استهانة الطغاة بالدماء

د مراد باخريصة
1432/10/25 - 2011/09/23 13:09PM
شهدت اليمن أحداثاً دامية ومجازر متكررة ومذابح متتالية وجرائم بشعة نفذت بطريقة همجية وبأساليب وحشية لا تعرف للإنسانية معنى ولا للرحمة طريقا فأولغوا في الدماء وأذاقوا الناس من كؤوس الموت والقهر أشكالاً وألواناً وتفننوا في اقتراف الجرائم العظيمة التي تقشعر منها الأبدان ويتحرك لهولها الصخر الأصم.
سفكوا الدماء وهدموا المساكن ودمروا الممتلكات وقصفوا المناطق ويتموا الأطفال ورمّلوا النساء وعاثوا قفي الأرض فساداً وسدوا كل طرق السلم والأمن والاستقرار ومارسوا ذلك ومازالوا يمارسونه بطريقة رسمية وعلى مرأى ومسمع من المنظمات الحقوقية.
إننا نبرأ إلى الله من مرتكبي هذه المجازر التي ترتكب في حق شعبنا العظيم نبرأ إلى الله من قتل الأطفال الرضع والشيوخ الركع نبرأ إلى الله من مرتكبي هذه الجرائم الشنيعة التي يرتكبها هؤلاء المجرمون السفاحون القتلة السفاكون مهما كانت المبررات ومهما كانت الأسباب فلا شيء يبرر قتل المسلمين ولا شي يبرر قتل العزل من الناس فحرمة دم المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة المشرفة فلئن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من أن يراق دم امرئ مسلم يقول الله سبحانه وتعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.
إنها مأساة شعب يتعرض للمطاردة والقتل في الشوارع والساحات والميادين والطرقات فالقتلى بالعشرات والإصابات بالمئات والقناصون يمطرون الناس بالرصاص من أعلى المنازل وأسطح البنايات حتى ضج الأطباء من هول مارأوا واندهش الصحفيون والمراسلون من عظيم ما شاهدوا وتحيروا الشرفاء من بشاعة هذه المشاهد المرعبة والصور المؤلمة.
إنها مذابح رهيبة يقوم بها بلاطجة من العسكر يظنون أن أوامر قادتهم وضباطهم ستعذرهم من تحمل المسئولية فإذا قيل لأحدهم لم فعلت هذا المنكر؟ قال أنا عبد مأمور من أمرك بارتكاب هذا الأمر والرسول صلى الله عليه وسلكم يقول " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" ومن الذي أجبرك على طلب هذه الوظيفة وسلوك هذا المسلك حتى تدعي الإكراه ومن أكرهك على النزول في هذه الحملات تضرب عباد الله وتؤذيهم ولكن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال " صنفان من أهل النار لم أرهما قط قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات ..." وهؤلاء الذين يحملون السياط ويضربون بها الناس هم الشرط الذين هم أداة الظلم بيد حكام الجور كما بيّن ذلك الإمام النووي رحمه الله في شرحه على صحيح الإمام مسلم.
والبعض من هؤلاء البلاطجة يدعي أنه ما فعل هذا إلا من أجل الرزق وطلب لقمة العيش وهذا الكلام يدل على خلل في توحيد قائله فلو كان يؤمن أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ما قال هذا الكلام إذ لا يجوز للإنسان أن يطلب الرزق عن طريق الربا أو السرقة أو الرشوة فكيف يجوز له أن يطلب الرزق بقتل الناس وظلمهم وهل لقمته أعظم حرمة من حرمة دماء المسلمين وأموالهم فليبحث له عن باب طيب من أبواب الرزق ليس فيه أذية لعباد الله فإن أغلب الناس على اختلاف أعمالهم يجدون من الدنيا أكثر مما يجد العسكري يقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليأتين عليكم أمراء يقربون شرار الناس ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن عريفاً يعني مقرباً منهم ولا شرطياً ولا جابياً -وهو محصل المال وجامعه- ولا خازنا -وهو من يحرس خزائن أموالهم-" رواه ابن حبان وحسنه الألباني.
فهذا في الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها فكيف يكون الحال مع الأمراء المبدلين للشريعة الموالين لليهود والنصارى موالاة مطلقة لأن هؤلاء الظلمة يستعملون الشرطي والعريف في ظلم الناس ويستخدمون الجابي والخازن في أكل أموال الناس ولهذا حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من العمل معهم.
إن أوامر قادتهم وضباطهم لن تعذرهم أمام الله ولن تعفيهم من تحمل إثم كل نفس أطلقوا عليها الرصاص أو أضروا بها يقول الله سبحانه وتعالى {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}.
لقد جرب النظام التونسي استعمال القوة فلم تغني عنه شيئاً وهاهم ضباطه وجنوده اليوم يحالون إلى التحقيق والمحاكمة وجرب النظام المصري الحل الأمني واستخدام المرتزقة والزج بهم للقيام بأفعال قذرة وأعمال منكرة وهاهم اليوم قد اعتبروا مجرمين قتلة لا حامي لهم ولا مدافع عنهم وجرب النظام الليبي استخدام القوة المفرطة وهاهو اليوم قد أذله الله وأخزاه وسلط عليه الظالمين فهل يعتبر هؤلاء بأولئك فاعتبروا يا أولي الأبصار.
إنهم يجرون البلاد والعباد إلى فتنة عمياء وفوضى صارمة تقضي على الأخر واليابس ويظنون أن قهر الناس وقمعهم وملاحقتهم ومطاردتهم والتلاعب بمصيرهم وتدمير البلاد وترويع العباد سيحقق أهدافهم ويثبت كراسيهم ويطيل من بقائهم في السلطة ونسوا أن هذه الأفعال الشنيعة هي التي ستعجل بهلاكهم وتقضي بزوالهم وتقرب نهايتهم يقول الله سبحانه وتعالى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} فوعده الله بأمرين جعل الله لوليه سلطاناً والأمر الثاني وعده بالنصر " إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا" {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.
الخطبة الثانية
لقد أظهر الحكام المخلوعون والذين هم في طريقهم للخلع قسوة كبيرة ووحشية رهيبة في التعامل مع شعوبهم وكأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يفضح هؤلاء الحكام الفجرة في آخر أيامهم ويريد أن يظهر ما تكنه قلوبهم وتخفيه نفوسهم من زندقة ونفاق واستهانة بالدماء واسترخاص للأرواح وما تحمله نفوسهم الشريرة وقلوبهم المريضة من استعلاء واستكبار واستهتار بدماء الناس وأموالهم وأعراضهم فبئست الأفعال أفعالهم وبئست الخاتمة خاتمتهم إن لم يتداركوا أنفسهم بتوبة قبل الموت يقول الله جل جلاله {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}.
إن هذه المجازر ليست هي المجازر الأولى فقد سبقتها جرائم ومجازر فمنذ أشهر أقدم المجرمون على اقتحام الساحات وأحرقت خيام المعتصمين فتفحمت الأجسام في مكانها وكان من بين الحرقى معوقون عجزوا عن الهروب من آلة البطش ولهيب النيران وما هي إلا خمسة أيام فقط من تلك المحرقة المروعة حتى التهمت النيران أجساد قادة الدولة وأحترق عدد وافر من زعماء السلطة فدخلت البلاد بعدها مرحلة من الغموض لم تتجل أبعادها حتى هذه اللحظة ثم ظهر الرجل هو نفس الرجل معانداً ومصراً على مقابلة التحدي بالتحدي.
لقد أراه الله عبرة فرأى الموت بين عينيه فكان جديراً به أن يحسن العمل ويكف عن الظلم ويُسلم مقاليد الحكم ولكنه أبى إلا أن يتصرف كما يتصرف الفراعنة فلا يقتنع بحوار ولا بمنطق ولا يريد أن يرى إلا مايراه هو في مصلحته {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}
كتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطاباً إلى رعيته يقول لهم فيه : " أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكُمْ عُمَّالِي ، لِيَضْرِبُوا أَبْشَارَكُمْ ، وَلا لِيَأْخُذُوا أَمْوَالَكُمْ ، وَلَكِنْ بَعَثْتُهُمْ لِيُعَلِّمُوكُمْ دِينَكُمْ ، وَسُنَّتَكُمْ ، فَمَنْ فُعِلَ بِهِ غَيْرُ ، ذَلِكَ فَلْيَرْفَعْهُ إِلِيَّ فَأَقُصَّهُ مِنْهُ ، أَلا لا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ فَتُذِلُّوهُمْ ، وَلا تَمْنَعُوهُمْ ، فَتُكْفِرُوهُمْ ، وَلا تُجَمِّرُوهُمْ فَتَفْتِنُوهُمْ ، وَلا تُنْزِلُوهُمُ الْغِيَاضَ ، فَتُضَيِّعُوهُمْ " يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".
المشاهدات 2073 | التعليقات 0