ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً

الحمد لله رب العالمين ... إخوة الإيمان والعقيدة ... نداءٌ إلى مَن قلبه مكلوم، وفؤاده حزين، إلى مَن أكلته الهموم، وأحرقته المصائب والمِحَن، ودقَّ عظمَهُ الفقر؛ فأصبح مشتَّت الأفكار. نداءٌ إلى من ضلَّ عن الطريق المستقيم وتاه في متاهات الضالين ونسي يوم الدين. نداءٌ إلى مَن أُغْلِقَتْ دونه الأبواب. نداءٌ إلى كل عقيم، وإلى كل مريض، وإلى كل مبتلى، إلى كل مكروب، إلى كل مظلوم، إلى كل محروم. نداءٌ إلى كل واقع في شدة، متورط في كُربة، غارق في معضلة، خائف من عدو، متطلع إلى النصر. نداء إلى المرابطين في الثغور، إلى كل مقهور ومكسور، إلى كل مدين، إلى كل حزين، إلى كل سجين. إلى هؤلاء وهؤلاء هذا النداء من رب الأرض والسماء ]ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً[ ]هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[. إن من أقوى الأسلحة والعلاجات لمواجهة المصائب والمحن، وللسلامة من الأزمات والفتن، ولعلاج الهم والحزن؛ إنما هو في الالتجاء إلى الله والتضرع بين يديه، والاحتماء بحماه. الإنسان يكون في أشرف أحواله عندما يتبتل إلى الله ولا يرجو إلا إياه، ولا يأمل فيما سواه، فماذا يرجو الفقير من فقير مثله؟!، وماذا يبغي العاجز من عاجز مثله؟! إن المسلك الرشيد الوحيد ألا يقف المرء سائلاً إلا بباب الله القويّ الغنيّ، وإن أحق من يشدون إليه الرحال ويربطون به الآمال هو الكبير المتعال. إنه الله جل جلاله.. الملك الجليل الشأن الذي انبسط سلطانه على كل شيء، فهو في السماء إله وفي الأرض إله، ويعطي ويغدق؛ الكمال نعته سواء عرف البشر ذلك أم أنكروا، وعطاؤه على قدر لعظمته، ومِن ثَمَّ فهو أحقّ مَن يُرْجَى ويُقْصَد. إن الإنسان عندما يشمخ بنفسه وبحوله وطوله، ويأنس بما أعد ويذهل عن الله الذي إليه تصير الأمور، والمهيمن على زمام الحياة فإن النتائج تفجؤه بما لا يتوقع. في حُنَيْن استراح المسلمون لكثرتهم، وقالوا: لن نغلب اليوم من قلة، وتبخر اعتمادهم على السماء فكانت النتيجة ]وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا[ بينما في بدر واجه المسلمون عدوهم مستظهرين ببأس الله وتضاعف دعاؤهم وذكرهم لله، فجاءت النتيجة نصراً باهراً ]وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[. إن الأجدر بالمسلمين اليوم وهم يعيشون البأساء والضراء، ويقاسون الآلام واللأواء، أن يَرِدوا بابًا من أبواب التيسير عظيمًا، وحكمة من حِكَم المصائب جليلة، إنه دعاء الله والتضرُّع إليه واللجوء في السراء والضراء إليه ]وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ[. الدعاء -يا مسلمون- هو ملاك الأمر، وروح العبادة، ومرضاة الرحمن، وملاذ الإنسان، في الدعاء تتجلى حقيقة العبودية، وتكمن فيه روح الافتقار إلى الجبار، وليس شيء أكرم على الله -عز وجل- من الدعاء. الدعاء زاد المؤمن، وسلوة العابد، وملاذ الخائف، وملجأ المكروب، يحبه الله ويفرح به ويغضب على من تركه ]قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ[. الدعاء هو العبادة، وفيه ابتعاد عن الكبر ]وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ[. قال رسول الله ﷺ (ولا يرد القدرَ إلا الدعاءُ) بالدعاء يُحْفَظ الأبرار، ويُصَان الأخيار، ويتحصن الأطهار، فنسيانه ضياعٌ، وتركه شقاءٌ، والتهاون به عجز، قال رسول الله ﷺ (أعجز الناس من عجز عن الدعاء). أسأل الله أن يجعلنا من عباده الصالحين المتقين. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله ...     الحمد لله رب العالمين ... معاشر المؤمنين ... إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً، لا يخيب عبداً دعاه، ولا يرد مؤمناً ناجاه، قال الله في الحديث القدسي (يا عبادي، كلُّكم ضالٌّ إلّا مَن هدَيْتُه؛ فاستَهْدوني أَهدِكم، يا عبادي، كلُّكم جائِعٌ إلا مَن أطعَمْتُه؛ فاستطعِموني أُطعِمْكم، يا عبادي؛ كلُّكم عارٍ إلّا مَن كسَوْتُه؛ فاستَكْسوني أَكْسُكُمْ). إن ربكم ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول (من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) ما أكمل الإنسان حينما تهدأ العيون، وتهجع النفوس، وتسود ظلمة الليل، ينشط لذكر الله، ويسكب العبرات، ويظهر الحاجة والافتقار إلى مولاه، ويعترف بعجزه وضعفه ويلح عليه بالثناء والتسبيح والتهليل، ويردد ]رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ[. إن الواجب على من أراد أن يحقق الله رجاءه، وأن يجيب دعاءه، أن يدعو ربه وهو موقن بالإجابة عظيم الثقة بالله شديد الرجاء فيما عنده. إن إجابة الدعاء مرهونة بحكمة يعلمها الله، وإن الله أمرنا بالدعاء ووعدنا بالإجابة، ووعده لا يتخلف، ولكن من حكمته ورحمته أن يختار لعبده ما هو أنفع وأكمل ]وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ[ وفي الحديث (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجّل له دعوته، وإما أن يدّخرها له في الآخرة، وإما أن يَصرف عنه من السوء مثلها) قالوا: يا رسول الله، إذن نكثر، قال (الله أكثر). لا تستبطئوا الإجابة، فلربما كان ما نعيشه من أمن ورخاء ثمرة دعوة ضجَّ بها الأولون، ولربما كانت دعواتكم اليوم سببًا في صرف ودفع مكروه في المستقبل فلا تملوا. اللهم ربّ السموات، وربّ الأرض، وربّ العرش العظيم، ربنا وربّ كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شرِّ كل ذي شرٍّ أنت آخذٌ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا. اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل. اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت. وصلى الله على نبينا محمد

المرفقات

1636098855_ادعو ربكم تضرعا وخفية.docx

1636098869_ادعوا ربكم تضرعا وخفية.pdf

المشاهدات 1034 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا