استعد لعرفة والأضحية

راشد بن عبد الرحمن البداح
1444/12/04 - 2023/06/22 17:11PM

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، مُبَارَكًا عَلَيْهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له. وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه، بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ، وجاهَدَ في اللهِ حقَّ جهادِه، فاللهم صلِّ وسلِّمْ عليهِ تسليمًا كثيرًا. أما بعدُ:

فاتقوا اللهَ؛ فإننا في موسمٍ تُعظَّمُ فيه التقوَى، وتُعظَّمْ فيهِ شعائرُ اللهِ {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج32]

ولا زِلْنا نَتفيأُ فضلَ اللهِ علينا في عَشرٍ هيَ أبركُ أيامِ السنةِ، وقد انتصَفْنا فيها فهلْ أنْصَفْنَا أنفُسَنا فيها؟!

وإن مِن العَشرِ لَيَوماً هوَ أعظمُها؛ إنهُ يومُ الثلاثاءِ القادمِ، إنهُ يومُ العِتقِ والدنوِّ والمُباهاةِ الذيْ قالَ عنهُ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ؛ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ. رواه مسلمٌ().

قالَ ابنُ عبدِ البَرِّ: (وهو يَدلُّ على أنهمْ مَغفورٌ لهم؛ لأنهُ لا يُباهِيْبأهلِ الذنوبِ)(). وقالَ ابنُ رجبٍ: (يُعتِقُ الله مَن وَقفَ بعرفةَ، ومَن لم يقِفْبها)().

أليسَ عرضًا مغريًا؟! أليسَ هذا هو الرصيدُ الحقيقيُ، لا أرصدةُ الريالاتِ؟!

ومنَ العروضِ الربانيةِ المغريةِ أن صيامَ يومِ عرفةَ يكفِّرُ صغائرَ الذنوبِ لسَنتينِ، سنةٍ مَضتْ، وسَنةٍ أتتْ، فكأنهُ حِفْظٌ للماضِي والمستقبلِ. وعرفةُ أفضلُ من عاشوراءَ وأكثرُ تكفيراً؛ لأن صومَه من خصائصِشرعِنا، فعرفة يوم محمدي، وعاشوراء يوم موسوي، فضُوعِفَ عرفة ببركاتِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-().

ألا إن يومَ الثلاثاءِ القادمِ يومٌ مشهودٌ، فإن ربَنا –سبحانَه- يَفعلُفيهِ ثلاثةَ أفعالٍ لا تكونُ إلا فيهِ: يُعتِقُ ويَدنُو ويُباهِيْ.

فاستشعِرْ عصرَ ذلكَ اليومِ أَنَّ الرَّبَّ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَدْنُو مِنْ أَهْلِ الْمَوْقِفِ، ثُمَّ يُبَاهِيْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. يَغفرُ لمنْ شاءَ لا يُباليْ. وَتَحْصُلُ مَعَ دُنُوِّهِ مِنْهُمْ سَاعَةُ الْإِجَابَةِ الَّتِي لَا يَرُدُّ فِيهَا سَائِلًا يَسْأَلُ خَيْرًا.

فيا مَن سيَشهَدُ عرفةَ صائماً: إنكَ ستدعُو رَباً بَراً كريماً، لا يَتعاظَمُه ذنبٌ أن يَغفِرَه، ولا فَضلٌ أن يعطيَه، فأحسِنْ ظنَك بربِك؛ ولا تَظُنَ بربِكَ إلا أنه قَبِلَكَ، وَوهَبَ لكَ خطأَكَ. فأبشِرْ، ولا تتحجَّرْ عنْ نفسِكَ، ولا عنِ الناسِ من رحمةِ اللهِ واسعاً.

فلنتأهَبْ ولنتفرغْ لهذا اليومِ الجليلِ، ليسَ صومًا فحَسْب، بلْ دعاءً وبكاءً وجؤارًا، وذِكرًا وافتقارًا. ولا يَغُرنَّك قولُ مَن مَنعَ الدعاءَ عصرَعرفةَ، ومَن يَنشرونَ كلَ مَقطعٍ يُخالِفُ ما عَهِدَه الناسُ. بل انثُرْحاجاتِكَ وشكواكَ بين يدَيْ مَن لا يَمَلُ من سؤالِكَ، ولا يَغضَبُ من إلحاحِكَ. وتفرَّغْ عَصْرَها، واقضِ أشغالَكَ، وأغلِقْ جوالَكَ، وحضِّرْ أدعيتَكَ، واخْلُ بنفسِكَ، وابكِ بكاءَ الطفلِ بين يَدَي أبيهِ، وألحَّ وأنتَ مُوقنٌبالإجابةِ؛ وخُصَّ بالدعاءِ والدَيكَ وولدَكَ وأهلَكَ ووليَ أمرِ المسلمينَ، وادعُلأقطارِ المسلمينَ، وللمَكروبينَ والمَرضَى والموتَى منَ المسلمينَ.

الحمدُ للهِ يُعطِينا، ويَشكرُ لنا إن أَعطَينا، والصلاةُ والسلامُ على أُسوتِنا، أما بعدُ: فيا عبادَ اللهِ: إنَّ يومَ عيدِ الأضحى يومٌ مفضَّلٌومعظمٌ عندَ اللهِ. قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَعْظَمُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ يَوْمُ النَّحْرِ().

وفيهِ شَعيرتانِ عَظيمتانِ:

الأولَى: شُهودُ صلاةِ العيدِ معَ المسلمينَ، فلا تفوِّتْها؛ فبعضُ العلماءِ يَرى وُجوبَها.

الثانيةُ: الأضحيةُ، ذلكَ القُربانُ العظيمُ موقعُه عندَ اللهِ –سبحانَه-. ومَن عجَزَ عن قيمتِها فهو معذورٌ، ويقال لمنْ عَجَزَ: قد ضحَّى عنكَ حبيبُك -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي().

ومَنْ وجَدَ سَعَةً فليُعطِ إحدَى ضحايا وَصايا أمواتِهِ، يذبحونَها ويأكلوُنَها فيَفرحونَ، وتبقَى نيةُ الوَصِيِ والموصِي على ما هيَ. أو لِيَجْمَعْ أشخاصٌ قيمةَ أضحيةٍ، ولْيَهَبُوا المبلغَ لمحتاجٍ مِنْ عادتهِ أنه يُضحِيْ، ولكنهُ عجَزَ الآنَ. فما أعظمَ إدخالَ السرورِ على مِثلِ هؤلاءِ.

أيُها المُضَحونَ: إليكمْ خمسَ مَسائلَ تتعلقُ بالذكاةِ والأضحيةِ:

1. أيهما أَفْضَلُ: الأضْحِيَّةُ بالشاةِ أم بالخروفِ؟
الجوابُ: الخروفُ أفضلُ. وأن يكونَ أقرنَ أفضلُ().

2. ما حكمُ كَسْرِ عُنقِ الذبيحةِ بعد ذَبحِها مباشرةً؟
الجوابُ: لا يجوزُ؛ لأنهُ تعذيبٌ لها.

3. هل تُذبحُ على الجَنبِ الأيمنِ، أم على الأيسرِ؟ مَن  يَذبحُ  باليُمنى يُضجِعُها  على الأيسرِ، ومَن  يَذبحُ  باليُسرَى  يُضجِعُها على الأيمنِ.
4. ما حكمُ توجيهِ الذبيحةِ للقِبلةِ؟              لا يَجبُ، وإنما هو سُنةٌ.
5. هل أُمسِكُها بيدَيْها ورِجْلَيْها عند ذَبحِها، أو أُبقِيها تَرفِسُ؟
الثانيْ أفضلُ؛ لأنه أرفقُ لها وفيهِ فائدةٌ في استفراغِ الدمِ().

فاللهم لكَ صَلاتُنا ونُسُكنُا ومَحيانا ومَماتُنا، وإليكَ مآبُنا().

اللهم وَهبتَنا مالاً، فَبَذَلْنا منه بفضلِكَ قُربةً ومَنْسَكًا.

اللهم إنا عاجزونَ عن شُكرِكَ، فنُحيلُ إلى عِلمِكَ وفضلِكَ.

اللهم اقبَلْنا وأَقْبِلْ بقلُوبِنا عصرَ عرفةَ، واجعَلْنا ممنْ تُعتقُهم وتُباهِي بهم.

اللهم اكتُبْنَا فيمَن كُفّرَتْ خَطايَاهُمْ لسَنَتَيْنِ.

اللهم احفظْ دينَنا وبلادَنا، وأهلَنا، وجنودَنا وحجاجَنا ومنظِمي حجاجِنا.

اللهم سدِّدْ إمامَنا ووليَّ عهدِهِ لهُداكَ، واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ.

اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

المرفقات

1687443053_استعد لعرفة وللأضحية.pdf

1687443060_استعد لعرفة وللأضحية.docx

المشاهدات 1173 | التعليقات 0