اسْتَقْبِـــلُوا ضَيْفَــــكم

راشد بن عبد الرحمن البداح
1443/08/28 - 2022/03/31 13:49PM

  الحمدُ للهِ الذِي لا يُرْجَى إلا خَيرُهُ، وَلا خالِقَ غَيرُه. له الحمْدُ على ما أعْطَى وما مَنَع، وعلى ما قَبَضَ وما بَسَطَ. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له الحقُ المبينُ. وأشهدُ أن محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه أرسلهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ، صلى اللهُ وسلم عليه تسليمًا كثيرًا. أما بعد:

فيا عبادَ اللهِ: تذكرُوا فضلَ اللهِ علينا، أنْ أعطانا مَكرُمةً ملكيةً طيلةَ السنةِ، ألا وهيَ في قولِ رَسُولِنا -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-:الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ.رواهُ مسلمٌ.

فلنؤمِّل من ربٍ كريمٍ خيرًا أنه كفَّرَ الصغائرَ السالفةَ من شوالَ الماضيَ إلى شعبانَ الحاضرَ، لكنِ الشأنُ في اجتنابِ الكبائرِ والتوبةِ منها. فاللهم تبْ علينا.

يا عبدَ اللهِ: هل تعلمُ أنكَ تستطيعُ أن تستعدَ لرمضانَ من الآنَ! كيفَ ذلكَ؟!

تستعدُ له بالفرحِ، فتؤجرُ على هذا الفرحِ، فالفرحُ عبادةٌ من عملِ القلبِ.

ألا فلنفرحْ: {بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.

والناسُ كلُ الناسِ يفرحونَ لمَقْدَمِ رمضانَ، ولأجلِ فرحِهِم يَتبادلونَ التهانيَ.

أمَا إنه قد علِمَ كلُّ أناسٍ مَشربَهم، وفرْقٌ بين قومٍ يفرحونَ برمضانَ ليَزدادوا خَيرًا، وبينَ قومٍ يَفرحونَ به ليَزدادوا إثمًا.

نعمْ! نفرحُ لأننا بعدَ سويعاتٍ بانتظارِ رمضانَ؛ فإنه يَحُلُ علينا ضيفًا ثم يكونُ هوَ المضيِّفُ. يَقْدَمُ علينا فيُقدِّم إلينا أصنافاً من الإتحافاتِ والنفحاتِ. وماذا يعنيْ أنْ تَبلُغَ رمضانَ؟ يعني أنكَ قد فُزتَ بعطاءٍ حُرمَ منه الكثيرُ ممن تخَطَفَتْهُم يدُ المَنونِ. ومَن يدري؟! فلربَما يكونُ رمضانُك هذا آخرَ رمضانٍ تشهدُه في حياتِك! {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ}[الأعراف185]

يا عبدَ اللهِ: أتدريْ لماذا تَكثرُ المسابقاتُ التجاريةُ الرمضانِيةُ؟ يُريدونَ منكَ أن تُربِحَهم وربما تَربحُ، ومع أنّ نسبةَ ربحِك وفوزِك ضعيفةٌ غيرُ مضمونةٍ، إلا أنكَ تُشاركُ وتتفاءَلُ بالفوزِ.

أمَّا اللهُ -جلَ في عُلاهُ- فإنهُ يدعوكَ للربحِ الرمضانيِ المضمونِ، حيثُ يقولُ –سبحانَه- ضِمنَ آياتِ الصيامِ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}. ألا ما أجملَهما من كلمتَينِ: {قَرِيبٌ أُجِيبُ}. فهوَ قريبٌ يَسمعُ نداءَكَ فيُجيبُ دعاءَكَ.

فتعالَوا نقتربُ من ربِنا، ونقِفُ مع أنفُسِنا؛ للمرابحةِ والمسابقةِ الرمضانيةِ:

·       أولاً: نصومُ رمضانَ كلَ عامٍ وهَمُّ أكثرِنا أن يُبرئَ ذمتَه، ويؤديَ فريضتَه. فليكنْ هَمُّنا برمضانِنا هذا تحقيقَ معنى صومِهِ (إيماناً واحتساباً) يعني تصديقًا باللهِ الوهابِ، وتحريًا لطلبِ الثوابِ. ليَغفرَ لنا ما تقدَمَ من ذنوبِنا الكثيرةِ بين رمضانَينٍ.

·       ثانيًا: لنعزمْ على عدمِ تفويتِ تكبيرةِ الإحرامِ طَوالَ الشهرِ، فأمامَك مئةٌ وخمسونَ صلاةَ فريضةٍ، فتحدَّ نفسَك ألا تصليَها كلَها إلا جماعةً بالمسجدِ.

·       ثالثًا: لنحرصْ قبلَ رمضانَ على جَدولةِ الوقتِ لختَماتٍ قرآنيةٍ. أوَما علمتَ أن الختمةَ الواحدةَ يَحصلُ بها ثلاثةُ ملايينَ حسنةٍ؟! ثم أمَا علمتَ أن قراءةَ القرآنِ بالليلِ أفضلُ من قراءتِهِ بالنهارِ؟! وكذلكَ كانَ يفعلُ نبيُك -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-.

·       رابعًا: لتتَخَلَّ عن (البخلِ) في شهرِ الكرمِ. واحرصْ أن يكونَ لك خبيئةٌ من إحسانٍ لا يَراه إلا اللهُ، والأقربونَ أولى بالمعروفِ.

·       خامسًا: نوِّعْ في دعائِكَ الذي تُؤَمّنُ عليهِ الملائكةُ وتقولُ: ولكَ بمِثْلٍ، وتعرّضْ بتضرُّعٍ لنفحاتِ ربِكَ عندَ الإفطارِ وبالأسحارِ، واطلبْ الهِباتِ في محاريبِ الخلواتِ.

·        سادسًا: كلمةُ (لَعَلَّكُم تَتَّقُون) لتكنْ على بالِكَ دَومًا، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة183] فالتقوَى مقصَدٌ رئيسٌ للصيامِ، بأن يُعبدَ اللهُ فلا يُعصَى، ويُذكرَ فلا يُنسَى، ويُشكرَ فلا يُكفَرَ.
حمدًا للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على خيرِ مصطفَى، وصحبِهِ ومن اقتفَى، أما بعدُ:

فما أكثرَ المكدراتِ الرمضانيةَ: وأشدُها النومُ عن الصلواتِ، لا سيما صلاةَ الفجرِ والعصرِ، بحجةِ الدوامِ أو الدراسةِ، فيا أيُها الشبابُ والشاباتُ: أريحُوا أهلِيكمْ إذا أيقظُوكم، ولا تزيدُوهُم رَهَقًا. واحتسِبوا دراستَكم ودوامَكم عبادةً رمضانيةً.

·       واحذرُوا تضييعَ ساعاتِ ليلِ رمضانَ بمتابعةِ فضائياتِ البغاءِ والغناءِ، والانهماكِ بالجوالاتِ، والميلِ مع حساباتِ الذين يَتبعونَ الشهواتِ.

·       ومن مكدراتِ رمضانَ: حالُ إخوانِنا المبتلَيْنَ بشُربِ الدخانِ والشيشةِ، واستفتاحُهم فطورَهم، وختُمهم سحورَهم بذلكَ البلاءِ. فإلى كلِ مبتلىً بالدخانِ والشيشةِ: ليكنْ صيامُكَ نصفَ اليومِ مُعِينًا لكَ على تركِه النصفَ الآخَرَ، ولا تقُلْ: لا أقدِرُ، فأصحابُ العزائمِ قدِرُوا، فصارَ رمضانُ لهم توبةً منه بلا رجعةٍ.

فاللهم أقبِل بقلوبِنا في رمضانَ، ومُنَّ علينا فيه بالرضوانِ.

اللهم ارحمْنا ولا تحرِمنا، اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا خَيْرَ ما عِنْدَكَ بِشَرِّ ما عِنْدَنَا.

اللَّهُمَّ صُبَّ عَليْنا الخَيْر صَبَّا صَبَّا، ولا تَجْعَل عَيْشَنَا كَدَّا كَدَّا.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أعْمَارِنَا أواخِرَهَا، وخَيْرَ أعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا.

اللهم كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ فلاَ تَنْزِعْهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحن مُسْلِمون.

اللهم واحفظْ علينا دينَنا، وأعراضَنا، وباركْ في أرزاقِنا واقضِ ديونَنا.

الحمد لله على دفع الْوَبَاءِ وتخوُّناتِ الأعداءِ.

اللَّهُمُّ اِحْفَظْ بِلَادَنَا بِالْأَمْنِ وَالْإيمَانِ وبالسَّلامَةِ والإسلامِ. واحْفَظْ مَلِكَنَا ووَلِيَّ عَهْدِهِ وَسَدِّدْهُم وَارْزُقْهُم بِطَانَةً صَالِحَةً نَاصِحَةً.

اللهم يا ذا النعمِ التي لا تُحصَى عددًا نسألكَ أن تصليَ وتسلمَ على محمدٍ أبدًا.

المرفقات

1648734559_استقبلوا ضيفكم.doc

1648734559_استقبلوا ضيفكم.pdf

المشاهدات 1473 | التعليقات 0