استقبال رمضان 1438هـ

استقبال رمضان 1438هـ

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله اللطيف الرؤوف العظيم المنان، الكبير القدير القديم الديان، الغني العلي القوي السلطان، الحليم الكريم الرحيم الرحمن، الأول فالسبق لسبقه المنعم فما قام مخلوق بحقه الموالي بفضله على جميع  خلقه، جل عن شريك وولد وعز عن الاحتياج إلى أحد وتقدس عن نظير وانفرد، أنشأ المخلوقات بحكمته وصنعها وفرق الأشياء بقدرته وجمعها ودحا الأرض على الماء وأوسعها والسماء رفعها ووضع الميزان، يعز ويذل ويفقر ويغني ويسعد ويشقي ويبقي ويفني ويشين ويزين وينقض ويبني (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)، قدر التقدير فلا راد لحكمه وعلم سر العبد وباطن عزمه؛ (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ)، ثبت الأرض بالجبال الرواسي في نواحيها وأرسل السحاب بمياه تحييها وقضى بالفناء على جميع ساكنيها؛ (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ)، من خدمه طامعاً في فضله نال ومن لجأ إليه في رفع كربه زال.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا أفضل خلقه وبريته، المقدم على الأنبياء ببقاء معجزته، الذي انشق الإيوان ليلة ولادته..

 

عباد الله: قال الله -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)؛ فالتقوى هي مقصد الصوم، والصوم نوعان: صوم الظاهر، وصوم الباطن؛ فصوم الظاهر عن المفطرات الحسية، وصوم الباطن عن المفطرات المعنوية.

 

والمفطرات الحسية كالصوم والشرب وما في حكمهما؛ كالإبر المغذية والجماع والحجامة ونحو ذلك مشهورة وتكلم فيها الفقهاء كثيراً، والمفطرات المعنوية التي قال الله -تعالى- فيها: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، وفسّرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"؛ فالله -تعالى- لا حاجة له في أن يعطش الناس ولكنه -سبحانه- يريد أن يربيهم على صلاح القلب؛ كما قال سبحانه في الهدي والأضاحي: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش"؛ أي أنه أدى الصوم الحسّي ولم يؤد الصوم المعنوي الغائي.

وكلا النوعين ضروريان ولا يتم صوم أحدنا إلا بهما، بل كل منهما يعتمد على الآخر؛ فلا يمكن قبول صوم الإنسان معنوياً إلا إذا صام حسياً، فلا يقبل أن يمسك الإنسان عن قول الزور والعمل به وهو يأكل ويشرب في نهار رمضان، ويقول أنا نظرت إلى مقصد الصوم وغايته؛ فهذا صوم باطل مردود على صاحبه، وكذلك لا يؤجر مسلم لم يصم عن اللغو والفحش والزور وإن أمسك عن الطعام والشراب.

 

عباد الله: كيف أصوم معنوياً؟

بترك اللغو وهو شهوة السمع؛ قال سبحانه: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)، وحسبنا الله على القنوات والمؤسسات التي تركز حفلاتها في رمضان بالغناء والرقص وقلة الحياء، ويقولون حفلات خيرية بمناسبة رمضان!!

 

وهل حفلات الاختلاط والعري فيها خير أصلاً، وأذكر إخواني الذين يضعون سماعات الجوالات في آذانهم طويلاً أن يشغلوها بالقرآن الكريم في شهر القرآن؛ فإنه بركة للجسد والقلب.

 

بترك قول الزور وهو شهوة اللسان؛ قال سبحانه: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا بلى يا رسول الله؛ قال: ألا وقول الزور وشهادة الزور".

 

ومن قول الزور التذمر من الصوم وطول النهار وحرارة الجوّ؛ فإنه اختبار للمسلم الحقيقي من غيره؛ عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث أبا موسى على سرية في البحر، فبينما هم كذلك، قد رفعوا الشراع في ليلة مظلمة، إذا هاتف فوقهم يهتف: يا أهل السفينة! قفوا أخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه؛ فقال أبو موسى: أخبرنا إن كنت مخبراً؛ قال: إن الله -تبارك وتعالى- قضى على نفسه أنه من أعطش نفسه له في يوم صائف، سقاه الله يوم العطش.(رواه البزار بسند حسن).

 

بترك البدع وهو شهوة العقل؛ قال سبحانه: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)؛ أي طهر قلبك من الشرك وأبوابه.

 

بترك الهمّ بالمعصية وهو شهوة القلب؛ قال سبحانه: (فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ * فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ)؛ فعاقبهم الله -تعالى- بنيتهم الفاسدة من عدم الصدقة، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة، ومن هم بها فعملها كتبت له سيئة".

 

بترك أكل الحرام وهو شهوة البطن؛ قال سبحانه: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)، وذكر -صلى الله عليه وسلم- رجلاً أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له؟!

وليس الآكل وحده يعاقب بل من تسبب في أكل الحرام؛ كالمستورد للأكل والمجهز له وشاريه وبائعه؛ فكل أولئك تسببوا في إفساد صيام الناس ودعائهم.

 

فإذا حقق المسلم ذلك بأن صام عن المفطرات الحسية والمعنوية فقد استوجب أجر الصيام بإذن الله -تعالى-.

 

قلت ما سمعتم ولي ولكم فاستغفروا الله ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه؛ أما بعد:

 

عباد الله: والنية في أول رمضان ويجب تجديدها كل ليلة؛ قال صلى الله عليه وسلم: "من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له"، وعبادة صوم أيام رمضان تتعلق بكل يوم، ونتذكر إخواننا المرابطين في الحد الجنوبي في شهر رمضان فندعو الله أن يعينهم ويسددهم ويحفظهم.

 

عباد الله: (إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، وقال صلى الله عليه وسلم؛ "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة"، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فأكثروا علي من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي"، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

 

اللهم أمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل هذا البلد آمناً مباركاً وجميع بلاد المسلمين.

 

اللَّهُمَّ إنَّا نَسْألُكَ مُوجِباتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزائِمَ مَغْفِرَتِكَ، والسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إثمٍ، والغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، والفَوْزَ بالجَنَّةِ، والنَّجاةَ مِنَ النَّارِ.

 

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل بلادنا آمنةً مطمئنة وسائر بلاد المسلمين.

المشاهدات 78 | التعليقات 0