ارتباط العيدِ بالتكبير (خطبةُ عيد الفطرِ 1444هـ)

عبدالمحسن بن محمد العامر
1444/09/29 - 2023/04/20 22:22PM

الحمدُ للهِ الذي بتوحيدِه تُنَالُ الجناتِ، وبعبادتِه ترفعُ الدَّرجاتُ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ربُّ البرياتِ، وأشهدُ أنَّ محمّداً عبدُه ورسولُه جاءَ بخيرِ الرسالاتِ، وفُضِّلتْ أُمَّتُه على الأممِ السابقاتِ، صلى اللهُ وسلّم عليه، وعلى آله وأصحابِه أهلِ الفضائلِ والمكرماتِ، وعلى التابعينَ ومَنْ تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ البعثِ بعدِ المماتِ ..

أما بعدُ: فيا عبادَ اللهِ: أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ تعالى، وتعظيمِه، وتعظيمِ شعائرِه ومحرّماتِه، فتعظيمُ الشعائرِ والمحرّماتِ؛ مِنْ دلائلِ تقوى القلوبِ وخيرِيَّتِها؛ قال تعالى: "ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ" وقالَ جلَّ شأنُه: "ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ"

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلاّ اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ.

اللهُ أكبرُ كبيرًا، والحمدُ للهِ كثيرًا، وسبحانَ اللهِ بكرةً وأصيلاً.

معاشرَ المؤمنين: قالَ اللهُ تعالى: "وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"

فقدْ شرعَ اللهُ لعبادِه التكبيرَ عندَ إكمالِ صيامِ رمضانَ، وإتمامِ عِدّةِ أيامِهِ، حتّى ذهَبَ الظاهِريَّةُ إلى وجوبِه في ليلةِ عيدِ الفطرِ، وذهبَ جمهورُ العلماءِ إلى أنّه مستحبٌّ.

وهذا الذِّكرُ العظيمُ له فضلُه وشرفُه وقدْرُه؛ فكلمةُ "اللهُ أكبرُ" كلمةٌ عظيمةٌ مباركةٌ، فاللهُ سبحانَه هو: الكبيرُ الذي لا أكبرَ منه، الملكُ الذي كلُّ شيءٍ خاضِعٌ له.

 اللهُ أكبرُ من كلِّ شيءٍ ذاتًا وقُدْرَةً وقدَرًا، وعزَّةً ومنعَةً وجلالاً، هذه المعاني العِظامُ تُعطِي المؤمنَ الثقةَ باللهِ وحُسنَ الظنِّ به، فلا تقِفُ في حياتِه العقَبَاتُ، ولا يخافُ من مُستقبَلٍ آتٍ، ولا يتحسَّر على ماضٍ فات.

 فاللهُ أكبرُ وأجلُّ وأرحَمُ من أن يَتْرُكَ عبدَه المُتعلِّقَ به واللائِذَ بجنابِه، وكلما قوِيَ عِلْمُ العبدِ ومعرفتُه بأنَّ اللهَ أكبرُ؛ زادَتْ عندَه الخشيَةُ والرَّهبَةُ والتعظيمُ والمحبَّةُ وحُسْنُ العبادَةِ ولذَّةُ الطاعةِ، وعندها تُقبِلُ النُّفُوسُ على طاعةِ اللهِ، وتتوجَّهُ إليهِ، وتحبُّه وتتوكَّلُ عليه.

اللهُ أكبرُ؛ كلمةٌ صنعَتْ في تاريخِ المُسلمينَ العجائِبَ، وبثَّتْ في أهلِها مِنَ القوَّةِ ما اسْتعلَوا فيه على كلِّ كبيرٍ سِوى اللهِ ــ جلّ جلالُه ــ

اللهُ أكبرُ؛ جُملةٌ عظيمةٌ حافِظةٌ، إذا سمِعَها الشيطانُ تصاغَرَ وتَحَاقَرَ وخنَسَ، فكبرياءُ الجبَّارِ تَقْمَعُ انْتِفاشَ الشيطانِ، وإذا تَغَوَّلتْ الغِيْلانُ فَبَادِروا بالأذان.

فإن التكبيرَ ذِكرُ الجليلِ، وعبادةٌ عظيمةٌ، دعا اللهُ عبادَه إليها ورغَّبَهم فيها، فقالَ عزَّ شأنُه: "وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ" وقال تعالى: "وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا"

بتكبيرِ اللهِ وتعظيمِه تُحلُّ الكُروب، وتزولُ الخُطوب، وتُرفعُ الهُمومُ، وتنقشِعُ الغُمومُ.

 بتكبيرِ اللهِ وتعظيمِه يصفُو العيشُ، ويُشفَى الداءُ. يقولُ عُمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنه: (قولُ العبدِ: اللُه أكبْرُ خيرٌ مِنَ الدنيا وما فيها)   
وهو مشروعٌ في المواطِنِ الكِبَارِ، والمواضِعِ العِظامِ، في الزمانِ والمكانِ والحالِ؛ قالَ ابنُ حَجَرٍ - رحمهُ اللهُ - عن التكبيرِ: (ذكرٌ مأثورٌ عندَ كلِّ أمرٍ مهُولٍ، وعندَ كلِّ حادِثِ سُرورٍ، شُكرًا للهِ تعالى، وتبرئةً لهُ مِنْ كلِّ ما نَسَبَ إليه أعداؤُه)

معاشرَ المؤمنينَ: في تكبيرِ المسلمينَ ليلةَ العيدِ ويومَه؛ إعلانٌ للنصرِ على النّفسِ والشيطانِ والهوى، فقدْ صاموا شهرَهم وأكملوا عدّته، وقاموا ليلَهُم، وأدّوا زكاةَ فطْرِهم، وتَلَوا كتابَ ربِّهم، وأطعموا الطعامَ وتقربوا بالطّاعاتِ للملكِ العلامِ.

وفي تكبيرِ المسلمينَ ليلَةَ العيدِ ويومَه؛ إعلانٌ للانتصارِ على النفسِ وحُظُوظِها في خُصُوماتِها مع الآخرينَ، وإعلانٌ للحربِ على القطيعةِ والهُجرانِ، وإيذانٌ بالمصَالحَةِ ومدِّ يدِ الوصلِ والمحبّةِ والوئامِ. 

وفي تكبيرِ المسلمينَ ليلةَ العيدِ ويومَه؛ إعلانٌ بتأكيدِ الأُخوَّةِ الإيمانيةِ، وترسيخِ مبدأِ الجسدِ الواحدِ، والبنيانِ المرصوصِ.

وفي تكبيرِ المسلمينَ ليلةَ العيدِ ويومَه؛ إعلانٌ للقيمةِ الإسلاميةِ العظيمةِ؛ التَّواضعِ، فيومُ العيدِ يومُ التّواضُعِ، وتَرْكِ الكِبْرِ والتعالي؛ قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: "وإنَّ اللَّهَ أَوْحَى إلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حتَّى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ علَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ علَى أَحَدٍ" رواهُ مسلمٌ.

وفي تكبيرِ المسلمينَ ليلةَ العيدِ ويومَه؛ إخلاصُ النيّةِ للهِ في جميعِ الأعمالِ والأقوالِ، فلا أكبرُ مِنَ اللهِ يُقصدُ، ولا أكبرُ مِنَ اللهِ يُرْجى، ولا أكبرُ مِنَ اللهِ يُخافُ، ولا أكبرُ مِنَ اللهِ يُراقبُ، عنْ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهما قالَ: بيْنَما نَحْنُ نُصَلِّي مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذْ قالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: مِنَ القَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟ قالَ رَجُلٌ مَنِ القَوْمِ: أَنَا، يا رَسولَ اللهِ، قالَ: عَجِبْتُ لَهَا، فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ" رواه مسلمُ.

وفي تكبيرِ المسلمينَ ليلةَ العيدِ ويومَه؛ إعلانٌ للفرحِ والبهجةِ بإتمامِ صيامِ شهرِ رمضانَ وقيامِه، واستبشارٌ بالقبولِ والرحمةِ والغفرانِ مِنْ الغفورِ الرحيمِ؛ البرِّ الكريمِ.

بارك اللهُ لي ولكم بالكتابِ والسنةِ ونفعنا بما فيهما مِنَ الآياتِ والحكمةِ.

أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه إنّه كانَ غفَّاراً.

 

الخطبةُ الثانيةُ:

الحمدُ للهِ شرعَ ويسّرَ، وأبانَ الدِّينَ وأظهرَ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمّداً عبدُه ورسولُه خيرُ البشرِ، وأزكى مَنْ رُفِعَ ذِكْرُه واشتهرَ، صلى الله وسلمَ عليه وعلى آله وصحابتِه خيرِ آلٍ وصحبٍ ومعشرٍ، وعلى مَنْ تبعِهم بإحسانٍ إلى يومِ البعثِ والمحشرِ..

أما بعدُ: فيا عبادَ اللهِ: اتقوا الله " وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ"

معاشرَ المؤمنينَ: التكبيرُ ليلةَ العيدِ ويومَه؛ نداءٌ لعبادةٍ أخرى، وتنبيه لنا بعدمِ الغفلةِ عن طاعةِ اللهِ، مؤذنٌ بالانتقالِ مِنْ حالٍ إلى حالٍ، فكما أنَّ التكبيرَ في الصلاةِ يكونُ للانتقالِ مِنْ فعلٍ إلى فعلٍ آخرَ؛ فكذلك التكبيرُ ليلةَ العيدِ ويومَه، قالَ تعالى: " فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ* وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ" وقالَ تعالى: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ"

عبادَ اللهِ: هذا غيضٌ مِنْ فيضٍ من فضائلِ التكبيرِ، ومعانِيه العِظامِ، تَحثُّ المسلمَ، وتُنَبِّهُ الغافلَ، وتأخذُ بِيَدِ المُبَادِرِ.

معاشرَ المسلماتِ المؤمناتِ؛ إمَاءَ اللهِ: أوصيكنَّ ونفسي بتقوى اللهِ في السرِّ والعلّنِ، ويتأكّدُ عليكُنَّ ما أمركُنَّ بهِ اللهُ في كتابِه العزيزِ إذا قالَ موجِّهاً الخطابَ لكنَّ مباشرةً فقالَ جلَّ شأنُه: "وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ" ثمَّ بيّنَ لَكُنَّ لِمَنْ تُظْهِرْنَ زينتكنَّ ومَنْ يجوزُ له رؤيَتُها، فقال: "وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"

وممّا أمَرَكُنَّ به اللهُ قولُه تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا" قالتْ أمُّ المؤمنينَ أمُّ سلمةَ رضيَ اللهُ عنها: لمَّا نزلتْ هذه الآيةُ: (يُدْنِيْن عليهنَّ مِنْ جلابيبهِنَّ (خَرَجَ نساءُ الأنصارِ كأنَّ على رؤسِهنَّ الغِرْبَانُ مِنَ السّكِينَةِ، وعليهنَّ أكسيةٌ سودُ يَلبَسْنَها.

وقالَ ابنُ عبّاسٍ: أَمرَ اللهُ نساءَ المؤمنينَ إذا خرجنَ مِنْ بُيوتِهنَّ في حاجةٍ أنْ يُغَطِينَ وُجوْهَهُنَّ مِنْ فَوْقِ رؤوسِهِنَّ بالجلابِيْبِ، ويبدينَ عيناً واحدةً.

أسألُ اللهَ أنْ يحفظَ عليكُنَّ دينَكُنَّ وحياءَكنَّ وعفافَكُنَّ، وأنْ يوفِقَكُنَّ لما يُحبُّ ويرضى، وأنْ يأخذَ بنواصِيكُنَّ للبرِّ والتقوى.

اللهم تقبلَ منا الصيامَ والقيامَ وصالحَ الأعمالِ..

اللهم اجعلنا ممن رحمتَه وقبلتَه وقرّبتَه وأعليتَ منزلته ياذا الجلال والإكرامِ.

اللهمَ أعدْ رمضانَ علينا أعواماً عديدةً وأزمنةً مديدةً يا ربَّ العالمين.

هذا وصلوا وسلموا على رسولِ اللهِ..

 

 

 

 

 

 

 

 

المشاهدات 564 | التعليقات 0