استسقاء

محسن الشامي
1436/04/22 - 2015/02/11 21:09PM
الحمد لله الذي جعل الحمدَ مفتاحًا لذكره وجعل الشكرَ سببًا للمزيد من فضله ودليلاً على آلائه وعظَمَته خيرُه علينا نازِل وتقصيرُنا إليه صاعِد نحمدُه على إعطائه ومنعه وبسطِه وقدرِه لا يُضيرُه الإعطاءُ والجُود مُسدِي النِّعَم وكاشِفِ النِّقَم نستغفره ونتوبُ إليه مما أحاط به علمُه وأحصاه في كتاب غيرُ مُغادِر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله سيدُ البشر أجمعين ورسولُ ربِّ العالمين فصلواتُ الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد فاتقوا الله معاشر المسلمين فإنها الزادُ في المعاد والحبلُ المتين بين الرحيم والعِباد يدفعُهم إلى تقديم مرضات ربِّهم على إرضاء خلقِه وعبيدِه ويحمِلُهم إيمانٌ صادقٌ بكفاية الله لعباده المؤمنين الصادقين فلا يُرضُون الناسَ بسخط الله ولا يُجامِلونهم في معصية الله.
إخوة الايمان :إن ما نُعانيه اليوم من قحطٍ وتأخُّرٍ للمطر عن إبَّان زمانه لهُو حصادُ خللٍ في علاقتنا مع خالقنا، ثم علاقتنا مع الناس.ولقد كان السلفُ رحمهم الله يرون آثار معصيتهم لله في أزواجهم وأولادهم ودوابِّهم وإن المعاصي قد انتشرت بين الناس انتشار النار في الهَشيم؛ فلقد ضعُف الخوفُ من الله، وكثُر الرُّكون إلى غيره، حتى لقد أصبح الواحدُ من الناس يبذُلُ مُهجتَه للناس في قضاء حاجته أكثر مما يبذُلُها لخالقه سبحانه يسألُ الشَّحِيح وينسَى الكريمَ سبحانه يستلطِفُ الدنِيءَ وينسى اللطيفَ سبحانه ويسترحِمُ الغضَّ الغليظَ وينسى الحليم الرحيمَ سبحانه { أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
نستغفر الله،نستغفر الله،اللهم إنا نستغفرُك إنك كنتَ غفَّارًا فأرسِل السماءَ علينا مِدرارًا أيها المؤمنون يا من أتيتم إلى هذا المكان لتقفوا بين يدي خالقكم ومولاكم إعلموا رحمني الله وإياكم أن الله مطلع على سرائركم قبل ظواهركم { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } فاحرصوا يا رعاكم الله الآن في هذه اللحظات أن تطهروا قلوبكم وتصححوا نياتكم فعَنْ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ‏قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( ‏إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» رواه مسلم ثم اعلموا يا عباد الله أن أرحم الراحمين لا يمكن أن يمسك رحمته عن قوم إلا بسبب أمر عظيم وخطب جسيم وإلا فإن الله أرحم بالناس من آبائهم وأمهاتهم إذا فما هو الأمر العظيم الذي منع منا نزول رحمة الله علينا منا السماء ؟ماهذا الخطب الجسيم الذي بسببه حرمت الأرض والدواب نزول القطر عليها؟هلا راجعنا أنفسنا عباد الله لماذا لا نكون جريئين في الاعتراف بذنوبنا وتقصيرنا وتفريطنا. لماذا لا نسعى إلى تغيير المنكرات في أنفسنا ومجتمعنا حتى يغير الله ما حل بنا من جدب الديار ومنع الأمطار{إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}ألسنا نرى ونسمع بما يحصل من معاصٍ لله تقع بين أظهرنا وتحت أنظارنا وأسماعنا ؟ألسنا نرى ونسمع بانتشار الربا بين الناس وتساهلهم بالتعامل به؟والله يقول{ يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } ألسنا نرى ونسمع بمن يمنع زكاة ماله أو يخرج الهزيلة من غنمه من أجل جشعه وطمعه ألسنا نرى ونسمع بما يحصل من انتشار قنوات الفجور التي تعرض النساء الكاسيات العاريات وتثير الشهوات ونعلم علم اليقين بأن ما حصل من ارتكاب للمحرمات هو من نتائجها قال صلى الله عليه وسلم (( لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُون ُوَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمِ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَا لَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَا نِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِم ْوَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ )فانظريا عبدالله إلى هذا الحديث العظيم وانظر إلى حالنا وتفكر كأن النبي يجسد حال الأمة الآن أظهرنا الفاحشة فظهرت الأمراض والأوجاع وانقصنا الميزان فأُخذنا بالسنين وشدة المؤونة
ألسنا نرى السرقات تزداد يوماً بعد يوم. ولا أحد يتحرك ولا ينكر؟ ألسنا نرى جرائم الاعتداء على الآخرين بالإطلاق أو بالضرب أو الطعن تنتشر ؟؟ ألسنا نسمع بإنتشار المخدرات بين أوساط الشباب وغير هذا كثير ولو سألنا أنفسنا من هم الذين يأكلون الربا ومن هؤلاء الذين يقعون في المخدرات ويروجونها ومن هم الذين يسرقون ويعتدون ويقعون في المحرمات وعصيان رب الأرض والسماوات ؟ أليسوا منا بلا والله إنهم منا ونحن مسؤولون أمام الله عن إصلاحهم وإنكار المنكر عليهم . بل ومعرضون إلى عقوبة الله إن لم نفعل ذلك فقد روى الترمذي عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( والذي نفسي بيده لتأمُرُنَّ بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم) أليس هذا هو الواقع . فكم من مرة نخرج إلى الاستسقاء، ونتباكى بين يدي الله ونقلب أرديتنا بعد صلاتنا للاستسقاء، ثم نخرج ولا ينزل قطرة ؟؟؟وياليت الأمر يتوقف عند ذلك، بل إن بعض من يصلي الاستسقاء، من يساهم في انتشار مثل تلك الجرائم والمعاصي بالتستر على فاعليها من أجل حمية وعصبية قبلية، لا من أجل إقامة شرع الله وغيرة على حرمات الله والله المستعان إذا فكيف يتغير الحال
عباد الله إن عدم تغيير المنكرات سبب لغضب الجبار بل ونزول لعنته على من انتشرت عندهم قال تعالى :{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}ففشوَّ المنكراتِ وإعلانَها مؤذنٌ بسيلِ عذابٍ قد انعقَد غَمامُه ومُؤذنٌ بليلِ بلاءٍ قد ادلهمَّ ظلامه، ولأجلِ ذلك فإنَّ الله تعالى يذكِّر عبادَه إذا غفلوا، وينذرهم إذا عصَوا، ويخبرهم سبحانَه أنّ ما يحلُّ بالبشر إنما هو من عند أنفسهم وبفعل ايديهم {وَمَا أَصَـابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} وقال تعالى {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ } ألا فلنتق الله عباد الله لنتق الله في أنفسنا وفي مجتمعنا .لنتق الله ونصلح من أحوالنا ونحيي الغيرة على محارم الله في قلوبنا لنأمر بالمعروف ولننه عن المنكر. لنتق الله ولنعلق قلوبنا بالله ونقدره حق قدره ونعظمه حق تعظيمه ثم لنرفع أيدينا عباد الله . إلى ربنا الرحمن الرحيم لنرفع أيدينا ونحن مقرون بذنوبنا وأخطائنا لنرفع أيدينا ونحن عازمون على إصلاح أنفسنا ومن حولنا لنرفع أيدينا ونحن موقنون بالإجابة إن نحن صدقنا مع ربنا{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }
فاللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئا، غدقاً طبقاً مجلّلاً سحاً عاماً، نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل، تحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا
اللهم اسق بلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت.
اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، وأنزل علينا من بركاتك، واجعل ما أنزلته قوة لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين
اللهم إنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك.
اللهم يا من وسعت رحمته كل شيء، ارحم الشيوخ الركع، والأطفال الرضع، والبهائم الرتع، وارحم الخلائق أجمع، برحمتك يا أرحم الراحمين. { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَـٰنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } عباد الله اعلموا أنه يسنّ في مثل هذا الموطن أن تقلبوا أرديتكم اقتداءً بفعل نبيكم صلى الله عليه وسلم تفاؤلاً بتحويل الحال عما هي عليه من الشدة إلى الرخاء
المشاهدات 2084 | التعليقات 1

بارك الله فيكم