استفسار حول جملة متكررة في القرآن الكريم

[align=justify]
ورد لفظ : (ألم تر إلى الذين) أو (ألم تر إلى الذي) في القرآن ثلاثة عشر مرة، وجملة (صلة الموصول) جاءت في أفعال مذمومة ولم تأت في أفعال ممدوحة؛ فما سبب ذلك يا أهل اللغة العربية والبلاغة؟
١. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّـهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّـهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴿البقرة: ٢٤٣﴾
٢. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّـهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿البقرة: ٢٥٨﴾
٣. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ اللَّـهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ ﴿آل عمران: ٢٣﴾
٤. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّوا السَّبِيلَ ﴿النساء: ٤٤﴾
٥. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم بَلِ اللَّـهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴿النساء: ٤٩﴾
٦. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَـٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا ﴿النساء: ٥١﴾
٧. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴿النساء: ٦٠﴾
٨. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّـهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴿النساء: ٧٧﴾
٩. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴿ابراهيم: ٢٨﴾
١٠. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّـهِ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ ﴿غافر: ٦٩﴾
١١. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّـهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّـهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿المجادلة: ٨﴾
١٢. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿المجادلة: ١٤﴾
١٣. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿الحشر: ١١﴾


[/align]
المشاهدات 4791 | التعليقات 2

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إلى حين تفضل المتخصصين بالمشاركة
هذه فائدة من كلام العلامة الطاهر بن عاشور حول هذا التركيب
قال رحمه الله :

واعلم أن تركيب ( ألم تر إلى كذا ) إذا جاء فعل الرؤية فيه متعديا إلى ما ليس من شأن السامع أن يكون رآه ، كان كلاما مقصودا منه التحريض على علم ما عدي إليه فعل الرؤية ، وهذا مما اتفق عليه المفسرون ولذلك تكون همزة الاستفهام مستعملة في غير معنى الاستفهام بل في معنى مجازي أو كنائي ، من معاني الاستفهام غير الحقيقي ، وكان الخطاب به غالبا موجها إلى غير معين ، وربما كان المخاطب مفروضا متخيلا .

ولنا في بيان وجه إفادة هذا التحريض من ذلك التركيب وجوه ثلاثة : الوجه الأول : أن يكون الاستفهام مستعملا في التعجب ، أو التعجيب ، من عدم علم المخاطب بمفعول فعل الرؤية ، ويكون فعل الرؤية علميا من أخوات ظن ، على مذهب الفراء وهو صواب ; لأن " إلى " ولام الجر يتعاقبان في الكلام كثيرا ، ومنه قوله تعالى
والأمر إليك أي لك وقالوا " أحمد الله إليك " كما يقال " أحمد لك الله " والمجرور بإلى في محل المفعول الأول ، لأن حرف الجر الزائد لا يطلب متعلقا ، وجملة وهم ألوف في موضع الحال ، سادة مسد المفعول الثاني : لأن أصل المفعول الثاني لأفعال القلوب أنه حال ، على تقدير : ما كان من حقهم الخروج ، وتفرع على قوله وهم ألوف قوله فقال لهم الله موتوا فهو من تمام معنى المفعول الثاني أو تجعل إلى تجريدا لاستعارة فعل الرؤية لمعنى العلم ، أو قرينة عليها ، أو لتضمين فعل الرؤية معنى النظر ، ليحصل الادعاء أن هذا الأمر المدرك بالعقل كأنه مدرك بالنظر ، لكونه بين [ ص: 477 ] الصدق لمن علمه ، فيكون قولهم " ألم تر إلى كذا " في قوله : جملتين : ألم تعلم كذا وتنظر إليه .

الوجه الثاني : أن يكون الاستفهام تقريريا فإنه كثر مجيء الاستفهام التقريري في الأفعال المنفية ، مثل ألم نشرح لك صدرك ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير . والقول في فعل الرؤية وفي تعدية حرف " إلى " نظير القول فيه في الوجه الأول .

الوجه الثالث : أن تجعل الاستفهام إنكاريا ، إنكارا لعدم علم المخاطب بمفعول فعل الرؤية والرؤية علمية ، والقول في حرف " إلى " نظير القول فيه على الوجه الأول ، أو أن تكون الرؤية بصرية ضمن الفعل معنى تنظر على أن أصله أن يخاطب به من غفل عن النظر إلى شيء مبصر ويكون الاستفهام إنكاريا : حقيقة أو تنزيلا ، ثم نقل المركب إلى استعماله في غير الأمور المبصرة فصار كالمثل ، وقريب منه قول الأعشى :
ترى الجود يجري ظاهرا فوق وجهه


واستفادة التحريض ، على الوجوه الثلاثة إنما هي من طريق الكناية بلازم معنى الاستفهام لأن شأن الأمر المتعجب منه ، أو المقرر به ، أو المنكور علمه ، أن يكون شأنه أن تتوافر الدواعي على علمه ، وذلك مما يحرض على علمه .

واعلم أن هذا التركيب جرى مجرى المثل ، في ملازمته لهذا الأسلوب ، سوى أنهم غيروه باختلاف أدوات الخطاب التي يشتمل عليها : من تذكير وضده ، وإفراد وضده ، نحو " ألم تري " في خطاب المرأة و " ألم تريا " و " ألم تروا " و " ألم ترين " ، في التثنية والجمع هذا إذا خوطب بهذا المركب في أمر ليس من شأنه أن يكون مبصرا ل
لمخاطب أو مطلقا .

المصدر


@أبو عبد الرحمن 7708 wrote:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إلى حين تفضل المتخصصين بالمشاركة
هذه فائدة من كلام العلامة الطاهر بن عاشور حول هذا التركيب
قال رحمه الله :
واعلم أن تركيب ( ألم تر إلى كذا ) إذا جاء فعل الرؤية فيه متعديا إلى ما ليس من شأن السامع أن يكون رآه ، كان كلاما مقصودا منه التحريض على علم ما عدي إليه فعل الرؤية ، وهذا مما اتفق عليه المفسرون ولذلك تكون همزة الاستفهام مستعملة في غير معنى الاستفهام بل في معنى مجازي أو كنائي ، من معاني الاستفهام غير الحقيقي ، وكان الخطاب به غالبا موجها إلى غير معين ، وربما كان المخاطب مفروضا متخيلا .
ولنا في بيان وجه إفادة هذا التحريض من ذلك التركيب وجوه ثلاثة : الوجه الأول : أن يكون الاستفهام مستعملا في التعجب ، أو التعجيب ، من عدم علم المخاطب بمفعول فعل الرؤية ، ويكون فعل الرؤية علميا من أخوات ظن ، على مذهب الفراء وهو صواب ; لأن " إلى " ولام الجر يتعاقبان في الكلام كثيرا ، ومنه قوله تعالى والأمر إليك أي لك وقالوا " أحمد الله إليك " كما يقال " أحمد لك الله " والمجرور بإلى في محل المفعول الأول ، لأن حرف الجر الزائد لا يطلب متعلقا ، وجملة وهم ألوف في موضع الحال ، سادة مسد المفعول الثاني : لأن أصل المفعول الثاني لأفعال القلوب أنه حال ، على تقدير : ما كان من حقهم الخروج ، وتفرع على قوله وهم ألوف قوله فقال لهم الله موتوا فهو من تمام معنى المفعول الثاني أو تجعل إلى تجريدا لاستعارة فعل الرؤية لمعنى العلم ، أو قرينة عليها ، أو لتضمين فعل الرؤية معنى النظر ، ليحصل الادعاء أن هذا الأمر المدرك بالعقل كأنه مدرك بالنظر ، لكونه بين [ ص: 477 ] الصدق لمن علمه ، فيكون قولهم " ألم تر إلى كذا " في قوله : جملتين : ألم تعلم كذا وتنظر إليه .
الوجه الثاني : أن يكون الاستفهام تقريريا فإنه كثر مجيء الاستفهام التقريري في الأفعال المنفية ، مثل ألم نشرح لك صدرك ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير . والقول في فعل الرؤية وفي تعدية حرف " إلى " نظير القول فيه في الوجه الأول .
الوجه الثالث : أن تجعل الاستفهام إنكاريا ، إنكارا لعدم علم المخاطب بمفعول فعل الرؤية والرؤية علمية ، والقول في حرف " إلى " نظير القول فيه على الوجه الأول ، أو أن تكون الرؤية بصرية ضمن الفعل معنى تنظر على أن أصله أن يخاطب به من غفل عن النظر إلى شيء مبصر ويكون الاستفهام إنكاريا : حقيقة أو تنزيلا ، ثم نقل المركب إلى استعماله في غير الأمور المبصرة فصار كالمثل ، وقريب منه قول الأعشى :
ترى الجود يجري ظاهرا فوق وجهه
واستفادة التحريض ، على الوجوه الثلاثة إنما هي من طريق الكناية بلازم معنى الاستفهام لأن شأن الأمر المتعجب منه ، أو المقرر به ، أو المنكور علمه ، أن يكون شأنه أن تتوافر الدواعي على علمه ، وذلك مما يحرض على علمه .
واعلم أن هذا التركيب جرى مجرى المثل ، في ملازمته لهذا الأسلوب ، سوى أنهم غيروه باختلاف أدوات الخطاب التي يشتمل عليها : من تذكير وضده ، وإفراد وضده ، نحو " ألم تري " في خطاب المرأة و " ألم تريا " و " ألم تروا " و " ألم ترين " ، في التثنية والجمع هذا إذا خوطب بهذا المركب في أمر ليس من شأنه أن يكون مبصرا للمخاطب أو مطلقا .


بورك فيك