استوصوا بنسائكم خيرًا
إبراهيم بن سلطان العريفان
1444/03/25 - 2022/10/21 08:07AM
بسم الله الرحمن الرحيم
إخوة الإيمان والعقيدة ... حينما يكون الحديث عن سيرة الحبيب ﷺ فإن الحديثَ يطيب، والقلوبَ تهفو، والآذانَ تصغي. كيف لا يطيب الحديث عن رجلٍ أحيا الله به البشرية، وأخرجها من الظلمات إلى النور؟! كيف لا يحلو الكلام عمَّن أحبَّه الله واصطفاه، وأكرمه واجتباه، وجعله نورًا يهدي إلى صراط مستقيم!!
فتعالوا أخوة الإيمان نفتح نوافذ عن سيرته الأسرية، ونتفيَّأ شيئًا من حياته مع شريكات عمره. فما أحوجنا أن نروي أنفسنا ومجتمعنا من هذا النبع الصافي والخُلُق الوافي، وبالأخصِّ في هذا العصر الذي تطالعنا فيه الدراسات باستمرار عن ارتفاع معدَّلات الطلاق في المجتمع، أما أخبار النزاع الزوجي والعنف الأسري - فقد طفح كيلها وعلا زَبَدها.
إخوة الإيمان .. لقد تمثَّل المصطفى ﷺ صورة المعاشرة مع أهله في أبهى حُلَلِها؛ فكان عليه الصلاة والسلام خير زوجٍ لخير أهل، كيف لا وهو القائل (خَيْرُكم خَيْرُكم لِأَهْلِه، وأَنا خَيْرُكم لِأَهْلي).
لقد حبا الله تعالى نبيَّه أكمل الأخلاق وأنبل الصفات؛ فكان عليه الصلاة والسلام لزوجاته الزوج الحبيب، والموجِّه الناصِح، والجليس المؤانِس؛ كان عليه الصلاة والسلام يمازح نساءه في السرَّاء، ويواسيهنَّ في الضرَّاء، كان يسمع شكواهنَّ دون تذمُّر، ويكفكف دموعهنَّ بيديه الشريفة، لا يؤذيهنَّ بلسانه، ولا يجرح مشاعرهنَّ بعبارته، لا يتصيَّد الأخطاء، ولا يتتبَّع العثرات، ولا يضخِّم الزلاَّت، ولا يُديم العتاب. وما ضرب بيده امرأةً قط. يتحمَّل الهفوة، ويتغاضى عن الكبوة. قليل الملامة، كثير الشكر والعرفان، ينظر إلى أفضل ما فيهنَّ من أخلاق حسنة، فهو القائل ﷺ (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ، أَوْ قالَ: غَيْرَهُ).
لقد ذكر لنا أصحابُ السُّنن وأهل السِّيرة جانباً كبيراً من حياته مع زوجاته، وطريقة تعامُله معهُنّ، ولما سُئلت زوجته عائشة رضي الله عنها عن أخلاقه ﷺ في بيته ومع زوجاته، قالت: كان رسول الله ﷺ أَلْيَنَ الناس، وأكرم الناس، كان رجلاً من رجالكم، إلَّا انه كان ضحَّاكًا بسَّامًا، كان يكون في مهنة أهله، يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويخدم نفسه، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة.
فهو ﷺ ألين الناس وأكرمهم وخاصةً مع زوجاته رغم كثرة مشاغله؛ فهو قائد الأُمَّة ونبيُّها.
وكان ﷺ يقوم بخدمتهم ومهنتهم؛ الأمر الذي يُوطِّد العلاقة بين الأزواج، ويزرع المودَّة والألُفة، ويُديم الحياة الزوجيّة بينهما.
وكان ﷺ ضحَّاكًا بسَّامًا لطيفًا في تعامله معهنّ؛ ذات يومٍ كان ﷺ جالساً مع زوجته عائشة رضي الله عنها، فجيء للنبي ﷺ طعامًا من زوجته الأُخرى زينب بنتُ جحش رضي الله عنها، فتحرّكت الغيرة في قلب أم المؤمنين عائشة، وأخذت الطعام وكسرت صفحة الطعام وتناثر على الأرض، فقام النبيُّ ﷺ يجمع الطَّعام، وهو يقول (غارت أُمّكم) فلم يوبّخها، بل راعى نفسيَّتها.
وفي بيت النُبوة أيضاً أنَّ عائشة رضي الله عنها علا صوتُها وراجعت النبيَّ ﷺ في بعض أُموره، وفي هذه الَّلحظة مرَّ أبوها أبو بكر الصديق t، فاستأذن في الدُخول وكانت تبدو عليه علامات الغضب، وعاتب ابنته وقال لها: يا ابنة أُم رومان، لا أراك ترفعين صوتك على رسول الله ﷺ، فاحتمت عائشة رضي الله عنها خلف النبيِّ ﷺ، بل دافع عنها أمام أبوها، وقال لها ﷺ (كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ؟) فخرج أبو بكر t ثم استأذن عليهما مرة أخرى، فوجدهما قد اصطلحا، فقال أبو بكر: أَدْخِلَانِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا، فقال النبي ﷺ (قَدْ فَعَلْنَا قَدْ فَعَلْنَا)
أيّها الأفاضل ... كانت سيرة النبيِّ ﷺ مع أهله وأُسرته عظيمةٌ من جميع جوانبها، فهو خيرُ النَّاس لأهله، وهو قدوةٌ للأزواج في كيفيَّة تعامُله مع نسائه، وهو القائل (اسْتَوْصُوا بالنِّساءِ؛ فإنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ).
فاعلموا أنَّ بيت النبيَّ ﷺ لا يخلو من النِّزاعات التي تحصل بين الأزواج، فقد كانت نساؤه تشكو إليه قلَّة العيش وضيقه، وكُنّ يُراجعنه في العديد من الأمور، فكان النبيُّ ﷺ يغضُ الطرف عن هذه الأخطاء والعُيوب، وينظرُ إلى محاسنهنَّ، ويُركزُ على إيجابياتهنَّ، فعلى الأزواج احتواء الخلافات وعدم تعظيمها والاقتداء برسولنا الكريم، فكان ﷺ النموذج الأكمل في كيفيَّة تعامل الإنسان مع زوجاته، فكان بشراً من البشر، ويحدثُ في بيته ما يحدثُ في أي بيتٍ من بيوت الناس.
أسأل الله أن يرزقنا خيرًا الاقتداء بنبينا ﷺ، أقول ما تسمعون ...
الحمد لله رب العالمين
معاشر المؤمنين ... هذا الخُلُق النبوي وهذه العِشْرَة المحمَّدية، تحمل في طيَّاتها رسالةً إلى كلِّ مَنْ أساء فَهْم القِوامة، واختصرها في التَّعالي الأجوف، والأوامر الفضَّة والقسوة الحادة.
اعلم أيها الزوج المبارك .. أن بيت المودة لا يُبنى على أعمدة الفضاضة وسقف الجفاء، وإنما يُشاد بالكلمة الطيبة، والخُلُق الحسن، والإعذار الدائم.
تذكر أيها الزوج المبارك .. أن امرأتك أمانةً في عنقكَ، أخذتَها من أهلها بأمان الله، واستحللتَ فرجها بكلمة الله؛ فاتَّقِ الله في ضعفها، وأحسن عشرتها، واستكمل حقوقها، ولا تكلِّفها العمل بما هو فوق وسعها.
وتذكر .. أن إكرام المرأة عنوان مروءة الرجل، وأصله وفائه، وأن إهانتها وظلمها برهانٌ على خِسَّة الخُلُق، وسفالة الرجولة.
أيها الزوج المبارك .. اجعل هدي نبيِّكَ مع أهله نبراسًا لك في حياتكَ؛ إذا كرهتَ من أهلكَ خُلُقًا فتذكر الصفات الإيجابية فيهم، ولا تنسَ أن كلَّ مخلوقٍ طُبِعَ على النقص، وأن الكمال مُحال.
تعامل مع أخطاء أهلكَ بسماحةٍ ويُسْر، وعالِج الأمور بهدوءٍ واتِّزان، واجعل أمام عينيكَ دائمًا وصيةَ نبيِّكَ وحبيبكَ ﷺ حين قال (استوصوا بالنساء خيرًا).
وصلى الله على نبينا محمد ....
المرفقات
1666328840_استوصوا بالنساء خيرًا.docx
1666328855_استوصوا بالنساء خيرًا.pdf