استقبال رمضان

د صالح بن مقبل العصيمي
1436/08/29 - 2015/06/16 16:20PM
خطبة استقبال رمضان
الخطبة الأولى
الْحَمْدُ لِلهِ ذِي الْفَضْلِ وَالْإِنْعَامِ، أَوْجَبَ الصِّيَامَ عَلَى أُمَّةِ الْإِسْلَامِ، وَجَعَلَهُ أَحَدَ أَرْكَانِ الِّدِينِ العِظَامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَفْضَلُ مَنْ صَلَّى وَصَامَ، وَخَيْرُ مَنْ أَطَاعَ أَمْرَ رَبَّهِ وَاسْتَقَامَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ البَرَرَةِ الْكِرَامِ، وَسَلَّمَ تَسْليِماً كَثِيراً .
أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ،وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ،وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
عِبَادَ اللهِ، رَمَضَانُ شَهْرٌ عَظِيمٌ، اخْتَصَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالصِّيَامِ، وَجَعَلَ صِيَامَهُ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، قَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،: " بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ : شِهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَقَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، :" إِنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ صِيَامَ رَمَضَانَ، وَسَنَنْتُ لَكُمْ قِيَامَهُ، مِنْ صَامَهُ وَقَامَهُ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً؛ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أمُّهُ " [ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ ]. وَقَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،:" مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَيَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ هَذَا الشَّهْرَ الْعَظِيمَ بِالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ، وَالْغِبْطَةِ وَشُكْرِ الرَّبِ الْغَفُورِ، الَّذِي وَفَّقَهُ لِبُلُوغِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَجَعَلَهُ مِنَ الأَحْيَاءِ الصَّائِمِينَ القَائِمِينَ، الَّذِينَ يَتَنَافَسُونَ فِيهِ بِصَالِحِ الأَعْمَالِ.
عِبَادَ اللهِ، شَهْرُكُمْ هَذَا شَهْرٌ عَظِيمُ الْخَيْرَاتِ، كَثِيرُ الْبَرَكَاتِ، فِيهِ فَضَائِلُ عَدِيدَةٌ، وَفَوَائِدُ جَمَّةٌ، يَنْبَغيِ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَغْتَنِمَهَا وَيَقْتَنِصَهَا .قَالَ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،:"إِذَا كَانَتْ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ؛ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّم؛ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ،وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ، وَيُنَادِي مُنَادٍ : يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِ أَقْصِرْ، وَلِلهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ " [ رَوَاهُ البُخَاريُّ ومسلمٌ ] . وَقَالَ ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آَدَمَ لَهُ، الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعَمَائَةِ ضِعْفٍ، إِلاَّ الصَّوْمَ؛ فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهْ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلْصَائِمِ فَرْحَتَانِ، فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهْ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ " [ متفقٌ عَلَيْهِ ]،وَقَالَ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،: " إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ "[ رَوَاهُ البُخَاريُّ وَمُسْلِمٌ ] .
إِنْ شَهْرًا هَذِهِ بَرَكَاتُهُ وَهِبَاتُهُ؛ حَرِيٌ بِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ، وَاجْتِنَابِ الْـمَعْصِيَاتِ، وَأَنْ يُقبِلَ عَلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ، وَأَنْ يَرُدَّ الْمَظَالِمَ إِلَى أَهْلِهَا، وَأَنْ يُبْرِئَ نَفْسَهُ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَمَعْصِيَةٍ، وَيَنْتَهِزَ هَذِهِ الْفُرْصَةَ الْعَظِيمَةَ، فَيَجْتَهِدَ فِي الَعْبِادَةِ؛ حَتَى يَأْلَفَهَا مَدَى عُمُرِهِ، وَطُولَ أَجَلِهِ . وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُجَاهِدَ نَفْسَهُ فَيَمْنَعَهَا عَمَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الصِّيَامِ هُوَ التَّقْوَى وَطَاعَةُ الْمَوْلَى، وَتَعْظِيمُ حُرُمَاتِهِ سُبْحَانَهُ، وَكَسْرُ هَوَى النَّفْسِ، وَتَعْوِيدُهَا عَلَى الصَّبْرِ؛ فَهُوَ ضِيَاءٌ، وَأَجْرٌ عَظِيمٌ، وَمَثُوبَةٌ كُبْرَى. وَلَيْسَ مَقْصُودُ الصِّيَامِ تَرْكَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَسَائِرِ الْمُفْطِّرَاتِ فَقَطْ؛ بَلْ تَرْكُ الْـمُحَرَّمَاتِ وَاِجْتِنَابُهَا . قَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،:"الصِّيَامُ جَنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ ، فَلَا يَرْفَثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ ، أَوْ قَاتَلَهُ؛ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ "، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ . وَقَالَ ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،:" مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، وَالْعَمَلَ بِهِ، وَالْجَهْلَ؛ فَلَيْسَ لِلَهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ . وَيَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَحْذَرَ مِمَّا حَرَّمَهُ اللهُ عَلَيْهِ؛ كَيْ لَا يُنْقِصَ أَجْرَ صَوْمِهِ، أَوْ يُذْهِبَهُ بِالْكُلِّيَةِ، وَخَاصَّةً مَا فُتِنَ بِهِ أَهْلُ عَصْرِنَا هَذَا مِنَ الْمُـسَلْسَلَاتِ الْمَـاجِنَةِ، وَالْأَفْلَامِ الْخَلِيعَةِ . وَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَحْرِصَ فِي هَذَا الشَّهْرِ أَنْ يَبِـرَّ وَالِدَيْهِ، وَأَنْ يَصِلَ رَحْمَهُ، وَأَنْ يَتَعَاهَدَ إِخْوَانَهُ: الْفُقَرَاءَ، وَالْمُحْتَاجِينَ، وَالْمُنْكَسِرِينَ، وَالْمِعْوِزِينَ، وَالْأَرَامِلَ، وَالْأَيْتَامَ، وَأَنْ يُحْسِنَ إِلَى جِيرَانِهِ، وَيَتَعَاهَدَهُمْ بِالزِّيَارَةِ، وَالنُّصْحِ، وَالتَّوْجِيهِ، وَالْإِرْشَادِ، فَهُوَ فِي شَهْرِ الْجِنَانِ، وَالْبُعْدِ عَنِ النِّيرَانِ، شَهْرِ الْإِقْباَلِ عَلَى الْحَسَنَاتِ وَالطَّاعَاتِ، وَالْبُعْدِ عَنِ السَّيِئَاتِ وَالْمَعْصِيَّاتِ . وَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُكْثِرَ فِيهِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَالْخَيْرِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِتَدْبُّرٍ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالْإِكْثَارِ مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، مِنْ: تَسْبِيحٍ، وَتَحْمِيدٍ، وَتَهْلِيلٍ، وَتَكْبِيرٍ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:كَانَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ :" قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ؛ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، كَتَبَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ ، فِيهِ تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَتُغْلَقُ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ ، وَتُغَلُّ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ .
جَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ بِالْبَرَكَاتِ ***** فَأَكْرِمْ بِهِ مِنْ زَائِرٍ آَتِ
شَهْرُ رَمَضَانَ؛ شَهْرُ الصِّيَامِ، وَالْقِيَامِ، وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَشَهْرُ الْعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، وَشَهْرُ الْغُفْرَانِ، شَهْرُ الصَّدَقَاتِ وَالْإِحْسَانِ. الشَّهْرُ الَّذِي تُقَالُ فِيهِ الْعَثَرَاتُ، وَتُجَابُ فِيهِ الدَّعَوَاتُ ، وَتُرْفَعُ فِيهِ الدَّرَجَاتُ، وَتُزَادُ فِيهِ الْحَسَنَاتُ، وَتُغْفَرُ فِيهِ السَّيِّئَاتُ . وَيَا خَسَارَةَ مَنْ خَرَجَ رَمَضَانُ وَلَمْ يَسْتَزِدْ فِيهِ مِنَ الصَّالِحَاتِ ! وَيَا نَدَامَةَ مَنْ خَرَجَ رَمَضَانُ وَلَمْ يَتَمَسَّكْ فِيهِ مِنَ الدِّينِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ! وَيَا لَـهَفًا عَلَى مَنْ خَرَجَ رَمَضَانَ وَحَالُهُ كَمَا هِيَ قَبْلَ رَمَضَانَ؛ مِنْ: ذُنُوبٍ وَعِصْيَانٍ، وَكَسَلٍ، وَتَقْصِيرٍ، وَتَفْرِيطٍ ! شَهْرُ رَمَضَانَ؛ شَهْرٌ يَـجُودُ اللهُ فِيهِ سُبْحَانَهُ عَلَى عِبَادِهِ بَأَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ وَالْكَرَامَاتِ، وَيُـجْزِلُ فِيهِ سُبْحَانَهُ لِأَوْلِيَائِهِ الْعَطَايَا ، وَيَعْفُو فِيهِ عَنْ الرَّزَايَا . فَيَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ تَعْظِيمُهُ بِالنِّيَةِ الصَّالِحَةِ، وَالْاِجْتِهَادِ فِي حِفْظِ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَالْمُسَابَقَةِ إِلَى الْخَيْرَاتِ ، وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى الطَّاعَاتِ؛ لِيَفُوزَ الْمُسْلِمُ بِالْكَرَامَةِ وَالْأَجْرِ الْعَظِيمِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ .
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبً فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ












الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى .
عِبَادَ اللهِ، الصِّيَامُ يُعَلِّمُ الْمُسْلِمَ حُسْنَ الْخُلُقِ ، وَحُسْنَ التَّصَرُّفِ مَعَ النَّاسِ ، وَبَشَاشَةَ الْوَجْهِ ، وَطَلَاقَةَ الْمُحَيَّا ، لِأَنَّ الصِّيَامَ يُضَيِّقُ مَجَارِي الشَّيْطَانِ مِنْ ابْنِ آَدَمَ ، فَيَكُونُ الصَّائِمُ طَيِّبَ الْكَلَامِ ، يَتَحَمَّلُ مَا يَأْتِيهِ مِنْ شَتَائِمَ وَسُبَابٍ ، وَإِذَا شُتَمَ أَوْ تَعَرَّضَ لِلْسَبِّ ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ بِقَوْلِهِ : " إِنِّي امْرؤٌ صَائِمٌ " أَوْ : " إِنِّي صَائِمٌ " لِقَوْلِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،: "فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ؛ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ " ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
عِبَادَ اللهِ، لَيْسَتْ لَيَالِى شَهْرِ رَمَضَانَ لَيَالِي أَكْلٍ، وَشُرْبٍ،وَسَهَرٍ، وَنَوْمٍ، وَلَهْوٍ ، وَمُشَاهَدَةٍ لِلْفَضَائِيَّاتِ؛ بَلْ هِيَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ؛ فَهِيَ لَيَالِي شَهْرِ الصَّبْرِ، وَتَرْوِيضِ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ، وَكَبْحِ جِمَاحِهَا، وَكَسْرِ شَهَوَاتِهَا، وَكَبْتِ مَلَذَّاتِهَا . شَهْرُ رَمَضَانَ؛ شَهْرٌ أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ الْقُرْآنَ ، فَهُوَ شَهْرُ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ؛ فَيَنْبَغِي عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْتَزِيدَ فِيهِ مِنَ الطَّاعَاتِ، وَأَنْ يُكْثِـرَ فِيهِ مِنَ الْحَسَنَاتِ؛ بِتِلَاوَةِ كِتَابِ اللهِ الْعَزِيزِ، آَنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، وَعَلَى الْمُسْلِمِ الصَّادِقِ الَّذِي عَرَفَ الْغَايَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ أَنْ يُكْثِرَ فِيهِ مِنْ خَتْمِ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ عَلَيْهِ، مِنْ مُشَاهَدَةِ الْمُحَرَّمَاتِ عَبْرَ الشَّاشَاتِ، أَوْ سَمَاعِهَا عَبْرَ الْإِذَاعَاتِ، وَكَذَلِكَ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ تُوَزِّعَ أَوْقَاتِـهَا، فَلَا تَقْضِيهَا بَيْنَ جُدْرَانِ الْمَطْبَخِ فَقَطْ ، لِتَتَفَنَّنَ فِي أَنْوَاعِ الطَّهْيِ وَالطَّعَامِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَخْلُدُ لِلْرَاحَةِ،وَمُشَاهَدَةِ الْمُحَرَّمَاتِ، ثُمَّ تَعُودُ لِتُزَاوِلَ مِهْنَةَ الطَّهْيِ لِلْسُحُورِ ؛ فَالْمَرْأَةُ الْعَاقِلَةُ هِيَ الَّتِي تَعْرِفُ كَيْفَ تَجْعَلُ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرَ عِبَادَةٍ وَتَقْوَى، وَطَاعَةٍ لِلْمَوْلَى جَلَّ وَعَلَا ، فَتُوَزِّعُ الْأَوْقَاتِ؛فَتُبَكِّرُ بإِعْدَادِ الطَّعَامِ، ثُمَّ تجْـعَلُ وَقْتًا لِقِرَاءَةِ كِتَابِ رَبِّهَا ، أَوْ تَسْتَمِعُ لِلْأَشْرِطَةِ وَالْمَوَاعِظِ، وَوَقْتًا تَـجْلِسُ فِيهِ مَعَ رَبِّ الْأُسْرَةِ وَالْأَوْلَادِ؛ لِدِرَاسَةِ الْقُرْآنِ، وَبَعْضِ أَحْكَامِ الصِّيَامِ، مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي تُعْنَى بِذَلِكَ؛ كَفَتَاوَى هَيْئَةِ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ. وَعَلَى الْمُسْلِمَةِ أَنْ تَحْذَرَ فِي هَذَا الشَّهْرِ مِنَ الْقِيلِ وَالْقَالِ، وَكَثْرَةِ الزِّيَارَاتِ الَّتِي لَا فَائِدَةَ فِيهَا، وَلَا طِائِلَ مِنْهَا . وَاللهَ أَسْأَلُ أَنْ يُؤَلِّفَ قُلُوبَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَـجْعَلَهُمْ إِخْوَةً مُتَحَابِّينَ، وَأَنْ يَهْدِيَهُمْ سُبلَ السَّلَامِ، وَيُـخْرِجَهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا جَمـِيعًا العِلْمَ النَّافِعَ، وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ، وَأَنْ يُتِمَّ عَلَيْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ وَنَحْنُ بِصِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ ، وَالْإِسْلَامُ مِنْ نَصْرٍ إِلَى نَصْرٍ وَقَدْ أُقِرَّتْ أَعْيُنُنَا بِعَوْدَةِ أَرَاضِي الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ .
الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ،وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، «اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمُةُ أَمْرِنَا،وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا،وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ»( ). اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.


المرفقات

مَشْكُولَةٌ.docx

مَشْكُولَةٌ.docx

غير مشكولة .docx

غير مشكولة .docx

المشاهدات 2349 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا