استشعار عظمة الله

استشعار عظمة الله عند بعض المخلوقات
أيها المسلمون:
يقول الله تعالى: ﴿وَإِن مِن شَيءٍ إِلّا يُسَبِّحُ بِحَمدِهِ وَلكِن لا تَفقَهونَ تَسبيحَهُم﴾ [الإسراء: ٤٤].
إليكم أمثلة توضح ما عليه بعض مخلوقات الله -تعالى- من استشعار عظمة الله وتوحيده حيث ألهمها الله تعالى ذلك من غير عقل، ولا إدراك، ولا فهم.
فالهدهد أنكر ما كانت عليه مملكة سبأ من عبادة غير الله، ودعا إلى التوحيد، وعبادة الله وحده، قال تعالى حكاية عنه: ﴿وَجَدتُها وَقَومَها يَسجُدونَ لِلشَّمسِ مِن دونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطانُ أَعمالَهُم فَصَدَّهُم عَنِ السَّبيلِ فَهُم لا يَهتَدونَ ۝ أَلّا يَسجُدوا لِلَّهِ الَّذي يُخرِجُ الخَبءَ فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ وَيَعلَمُ ما تُخفونَ وَما تُعلِنونَ ۝ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ رَبُّ العَرشِ العَظيمِ﴾ [النمل: ٢٤-٢٦].
وروى الإمام الترمذي في جامعه أن النبي ﷺ قال: (إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض، حتى النملةَ في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير).
والنملة مع صغر حجمها، واحتقار الناس لها يقول عنها رسول الله ﷺ: (قرصت نملة نبيًا من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه: أفي أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبّح الله) رواه البخاري.
ومن مخلوقات الله عزوجل العجيبة الديكة، فهي تعين على الاستيقاظ من النوم، وتدعو إلى الفلاح، وتكون سببًا في حصول المسلم على الأجر، وترى الملائكة؛ ولذا نهى الشرع عن سبها، يقول الرسول ﷺ: (لا تسبوا الديك، فإنه يدعو إلى الفلاح) رواه الإمام أحمد، وأبو داود.
والدواب جمیعًا تخاف من يوم القيامة، وتخشى من قيام الساعة لما فيها من الأهوال، يقول رسول الله ﷺ: (ما من دابة إلا وهي مصغية يوم الجمعة خشية أن تقوم الساعة) رواه الإمام أحمد.
وأخبر - صلوات الله وسلامه عليه - أن الفَرَس يدعو ربه، فقد روى الإمام أحمد ‘ أن رسول الله ﷺقال: (إنه ليس من فرس عربي إلا يؤذن له مع كل فجر يدعو بدعوة، يقول: اللهم إنك خوّلتني من بني آدم، فاجعلني من أحب أهله وماله إليه؛ فيقول ﷺ: إن هذا الفرس قد استجيب له دعوته).
والشجر يسجد لله تعالى، ويلبي مع الحجاج الملبين، يقول الله تعالى: ﴿وَالنَّجمُ وَالشَّجَرُ يَسجُدانِ﴾ [الرحمن: ٦].
ويقول - صلوات الله وسلامه عليه -: (ما من ملبٍّ يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر، حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا) رواه ابن ماجه.
وبعض الجمادات تغار على دين الله، وتتأذى من معاصي بني آدم، فقد روى البخاري أن رسول الله ﷺ مُرّ عليه بجنازة فقال: (مستريح ومستراح منه) فقالوا: يا رسول الله ما المستريح وما المستراح منه؟ قال: (إن العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا، وأذاها إلى رحمة الله تعالى، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب).
ومن الجمادات من ينطقه الله تعالى، لنصرة دينه وإعانة المسلمين، يقول ﷺ: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهودَ فيقتلهم المسلمون حتى يختبئَ اليهوديُ من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهوديٌ تعال فاقتله) رواه البخاري.
أيها المسلمون:
إذا عرفنا أنّ الله عزوجل خلق الإنسان لعبادته سبحانه، وأن الحيوانات والطير والحشرات والنباتات والجماد، كل هذه المخلوقات تسبح الله عزوجل، وتود أن الناس يتقون الله عزوجل ويبتعدون عما حرم، لئلا تحل بهم المصائب والعقوبات.
فالعقلاء من البشر هم الذين يعملون ولا يفرطون، يعملون لدينهم ودنياهم، فلا هم يهملون أمور الدنيا، ولا هم يفرطون بأمور الآخرة، يقول النبي ﷺ: (الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت) رواه الترمذي، وروى الترمذي أيضاً أن رسول الله ﷺ قال: (أعمار أمتي ما بين ستين إلى سبعين، وأقلهم من يتجاوز ذلك).
فالحياة فرص، ودروب الخير مضمار معد للإنسان، فمن الناس من يسبق، ويتقدم، ويفوز، ومنهم من يفرط، ويهمل، ويكسل.
روى الإمام أحمد أن رسول الله ﷺ قال: (من قال سبحان الله وبحمده، غرست له نخلة في الجنة)، وروى مسلم أن رسول الله ﷺ قال: (أيعجز أحدكم أن يكسب كلّ يوم ألف حسنة؟) فسأله سائل من جلسائه: (كيف يكسب أحدُنا ألف حسنة؟) قال ﷺ: (يسبح مائة تسبيحة، فيكتب له ألف حسنة، أو يُحط عنه ألف خطيئة).
هذا أيها المسلم الكريم، في مجال الذكر، فكيف بمن حَسّن خلقه، ويسّر تعامله، فكفّ أذاه عن إخوانه، وصدق في حديثه وهشَّ، وابتسم في وجوه من يقابله، إن ظُلِم صبر، وإن أخطأ اعتذر، يحلم إذا غضب عليه، ويعذر إذا أُسيء إليه، فهذا وأمثاله له من الأجور ما لا يحصيها إلا الله، يقول رسول الله ﷺ: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء) رواه الترمذي.
وفي الحديث الآخر: يقول رسول الله ﷺ: (إن المسلم ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم) رواه أبو داود.
وإنك لتعجب من بعض البشر ! كيف يفرطون بهذه الأجور العظيمة؟، حيث يقع منهم الحسد لإخوانهم، والغرور بأنفسهم، كما يقع منهم الظلم، واحتقار الناس، والسعي بالإفساد بينهم.
نسأل الله السلامة واللهم لا شماتة.
أيها المسلمون:
إن من أعظم الاغترار، التمادي في الذنوب، مع رجاء العفو من غير توبة ولا ندم، وتوقع القرب من الله بغير طاعة، وانتظار زرع الجنة ببذر النار، ومن الاغترار الاعتماد على رحمة الله، وعفوه من دون عمل، ومن الاغترار أن يسيء الإنسان، فيرى إحسانًا فيظن أنه قد سومح، وربما رأى من يعصي سلامة بدنه وأهله وماله، فيظن أن لا عقوبة عليه، وما علم أن غفلته عما عوقب به عقوبة، والمعصية بعد المعصية عقاب المعصية، والعقوبات قد تبغت، وقد يؤخرها الحلم، ومحقّرات الذنوب إذا اجتمعت على الإنسان أهلكته، يقول الرسول ﷺ: (مثل محقّرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد، فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود، حتی جمعوا ما أنضجوا به خبزهم) رواه الإمام أحمد.
لقد لعن إبليس، وطرد من الجنة بسبب امتناعه عن سجدة، وأخرج آدم من الجنة بسبب أكلة، ودخلت امرأة النار بسبب حبسها هرة، وخسف برجل بسبب إسباله لإزاره خيلاء.
أيها المسلمون:
من عرف شرف الوجود، سعى لتحصيل أفضل الموجود، والعمر مواسم، والعاقل لا يطلب إلا الأنفَسَ والأغلى، ومن أراد دوام السلامة فليراقب الله تعالی.
ومتى رأيت تكديرًا في حال فاذكر نعمة لم تُشکر، أو زلة لم تكترث بها، ولتكن نيتُك في الخير قائمة، واعلم أن شهوات الدنيا، مصائد هلاك، وأن الدنيا صحراء شاسعة يجب أن يكون السابق فيها الدين.
ومن أصلح سريرته فاحت رائحة فضله، وابتهجت القلوب بنشر طیبه، والدنيا دول، فما كان لك منها أتاك على ضعفك، وما كان عليك لم تدفعه قوتك. واعلم أن كل يوم تحيا فيه، فهو غنيمة لك، يقول رسول الله ﷺ: (وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرًا) رواه مسلم. نسأل الله حسن الختام.
 
***
 
 
المرفقات

1726690712_استشعار عظمة الله عند بعض المخلوقات.docx

المشاهدات 447 | التعليقات 0