ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ

محسن الشامي
1436/02/04 - 2014/11/26 21:09PM
إن الحمد لله نحمده ونستعينة ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد إلا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين وإمامُ المرسلين صلِّ الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله فتزودوا من خير زاد ليوم المعاد {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}
اخوة الايمان وقفة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم (ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) كلمات قالها الحبيب صلى الله عليه وسلم عندما رأى رجلا في المسجد لا يُحسن الصلاة فلا يتم ركوعها ولا سجودها فقال له(ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ)فأعادها الرجل مرة أخرى فقال له النبي"ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"فلا اله الا الله يا عباد الله كيف لو رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاتنا اليوم كم مرةً سيقول لنا "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"فنشكو إلى الله قسوةً في قلوبنا وذهاباً لخشوعنا إن الناظر لأحوال بعض الناس اليوم مع الصلاة ليجد عجباً يؤدون الصلاة ولكن مع الوقوع في الخلل والاستمرار في الزلل يصلون و لا تُرى آثار الصلاة عليهم لا يتأدبون بآدابها ولا يلتزمون بأركانها وواجباتها صلاتهم صورية عادية يصلون أشباحاً بلا أرواح وقوالب بلا قلوب فلم تعد الصلاةُ عندهم صلةٌ روحانية بينهم وبين ربهم بل أصبحت مجردَ حركات يؤدنها بحكم العادة لا طعم لها ولا روح فمن أجل ذلك أيها الفضلاء رأيت أن أخصص الحديث هذا اليوم عن أهمية الخشوع في الصلاة التي يقول الله تعالى عنها {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}الصلاة التي قال عنها صلى الله عليه وسلم (مَا حَضَرتْ صَلاةٌ قطُّ إلاَّ نَادَتِ المَلائِكةُ يَا بَنى آدَمَ قُوموا إلى نَارِكُمْ الَّتى أوقَدْتُمُوهَا عَلى أنفُسِكُمْ فَأطفِئُوهَا بِالصَّلاةِ)الصلاة التي كان صلى الله عليه وسلم إذا ادّلهم به خطب أوطافت به مصيبة فزع إلى الصلاة وقال لبلال "أرحنا بها يابلال" الصلاة التي قال عنها صلى الله عليه وسلم(أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ مَا تَقُولُونَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ؟قَالُوا لاَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالَ:فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا)الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا فبالله عليكم يا مسلمون أيحسن بعاقل أن يصليها مخلاً بلبها وروحها وخشوعها فأعلم يا عبدالله أن الخشوع في الصلاة يتوقف عليه قبول صلاتك فجاهد نفسك واحذر عدوك ابليس فإنه قد أخذ العهد على نفسه بإضلال بني آدم وفتنتهم قال{ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}قال عليه الصلاة والسلام (إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّى جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَلَبَسَ عَلَيْهِ حَتَّى لاَ يَدْرِى كَمْ صَلَّى)فصار من أعظم كيد الشيطان صرف الناس عن الصلاة فيدخل على أحدهم وهو في صلاته فيصول ويجول بفكره في مجالات الدنيا ويتلفت بقلبه وبصره إلى حيث يريد فينفتل عن صلاته ولم يعقل منها إلا قليلاً ،بل لعل بعضهم لا يعقل منها شيئاً فجاهد الشيطان يا عبدالله ما استطعت فإنه يستطير فرحًا حين تُلف صلاتك كما يلف الثوب الخَلَقَ ثم يرمىى بها وجهك لا أجر ولا فضل فعليك يا عبدالله الأخذ بالأسباب المعينة على الخشوع والتي من اهمها بل وأعظمها:استحضار العبدُ عظمة ربه الذي هو واقف بين يديه، وأنه قريب منه يراه ويسمعه ويطلع على ما في قلبه وضميره وهذا يدل على أن الخشوع يتفاوت في القلوب بحسب حضورها وتعظيمها لله كان علي بن أبي طالب إذا حضر وقت الصلاة ارتعدت فرائصه وتزلزلت أركانه وتغير لونه،فسئل عن ذلك فقال:جاء وقت الأمانة التي عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان فلا أدري أأحسن أداء ما حملت أم لا؟ وهذا الإمام حاتمُ الأصم رحمه الله وهو من التابعين قيل له كيف أنت إذا جاءت الصلاة يا حاتِم ؟فقال رحمه الله إذا حانت الصلاة أسبغتُ الوضوء وأتيتُ الموضع الذي أريد الصلاة فيه فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي فإذا دخلتُ الصلاة جعلت كأن الكعبة أمامي والموت ورائي والصراط تحت قدمي والجنة عن يميني والنار عن شمالي والله مطلع علي، ثم أتم ركوعها وسجودها،فإذا سلمت لا أدري أقبلها الله أم ردها علي ومن أسباب الخشوع في الصلاة النظر إلى موضع السجود ولقد حذر النبي تحذيراً شديد لأولئك الذين يرفعون أبصارهم في الصلاة فقال(لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ رَفْعِهِمْ أَبْصَارَهُمْ عِنْدَ الدُّعَاءِ فِى الصَّلاَةِ إِلَى السَّمَاءِ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ ) رواه البحاري
ومن أسباب الخشوع قطع الحركة والعبث وملازمة السكون بعض الناس إذا قام في الصلاة يتململ ويحرك يديه ورجليه ويعبث بلحيته وأنفه وبشماغه وبما على رأسه بل إن بعضهم إذا دق جواله أخرجه ونظر من المتصل متناسيا أنه واقف بين يدي الجبار جل جلاله ثم يسلم عن يمينه وعن شماله لتقول له الصلاة "ضَيَّعكَ الله كَما ضَيَّعتني"فيامن تعبث وتلتفت في الصلاة اسمع لقول الحبيب عليه الصلاة والسلام (لاَ يَزَالُ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ مُقْبِلاً عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ فِي صَلاَتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ) رواه أبو داود والنسائي سألت ام المؤمنين عَائِشَة رضي الله عنها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ"هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ) والالتفات في الصلاة قسمان التفات القلب إلى غير الله الى مشاغل الدنيا وشهواتها الزائلة والثاني التفات البصر يمنة ويسرة وكلاهما منهي عنه
ومن أسباب الخشوع أن لا يصلي المسلم وبحضرته طعام يشتهيه: قال صلى الله عليه وسلم{إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ }قَالَ الإمام النَّوَوِيُّ فِي هَذِا الحديث كَرَاهِية الصَّلَاةِ بِحَضْرَة الطَّعَامِ الذي يريد أكله لما فيهِ مِنْ ذَهَابِ كَمَالِ الْخُشُوعِ وهذا أيها الأحبة إذا كان في الوقت سعة فإن خاف خروج وقت الصلاة إذا أكل فإنه يصلى أولاً محافظة على حرمة الوقت،فلا تؤخر الصلاة بحجة ذلك
الحمدلله رب العالمين ولا عدوان الا على الظالمين والصلاة والسلام على امام المتقين محمد الأمين وعلى آله وصحبه اجمعين اما بعد عباد الله اتقوا الله وأطيعوه وأعلموا أن من الأسباب المعينة على الخشوع في الصلاة أن يعلم العبد أن الله يجيبه في صلاته ويرد عليه قال صلى الله عليه وسلم(إنَّ أَحدَكمْ إذا قَامَ يُصلِّي إنَّما يَقُومُ يُناجِى رَبَّهُ فَليَنظُرْ كَيفَ يُناجيهِ) وفي الحديث القدسي(عنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي فَإِذَا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ: حَمِدَنِي عَبْدِي وَإِذَا قَالَ:الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ:أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي وَإِذَا قَالَ:مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي أَوْ قَالَ: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي وَإِذَا قَالَ:إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قَالَ:هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ وَإِذَا قَالَ:اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ قَالَ: هَذِهِ لَكَ ) ومن أسباب الخشوع:تدبر الآيات المقروءة وبقية أذكار الصلاة قال عَبْد اللهِ ابْنُ مَسْعُودٍ(قِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ وَلا يَكُنْ هَمَّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ ) ومن أسباب الخشوع:أن لا يصلي المرء و هو حاقن اوحاقب:والحاقن هو الحابس للبول، والحاقب:هو الحابس للغائط قال صلى الله عليه وسلم:(لاَ صَلاَةَ بِحَضْرةِ طَعَامٍ وَلاَ وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ) وهذه المدافعة بلا ريب تذهب بالخشوع ويشمل هذا الحكم أيضا مدافعة الريح وهذه المدافعة لا تُذهب بالخشوع فقط بل تجعل الصلاة مكروهة باتفاق الفقهاء.لقوله صلى الله عليه وسلم(لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُصَلِّىَ وَهُوَ حَقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ)صححه الألباني وأخيراً اعلم يا عبدالله أن أساب الخشوع أكثر مما ذكرت لك فاجتهد وفقك الله واعلم أن الخاشعين على مراتب وأحوال فليس كل باك خاشع وليس كل خاشع مطمئن وإنما مرد ذلك كله إلى علام الغيوب والمطلع على ما في الصدور وفقنا الله واياكم الى الاخلاص في القول والعمل والبعد عن الخطايا والزلل وصلوا وسلموا
المشاهدات 4758 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا