اسْتِقْبَالِ رَمَضَانَ – تنغيم الدُّعاءِ في قنوتِ الوِتْرِ
محمد البدر
الْخُطْبَةِ الأُولَى:
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمِنْ يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.
وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾. [آل عمران:102].
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾[النساء: 1].
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب:70، 71]. عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.وَقَالَﷺ:« لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ ، إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. ونذكر بعدم الصيام قبل رَمَضَانَ بيوم أو يومين إلا إذا كان من عادته أن يصوم فلا حرج عليه، وكذلك من كان عليه قضاء من رَمَضَانَ فليقضه في هذه الأيام قبل أن يدخل شَهْرِ رَمَضَانَ فَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، تَقُولُ: «كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ، الشُّغْلُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺأَوْ بِرَسُولِ اللهِﷺ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
عِبَادَ اللَّهِ:ها هو شَهْرِ الخير والإحسان قد اقترب وفي نهاية شَهْرِ شَعْبَانَ يكثر الجدل حول صحة رؤية هلال شَهْرِ رَمَضَانَ ويخوض فيه الخائضون ويظهر المتعالمون عبر وسائل الاعلام المختلفة والتواصل الاجتماعي وغيرها ،ينشرون الإشاعات ويزعزعون الثقة بالعلماء ويشككون في أقوالهم ، فاتقوا الله تعالى فلن يثبت دخول الشَهْرِ الا بما تحقق من أقوال النبيﷺوهذا ولله الحمد والمنة دأب ولاة الأمر والعلماء منذ بداية العهد السعودية فلا اعتبار بالحسابات،قَالَﷺ:«صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأفْطِرُوا لِرُؤيَتِهِ، فَإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ ، فَأكمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَقَالَﷺ:«لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَقَالَﷺ:«الشَهْرِ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ»رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ.فَتَفَرَّغُوا يا عِبَادَ اللَّهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْعِبَادَةِ والطاعة، وَتَقَلَّلُوا مِنْ أَعْمَالِ الدُّنْيَا ، واعمروا بُيُوتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَتَدَارَسُوا كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وافعلوا الخير وتفقدوا الفقراء والمساكين واليتامى وغيرهم ،واقتدوا بأفعال السَلَفَ الصَّالِحَ فقد كَانُوا يَتَفَرَّغُونَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْعِبَادَةِ ، وَكَانُوا يَحْفَظُونَ أَوْقَاتَهُمْ مِنَ الضَّيَاعِ ,قِيَاماً وَصِّيَاماً وَ يُحْافَظُونَ على تِلاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللهِ وَأَعْمَال ِالْخَيْرِ والبر والإحسان.
فَإِذَا بَلَغْتَم رَمَضَانَ وَرَأَيْتَم الْهِلَالَ فَقُولُوا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِﷺيَقُولُ:«اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلامَةِ وَالإِسْلامِ رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ»رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ . واحَمْدُوا الله وَاشُّكْرُوه عَلَى نِعْمَةٌ بُلُوغِهِ قَالَ تَعَالَى:﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا...
الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِه ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمَاً لِشَأْنِه ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً .
عِبَادَ اللهِ:إنَّ مما يُفرِح قلوبَ المؤمنين ويُثْلِج صدورَهم ويغيظُ قلوبَ أعدائِهم ما نراه اليومَ مِن كثرةِ المساجِدِ التي تُقام فيها صلاةُ التَّراويحِ مع أئمَّةٍ نَحْسَبُهم كذلك واللهُ حسيبُهم- مِن خيرةِ شَبابِ الأمَّةِ حِرصًا ونصحًا لها، وتزدادُ هذه الفرحةُ حينما يَرَوْن أنَّ كثيرًا من هؤلاءِ الأئمَّةِ مِن حَمَلَة المنهجِ السَّلفيِّ الصحيحِ علمًا وعملًا، لكِنْ مِمَّا يُؤْسَفُ له أنَّ البعضَ منهم لا يَسْلَمُ من أخطاءٍ ومِن هذه الأخطاءِ ما هو متعلِّقٌ بقنوتِ الوِتْرِ في صلاة التراويحِ، الأمرُ الذي يُوجِبُ التَّنبيهَ عليها؛ لكثرةِ الوقوعِ فيها، وقِلَّةِ المُنَبِّهينَ عليها، حتَّى أصبحَتْ تلك الأخطاءُ سُنَّةً مُتَّبعةً،فمن الأخطاءُ المشهورة ما يفعله غالب الأئمة هداهمُ اللهُ وهدى الجميع للسنة ، من إطالة الدعاء ورفع الصوت مما يسبب ازعاجاً للمصلين ومشقة في الوقوف لفترة طويلة قَالَﷺ:«ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَ قَالَﷺ:«اللهُمَّ، مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.ورَفْعُ الصَّوتِ بالدُّعاءِ بالإضافةِ إلى مخالفَتِه للسُّنَّة، مُذهِبٌ للخشوعِ، جالِبٌ للرِّياءِ، والعياذُ بالله.كذلك تلذذ الناس بتنغيم الدعاء وتجويده وكثرة السجع والكلمات الرنانة والترعيد والوعد والوعيد وتفصيل مشاهد القبر وغيره ويلاحظ تفاعل الإمام مع المصلين فكلما ارتفع صوت المصلين بالبُّكَاءُ والصُّرِاخُ والعَوِيلُ زاد الإمام في الدعاء وركز على الكلمات التي تؤثر وتبكي المصلين فكررها ورفع الصوت فوق الحاجة وكل هذا إمعان في مخالفة السنة أبى من أبا ورضي من رضي فهي مخالفة صريحة للسنة ألم يصل النبيﷺالتراويح ألم يصل الصحابة والتابعون فلماذا لم ينقل لنا أنهم أطالوا في الدعاء ودعوا بهذا التطريب والتنغيم والترعيد وفصلوا فيه تفصيلا أم أن ذلك خفي على النَّبِيَّﷺوصحابته رضي الله عن الجميع والتابعون.
فينبغي على الإمامِ إذا تأثَّرَ بالقرآنِ أو بالدُّعاءِ أن يُدافِعَ البُكاءَ، فلم يكُنْ مِن هَدْيِ النبيِّﷺأن يبكِيَ في الصَّلاةِ بصوتٍ عالٍ ليُبْكِيَ مَن خَلْفَه؛ كما يفعله بعضُ الأئمَّةِ اليومَ هداهمُ اللهُ.
عِبَادَ اللهِ:إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.
عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
المرفقات
1648016428_اسْتِقْبَالِ رَمَضَانَ – تنغيم الدُّعاءِ في قنوتِ الوِتْرِ.pdf