استقبال شهر رمضان

عبدالرحمن سليمان المصري
1446/08/27 - 2025/02/26 19:31PM

استقبال شهر رمضان

الخطبة الأولى

الحمدُ للهِ الذي مَنَّ على عبادهِ بمواسمِ الخيراتِ ؛ ليغفرَ لهمْ الذُّنوبَ ويُكفِّر عنهمْ السيئاتِ ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :

أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ النساء : 131 .

عباد الله: قدْ أظلكمْ شهرٌ عظيمٌ ، وموسمٌ كريمٌ ، شَهْرُ الخَيْراتِ والبركاتِ، شَهْرُ المِنَح والْهِبَات ، شهرٌ مَحْفُوفٌ بالرحمةِ والمغفرةِ والعتقِ من النارِ ، ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ البقرة : 185، قال صلى الله عليه وسلم " إِذَا كَانَتْ ‌أَوَّلُ ‌لَيْلَةٍ ‌مِنْ ‌رَمَضَانَ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَنَادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ " رواه ابن ماجة وصححه الألباني.

 

عباد الله : والمؤمنُ يفرحُ بحلولِ شَهرِ رَمضانَ ، لأنَّ إدراكَهُ فضلٌ منَ اللهِ تعالى ، وكانَ ﷺ  يُبشرُ أصحَابَهُ ويقول : " قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ ، افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، ‌مَنْ ‌حُرِمَ ‌خَيْرَهَا ، ‌فَقَدْ ‌حُرِمَ " رواه أحمد وصححه الألباني. ‌

 قال ابن رجب رحمه الله : هَذا ‌الحديثُ ‌أصلٌ ‌في ‌تَهنئة ‌النَّاسِ ‌بَعضَهُم ‌بَعضاً ‌بِشهرِ ‌رمضانَ .

عباد الله : وينبغي على المسلمِ استقبالُ رمضانَ بالنيِّةِ الصَّادقةِ ، بِالعزمَ على عِمارةِ الأوقاتِ بالطاعاتِ ، بعد معرفَةِ أنواعِ الطاعاتِ في رمضانَ ، لِتكونَ حاضِرَةً في نِيَّةِ العبدِ ليؤجرَ عليها ؛ قال صلى الله عليه وسلم :" ‌فَمَنْ ‌هَمَّ ‌بِحَسَنَةٍ ‌فَلَمْ ‌يَعْمَلْهَا ، ‌كَتَبَهَا ‌اللهُ ‌لَهُ ‌عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً ، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا ، كَتَبَهَا اللهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ ، إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ ، إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ " رواه البخاري.

ويستقبلُ رمضانَ ؛ بدُعاءِ اللهِ وسُؤالِهِ بأنْ يُعيننا على صيامِهِ وقيامِهِ، والحرصِ على التوبةِ الصَّادقةِ ، منْ جميعِ الذُّنوبِ والخطايا ، وأنْ نُخْلِصَ لِله تعالَى فيهِ ، فنعتقِدَ أنَّ صيامَهُ فريضةٌ لا عادَةٌ، ونَطْلُبَ ثَوَابَ الصِيَامِ مِن اللهِ جلَّ وعلَا ، قال صلى الله عليه وسلم :" ‌مَنْ ‌صَامَ ‌رَمَضَانَ ‌إِيمَانًا ‌وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " رواه البخاري.

عباد الله : وقدْ خَصَّ اللهُ هذا الشهرَ بالكثيرِ من الخصائِصِ ، فالصَّومُ سِرٌّ بينَ العبدِ وربِّهِ ،  وأَجرُهُ مُضاعفٌ بلا حَدٍّ ، وثوابُهُ ممدودٌ ، بلا حَصرٍ أو عَدٍّ ،  " كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ ، ‌إِلَّا ‌الصَّوْمَ ، ‌فَإِنَّهُ ‌لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ " رواه البخاري .فالحسنةُ بعَشْرِ أمثالها إلى سَبْعِمائة ضعفٍ ، إلى أضعاف كثيرةٍ ، أمَّا الصَّوم فإِنَّ اللهَ أضافَ الجزاءَ إلى نفسهِ الكريمةِ ، والعطيَّةُ بقدرِ مُعْطِيها.

‌" والصَّوْمُ ‌جُنَّةٌ  -أي وقايةٌ منَ النَّار-  " رواه أحمد ، و " ‌مَنْ ‌صَامَ ‌يَوْمًا ‌فِي ‌سَبِيلِ ‌اللهِ ، ‌بَاعَدَ ‌اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا " رواه مسلم .  ، و"  ‌لِلصَّائِمِ ‌فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ " رواه مسلم . ،" وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ ، ‌أَطْيَبُ ‌عِنْدَ ‌اللهِ ‌مِنْ ‌رِيحِ ‌الْمِسْكِ " رواه البخاري.

وللصائمِ دعوةٌ مستجابةٌ "،  والصومُ يشفع للعبدِ يومَ القيامة  " يَقُولُ رَبِّ ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، ‌فَشَفِّعْنِي ‌فِيهِ " رواه أحمد وصححه الألباني.، و " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " رواه البخاري.، وفيه ليلة القدر ، خير من ألف شهر ،  " وَلِلَّهِ ‌عُتَقَاءُ ‌مِنَ ‌النَّارِ، وَذَلكَ كُلّ لَيْلَةٍ " رواه الترمذي وصححه الألباني.

عباد الله : ومن أعظمِ ما يجبُ على المسلمِ فعلُهُ في رمضانَ ، أداءُ حُقوقِ اللهِ تعالى وحُقوقِ عِبادهِ ،  من المحافظةِ على الصلواتِ ، والتبكيرِ للجُمَعِ والجماعَاتِ ، والحرصِ على صلاةِ التراويحِ معَ الإمامِ ، وإطعامِ الطعامِ ، والإكثارِ من نوافلِ الذِّكرِ ، والصدقةِ وقراءةِ القرآنِ .

وأداءِ حُقوقِ العبادِ ، وأَوَّلُها حُقوقُ الوالدينِ والأرحامِ ، وتَصفيةِ النُفُوسِ من الضغائنِ والأحقادِ ، ورَدِّ الحقوقِ والمظالمِ لأَصحابِها ، وتَطهيرِ الأموالِ منَ الحرامِ ، والتَّقربِ إلى اللهِ تعالى بِأَداءِ واجبِ الوظيفةِ الموْكَلَةِ إِليهِ ، وإِنجازِ أَعمالِ الناسِ وقَضَاءِ حَوائِجِهِم ، والعَفوِ عنْ مُخطئهم ، فَهذهِ حَقيقةُ التَقوَى ، وهيَ مِنْ أجلِّ الحِكَمِ التي شُرعَ لأجلهَا الصيامُ .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  ﴾البقرة :183.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.                                             

 

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ على إِحسانهِ، والشكرُ لهُ على توفيقهِ وامتنانهِ ، وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسولهُ ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا .        أما بعد :

 

عباد الله : رمضانُ شهرُ البركةِ ، والمغفرةِ والعتقِ من النارِ ، يَغشاكُمْ اللهُ فيهِ برحمتهِ ، فَيَحُطُّ الخَطَايَا، ويَستجِيبُ الدعاءَ ، ويَنظرُ إلى تنافُسِكمْ فيهِ ، ويُباهِي بِكُمْ ملائكتَهُ ، فَأَرُوا اللهَ من أنفسكمْ خيراً، فإنَّ الشقيّ من حُرمَ رَحمةَ اللهِ.

عباد الله : إنَّ إدراكَ رمضانَ نعمةٌ منَ اللهِ تعالى على خلقِهِ ، فكمْ من أُنَاسٍ كانُوا مَعَنَا في العامِ الماضِي ، ممّنْ أمَّلُوا أن يَصُومُوا هذا الشهرَ ، فسَبَقَ عليهِمْ الكتابُ  ؛  فَصَاروا إلى ظُلْمَةِ القَبْرِ ، فالواجبُ على المسلمِ استشعارَ هذهِ النعمةِ ، واغتنامَ هذهِ الفُرصةِ ، ليكونَ حالُهُ في رمضانْ ، أفضلَ من حالِهِ قبلَ رمضانْ ، فالمحرومُ من حُرِمَ فَضلَ هذا الشهرِ ، ‌وفي الحديثِ:" رَغِمَ ‌أَنْفُ ‌رَجُلٍ ‌دَخَلَ ‌عَلَيْهِ ‌رَمَضَانُ ،  ‌ثُمَّ ‌انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ " رواه الترمذي وصححه الألباني .

"وجاءَ جبريلُ عليهِ السلامُ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  فقالَ : يَا مُحمدْ منْ أدركَ رمضانْ فلمْ يُغفرْ لهُ ، فَأبعدَهُ اللهُ فَدخلَ النَّارَ ، قُلْ : آمينَ ، فقالَ : آمينَ " رواه ابن حبان وصححه الألباني.

فهذا دُعاءٌ منْ أَفضلِ الملائكةِ أَمَّنَ عليهِ أَفضلَ الخلقِ  ، على منْ دَخلَ عليهِ رَمضانْ ثُمَّ خَرجَ ولمْ يَكنْ منَ المَغفُورِ لهمْ ؛ وما ذاكَ إِلَّا لأَنَّ اللهَ هيَّأَ لهُ أسباباً كثيرةً للمغفرةِ ، منْ أولِ يومٍ في الشَّهرِ ، إلى آخرِ يومٍ ، فلمْ يِستغِّلَ واحدةً مِنها .

قال تعالى:﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾آل عمران:30

‌اللَّهُمَّ ‌سَلِّمْنَا ‌لِرَمَضَانَ، وَسَلِّمْهُ لَنَا، وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا متقبلاً يا أرحمَ الراحمينَ .

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ .

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

    

المشاهدات 585 | التعليقات 0