استسقوا الغيث من المغيث
إبراهيم بن سلطان العريفان
1437/01/16 - 2015/10/29 22:51PM
الحمد لله حمداً طيباً كما أمر، أحمدُه تعالى وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وبالخسارة لمن كفر، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إرضاءً له وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن محمداً عبده ورسولهُ سيدُ البشر والشافعُ المشفعُ في المحشر، صلى الله عليه وسلم عليه وعلى آله وصحبه السادة الغرر ومن تبع سبيلهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
فاتقوا الله – عباد الله - حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى ( وَاتّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمّ تُوَفّىَ كُلّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ).
إخوة الإيمان والعقيدة .. الماء نعمةٌ من نعم الله تعالى وإحسانه على عباده، لا يُستغنى عنه ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ) وفي نزول الأمطار حكمةٌ بالغةٌ، حين يتقاطر على الأرض ليَعمَ بسقيه الرحمة على الخلق ( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ).
وإذا تأخّر نزول الأمطار ضجّ العباد ، وسقِمتْ المواشي ، وهلكت الزروع والأشجار، وجفَّت العيون والآبار ( أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ ).
الجدبُ والقحطُ بلاءٌ من الله ليعلمَ مَنْ يطيعُ ومَنْ يعصيِ ، ومن يشكرُ ومن يكفر ، وفي هذه الحال شرعَ لنا نبينا صلى الله عليه وسلم صلاةَ الاستسقاء ، هو طلب السقيا وسؤال الغيث من المغيث جل وعلا ، فالنفوس البشرية مجبولةٌ على طلب الغيث ممن يغيثها ، ولا يغيث ولا يرحم إلا اللهُ وحده سبحانه وتعالى.
والاستسقاءُ من سنن الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى ( وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ) ، وقد استسقى خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأمته مراتٍ متعددةٍ. فإذا أجدبت الأرض وقحطت وقلت الأمطار وانحبست، فلا مناص للعباد من الفزع وصدق اللجوء إلى الله جل وعلا لطلب الرحمة والغيث .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : خَرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسَلَمْ للاستسقَاء مُتَذَلِلاً مُتَواضِعاً مُتَخَشِعاً مُتَضَرِعاً.
وعن أنسِ بنِ مالك رضي الله عنه أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب فقال : يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعْتِ السُّبُلُ فَادْعُ اللهَ يُغِيثُنَا ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَ قَالَ : اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا .. قَالَ: فَطَلَعَتْ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ ، فَلا وَاللهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتَّا ، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلام قَائِمٌ يَخْطُبُ فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ فَادْعُ اللهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا ، قَالَ : فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلام يَدَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا ، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ والظَّرَابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ ، قَالَ : فَأَقْلَعَتْ وَخَرَجْنَاَ نَمْشِي فِي الشَّمْسِ " رواه البخاري ومسلم .
تأملوا - عباد الله - لترو كيف يُحدثُ الإيمانُ الصادقُ ، والقلوبُ الطاهرةُ ، والألسنُ المستغفرةُ استجابةَ المولى العاجلة! إنهم أقوام أغاثوا قلوبهم بالتوبة والاستغفار والتطهرِ من الذنوب والمعاصي فأغاث الله أرضهم واستجاب دعاءهم ، تعلَّقت قلوبهم ببيوت الله وحافظوا على الجُمَع والجماعات ، وأدوا ما عليهم من الأمانات والمسؤوليات فرفع الله تعالى ذكرهم وبسط سلطانهم وأمد رزقهم.
إنهم قوم طهّروا أموالهم من أكل الحرام والربا والرشوة والغش في المعاملات، وطهروا ألسنتهم من شهادة الزور والأيمان الفاجرة والسبِ والغيبة والنميمة والفحش وغيرها من الرذائل .
جديرٌ بنا - عباد الله - أن نغيث قلوبنا بالإيمان والطاعة ليَحِلَّ الغيث بأرضنا وبلدنا ، ذلكم وربي هو مفتاحُ القطر من السماء ، وسببُ دفعِ البلاء ، ووعدُ الله لا يُخلَفُ حيث ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ) حريٌ بنا أن نستقيمَ على الحق ليرحمنا ربنا ( وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ).
يجب علينا أن نصلح ما فسد وأن نطهّر قلوبنا من الغل والحقد والحسد ، علينا أن نقوم بأداء الصلاة وإيتاء الزكاة ، وإصلاح الأهل والبنين والبنات . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا مَعْشَرَ المهاجرينَ ! خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ ، وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ : لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ ؛ حتى يُعْلِنُوا بها ؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا ، ولم يَنْقُصُوا المِكْيالَ والميزانَ إِلَّا أُخِذُوا بالسِّنِينَ وشِدَّةِ المُؤْنَةِ ، وجَوْرِ السلطانِ عليهم ، ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا ، ولم يَنْقُضُوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلا سَلَّطَ اللهُ عليهم عَدُوَّهم من غيرِهم ، فأَخَذوا بعضَ ما كان في أَيْدِيهِم ، وما لم تَحْكُمْ أئمتُهم بكتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ويَتَخَيَّرُوا فيما أَنْزَلَ اللهُ إلا جعل اللهُ بأسَهم بينَهم ).
عباد الله .. الذنوب والمعاصي لها شؤمها وأثارها فكم أهلكت !! ( وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ) ( وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ) فبالمعاصي تزول النعم ويحلُ الفقرْ ، وتتوالى المحنُ وتتداعى الفتن ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )
فالتوبة التوبة – يا عباد الله - التوبةُ الصادقةُ تمحو الذنوب مهما عظمت ، باب التوبة مفتوح ، مهما تعاظمت الذنوب ، وتكاثرت المعاصي واستحكمت الغفلات ، فلا قنوط من رحمة الله ، ولا بعد عن الله، فهلمُّوا إلى رحمة الله وعفوه ومغفرته ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )، ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ).
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفورالرحيم.
الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمنِ الرحيم، ملِك يوم الدّين، لا إله إلاّ الله يفعل ما يرِيد، لا إلهَ إلا الله الوليّ الحميد، لا إله إلا الله غِياثُ المستغيثين وراحِم المستضعفين.
معاشر المؤمنين .. بالأمس خرجتم لصلاة الاستسقاء بين يدي ربكم ، تشكون جدب دياركم، وتبوحون إليه بحاجاتكم ، وذلكم الجدبُ وتلكم الحاجة بلاءٌ من ربكم لتقبلوا عليه بالتوبة والإنابة ، وتتقربوا بصالح العمل لديه فاستكينوا لربكم ، وارفعوا أكف الضراعة إليه ، ابتهلوا وتضرعوا واستغفروا ، فالاستغفار مربوطٌ بما في السماء من استدرار، فــــــــ ( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ) ومن لازم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب.
أريقوا ماء الأسف على أدران الذنوب تغسلها، اخلصوا التوبة لله يقبلها ، وأصلحوا الأعمال لله يضاعفها، واتبعوا الحسنة السيئة تمحها، توجهوا إلى رحمة ارحم الراحمين، والجأوا إلى فارج الكربات ومجيب الدعوات تضرعوا إليه وارغبوا فيما عنده وألحوا في الطلب واعزموا القصد فإن ربنا جواد كريم رؤوف رحيم، خزائنه ملأى ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء. وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابةِ، وأكثروا من الاستغفار، عسى ربكم أن يرحمكم ، فيغيثَ القلوب بالرجوع إليه والبلدَ بإنزال الغيث عليه
نستغفِر الله، نستغفِرُ الله، نستغفِر الله الذي لا إلهَ إلاّ هو الحيّ القيوم ونتوب إليه.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت ، أنت الغني ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين .
اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريعاً مريئاً غدقاً مجللاً عاماً ، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل ، اللهم لتحيي به البلاد ، وتغيثَ به العباد ، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد .
اللهم سقيا رحمةٍ لا سقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا بلاءٍ ولا غرقْ .
اللهم اسق عبادك وبلادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت, اللهم وأدر لنا الضرع، وأنزل علينا من بركاتك، وأجعل ما أنزلته علينا قوة لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين، اللهم إناَ خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك .
اللهم اكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه إلا أنت. اللهم ارحم الأطفال الرضع والبهائم الرتع والشيوخ الركع، وارحم الخلائق أجمعين.
اللهم أرسل لنا سحاباً ثقالاً وأنزل لنا مطراً مدراراً واخرج لنا حباً ونباتاً وجنات ألفافاً.
اللهم ادفع عنا الغلاء والبلاء والوباء والربا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن ، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار.
فاتقوا الله – عباد الله - حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى ( وَاتّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمّ تُوَفّىَ كُلّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ).
إخوة الإيمان والعقيدة .. الماء نعمةٌ من نعم الله تعالى وإحسانه على عباده، لا يُستغنى عنه ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ) وفي نزول الأمطار حكمةٌ بالغةٌ، حين يتقاطر على الأرض ليَعمَ بسقيه الرحمة على الخلق ( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ).
وإذا تأخّر نزول الأمطار ضجّ العباد ، وسقِمتْ المواشي ، وهلكت الزروع والأشجار، وجفَّت العيون والآبار ( أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ ).
الجدبُ والقحطُ بلاءٌ من الله ليعلمَ مَنْ يطيعُ ومَنْ يعصيِ ، ومن يشكرُ ومن يكفر ، وفي هذه الحال شرعَ لنا نبينا صلى الله عليه وسلم صلاةَ الاستسقاء ، هو طلب السقيا وسؤال الغيث من المغيث جل وعلا ، فالنفوس البشرية مجبولةٌ على طلب الغيث ممن يغيثها ، ولا يغيث ولا يرحم إلا اللهُ وحده سبحانه وتعالى.
والاستسقاءُ من سنن الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى ( وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ) ، وقد استسقى خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأمته مراتٍ متعددةٍ. فإذا أجدبت الأرض وقحطت وقلت الأمطار وانحبست، فلا مناص للعباد من الفزع وصدق اللجوء إلى الله جل وعلا لطلب الرحمة والغيث .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : خَرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسَلَمْ للاستسقَاء مُتَذَلِلاً مُتَواضِعاً مُتَخَشِعاً مُتَضَرِعاً.
وعن أنسِ بنِ مالك رضي الله عنه أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب فقال : يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعْتِ السُّبُلُ فَادْعُ اللهَ يُغِيثُنَا ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَ قَالَ : اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا .. قَالَ: فَطَلَعَتْ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ ، فَلا وَاللهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتَّا ، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلام قَائِمٌ يَخْطُبُ فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ فَادْعُ اللهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا ، قَالَ : فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلام يَدَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا ، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ والظَّرَابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ ، قَالَ : فَأَقْلَعَتْ وَخَرَجْنَاَ نَمْشِي فِي الشَّمْسِ " رواه البخاري ومسلم .
تأملوا - عباد الله - لترو كيف يُحدثُ الإيمانُ الصادقُ ، والقلوبُ الطاهرةُ ، والألسنُ المستغفرةُ استجابةَ المولى العاجلة! إنهم أقوام أغاثوا قلوبهم بالتوبة والاستغفار والتطهرِ من الذنوب والمعاصي فأغاث الله أرضهم واستجاب دعاءهم ، تعلَّقت قلوبهم ببيوت الله وحافظوا على الجُمَع والجماعات ، وأدوا ما عليهم من الأمانات والمسؤوليات فرفع الله تعالى ذكرهم وبسط سلطانهم وأمد رزقهم.
إنهم قوم طهّروا أموالهم من أكل الحرام والربا والرشوة والغش في المعاملات، وطهروا ألسنتهم من شهادة الزور والأيمان الفاجرة والسبِ والغيبة والنميمة والفحش وغيرها من الرذائل .
جديرٌ بنا - عباد الله - أن نغيث قلوبنا بالإيمان والطاعة ليَحِلَّ الغيث بأرضنا وبلدنا ، ذلكم وربي هو مفتاحُ القطر من السماء ، وسببُ دفعِ البلاء ، ووعدُ الله لا يُخلَفُ حيث ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ) حريٌ بنا أن نستقيمَ على الحق ليرحمنا ربنا ( وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ).
يجب علينا أن نصلح ما فسد وأن نطهّر قلوبنا من الغل والحقد والحسد ، علينا أن نقوم بأداء الصلاة وإيتاء الزكاة ، وإصلاح الأهل والبنين والبنات . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا مَعْشَرَ المهاجرينَ ! خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ ، وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ : لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ ؛ حتى يُعْلِنُوا بها ؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا ، ولم يَنْقُصُوا المِكْيالَ والميزانَ إِلَّا أُخِذُوا بالسِّنِينَ وشِدَّةِ المُؤْنَةِ ، وجَوْرِ السلطانِ عليهم ، ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا ، ولم يَنْقُضُوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلا سَلَّطَ اللهُ عليهم عَدُوَّهم من غيرِهم ، فأَخَذوا بعضَ ما كان في أَيْدِيهِم ، وما لم تَحْكُمْ أئمتُهم بكتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ويَتَخَيَّرُوا فيما أَنْزَلَ اللهُ إلا جعل اللهُ بأسَهم بينَهم ).
عباد الله .. الذنوب والمعاصي لها شؤمها وأثارها فكم أهلكت !! ( وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ) ( وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ) فبالمعاصي تزول النعم ويحلُ الفقرْ ، وتتوالى المحنُ وتتداعى الفتن ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )
فالتوبة التوبة – يا عباد الله - التوبةُ الصادقةُ تمحو الذنوب مهما عظمت ، باب التوبة مفتوح ، مهما تعاظمت الذنوب ، وتكاثرت المعاصي واستحكمت الغفلات ، فلا قنوط من رحمة الله ، ولا بعد عن الله، فهلمُّوا إلى رحمة الله وعفوه ومغفرته ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )، ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ).
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفورالرحيم.
الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمنِ الرحيم، ملِك يوم الدّين، لا إله إلاّ الله يفعل ما يرِيد، لا إلهَ إلا الله الوليّ الحميد، لا إله إلا الله غِياثُ المستغيثين وراحِم المستضعفين.
معاشر المؤمنين .. بالأمس خرجتم لصلاة الاستسقاء بين يدي ربكم ، تشكون جدب دياركم، وتبوحون إليه بحاجاتكم ، وذلكم الجدبُ وتلكم الحاجة بلاءٌ من ربكم لتقبلوا عليه بالتوبة والإنابة ، وتتقربوا بصالح العمل لديه فاستكينوا لربكم ، وارفعوا أكف الضراعة إليه ، ابتهلوا وتضرعوا واستغفروا ، فالاستغفار مربوطٌ بما في السماء من استدرار، فــــــــ ( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ) ومن لازم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب.
أريقوا ماء الأسف على أدران الذنوب تغسلها، اخلصوا التوبة لله يقبلها ، وأصلحوا الأعمال لله يضاعفها، واتبعوا الحسنة السيئة تمحها، توجهوا إلى رحمة ارحم الراحمين، والجأوا إلى فارج الكربات ومجيب الدعوات تضرعوا إليه وارغبوا فيما عنده وألحوا في الطلب واعزموا القصد فإن ربنا جواد كريم رؤوف رحيم، خزائنه ملأى ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء. وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابةِ، وأكثروا من الاستغفار، عسى ربكم أن يرحمكم ، فيغيثَ القلوب بالرجوع إليه والبلدَ بإنزال الغيث عليه
نستغفِر الله، نستغفِرُ الله، نستغفِر الله الذي لا إلهَ إلاّ هو الحيّ القيوم ونتوب إليه.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت ، أنت الغني ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين .
اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريعاً مريئاً غدقاً مجللاً عاماً ، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل ، اللهم لتحيي به البلاد ، وتغيثَ به العباد ، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد .
اللهم سقيا رحمةٍ لا سقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا بلاءٍ ولا غرقْ .
اللهم اسق عبادك وبلادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت, اللهم وأدر لنا الضرع، وأنزل علينا من بركاتك، وأجعل ما أنزلته علينا قوة لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين، اللهم إناَ خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك .
اللهم اكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه إلا أنت. اللهم ارحم الأطفال الرضع والبهائم الرتع والشيوخ الركع، وارحم الخلائق أجمعين.
اللهم أرسل لنا سحاباً ثقالاً وأنزل لنا مطراً مدراراً واخرج لنا حباً ونباتاً وجنات ألفافاً.
اللهم ادفع عنا الغلاء والبلاء والوباء والربا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن ، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار.