اسْتَوُوا

محمد ابراهيم السبر
1443/08/10 - 2022/03/13 08:18AM

" اسْتَوُوا "

الحمد لله، ما أعظمه من إله، له الملك كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك، جل وتقدس في علاه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

​عباد الله، استووا، حاذوا بين المناكب، أقيموا الصفوف، سدوا الفُرَج، كلمات تعود للمساجد، كلمات اشتقنا لسماعها في أروقة الحرمين الشريفين والمساجد، عاد الأئمة في مختلف المساجد لترديد هذه العبارات والكلمات التي تثلج الصدور، وتبهج الخواطر، مع بزوغ فجر اليوم الأحد الماضي، مع دخول قرار رفع الإجراءات الاحترازية حيز التنفيذ.

فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبذكره وشكره وحسن عبادته تطيب الحياة، وشكر الله لولاتنا وحكومتنا جهودهم وتميزهم في إدارة الأزمة، ورحم الله من مات وتقبله في الصالحين وشفى المرضى والمصابين.

عباد الله، لقد أولى الإسلام صفوف المصلين عناية كبيرة، حيث أمر بتسوية الصفوف، وأظهر فضيلة تسويتها، والاهتمام بها: فعنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قال: ( سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاةِ ) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية للبخاري: (مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاةِ )، وفي الصحيحين لابي هريرة رضي الله عنه : (من حسن الصلاة)، فتسوية الصفوف من حسن الصلاة وإقامتها وتمامها، لأن ذلك يكمل وحدة المصلين، واستقامتهم، وحسن منظرهم في قيامهم بين يدي الله تعالى، فإن لم يُقم الصف نقص من حسن الصلاة وإقامتها بحسب ما ينقص من إقامة الصف، وقد ذكر الحافظ ابن رجب أن الصفوف في الصلاة مما خص الله به هذه الأمة وشرفها به. (فتح الباري6/268).

وقد ورد الأمر بتعديل الصف، وسد خلله، والترغيب فيه في أحاديث كثيرة أجمعها حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:" أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولاتذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله" أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة والحاكم.

وقد حرص النبي ﷺ على تسوية الصفوف حيث كان يباشر ذلك بنفسه، ويمسح مناكب المصلين، كأنما يسوي بها القداح، وعلى هذا سار خلفاؤه من بعده ففي الموطأ أن عمر كان يأمر بتسوية الصفوف، فإذا أخبروه أنها استوت كبر، وذكر نحوه عن عثمان رضي الله عنهما.

فيجب على الإمام تسوية الصفوف، عند إقامة الصلاة، وتحصل التسوية باعتدال الصف على سمت واحد، وتراصها بحيث لا تبقى فيها فرجة، ولا يتقدم أحد على أحد.. ولو نظر إليهم فرآهم مستوين، فلا حاجة إلى التنبيه، لكن إذا رأى تقدماً وتأخراً وخلخلة في الصف، ينادي بالاستواء وإقامة الصف.

ودلّت السنة النبويّة على التحذير من مخالفة ذلك، فقال النبي ﷺ: (لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بيْنَ وُجُوهِكُمْ)، متفق عليه. أي: بين وجهات نظركم حتى تختلف القلوب. قال ﷺ:(كانَ رَسولُ اللهِ ﷺ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا في الصَّلَاةِ، ويقولُ: اسْتَوُوا، ولَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ). رواه مسلم، وكل هذه الأدلة تدلّ على أهمّيّة تسوية الصّفوفِ في الصلاة وفضلها، وأنّ المُخالف لهذه السنة آثم، لكنّ صلاته صحيحة ولا يتوجّب عليه إعادتها.

والواجب على المأمومين في الفرض والنفل أن يكملوا الصف الأول فالأول؛ لأن النبي ﷺ أمر بذلك وحث عليه؛ لقوله ﷺ «سووا صفوفكم وسدوا الفرج»، أخرجه ابن خزيمة، وقوله ﷺ: «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟» قالوا يا رسول الله: وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ فقال ﷺ»: يتمون الصفوف الأول ويتراصون» رواه مسلم. وقد جاء في الأحاديث مدح من يأخذ بيد صاحبه إذا أمره بالاستواء، أو أراد الدخول لسد فرجة.

فتسوية الصف دلالةٌ على احترام واهتمام المؤمنين بأداء العبادات على أفضل وأتمِّ وجه، فاستقامة المؤمنين في عبادتهم وصلاتهم ينعكس على استقامة حالهم في حياتهم الدنيوية، وهي ربطٌ وجمعٌ لقلوب المسلمين على بعضهم البعض عند تجمّعهم كتفاً لكتفٍ في إقامتهم للصلاة، فيشعر المسلم بقرب أخيه المُسلم، يجمعهم صف واحد ونظام واحد.

بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الهديِ والبيان، أقول هذا القولَ، وأستغفِر الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلِّ ذنب فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

‏الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد، فاتقوا الله عباد الله، ثمّ اعلموا أن الله جل وعلا أمرنا بأمر عظيم تزكو به حياتنا، وتسعد به أنفسنا، وتطمئن به قلوبنا، ألا وهو الإكثار من الصلاةِ والسلام على النبيِّ المختار. اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن بقية العشرة وأصحاب الشجرة وعن سائر الصحابة أجمعين. 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان وأصلح ولاة أمرهم يا حي ياقيوم، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا ونائبه لكل خير، اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ثبتنا على دينك وتب علينا، ربنا اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، واصلح ذرياتنا، واغفر لوالدينا وارحمهم، وارحم موتانا، واشف مرضانا، وفرج همومنا، واقض ديوننا برحمتك يا أرحم الراحمين، ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ ، ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ  وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

المشاهدات 483 | التعليقات 0