اسم الله تعالى .. ( الحفيظ )

رمضان صالح العجرمي
1444/03/20 - 2022/10/16 13:38PM

مقترح خطية بعنوان 

اسم الله تعالى

(الحفيظ)


١- مقدمة.
٢- مظاهر اسم الله تعالى الحفيظ.
٣- كيف نتعبَّد لله تعالى بهذا الاسم.
 
(الهدف من الخطبة):
التذكير بهذا الاسم العظيم من أسماء الله تعالى، ومعرفة آثاره في الكون، وكيفية التعبُّد لله تعالى بهذا الاسم.
 
مقدمة ومدخل للموضوع:
فهذه وقفات مع اسم من أسماء الله الحسنى، نتعرف على معناه والآثار الإيمانية لهذا الاسم، ولا شك أن أشرف العلوم هو معرفة العبد لربِّه سبحانه وتعالى، فهل هناك حديث أحسن من الحديث عن الله تعالى؟ وهل هناك علم أشرف من العلم بأسماء الله تعالى وصفاته؟
 
إننا على موعد مع اسم الله تعالى (الحفيظ)، فقد سمَّى اللهُ تعالى نفسَه بهذا الاسم في كتابه العزيز ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الشورى: 6]، ﴿ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ﴾ [سبأ: 21].
 
وعرَف هذا الاسمَ الحسنَ الأنبياءُ والمرسلون؛ فهذا هود عليه السلام يخاطب قومه: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ﴾ [هود: 57]، وهذا يعقوب عليه السلام بعد فَقْدِ أحَبِّ أولادِه إليه يقول: ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 64].
 
ومعناه: أن الله تعالى يحفظ الأشياء من الاضطراب، ويحفظ كل ما أراد؛ قال السعدي رحمه الله: "الحفيظ الذي حفظ ما خلقه، وأحاط علمه بما أوجده، وحفظ أولياءه من وقوعهم في الذنوب والهلكات، ولطف بهم في الحركات والسكنات، وأحصى على العباد أعمالهم وجزاءها".
 
فهو الحفيظ الذي يحفظ أعمال المكلفين، وهو الحفيظ الذي يحفظ عباده المؤمنين، وهو الحفيظ الذي يحفظ سمعهم وأبصارهم وجلودهم، وهو الحفيظ الذي يحفظ السموات والأرض، فما من شيء في هذا الكون إلا وفيه أثر من آثار اسم الله تعالى الحفيظ.
 
واسم الله تعالى الحفيظ أو الحافظ متضمن لصفة الحفظ ومعناه: الصيانة من التلف والضياع، ومنها قول أبي هريرة: "وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة الفطر"؛ أي: بحراستها وصيانتها من الفقد أو الضياع؛ ولذا فإن اسم الله تعالى الحفيظ له آثار ومظاهر عظيمة.
 
مظاهر اسم الله تعالى الحفيظ:
1- من مظاهر اسم الله تعالى الحفيظ أنه حفظ عباده المؤمنين وأولياءه المتقين ومَن اصطفاهم من الأنبياء والمرسلين، فالحفيظ جل في علاه إذا أراد حفظ عبد مِن عباده فلا تسأل كيف؟ فلن تستطيع قوةٌ بشريةٌ أن تصل إليه ما دام يحفظه الحفيظ جل في عُلاه؛ فالحفيظ حفظ إبراهيم عليه السلام من النار ﴿ قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴾ [الأنبياء: 69، 70]، وحفظ يونس عليه السلام في بطن الحوت ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88]، وحفظ موسى عليه السلام وهو طفل رضيع ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7]،﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى * إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ﴾ [طه: 37- 39]، وحفظه وقومه من فرعون وجيشه الجرار ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 61، 62]، وحفظ يوسف عليه السلام في غيابةِ الجُبِّ وفي السجن ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 64]، وحفظ هاجر ورضيعها إسماعيل عليه السلام بوادٍ غير ذي زرع ((... فإن الله لن يُضيِّعَنا...))، وحفظ محمدًا صلى الله عليه وسلم من كيد ومكر مشركي قريش ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30] خرج من بينهم وهم متربصون به على باب داره ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [يس: 9]، وحفظه وصاحبه إذ هما في الغار ﴿ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]، وحفظه في الطريق إلى المدينة، وفي كل مراحل دعوته صلى الله عليه وسلم ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]، ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67].
 
فإذا ضاقت عليك الأرض وكثرت المخاطر؛ فارفع يديك إلى السماء وقل: يا حفيظ احفظني بحفظك ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 64].
 
2- ومن مظاهر حفظه سبحانه وتعالى لعباده كون الشريعة جاءت بحفظ الضرورات الخمس وبحفظ مصالح العباد، فجاءت الشريعة بحفظ الدين؛ وذلك بالأمر بالدعوة إليه والجهاد في سبيله وبذل النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجاءت الشريعة بحفظ النفس؛ وذلك بتحريم القتل وسفك الدماء وترتيب أشد العقوبات على ذلك ليبقى آمنًا، وجاءت الشريعة بحفظ العرض؛ وذلك بإقامة حد القذف لمن ينتهك عرض أخيه المسلم ومنها تحريم الغيبة والنميمة والتجسُّس، وجاءت الشريعة بحفظ العقل؛ وذلك بتحريم كل ما يُذهِب العقل من المسْكِرات؛ لأنه هو مناط التكليف، وجاءت الشريعة بحفظ المال وذلك بتحريم السرقة والغصب والظُّلْم وأكل أموال الناس بالباطل، فالحفيظ جَلَّ في عُلاه شرع التشريعات، وأوجب الواجبات، وحَرَّم المحرَّمات لحفظ هذه الضرورات.
 
وتأمَّل: كم من صحيح أضاع صحَّتَه بسبب سيجارة؟! وكم مِن شابٍّ دمَّرَ مستقبلَه بسبب سيجارة محشوَّة بالمخدِّرات؟!

3- ومن مظاهر حفظه سبحانه وتعالى لعباده أن سخَّر لهم ملائكة أطهارًا يحفظونهم من الجن ويحفظون أعمالهم، فهو سبحانه يحفظ عبده من المهالك ومن مصارع السوء، كما قال تعالى: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: 11].
 
وتأمَّل هذه المنظومة الأمنية المتكاملة للعبد منذ ولادته؛ بل وهو نطفة في صلب أبيه لحفظه من الجن والشياطين: دعاء الجِماع وفيه: ((فلا يَقْربه شيطان))، ثم الأذان والإقامة عند ولادته، وفي حديث عثمان: ((مَن قال: بسم الله الذي لا يضُرُّ مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات لم تُصِبْه فجأة بلاء حتى يُصبح، ومَنْ قالها حين يُصبح ثلاث مراتٍ لم تُصِبْه فجأة بلاء حتى يُمسي))؛ بل حتى عند النوم الذي يكون فيه الإنسان في أضعف حالاته فإن الحفيظ يحفظ عباده المؤمنين، ففي حديث أبي هريرة: أنَّ مَن قرأ آية الكرسي عند نومه فلا يزال عليه من الله حافظٌ حتى يُصبح، وجاء في الدعاء عند النوم: ((... وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين))، فلو وضعت مائة حارس عند رأسك مدجَّجين بأقوى الأسلحة ما استطاعوا حفظك من الشيطان.
 
4- ومن مظاهر حفظه سبحانه وتعالى أنه حفظ أهل الإيمان من الزيغ والضلال والانحراف، فأنزل لهم القرآن الكريم وتعهَّد بحفظه، وأرسل لهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وتعهَّد بنصرته وتأييده ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، ﴿وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ﴾ [ق: 4].
 
نعم إنه كتاب حفيظ، مَن تمسَّك به نجا، يحفظك من الانحراف فلا تحيد عن الصراط المستقيم، يحفظك من الشُّبُهات والشهوات، يحفظك من الأمراض والأسقام.
 
5- ومن مظاهر حفظه سبحانه وتعالى أنه حفظ أعمال العباد فلا يضيع منها شيء ﴿ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ﴾ [الأنبياء: 47]، ((يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا))، فقد وكل الله تعالى ملائكة أطهارًا يحصون ويحفظون أعمال العباد ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 10 - 12]، ﴿ إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ﴾ [الطارق: 4]، فلا تدع له من أعماله شيئًا ولو صغر، ﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا ﴾ [النبأ: 29]؛ بل حتى اللفظ الصغير ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، قال مجاهد: ما من شيء يتكلم به العبد إلا أُحصي عليه حتى أنِيْنه في مرضه.
 
6- ومن مظاهر حفظه سبحانه وتعالى أنه حفظ الكون كله من حولنا؛ فتأمَّل هذه السموات والأرض والجبال، مَن يحفظها ويُدبِّر أمورها؟ إنه الحفيظ جل في علاه ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [فاطر: 41]، ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]، ﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا ﴾ [الأنبياء: 32]، حفظ السماء من الشياطين ﴿ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ ﴾ [الصافات: 7]، ﴿ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ﴾ [فصلت: 12].
 
نسأل الله العظيم أن يحفظنا بحفظه.
 
الخطبة الثانية
كيف نتعبَّد لله تعالى بهذا الاسم؟
1- حفظ حدود الله تعالى وأوامره ونواهيه، فقد أثنى الله تعالى ومدح مَن يحفظ هذه الحقوق والواجبات ﴿ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 112]، وكلما حفظ العبد دين الله تعالى ازداد حفظ الله تعالى له؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: ((يا غلامُ، إني أُعلِّمُكَ كلماتٍ: احفَظِ اللهَ يحفظْكَ، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَكَ)) وفي رواية: ((احفظِ اللهَ تجِدْه أَمامَكَ))، يحفظه من الشرور والآفات، ويحفظه من عقابه وعذابه إذا حفظ حدود الله تعالى ومحارمه ﴿ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾ [النساء: 34].
 
ومَن حفِظَ اللهَ تعالى في حال القوة والشباب حفِظَه ربُّه إذا كبر وشاب، فهذا أبو الطيب الطبري عالم عابد همام قد جاوز المائة عام- متَّعَه الله بالعقل والقوة وحسن القعود والقيام- فسُئل عن ذلك فقال: "هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر فحفظها الله تعالى علينا في الكبر".
 
ويحفظه عند موته، قال أحد السلف: إذا احتضر المؤمن يُقال لملك الموت: شمَّ رأسَه فيقول: أجد في رأسه القرآن، فيُقال: شمَّ جوفَه، فيقول: أجد فى جوفه الصيام، فيُقال: حفِظَ نفسَه فحفظَه الله عز وجل؛ بل ويصِل حفظ الله تعالى للعبد حتى بعد موته، فيحفظ له ذُريَّتَه من بعده ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9]، وقال ابن المنكدر رحمه الله: إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده فما يزالون في حفظ الله وستره، وهذا سعيد بن المسيب يقول لابنه ناصحًا ومذكِّرًا: إني لأزيد في صلاتي من أجلك رجاء أن أحفظ فيك.
 
وتأمل هذا الخبر: ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 82].
 
ثم دخول الجنة لمن حفظ أوامر الله تعالى ﴿ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾ [ق: 32، 33]، فإن الجنة لا يدخلها إلا من كان حافظًا لحدود الله تعالى وأوامره ونواهيه، ومن أعظم ما يجب على المسلم حفظه من حقوق الله تعالى هو (التوحيد) فإن من حفظ هذا الحق حفظه الله يوم القيامة وأَمَّنَهُ من عذابه ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]، ثم المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، فقد أمرنا الله تعالى بالمحافظة عليها ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238]، وأثنى على الذين يحافظون عليها ووعدهم بالثواب العظيم ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ *أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ﴾ [المعارج: 34، 35]، ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 9 - 11]، وفي الحديث: ((مَن حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاةً يوم القيامة، ومَن لم يحافظ عليها لم تكن نورًا ولا برهانًا ولا نجاةً..))، وروى الطبراني من حديث عبادة بن الصامت مرفوعًا: ((إذا حافظ العبد على صلاته فأقام وضوءها وركوعها وسجودها والقراءة فيها قالت له: حفظك الله كما حفظتني، وصعد بها إلى السماء ولها نور تنتهي إلى الله عز وجل فتشفع لصاحبها)).
 
المحافظة على الوضوء؛ فقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يُحافِظُ على الوضوء إلا مؤمن))؛ (رواه أحمد وابن ماجه).
 
حفظ الجوارح عن المحرمات، وقد جمع الله ذلك كله في قوله: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36].
 
حفظ الفروج عن الفواحش والمحرمات، فقد أمرنا الله تعالى بذلك وخاطب أهل الإيمان بقوله: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾ [النور: 30]، ووعد الله تعالى الحافظين لفروجهم بالأجر العظيم والمغفرة الواسعة، فقال تعالى: ﴿ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35].
 
ومما يلزم المؤمن حفظه أيضًا ما جاء في هذا الحديث؛ فقد روى الترمذي عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استحيوا من الله حقَّ الحياء))، قال: قلنا: يا رسول الله، إنا نستحي والحمد لله، قال: ((ليس ذاك؛ ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبِلى، ومَنْ أرادَ الآخرةَ تركَ زينةَ الدُّنيا، فمَن فعل ذلك استحيا من الله حقَّ الحياء)).
 
وحفظ الرأس يدخل فيه حفظ السمع والبصر واللسان من المحرمات، وحفظ البطن يتضمن حفظ القلب عن الإصرار على المحرَّمات.
 
ومما يجب حفظه أيضًا حفظ الأيمان، قال الله تعالى: ﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 89]، وحفظ الأيمان يكون عن ثلاثة أمور:
حفظها عن الحلف بالله كاذبًا.
حفظها عن كثرة الحلف والأيمان.
حفظها عن الحنث فيها إذا حلف الإنسان.
 
2- دعاء الله تعالى باسمه الحفيظ، فقد ثبت من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ويقول: ((اللهُمَّ احفَظْني بالإسلام قائمًا، واحفظني بالإسلام قاعدًا، واحفظني بالإسلام راقدًا، ولا تشمت بي عدوًّا حاسدًا..)).
 
وتأمَّل هذا الدعاء العظيم الذي كان يحافظ عليه النبي صلى الله عليه وسلم في كل صباح ومساء، كما في حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: لم يكن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدَعُ هؤلاء الدعوات حين يُمسي وحين يُصبح: ((اللهُمَّ إنِّي أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهُمَّ إنِّي أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهُمَّ استُرْ عَوْراتي وآمِنْ رَوْعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أُغْتال من تحتي))؛ (رواه أبوداود وصحَّحه الألباني).
 
نسأل الله العظيم أن يحفظنا بما يحفظ به عباده الصالحين.
.

المشاهدات 535 | التعليقات 0