اسم الله تعالى.. الفتاح

رمضان صالح العجرمي
1444/03/20 - 2022/10/16 10:34AM

مقترح خطية بعنوان:
(( اسم الله تعالى الفتَّاح ))
.
1- مقدمة.
2- الآثار الإيمانية لهذا الاسم.
3-كيف نتعبد لله تعالى بهذا الاسم؟
.
الهدف من الخطبة:
التذكير بهذا الاسم العظيم من أسماء الله الحسنى، وبيان آثاره، وكيفية التعبُّد لله تعالى بهذا الاسم.
.
مقدمة ومدخل للموضوع:
نقف مع اسم من أسماء الله الحسنى الذي له آثار عظيمة في حياتنا اليومية، وقد لا يشعر الكثير منا بها؛ ولكن عندما نتعرف على هذه الآثار والمعاني العظيمة سنُدرك بإذن الله تعالى أهمية ومكانة وعظم هذا الاسم من أسماء الله الحسنى.

موعدنا مع اسم الله تعالى (الفتَّاح)، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم في موضع واحد ﴿ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ﴾ [سبأ: 26]، وورد ذكره في موضع آخر بصيغة الجمع ﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ [الأعراف: 89].
قال قتادة رحمه الله: ﴿ افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا ﴾؛ أي: اقضِ بيننا وبين قومنا بالحق.

ومعناه: الذي يفتح المنغلق على عباده من أمور دينهم ودُنْياهم، فهو سبحانه وتعالى الذي يفتح أبواب رحمته، وأبواب رزقه وفضله، وأبواب طاعته، وأبواب العلم؛ ولذلك فهذا الاسم له آثار عظيمة في حياة العبد اليومية، فعندما يفتح أحدُهم محل تجارته وعمله يلهج لسانه: "يا فتَّاح يا عليم"، وإذا طلب الرزق يدعو ويقول: "يا فتَّاح يا عليم، افتح لي أبواب الرزق"، وإذا فتح لأحد أبوابًا من الرزق يقول: "فلان مفتوحة عليه"، وعندما يقوم آخر له بمهمة أو خدمة يقول له: "الله يفتح عليك"، وفي البيع والشراء وطلبًا للمزيد من الكسب يقول: "يفتح الله"، وإذا تفاءل بأحدهم يقول: "نستفتحوا منك أو بك".

الآثار الإيمانية لهذا الاسم:
1- فمن أعظمها أن الله تعالى الفتَّاح، فتح قلوب عباده للإيمان، وشرح صدورهم للإسلام، أرسل الله تعالى الرسل، وأنزل الكتب، وفتح قلوب العباد لهذا الدين العظيم؛ ولذا كان من دعاء نبي الله شعيب عليه السلام: ﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ [الأعراف: 89]، وهذا نوح عليه السلام يقول: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 117، 118]، وكان من دعاء الصالحين: "اللهم مكِّن لدينك في الأرض، وافتح له قلوب الناس"، ولا شك أنه أعظم فتح أن يفتح قلبك للإيمان والتوحيد، ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴾ [الحجرات: 7]، ومن فتح الله تعالى قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام، فقد أراد له الخير والهداية ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الزمر: 22]، ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125].


ولقد أرسل الله تعالى محمدًا صلى الله عليه وسلم، ففتح به أعينًا عُمْيًا وآذانًا صُمًّا وقلوبًا غُلْفًا ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33]، وجاء في التوراة: لن يقبضه الله حتى يُقيمَ به المِلَّة العوجاء، ويفتح به أعيُنًا عُمْيًا وآذانًا صُمًّا وقلوبًا غُلْفًا.
2- ومن آثار اسم الله تعالى الفتَّاح أنه فتح لهم أبواب رحمته وفضله ورزقه إذا عملوا بطاعته ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]، ولو اجتمع الناس جميعًا لغلق هذه الأبواب ما استطاعوا لذلك سبيلًا ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فاطر: 2]، وقد يفتح الله تعالى هذه الأبواب اختبارًا واستدراجًا، ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44]، وقد يكون عذابًا وعقوبةً ﴿ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ ﴾ [القمر: 11].

3- ومنها أن الله تعالى فتح لعباده أبواب الطاعات ووفَّقهم لأبواب الخير، فمجيئك للصلاة هو فتح من الله تعالى عليك، وكذا جلوسك في مجالس العلم وحفظ القرآن وغيرها من أبواب الخير التي أكرمك الله بها إنما هي فتح ومظهر وأثر من آثار اسم الله تعالى الفتَّاح، فهناك الكثير ممَّن أُغلِقت أمامهم الأبواب نعوذُ بالله من الخذلان ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 19]؛ أي: أنساهم أن يعملوا لأنفسهم من الخير، فمن ترك الصلاة وتخلَّف عنها وضيَّعها فلا يظنُّ أنه تركها برغبته؛ لكن الحقيقة المفجعة أن الله تعالى لم يرد ولم يحب لقاءه، وهذا الذي هجر القرآن وحلق القرآن ولم يجعل في صدره شيئًا منه، فلا يظن أنه فعل ذلك برغبته؛ وإنما هو كلام الرحمن، يختار له من صدور عباده مَنْ يشاء ﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 49]، ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [فاطر: 32].

إنها صدور عامرة بالإيمان، وكل عبد قد يفتح الله تعالى عليه من أبواب الطاعات ما لم يفتح لغيره؛ فهذا قد فتح له في القيام، والآخر في الصيام، والآخر في الصدقات وقضاء حوائج الناس، وهذا يفتح له من أبواب العلوم، وقد يفتح لعبد أبوابًا عدة كما فتح لأبي بكر الصديق رضي الله عنه.

والسعيد والموفَّق مَنْ فتح الله له بابًا من أبواب الخير قبل موته؛ فقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي عنبة الخولاني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أراد اللهُ بعبدِهِ خيرًا عسَّله))، قيل: وما عسَّلَه؟ قال: ((يفتح اللهُ له عملًا صالحًا قبل موته ثم يَقبضه عليه)).

4- ومنها أن الله تعالى فتح لأهل الإيمان أبواب النصر والتأييد، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ﴾ [الفتح: 1]، ﴿ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ ﴾ [المائدة: 52]، ﴿ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصف: 13]، فنحن نجتهد ونأخذ بالأسباب، وأما النصر فهو من عند الله سبحانه وتعالى، وقد يكون في صورة أن يقضي ويحكم بينهم وبين عدوِّهم ﴿ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ﴾ [سبأ: 26]؛ أي: يحكم بيننا بالعدل.

5-ومن آثار اسم الله تعالى الفتَّاح أنه فتح لعباده باب الدعاء، يسألوه ويلجئون إليه عند الشدائد ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62]، فلو أُغلِقت أمامك أبواب الأرض فالجأ لأبواب السماء وارفع يديك وقل: يا رب.
يقول التابعي الجليل طاووس رحمه الله لعطاء بن أبي رباح رحمه الله: إياك أن تطلب حوائجك ممَّن أغلق دونك بابه، وجعل دونها حجابه، وعليك بمن بابه مفتوح إلى يوم القيامة أمرك أن تسأله ووعدك أن يجيبك سبحانه وتعالى، رأى أحد العلماء رجلًا يتردَّد على أبواب الملوك، فقال له: يا هذا، تقصد مَن يغلق دونك بابَه وتترك مَن يفتح لك أبوابه؟!

فإذا فتحت للدعاء أبواب السماء فلا تسأل عن الآثار، فهذا نوح عليه السلام يدعو قومَه ألف سنة إلا خمسين عامًا فكذَّبوه، فدعا ربَّه أني مغلوب فانتصر، فتحرَّكت الأرض وتفتَّحت أبواب السماء لإجابة هذه الدعوات ﴿ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴾ [القمر: 11، 12].

وهذا النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إلى السماء يوم بدر وهم عدد قليل يستمدُّ النصر والتأييد من الله تعالى فيأتي المَدَد من السماء ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9].

ودعوة المظلوم تفتح لها أبواب السماء، كما في حديث أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاوَاتِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ))؛ (صحَّحه ابن حِبَّان).

6- ومن آثار اسم الله تعالى الفتَّاح أنه فتح لعباده بابًا عظيمًا من أبواب رحمته وهو باب التوبة، فقد روى الترمذي وحسَّنه الألباني من حديث صفوان بن عسال، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه قال: ((فما زال يُحدِّثُنا حتى ذكر بابًا من قِبلِ المغربِ مسيرةُ عرضِه أو يسيرُ الراكبُ في عرضِه أربعين أو سبعين عامًا، قال سفيانُ: قِبل الشامِ خلقَه اللهُ يومَ خلق السمواتِ والأرضَ مفتوحًا- يعني للتوبةِ- لا يُغلقُ حتى تطلُعَ الشمسُ منه))؛ (رواه الترمذي)، باب عظيم لا يغلق إلا يوم القيامة، ففي الحديث: ((...فَلَا يُغْلِقُهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ)).

7- ومن الآثار والمعاني العظيمة لاسم الله تعالى الفتَّاح هو ما اختصَّ به أهل الإيمان عند موتهم وفي قبورهم من الفتوحات، فعند قبض أرواحهم تصعد بها ملائكة الرحمة، وتفتح لها أبواب السماء ويُشيِّعها من كل سماء مقرِّبوها تكريمًا وتشريفًا لأهل الإيمان، بينما أرواح الكُفَّار لا تُفتَح لها أبواب السماء كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ﴾ [الأعراف: 40]، فإذا وضع المؤمن في قبره يفتح له باب إلى الجنة فيرى مقعده منها، وعندما يبعث الله تعالى الناسَ جميعًا يوم القيامة، يقفون على أقدامهم خمسين ألف سنة، وتدنو الشمس من رؤوسهم، ويبلغهم من الكرب ما الله أعلم به، ففي حديث الشفاعة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((..ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ ويُلْهِمُنِي مِن مَحامِدِهِ وحُسْنِ الثَّناءِ عليه شيئًا لَمْ يَفْتَحْهُ لأَحَدٍ قَبْلِي ثُمَّ يُقالُ: يا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّع..))، ثم تكريمًا وتشريفًا لهذه الأُمَّة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوَّل مَن تُفتَح له أبواب الجنة، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((آتي بابَ الجنةِ، فأستفتح، فيقوم الخازن، فيقول: لا أفتح لأحدٍ قبلك، ولا أقوم لأحدٍ بعدك)).

8- ومن آثار رحمة الله تعالى أنه هيَّأ لعباده أسباب بها تفتح أبواب الجنة، فإن أبواب الجنة مفتحة لأهل الإيمان إذا هم عملوا بطاعة الله تعالى ومرضاته ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾ [الزمر: 73]، ﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ ﴾ [ص: 50].

وفي شهر رمضان تفتح أبواب الجنة؛ بل جعل لعبادة الصائمين باب الرَّيَّان لا يدخل منه إلا الصائمون، ومن حافظ على دعاء عقب الوضوء تفتح له أبواب الجنة الثمانية، ففي الحديث الصحيح: ((ما منكم من أحدٍ يتوضَّأ فيبلغ أو فيُسبِغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إلا فُتِحَتْ له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء))؛ (رواه مسلم).
نسأل الله العظيم أن يفتح لنا أبواب فضله ورحمته.
*****************
الخطبة الثانية

كيف نتعبَّد لله تعالى بهذا الاسم؟

1- الدعاء والتوسُّل بهذا الاسم العظيم ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180]، وذلك بأن تسأل الله تعالى باسمه الفتَّاح أن يفتح لك أبواب ما تريد من الخير والرزق والعلم، فمن الأدعية الواردة في القرآن والسُّنَّة:
﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ [الأعراف: 89]، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد يقول: ((اللهمَّ افتح لي أبوابَ رحمَتِك))، فعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افتح لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ)).

2- احذر أن تفتح على نفسك بابًا من أبواب الشرِّ والفساد فتندم عليه، حديث عظيم يُبيِّن فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة، عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ضربَ اللهُ مثلًا صِراطًا مستقيمًا وعلى جنبتي الصراط سورانِ فيهما أبوابٌ مفتحةٌ، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: يا أيُّها الناس، ادخلوا الصراط جميعًا ولا تعوجوا، وداعٍ يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه، فالصراط: الإسلام، والسورانِ: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي من فوق الصراط: واعظ الله في قلب كل مسلم)).

3-كُنْ مِفْتاحًا للخير مغلاقًا للشرِّ، فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ هذا الخيرَ خزائن، ولتلك الخزائن مَفاتيح، فطوبى لعبدٍ جعله اللهُ عزَّ وجلَّ مِفْتاحًا للخير مِغلاقًا للشرِّ، وويلٌ لعبدٍ جعله اللهُ مِفتاحًا للشرِّ مِغلاقًا للخير))؛ (رواه ابن ماجه وحسَّنه الألباني).
وتأمَّل هذا النموذج: ((لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ))؛ أي: يفتح الله على يديه، وذلك أن الفتح منه سبحانه وتعالى، وإنما الأسباب من العباد.

كيف تكون مِفتاحًا للخير؟
وذلك بنشر الخير بين الناس والسعي في أعمال الخير، والإصلاح بين الناس، وسد كل باب فتنة وعداوة بينهم.

4- اجعل لنفسك حظًّا من هذه الأعمال؛ عن جَابِر رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَاسْتُجِيبَ الدُّعَاءُ))؛ رواه أحمد.
وفي صحيح مسلم عن ابن عمر قال: بينما نحن نُصلِّي مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذ قال رجلٌ من القوم: اللهُ أكبرُ كبيرًا، والحمدُ لله كثيرًا، وسبحان اللهِ بكرةً وأصيلًا، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَن القائلُ كلمةَ كذا وكذا؟))، قال رجلٌ من القومِ: أنا يا رسولَ الله، فقال: ((عجِبتُ لها، فُتِحَتْ لها أبوابُ السماءِ)) قال ابنُ عمر: فما تركتُهنَّ منذُ سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((ما قال عبدٌ لا إلهَ إلَّا اللهَ قَطُّ مُخلِصًا إلَّا فُتِحَتْ له أبوابُ السماءِ حتى تفضي إلى العرش ما اجتنبَ الكبائرَ))؛ (رواه الترمذي وحسَّنه الألباني). نسأل الله العظيم أن يفتح لنا أبواب الخير، وأن يجعلنا مفاتيحَ للخير، مغاليقَ للشر.
.

المشاهدات 245 | التعليقات 0