اخطاء شائعة في الصلاة
أبو ناصر فرج الدوسري
1438/05/02 - 2017/01/30 08:03AM
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَحْمَدُهُ وَنُثْنِي عَلَيْهِ وَنَشْكُرُهُ جَلَّ وَعَلَا أَنْ جَعَلَنَا مِنْ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ الْقَوِيم، وَمِنْ أَتْبَاعِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
أما بعد: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةَ، فِهِيَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَنْهُ الْعَبْدُ مِنْ عَمَلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ عِنْدَ الْحِسَابِ قَدْ تَكُونُ هَذِهِ الصَّلَاةُ مَقْبُولَةً وَقَدْ تَكُونُ مَرْدُودَةً،
عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ تُسْعُهَا ثُمْنُهَا سُبْعُهَا سُدْسُهَا خُمْسُهَا رُبْعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
وَهَذَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ حَسَبَ إِخْلَاصِهِ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي عَمَلِهِ، وَحَسَبَ اتِّبَاعِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إن المتأمل في أحوالِ بعض المصلين يجد جملة الْأَخْطَاءِ التِي تَقَعُ مِنْ بَعْضِ الْمُصَلِّينَ فَتُخِلُّ بِصَلَاتِهِمْ وَرُبَّمَا تُبْطِلُهَا.
(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)
فعلينا جميعاً أن نتعاون ونتعرف على هذه الأخطاء التي تقع منا في صلاتنا لنتجنبها حتى تكون صلاتنا صحيحة يرضاها الله سبحانه وتعالى.
فمما جاء النهي عنه: كشف العاتقين في الصلاة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ)
فلا ينبغي لك يا عبد الله أن تصلي ولو في بيتك منفرداً لا أحد حولك، لا ينبغي لك أن تصلي وعاتقاك مكشوفان، ما بين العنق إلى الساعد، ما بين العنق إلى طرف الكتف من جهة اليد، هذا العاتق.
وقد اختلف أهل العلم في صحة صلاة مكشوف العاتقين، فالأحوط أن يعيد الصلاة إذا صلى وعاتقاه مكشوفان، ولذلك فليحذر الذين يصلون في فصل الصيف بالقميص الشيال ، الذي ليس على العاتقين منه إلا حبل يسير.
ومن الأمور المكروهة في الصلاة: السدل، وتغطية الفم، والتلثم، كما جاء النهي في الحديث الصحيح: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ ، وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ "، وكذلك يدخل في هذا تشمير الثوب ولمه أثناء الصلاة لغير حاجة.
ويدخل في السدل كما قال بعض أهل العلم: أن يضع على عاتقيه مشلحاً، أو معطفاً لا يدخل يديه في الأكمام، ويبقى المشلح والمعطف مفتوحاً، أما إذا ضم طرفيه على بعضهما، وأغلقه فلا بأس بذلك، وإن لم يدخل يديه في الأكمام.
ومما نهي عنه أيضاً: الصلاة في الثوب الذي عليه صورة
وكذلك شاع بين بعض الناس في بعض أماكن العمل، الصلاة وهو حامل صورة، والصورة التي في إثبات الشخصية، فينبغي على من يضعون بطاقات إثبات الشخصية إذا كانت ضرورية لا بد من وضعها, مثل بطاقة العمل، ينبغي لهم إذا صلوا أن يدخلوها في جيوبهم، ولا يصلوا وهي معلقة على صدورهم.
وكذلك في الأماكن التي فيها صور، أو السجاد الذي فيها نقوش وتصاوير، فتكره الصلاة في مكان فيه أي شيء يشغل المصلي.
أما الأمور المحرمة التي جاء النهي عنها فهي كثيرة، فمن ذلك:
الصلاة على القبور أو إليها, قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمٌ أَحْيَاءٌ، وَمَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ).
ولا تصح الصلاة في المساجد المبنية على القبور ، فإذا كان القبر أولاً، ثم بني عليه المسجد أزيل المسجد، وإذا كان المسجد أولاً ثم وضع فيه القبر نبش القبر ونقل الرفات إلى المقبرة،
ويستحسن أن يكون بين القبر والمسجد شارع،
ولا تصح الصلاة بين القبور ولا في المقبرة.
ومن الأمور التي جاء النهي عنها في الصلاة، الإسبال:
والإسبال من المحرمات العظيمة ومن كبائر الذنوب، سواء كان في الإزار، أو في السراويل، أو في القميص، أو في العمامة، أو في البشت أو الفروة، كل ذلك محرم في حق الرجل،
أما حكم صلاة المسبل فقد اختلف العلماء فيها هل هي صحيحة أم باطلة.
والراجح صحتها مع ارتكابة لكبيرة من كبائر الذنوب
ومن العلماء من يرى أن صلاة المسبل ليست بصحيحة، وذلك لأنه سَتَرَ عورته بثوب محرّم، وجعل هؤلاء العلماء أن من شروط الستر أن يكون الثوب مباحاً.
فعلى المسبل أن يتَّقي الله عز وجل وأن يرفع ثيابه حتى تكون فوق كعبيه.
ومن المنكرات الحاصلة عند بعض الناس في الصلاة انكشاف العورة أثناء الصلاة ، نتيجة تفصيل الثياب أو طبيعتها، فبعضهم قد يلبس بنطلوناً ويلبس عليه قميصاً قصيراً، فعند الركوع أو السجود ينحسر القميص عن البنطلون، ويظهر بعض العورة من الخلف، ومعلوم أن ما بين السرة والركبة من العورة، من الأمام ومن الخلف، فإذا خرج بعض الظهر أو بعض العجز من جهة العورة بطلت الصلاة.
وحرصوا نساؤكم على لبس ما يستر البدن إلا الوجه والكفين أثناء الصلاة، فظهر قدمي المرأة عورة يجب ستره، احرص على نساء بيتك.
وكذلك من المنكرات: الصلاة في الثياب الضيقة الضاغطة التي تصف العورة وتبين تقاطيعها، فليحذر من يلبس ثوباً أو بنطالاً يحجم العورة، وخصوصاً السوءتين، وخصوصاً المؤخرة.
ومن المنكرات التي تبطل الصلاة: الصلاة في الثياب الرقيقة الشفافة التي تظهر لون البشرة وما وراءها من البدن، وتميز لون بشرته هل هو فاتح أو غامق ونحوه، هذا حرام في حق الذكر والأنثى، سواء صلى جماعة أو منفرداً، في البيت أو المسجد، فإذا لم يستر عورته لم تصح صلاته، ومعلوم أنه إذا صلى بثوب شفاف لا يكون ساتراً لعورته،
فمن صلى اليوم بجلابية أو ثوب من هذا النوع الرقيق ، وتحته سراويل قصيرة أعلى من الركبتين أو إلى منتصف الفخذ، أو أعلى من ذلك، وميز لون البشرة من وراء هذا القماش، فإن صلاته غير صحيحة؛ لأنه لم يستر عورته، انتبهوا لهذا.
وَمِنَ الأَخْطَاءِ الْفَادِحَةِ فِي الصَّلَاةِ: أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ لا يَقْرَأُ فِيهَا، أَوْ رُبَّمَا قَرَأَ فِي قَلْبِهِ وَلَمْ يُحَرِّكْ شَفَتَيْهِ وَلا لِسَانَهُ، وَلا شَكَّ أَنَّ صَلَاةَ هَذَا بَاطِلَةٌ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ لا بُدَّ فِيهَا مِنْ قَرَاءَةٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَسْبِيحَاتٍ وَقِرَاءَةٍ لِلتَّحَيِّاتِ، فَمَنْ لَمْ يُحَرِّكْ شَفَتَيْهِ وَلا ِلِسَانَهُ بِالْقِرَاءَةِ فَصَلاتُهُ لا تَصِحُّ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللهِ وَيُعِيدَهَا. وهذا لا يعني أن تجهر في الصلاة جهراً يؤذي من حولك، ولا أن تجهر في الصلاة السرية، بل ترفع صوتك بقدر ما تُسمعُ نفسك.
اللهم إنا نسألك أن تبصرنا بسنة نبينا، وأن ترزقنا الصلاة كما كان يصلي، وأن تجعلنا في الصلاة خاشعين، وللسنة فيها متبعين، وللبدعة مجتنبين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عباد الله: لنا وقفة أخرى مع بعض الأخطاء التي تقع من بعض المصلين.
أيها المسلمين: إن من المنكرات العظيمة الشائعة، التي ندر أي يسلم منها مسجد جماعة، أو جماعة يصلون، كثرة الحركة والعبث في الصلاة.
إذا قمتم إلى الصلاة فقوموا خاشعين ساكنين، عليكم السكينة والخشوع،
كما أمر الله ورسوله: ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) سورة المؤمنون1-2.
وقد اتفق أهل العلم على أن الحركة الكثيرة المتوالية لغير حاجة في الصلاة تبطلها.
ومن الأمور العجيبة المنكرة: عدم الطمأنينة في القيام، والركوع، والسجود، والجلسة بين السجدتين،
والطمأنينة ركن من أركان الصلاة إذا لم تأت بها فصلاتك باطلة.
وَمِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَيْضاً: أَنَّ كَثِيرَاً مِنَ النَّاسِ النَّاسِ يَقُومُ يَقْضِي يقضي ما فاته من الصلاة مع الإمام قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الإِمَامُ التَّسْلِيمَتَيْنِ، بَلْ بَعْضُهُمْ رُبَّمَا يَقُومُ يَقْضِي صَلاتَهُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ الإِمَامُ التَّسْلِيمَةَ الأُوَلَى، وَلا شَكَّ أَنَّ مِثْلَ هَذَا صَلاتُهُ بَاطِلَةً، لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَنْتَظِرَ فَلا يَقُومُ يَقْضِي صَلاتَهُ حَتَّى يَخْتِمَ الإِمَامُ التَّسْلِيمَتَيْنِ.
ومما يخفى على كثير من المصلين الذين يصلون وهم جلوس أنه إذا عجز القيام فإنه يجلس عن القيام والركوع والسجود وهذا خطأ كبير.
فمن كان عاجزاً عن القيام جاز له الجلوس على الكرسي أثناء القيام ، ويأتي بالركوع والسجود على هيئتهما ، مثل من لديه ألم في رجله أو ظهره ولا يستطيع القيام طويلاً فهذا يكبر تكبيرة الإحرام وهو واقف مستند على عصى أو عكاز ثم يجلس على الأرض وهو الأفضل أو على كرسي فإذا ركع الإمام يقوم ويركع معه وإذا سجد ينزل من كرسيه ويسجد معه.
لأن العذر كان عن القيام فقط وليس عن القيام والركوع والسجود.
فإن استطاع القيام وشقَّ عليه الركوع والسجود : مثل من لديه ألم أو مرض في جبهته أو عينه يستطيع القيام ,
فيصلي قائماً ثم يجلس على الكرسي عند الركوع والسجود ، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه .
فاللهمَّ ارزقنا الفِقهَ في الدِّينِ واتِّباعَ سيِّدِ المُرسلَينَ، اللهمَّ اجعلنا وذُرِّيَاتِنَا مُقيمِي الصَّلاةِ على الوجهِ الذي يُرضيكَ عنَّا، رَبَّنا، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.
وارزقنا صحة الصلاة وإقامة عمود الدين، وأَنْ يَفْقِهَنَا فِي صَلَاتِنَا، وَأَنْ يُعِينَنَا وَإِيَّاكُمْ عَلَى تَصْحِيحِهَا، وَأَنْ يَتَجَاوَزَ عَمَّا وَقَعْنَا فِيهِ مِنْ أَخْطَاءِ، إِنَّهُ وَلِيَّ ذَلِكَ وَالقَادِرُ عَلَيْهِ..
اللهمَّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات اغفر لنا ولوالدينا ولجميعِ المُسلِمينَ،
اللهمَّ وفِّق ولاتَنَا لِمَا تُحبُّ وتَرضَى أعنهم على البرِّ والتَّقوى أصلح لهم البطانة وأعنهم على أداءِ الحقِّ والأمانة،
وَأَجْعَل هَذَا البَلَدَ آَمِنًا مطمئناً وَجَميعِ بِلَادِ المُسْلِمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ
اَللَّهُمَّ أَعَزَّ الإِسْلَامُ وَالمُسْلِمِينَ، وَأُذِلَّ الشَّرَكُ والمشركين، وَاحِمُ حَوْزَةِ الدِّينِ،
اَللَّهُمَّ اُنْصُرْ إِخْوَانَنَا فِي الشام وَالعِرَاقِ وَاليَمَنِ وَفِلَسْطِينَ وَبُورْمَا وَفِي كُلِّ مَكَانٍ اللهم أنصرهم وثبت أقدامهم
اَللَّهُمَّ اُنْصُرْ المُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِكَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَثَبَّتَّهُمْ عَلَى كَلِمَةِ الحَقِّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ..
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
(اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
[العنكبوت: 45].
أما بعد: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةَ، فِهِيَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَنْهُ الْعَبْدُ مِنْ عَمَلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ عِنْدَ الْحِسَابِ قَدْ تَكُونُ هَذِهِ الصَّلَاةُ مَقْبُولَةً وَقَدْ تَكُونُ مَرْدُودَةً،
عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ تُسْعُهَا ثُمْنُهَا سُبْعُهَا سُدْسُهَا خُمْسُهَا رُبْعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
وَهَذَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ حَسَبَ إِخْلَاصِهِ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي عَمَلِهِ، وَحَسَبَ اتِّبَاعِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إن المتأمل في أحوالِ بعض المصلين يجد جملة الْأَخْطَاءِ التِي تَقَعُ مِنْ بَعْضِ الْمُصَلِّينَ فَتُخِلُّ بِصَلَاتِهِمْ وَرُبَّمَا تُبْطِلُهَا.
(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)
فعلينا جميعاً أن نتعاون ونتعرف على هذه الأخطاء التي تقع منا في صلاتنا لنتجنبها حتى تكون صلاتنا صحيحة يرضاها الله سبحانه وتعالى.
فمما جاء النهي عنه: كشف العاتقين في الصلاة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ)
فلا ينبغي لك يا عبد الله أن تصلي ولو في بيتك منفرداً لا أحد حولك، لا ينبغي لك أن تصلي وعاتقاك مكشوفان، ما بين العنق إلى الساعد، ما بين العنق إلى طرف الكتف من جهة اليد، هذا العاتق.
وقد اختلف أهل العلم في صحة صلاة مكشوف العاتقين، فالأحوط أن يعيد الصلاة إذا صلى وعاتقاه مكشوفان، ولذلك فليحذر الذين يصلون في فصل الصيف بالقميص الشيال ، الذي ليس على العاتقين منه إلا حبل يسير.
ومن الأمور المكروهة في الصلاة: السدل، وتغطية الفم، والتلثم، كما جاء النهي في الحديث الصحيح: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ ، وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ "، وكذلك يدخل في هذا تشمير الثوب ولمه أثناء الصلاة لغير حاجة.
ويدخل في السدل كما قال بعض أهل العلم: أن يضع على عاتقيه مشلحاً، أو معطفاً لا يدخل يديه في الأكمام، ويبقى المشلح والمعطف مفتوحاً، أما إذا ضم طرفيه على بعضهما، وأغلقه فلا بأس بذلك، وإن لم يدخل يديه في الأكمام.
ومما نهي عنه أيضاً: الصلاة في الثوب الذي عليه صورة
وكذلك شاع بين بعض الناس في بعض أماكن العمل، الصلاة وهو حامل صورة، والصورة التي في إثبات الشخصية، فينبغي على من يضعون بطاقات إثبات الشخصية إذا كانت ضرورية لا بد من وضعها, مثل بطاقة العمل، ينبغي لهم إذا صلوا أن يدخلوها في جيوبهم، ولا يصلوا وهي معلقة على صدورهم.
وكذلك في الأماكن التي فيها صور، أو السجاد الذي فيها نقوش وتصاوير، فتكره الصلاة في مكان فيه أي شيء يشغل المصلي.
أما الأمور المحرمة التي جاء النهي عنها فهي كثيرة، فمن ذلك:
الصلاة على القبور أو إليها, قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمٌ أَحْيَاءٌ، وَمَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ).
ولا تصح الصلاة في المساجد المبنية على القبور ، فإذا كان القبر أولاً، ثم بني عليه المسجد أزيل المسجد، وإذا كان المسجد أولاً ثم وضع فيه القبر نبش القبر ونقل الرفات إلى المقبرة،
ويستحسن أن يكون بين القبر والمسجد شارع،
ولا تصح الصلاة بين القبور ولا في المقبرة.
ومن الأمور التي جاء النهي عنها في الصلاة، الإسبال:
والإسبال من المحرمات العظيمة ومن كبائر الذنوب، سواء كان في الإزار، أو في السراويل، أو في القميص، أو في العمامة، أو في البشت أو الفروة، كل ذلك محرم في حق الرجل،
أما حكم صلاة المسبل فقد اختلف العلماء فيها هل هي صحيحة أم باطلة.
والراجح صحتها مع ارتكابة لكبيرة من كبائر الذنوب
ومن العلماء من يرى أن صلاة المسبل ليست بصحيحة، وذلك لأنه سَتَرَ عورته بثوب محرّم، وجعل هؤلاء العلماء أن من شروط الستر أن يكون الثوب مباحاً.
فعلى المسبل أن يتَّقي الله عز وجل وأن يرفع ثيابه حتى تكون فوق كعبيه.
ومن المنكرات الحاصلة عند بعض الناس في الصلاة انكشاف العورة أثناء الصلاة ، نتيجة تفصيل الثياب أو طبيعتها، فبعضهم قد يلبس بنطلوناً ويلبس عليه قميصاً قصيراً، فعند الركوع أو السجود ينحسر القميص عن البنطلون، ويظهر بعض العورة من الخلف، ومعلوم أن ما بين السرة والركبة من العورة، من الأمام ومن الخلف، فإذا خرج بعض الظهر أو بعض العجز من جهة العورة بطلت الصلاة.
وحرصوا نساؤكم على لبس ما يستر البدن إلا الوجه والكفين أثناء الصلاة، فظهر قدمي المرأة عورة يجب ستره، احرص على نساء بيتك.
وكذلك من المنكرات: الصلاة في الثياب الضيقة الضاغطة التي تصف العورة وتبين تقاطيعها، فليحذر من يلبس ثوباً أو بنطالاً يحجم العورة، وخصوصاً السوءتين، وخصوصاً المؤخرة.
ومن المنكرات التي تبطل الصلاة: الصلاة في الثياب الرقيقة الشفافة التي تظهر لون البشرة وما وراءها من البدن، وتميز لون بشرته هل هو فاتح أو غامق ونحوه، هذا حرام في حق الذكر والأنثى، سواء صلى جماعة أو منفرداً، في البيت أو المسجد، فإذا لم يستر عورته لم تصح صلاته، ومعلوم أنه إذا صلى بثوب شفاف لا يكون ساتراً لعورته،
فمن صلى اليوم بجلابية أو ثوب من هذا النوع الرقيق ، وتحته سراويل قصيرة أعلى من الركبتين أو إلى منتصف الفخذ، أو أعلى من ذلك، وميز لون البشرة من وراء هذا القماش، فإن صلاته غير صحيحة؛ لأنه لم يستر عورته، انتبهوا لهذا.
وَمِنَ الأَخْطَاءِ الْفَادِحَةِ فِي الصَّلَاةِ: أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ لا يَقْرَأُ فِيهَا، أَوْ رُبَّمَا قَرَأَ فِي قَلْبِهِ وَلَمْ يُحَرِّكْ شَفَتَيْهِ وَلا لِسَانَهُ، وَلا شَكَّ أَنَّ صَلَاةَ هَذَا بَاطِلَةٌ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ لا بُدَّ فِيهَا مِنْ قَرَاءَةٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَسْبِيحَاتٍ وَقِرَاءَةٍ لِلتَّحَيِّاتِ، فَمَنْ لَمْ يُحَرِّكْ شَفَتَيْهِ وَلا ِلِسَانَهُ بِالْقِرَاءَةِ فَصَلاتُهُ لا تَصِحُّ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللهِ وَيُعِيدَهَا. وهذا لا يعني أن تجهر في الصلاة جهراً يؤذي من حولك، ولا أن تجهر في الصلاة السرية، بل ترفع صوتك بقدر ما تُسمعُ نفسك.
اللهم إنا نسألك أن تبصرنا بسنة نبينا، وأن ترزقنا الصلاة كما كان يصلي، وأن تجعلنا في الصلاة خاشعين، وللسنة فيها متبعين، وللبدعة مجتنبين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عباد الله: لنا وقفة أخرى مع بعض الأخطاء التي تقع من بعض المصلين.
أيها المسلمين: إن من المنكرات العظيمة الشائعة، التي ندر أي يسلم منها مسجد جماعة، أو جماعة يصلون، كثرة الحركة والعبث في الصلاة.
إذا قمتم إلى الصلاة فقوموا خاشعين ساكنين، عليكم السكينة والخشوع،
كما أمر الله ورسوله: ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) سورة المؤمنون1-2.
وقد اتفق أهل العلم على أن الحركة الكثيرة المتوالية لغير حاجة في الصلاة تبطلها.
ومن الأمور العجيبة المنكرة: عدم الطمأنينة في القيام، والركوع، والسجود، والجلسة بين السجدتين،
والطمأنينة ركن من أركان الصلاة إذا لم تأت بها فصلاتك باطلة.
وَمِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَيْضاً: أَنَّ كَثِيرَاً مِنَ النَّاسِ النَّاسِ يَقُومُ يَقْضِي يقضي ما فاته من الصلاة مع الإمام قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الإِمَامُ التَّسْلِيمَتَيْنِ، بَلْ بَعْضُهُمْ رُبَّمَا يَقُومُ يَقْضِي صَلاتَهُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ الإِمَامُ التَّسْلِيمَةَ الأُوَلَى، وَلا شَكَّ أَنَّ مِثْلَ هَذَا صَلاتُهُ بَاطِلَةً، لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَنْتَظِرَ فَلا يَقُومُ يَقْضِي صَلاتَهُ حَتَّى يَخْتِمَ الإِمَامُ التَّسْلِيمَتَيْنِ.
ومما يخفى على كثير من المصلين الذين يصلون وهم جلوس أنه إذا عجز القيام فإنه يجلس عن القيام والركوع والسجود وهذا خطأ كبير.
فمن كان عاجزاً عن القيام جاز له الجلوس على الكرسي أثناء القيام ، ويأتي بالركوع والسجود على هيئتهما ، مثل من لديه ألم في رجله أو ظهره ولا يستطيع القيام طويلاً فهذا يكبر تكبيرة الإحرام وهو واقف مستند على عصى أو عكاز ثم يجلس على الأرض وهو الأفضل أو على كرسي فإذا ركع الإمام يقوم ويركع معه وإذا سجد ينزل من كرسيه ويسجد معه.
لأن العذر كان عن القيام فقط وليس عن القيام والركوع والسجود.
فإن استطاع القيام وشقَّ عليه الركوع والسجود : مثل من لديه ألم أو مرض في جبهته أو عينه يستطيع القيام ,
فيصلي قائماً ثم يجلس على الكرسي عند الركوع والسجود ، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه .
فاللهمَّ ارزقنا الفِقهَ في الدِّينِ واتِّباعَ سيِّدِ المُرسلَينَ، اللهمَّ اجعلنا وذُرِّيَاتِنَا مُقيمِي الصَّلاةِ على الوجهِ الذي يُرضيكَ عنَّا، رَبَّنا، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.
وارزقنا صحة الصلاة وإقامة عمود الدين، وأَنْ يَفْقِهَنَا فِي صَلَاتِنَا، وَأَنْ يُعِينَنَا وَإِيَّاكُمْ عَلَى تَصْحِيحِهَا، وَأَنْ يَتَجَاوَزَ عَمَّا وَقَعْنَا فِيهِ مِنْ أَخْطَاءِ، إِنَّهُ وَلِيَّ ذَلِكَ وَالقَادِرُ عَلَيْهِ..
اللهمَّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات اغفر لنا ولوالدينا ولجميعِ المُسلِمينَ،
اللهمَّ وفِّق ولاتَنَا لِمَا تُحبُّ وتَرضَى أعنهم على البرِّ والتَّقوى أصلح لهم البطانة وأعنهم على أداءِ الحقِّ والأمانة،
وَأَجْعَل هَذَا البَلَدَ آَمِنًا مطمئناً وَجَميعِ بِلَادِ المُسْلِمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ
اَللَّهُمَّ أَعَزَّ الإِسْلَامُ وَالمُسْلِمِينَ، وَأُذِلَّ الشَّرَكُ والمشركين، وَاحِمُ حَوْزَةِ الدِّينِ،
اَللَّهُمَّ اُنْصُرْ إِخْوَانَنَا فِي الشام وَالعِرَاقِ وَاليَمَنِ وَفِلَسْطِينَ وَبُورْمَا وَفِي كُلِّ مَكَانٍ اللهم أنصرهم وثبت أقدامهم
اَللَّهُمَّ اُنْصُرْ المُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِكَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَثَبَّتَّهُمْ عَلَى كَلِمَةِ الحَقِّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ..
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
(اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
[العنكبوت: 45].
المرفقات
أخطاء شائعة في الصلاة.docx
أخطاء شائعة في الصلاة.docx