«اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي» 26 – 4- 1445هـ

د عبدالعزيز التويجري
1445/04/25 - 2023/11/09 11:35AM

الخطبة الاولى : «اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي»      26 – 4- 1445هـ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ، مَنَّ عَلَيْنَا فَهَدَانَا وَأَطْعَمَنَا وَسَقَانَا, وَكُلَّ بَلَاءٍ حَسَنٍ أَبْلَانَا، وأشهد أن لا إله إلا الله  واسع العطاء ، ومجزل النعماء وأشهد أن نبينا محمدا عبدالله ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه وازواجه ومن تبعهم لإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما مزيدا .. أما بعد

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}

لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ،  وقتل سبعون من أجلاء الصحابة ، صَلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ يَوْمَ أُحُدٍ قَاعِدًا مِنْ الْجِرَاحِ الَّتِي أَصَابَتْهُ، وَصَلَّى الْمُسْلِمُونَ خَلْفَهُ قُعُودًا ، ثم وقَفَ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْقَتْلَى فَقَالَ: أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يوم القيامة ، فلما دفنهم قال للناس اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي، فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفًا،  فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه فَقَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ، وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللَّهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ، وَالْفُسُوقَ، وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَهَ الْحَقِّ» أخرجه الإمام احمد والبخاري في الادب .

 

حدثٌ عظيمُ وموقفٌ جليلٌ من الرسولِ الكريمِ عليه الصلاةُ والسلام في يومٍ تكالبَ عليه الأعداء ، وترادفت عليه المصائبُ والأحزان ، شُجّ رأسهُ وكُسِرت رُباعيتُه ، وقُتلَ أعزُ أصحابهِ بين يديهِ ومُثل بهم ، وبيْن هذه الأحداثِ العظام، والأمورِ الجسام ، يقفُ عليه الصلاةُ والسلام قويَّ النفسِ ثابتَ الجنانِ يعلم أنّ ما أصابَه لم يكن يخطئه ، يدَعُ كلَّ قوى البشرِ ، ويتركُ استشارةَ كلِ ذي رأي ، ويتبرأُ من حولهِ قوتِه، ويلتجأُ إلى مولاهُ ومن رباه ، إلى من حماهُ في الغارِ ، وحفظَهُ من بطشِ الكفارِ ، فيقولُ لأصحابه "اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي"

الله أكبرُ ما أعظمه من اعترافٍ بفضلِ عطايا الجليلِ جل جلاله.

"اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي"  أُثْني على من لولاه مَا اهْتَدَيْنَا، وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا،{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}

أُثْني على من أو جدنا من العدم وأغدق علينا من النعم. {وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ}

أُثْني على من أَشْبَعَنَا وَأَرْوَانَا، وَكَفَانَا وَآوَانَا، وَكُلُّ بَلَاءٍ حَسَنٍ أَبْلَانَا..

أُثْني على من فضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا ،

  إلى الله وجهي يا عذولي ومن يقم       إلى الله يوماً وجهه لا يُخَيبُ

لا يَخِيبُ من كان اللهُ رجائه ، ولا يَضيعُ من كان الله دليله ، ولا يَضِلُ من كان الله وجهه وقصده {مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}

    لكلِّ خطبٍ مهمٍّ حسبيَ اللهُ   **  أرجو بهِ الأمنَ مما كنتُ أخشاهُ 

    وأستغيثُ بهِ في كــلِّ نائبــــــةٍ   **   وما ملاذيَ في الدارينِ إلا اللهُ 

 

من صَدَق اللهَ في الأمورِ نجا ، من خشيَ اللهَ لم ينله أذى ، ومن رجا اللهَ كان حيثُ رجا ، فربنا قريبٌ سميعُ الدعاء ، فله الخلقُ والأمرُ جلّ وعلا ، ما تتحركُ ذرةٌ إلا بإذنهِ {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} فَإِذَا سَأَلْتَ فَسَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الصبر عواقبه محمودة، وما قدَّره الله كائن, فالعاقل يقابل ما يأتيه من الشدائد والمحن في دينه أو ماله أو أهله او أمته بالرضا والتسليم ويلتجأ إلى الله لينال ثواب الصبر، ويظفر بتدبير الأمر..

    إِذا عَقَدَ القَضاءُ عَلَيكَ أَمراً ... فَلَيسَ يَحُلُّهُ إِلا القَضاءُ

يُثْنَى على اللهِ ويُحمدُ في السراءِ والضراء ، والبأساءِ والنعماء ، فلو كنتَ أقطع اليدين والرجلين منذ خلق الله السموات والأرض تسحب على وجهك إلى يوم القيامة، ثم كان مأواك الجنة ما رأيت بؤسا قط. فكل بؤس وشدة وكرب نهايتها الجنة ومرضاة الله فهي سعادةٌ وأنسٌ وفرج ، فكيفَ وقد آوى وأروى، وأَغْنَى وَأَعطى ، وعافا وهدى، وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ، فله الحمد لانحصي ثناءً عليه..

مولاي مولاي بحر الجود أغرقني ...    والخلق أجمع في ذا البحر قد تاهوا

فالفلك تجري كما الأفلاك جارية ...   بحر السماء وبحر الأرض أشباه

وكلهــــم نعم للخلق شامـــلة        ...   تبـــارك اللــه لا تحصـى عطايـاه

يا فاتق الرتق من هذا الوجود كما ... في سابق العلم قد خطت قضاياه

 أمنن علي بما عودت من كرم    ...   فأنت أكرم من أملت رحماه

{لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}  وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ.

الخطبة الثانية .. الحمد لله مسبلَ النعمِ ودافعُ النقم ، وصلى الله على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى ىله وصحبه أجمهين اما بعد

فاتقوالله أيها المؤمنون وشكروا ربكم وأكثروا من شكرهِ وذكرهِ ودعائِه ، وما بكم من نعمة فمن الله .

خَرَجَ النَّبِيُّ r إِلَى الطَّائِفِ مَاشِيًا عَلَى قَدَمَيْهِ، فَدَعَى أهل الطائف إِلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُجِيبُوهُ وَأَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ وَعَبِيدَهُمْ، يَسُبُّونَهُ وَيَصِيحُونَ بِهِ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، وَأَلْجَئُوهُ إلَى حَائِطٍ، فَعَمَدَ إلَى ظِلِّ شَجَرَةٍ مِنْ عِنَبٍ، وَهُوَ مَكْرُوبٌ مُوجَعٌ تَسِيلُ رِجْلَاهُ دَمًا ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي، إِلَى عَدُوٍّ يَتَجَهَّمُنِي أَوْ إِلَى قَرِيبٍ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي، إِنْ لَمْ تَكُنْ غَضْبَانَ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي، غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَكَ أَوْ تُحِلَّ عَلَيَّ سَخَطَكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ» أخرجه البيهقي غيره.

وفي بدرٍ وأحدٍ ، لجأ إلى ربهِ وناشد مولاه {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}. {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} وقد لَبِثَ فِيهِم قبل ذلك أَلفَ سَنَةٍ إلَا خَمْسين عامًا .

 هذه سنةُ اللهِ في عباده ابتُليَ الانبياءُ وامتُحِن العلماء ، واوذِي الصالحون واتُهم المصلحون {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}، فمنهم من أقر الله عينه فانتقم الله له ، ومنهم من قضى نحبه فجعل جزاءَه في الآخرة جزاءً موفورا .. والمؤمل والمعول هي الشكاية إلى الله وبث الحزن إليه سبحانه في كل نازلةٍ وضائقة { إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} والله لا يخيب من رجاه {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}.

ثم صلوا وسلموا على من امركم ربكم بالصلاة والسلام عليه ....

المرفقات

1699519011_«اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي».docx

1699519056_«اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي».pdf

المشاهدات 1751 | التعليقات 0