله وإياك لهداه ، وجعل عملنا في رضاه .

كتبه / 
عادل بن عبدالعزيز المحلاوي 
١٤٤٠/١٠/٦ هجري

المشاهدات 547 | التعليقات 0