استقبال رمضان للشيخ الزومان

ابراهيم السعدي
1433/08/28 - 2012/07/18 22:02PM

إنَّ الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونَعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأرْحَامَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].

أمَّا بَعْدُ:
فإنَّ خَيرَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وخَيرَ الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالةٌ.

بين أيدينا شهرٌ عظيم افترض الله عليْنا صيامه، ورغَّبنا نبيُّنا في قيامه، فهو موسم من مواسم الآخِرة، فالرَّابح منِ اشتغل فيه بما ينفعه ويقرِّبُه إلى ربِّه، والمغْبون من استمرَّ على غفلتِه وتقصيره، فخرج الشهر ولم يزْدَدْ من ربِّه قربًا.

فرض الله عليْنا الصِّيام لحصول التَّقوى، فالصِّيام أعظم ما يُستعان به على تقوى الله؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

فالصيام في حدِّ ذاته تحصُل به التَّقوى، فإذا امتثل المسلِم والمسلمة أمْرَ ربِّهما فصاما حصلتْ لهما التَّقوى، وذلك حين يمتثلان أوامر الله بالصيام واجتِناب نواهي الصيام.

وتحصُل التقوى بتقوية مراقبة الله في السِّرِّ والعلن، فالصائم يترك نواهيَ الصيام ولو أراد لأتاها، فبالصِّيام يتعلَّم الصَّائم كيف يترفَّع عن حظوظ النَّفس، ويترك الملاذَّ التي تهواها النَّفس بطبعها؛ رغبة في ثواب الله، وخشية من عقابه.

والصِّيام مظنَّة كثرة الطَّاعات؛ من صلاةٍ وذِكْر وصدقة وغير ذلك، فهذه من خصال التَّقوى.

فالحِكْمة من إيجاب صيام رمضان حصولُ التَّقوى، ومُجاهدة النفس في طاعة الله؛ فعلاً للمأمورات، وتركًا للمنهيَّات.

ومن الخطأ الَّذي يقع فيه البعضُ منَّا حينما يظنُّ أنَّ الحِكْمة من الصيام مجرَّد الإمساك عن المفطرات، فتجِده في رمضان وفي غيرِه على حالة واحدة، مكبًّا على المعاصي، مفرطًا في الواجبات، فهذا لَم يفقهْ حقيقة الصِّيام، وقد أشار النَّبيُّ إلى هذا الصِّنْف من النَّاس؛ فعَن أبي هُرَيْرة - رضِي الله عنْه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((مَن لَم يدَع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدعَ طعامه وشرابه))؛ رواه البخاري (1903).

فعجبًا لصائم يُمسك عن الأكل والشرب في نهار رمضان - والأصْل فيهما الإباحة في غير نهار رمضان - ويستمرُّ على المحرَّمات المحرَّمة مطلقًا في نهار رمضان وفي ليلِه وفي سائر الأيَّام! فهذا الصَّائم لَم يفهم الحكمة من مشروعيَّة الصيام.

عباد الله:
حينما فرض عليْنا ربُّنا صيام رمضان، فرَضه لرفعة درجاتِنا، وتكفير سيئاتنا، فلنستشْعِر التَّعبُّد لله بالصِّيام، ولنحتسبِ الأجْرَ عند الله فيما يُصيبُنا من عطشٍ وجوعٍ، ولا نتثاقل شهر رمضان ونراه عبئًا نتمنَّى رحيلَه؛ فعن أبي هُريرة قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))؛ رواه البخاري (38) ومسلم (683).

في الصيام الصَّبر، ففيه الصَّبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصَّبر على أقدار الله المؤلمة، فناسب أن يكونَ الجزاء عظيمًا، فالصَّائم داخل في عموم قول ربِّنا - تبارك وتعالى -: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].

ويقول الله - عزَّ وجلَّ - في الحديث القدسي: ((كل عمل ابن آدم يضاعف، الحَسَنَةُ عَشْرُ أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله - عزَّ وجلَّ -: إلاَّ الصوم، فإنَّه لي وأنا أَجزي به؛ يدع شهوتَه وطعامَه من أجلي))؛ رواه البخاري (1894)، ومسلم (1151).

شهر رمضان شهْر القُرآن، ففيه نزل: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185]، فكان من هدْي النَّبيِّ أنَّه يخصُّ هذا الشهر بعنايته بالقرآن؛ فعن ابن عباس قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجودَ النَّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كلِّ ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلَرسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أجودُ بالخير من الريح المرسلة"؛ رواه البخاري (6) ومسلم (2308).

فلنعتنِ بالقُرآن في هذا الشهر؛ تلاوةً وحفظًا ومدارسةً، وكان النَّبيُّ يعرض القرآن على جبريل في ليالي رمضان، فليكُن لنا نصيب من التِّلاوة في ليالي رمضان، فالمشاهَد مِنْ حال الكثير أنَّه يخص التِّلاوة بالنَّهار دون الليل.

شهر رمضان شهر القِيام، فشرع النَّبيُّ لأمَّتِه قيام ليالي رمضان بفعله، فصلَّى بأصحابه ليالي من رمضان، ثمَّ ترك الصَّلاة خشية أن تفرض الصَّلاة على الأمَّة، وحثَّ أمَّته على قيام رمضان؛ عن أبي هريرة أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه))؛ رواه البخاري (37)، ومسلم (759).

ولنحرصْ أن نُحافظ على أن نصلِّي هذه الصَّلاة كاملة مع الإمام، ليكتب لنا قيام ليلة؛ فعن أبي ذر قال: صُمْنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمضان، فلم يَقُم بنا شيئًا من الشَّهر، حتى بقي سبع فقام بِنَا حتَّى ذهب ثلث اللَّيل، فلمَّا كانت السَّادسة لَم يقُم بِنَا، فلمَّا كانت الخامسة قام بنا حتَّى ذهب شطر اللَّيل، فقلتُ: يا رسولَ الله، لو نفلْتنا قيام هذه الليلة! قال: فقال: ((إنَّ الرَّجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة))، قال: فلمَّا كانت الرَّابعة لم يقم، فلمَّا كانت الثالثة جَمَع أهلَه ونساءَه والنَّاس فقام بنا حتَّى خشِينا أن يفوتَنا الفلاح، قال: قلتُ: وما الفلاح؟ قال: السحور، ثمَّ لَم يقُم بقيَّة الشهر؛ رواه أبو داود (1375) وغيرُه بإسناد صحيح.

شهر رمضان فيه ليلة القدْر، وهي خيرٌ من ألفِ شهر؛ ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ ﴾ [القدر: 1].

فلنحرصْ على قيام العشر الأواخر من رمَضان؛ لندرك ليلة القدْر، فأصحُّ أقْوال أهل العلم أنَّها في العشْر الأواخر من رمضان في أوتارِه، وأنَّها لا تختصُّ بليلةٍ بعيْنِها فهي تتنقل.

الخطبة الثانية

صِيام رمضان تضاعف فيه الحسنات، وتُقال فيه العثرات، فلنتعرَّض لجود ربِّنا وإحسانِه، ولنشمِّرْ عن ساعد الجِدِّ؛ فمَن لم يجتهد في رمضان، فحريٌّ ألا يجتهد في غيره، فعن أبي هريرة قال: قالَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((رغِم أنف رجُل ذُكِرْتُ عندَه فلم يصلِّ عليَّ، ورغِم أنف رجُلٍ دخل عليه رمضان ثمَّ انسلخ قبل أن يُغْفَر له، ورغِم أنف رجُل أدركَ عنده أبواه الكبرَ فلم يدخلاه الجنَّة))؛ رواه الترمذي (3545)، وقال: حديث حسن غريب.

ولنعلم أنَّ أعظم ما نتقرَّب به لربِّنا في هذا الشَّهر وفي غيره من الشُّهور، فِعْل الواجبات؛ كالمحافظة على الصَّلوات في وقتها في المسجِد، وبر الوالدين وصلة الأرحام، وأداء الحقوق، وغير ذلك من الواجبات.

ومن أعظم ما نتقرَّب به لربِّنا، تجنُّب ما نهانا الله عنْه، فلنحفظ جوارِحَنا عن ما لا يُرضي ربَّنا، فعن أبِي هُرَيْرة قال: قالَ رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إنَّ الله قال: مَن عادى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنَّوافل حتَّى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنت سمْعَه الَّذي يسمع به، وبصرَه الَّذي يبصر به، ويدَه الَّتي يبطش بها، ورِجْلَه التي يمشي بها، وإن سألَني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه))؛ رواه البخاري.

لنحرص أن نصوِّم أولادَنا المميِّزين ممَّن يُطيق الصيام، ولنحثّهم عليْه، لا سيَّما في أيام الإجازة، ولنبذل الأسباب التي تُعينهم على الصيام، فإذا تعوَّد الصَّغير على الصيام في الصِّغَر، سهُل عليه في الكبر؛ فلذا كان من هدْي أصحاب النبي تصْويم الصغار من أولادِهم، فعن الرُّبيِّع بنت معوِّذ قالت عن يوم عاشوراء: "كنَّا نَصومه ونصوِّم صبيانَنا، ونجعل لهم اللُّعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيْنَاه ذاك حتَّى يكون عند الإفطار"؛ رواه البخاري (1960) ومسلم (1136).

ولنحتسِبِ الأجْر في حثِّهم ومتابعتهم، فقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن دعا إلى هدًى كان له من الأجر مثلُ أجور مَن تبِعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا))؛ رواه مسلم (2674).

فليرغبِ الصغار في الصيام من غير إكراه، ومَن شقَّ عليه الصيام إذا استأذن في الفِطْر يؤذن له.

نشاهد حركة النَّاس - ونحن من النَّاس - هذه الأيَّام استعدادًا لرمضان، بشراء الأطعمة والحوائج الخاصَّة برمضان، ولا تثريب في ذلك، فالأصْل في المأكولات والمشروبات الحل؛ ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خَالِصَةً يوْمَ الْقِيامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 32]، وهذا من الاستعداد الحسِّي لرمضان، لكن الملاحظ على البعض أنَّه لم يستعدَّ استعدادًا معنويًّا لرمضان، فلم يستعد لدخول رمضان، لم يجعل له برنامجًا يوميًّا في رمضان؛ لينتفع من وقتِه في اللَّيل والنَّهار، فالاستعداد لعمارة رمضان بالذِّكْر والطَّاعة أهم من الاستِعْداد لرمضان بالأطعِمة.

معاشر الإخوة:
النساء في أغلب البيوت مشغولاتٌ بعمل البيت استعدادًا للفطور والعشاء، وبعد ذلك تنظيفًا لآنية الفطور والعشاء، ثمَّ استعدادًا للسحور، فجلُّ وقت المرأة تقضيه في المطبخ، وهي مأجورة على خدمتها في بيتِها؛ لكنَّها بحاجة إلى تقوية الإيمان، بحاجة إلى الصَّلاة والذِّكْر والقراءة، فلا بدَّ أن ننظر في هذا الواقع ونُساعد نساءنا - أمَّهات وزوجات وبنات وأخوات - في تَخصيص وقت للذِّكْر والقراءة والصَّلاة في رمضان، ولا يكون ذلك إلاَّ بالتخفُّف من أعمال البيت، وذلك بتقْليل الأطعِمة الكماليَّة أو بشراء بعضِها من السوق، أو استخدام آنية ورقيَّة أو بلاستيكيَّة تستعمل مرَّة واحدة، وبعض النساء تستعدُّ لرمضان وذلك بتجْهيز بعض الأطعِمة قبل دخول رمضان وتحْفظ في الثَّلاجة.



الخطبة للشيخ أحمد الزومان
المرجع شبكة الألوكه
المشاهدات 2332 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا وبلغنا جميعا شهر الخير والقرآن وأعاننا عليه بمزيد الطاعة والإحسان